|
الســلاح البــارد/عبدالله علقم
|
من لوازم حريتنا وجود حرية الآخر، وإن من جماليات هذه الحرية التعبير عنها برقي وسمو بوصفها من الأحلام الجميلة الموعودة، كما قال المفكر اليمني الدكتور عبدالعزيز المقالح في مؤتمر صنعاء حول الديمقراطية والإصلاح السياسي وحرية التعبير، باعتبار أن "حرية القول إذا ما شاعت في مجتمع فإنها تهيء المناخ لوجود الحريات الأخرى،وإذا ما اختفت الحريات الأخرى واستمرت حرية القول فإن حرية القول ستكون قوة فعالة لاستعادة الحريات الغائبة". ويؤثر عن المفكر الإنجليزي شريدان قوله " خير لنا أن نكون بدون برلمان من أن نكون بلا حرية صحافة، الأفضل أن نحرم من حق اختيار وزرائنا ومن حريتنا الشخصية ومن حق التصويت على فرض الضرائب، على أن نحرم من حرية الصحافة، ذلك أنه يمكن لهذه الحرية وحدها،إن عاجلا أو آجلا أن تعيد كل الحريات الأخرى". يقول الكاتب السوري أحمد مظهر سعدو أن الكلمة "ستبقى وعلي مر الزمان فعل مضارع وكذلك فعل مستقبل، وليست مبنية للمجهول،ولا نائب فاعل، بل هي الملاذ، ملاذ الشعوب نحو تحقيق أهدافها ومراميها، تنبت منها وعبرها شقائق النعمان، والخزامى، وزهرة الياسمين.. الكلمة فعل مقاوم، وفعل باق واستمرار للوجود الإنساني وحفر في الصخر الصلد على مدى الأيام، وفي مواجهة كل أنواع المنع والقهر وكم الأفواه. وإذا ضاقت مساحة حرية الكتابة التي تخضع في كثير من الأحيان لمزاجيات وإملاءات مختلفة،وضيق الحريات في العالم الثالث هو الإطلاق، وبسطها هو الاستثناء،إذا ضاقت هذه المساحة تنتقل الكلمة،وقد انتقلت فعلا، إلى ساحات الحرية المطلقة بلا رقيب في فضاء الشبكة العنكبوتية وفي مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما في وجود شريحة كبيرة من المتابعين والمتفاعلين بشكل أكبر من المتاح في الصحافة الورقية، كما ترى الكاتبة براءة الموسى.في غياب الحرية،التي أصبحت تقاس بالمساحات، تصبح الخيارات أمام الكاتب هي الصوم عن الكتابة، أو السباحة في الفضاءات الإسفيرية حيث الصدق والكذب والحقيقة والشائعة جنبا إلى جنب، أو يلجأ للخيار الاسوأ فيستيقظ الرقيب النائم داخله ويعمل مقصه بنفسه في ما خطته يداه (بيدي لا بيد عمرو)، كالحلاق أو مصفف الشعر، وعندما ما يفرغ من عملية الرقابة الذاتية،أو التدجين الذاتي المتراكم، يجد أمامه نصا جديدا مختلفا تاما عن نفس النص قبل القص والتزيين، فتتوه الحقيقة ويتوه الكاتب ويتوه القاريء الذي لا يحصد في نهاية المطاف سوى الهشيم، وفي نفس الوقت يغرق الكاتب في بحور الإحباط والتعاسة التي تقتل الإبداع في نفسه. من فضائل القلم الحر أنه يمنع الكارثة قبل وقوعها، ويجعل من عملية إهدار المال العام،مثلا لا حصرا،وكل القيم المجتمعية أمرا عسيرا إن لم يكن مستحيلا، ويجبر كل من هو في موقع مسؤولية على التردد ألف مرة قبل الإقدام على ارتكاب الخطأ المتعمد. هو سلاح بارد أو قوة ناعمة رغم أنه لا حقوق له ويواجه حروبا شرسة من عدة أعداء، كل عدو له منطلقه، ولهذا كلما جاء الحديث عن رفع سقف الحريات، سبقه أو تزامن معه الحديث عن الضوابط، رغم أن الأصل هو الحرية على إطلاقها. نفس الجدل القديم المتجدد.. البيضة قبل الدجاجة أم الدجاجة قبل البيضة.. الحصان أولا أم العربة. تغييب أو تنكيس السلاح البارد يجرد المجتمعات من أقوى أسلحتها وأكثرها فاعلية في مواجهة طوفان الهوس والشر، في كون لا يتوقف عن الحركة والدوران من حولنا، وأنهار لا تلتفت للوراء. (عبدالله علقم) [email protected]
|
|
|
|
|
|