|
السعودية و السودان و الضرب تحت الحزام زين العابدين صالح عبد الرحمن
|
السعودية و السودان و الضرب تحت الحزام زين العابدين صالح عبد الرحمن في الأول من شهر مارس الجاري، بدأت البنوك السعودية إقاف تعاملاتها المصرفية مع البنوك السودانية، و كان بنك السودان قد تلقي إخطارا رسميا من المملكة العربية السعودية بإقاف كافة التحويلات و المقاصات بين بنوك البلدين، و لم تكن بنوك المملكة العربية السعودية وحدها هي التي أوقفت تعاملاتها، و أيضا عدد من البنوك الغربية، هذا خلافا للمقاطعة الأمريكية، و الإجراء السعودي في وقف التعاملات البنكية مع السودان هو إجراء سعودي، يختص بالسياسة السعودية، و ترتيب أوراقها في المنطقة العربية، و منطقة الشرق الأوسط، و ليس خافيا علي أحد هذا الإجراء السياسي، و معركة المملكة السعودية مع تنظيم الأخوان المسلمين العالمي، و بكل فروعه في المنطقة، و الذي برز بصورة قوية في مصر، و وقوف المملكة مع المشير عبد الفتاح السيسي ضد تنظيم الأخوان، و إقالة الدكتور محمد مرسي، هذه المعركة تستهدف كل تنظيمات الأخوان، و أيضا النظام السياسي في السودان، خاصة بعد إسقاط نظام الأخوان في مصر، و الخوف أن يكون السودان مأوي لفلولهم الهاربة، خاصة إن نظام الحكم في الخرطوم، كان قد هلل و رحب بفوز الأخوان في مصر، و قد زار مرشد الأخوان و رئيسهم مرسي الخرطوم، بدعوة من نظام الحكم، و تبرع الرئيس البشر ب 20 ألف رأس من الأغنام لمصر، و مئات الآلاف من الأفدنة الصالحة للزراعة، إلي جانب الدعوة لبناء علاقات إستراتيجية بين النظامين، مما يؤكد إرتباط النظام في السودان بالتنظيم العالمي للأخوان المسلمين. لم يكتف نظام الخرطوم بالعلاقة مع تنظيم الأخوان في مصر، و لكن الرئيس البشير في إحدي لقاءاته و خطبه الشعبوية، أكد علاقتهم بالتنظيم الإسلامي في ليبيا، و كيف أنهم إستطاعوا إرسال معدات عسكرية لهم في حربهم ضد حكم الرئيس معمر القذافي، و هذا يدل إن النظام لم يقف عند حد الدعم المعنوي و السياسي، بل لا يتردد في الدعم العسكري، القضية الأخري، و الأشد تعقيدا، علاقة نظام الحكم في الخرطوم بإيران، و هذه أيضا تمثل أحد الإشكالات للمملكة العربية السعودية، هذا إلي جانب موقف النظام تاريخيا من حكام المملكة في تسعينات القرن الماضي، و كتابات يونس محمود التي كانت تذاع في الإذاعة السودانية، ثم وقوفهم إلي جانب العراق في حرب الخليج الأوليأبان غزو الكويت، كل هذه تؤكد إن نظام الحكم في الخرطوم غير مأمون الجانب، و بالتالي في أجندة المملكة و في صراعاتها في ترتيب المنطقة الجديد، أن يرحل هذا النظام أو يجب أن يتفكك. كل ما ّذكرناه يعد جزءا من تاريخ الممارسة لنظام الحكم، و المملكة لم تقطع علاقاتها و لم تفرض عليه ضغوطات ما هو الشئ الذي استجد و جعل المملكة تتخذ هذا الموقف الضاغط علي حكومة الخرطوم؟ هناك معلومات إستخباراتية وردت للمملكة العربية السعودية، إن التنظيم العالمي للأخوان المسلمين، قرر دعم نظام الخرطوم، و الدفاع عنه حتى لا يسقط، ولكي يكون هو نقطة الإنطلاق لبناء و تجديد التنظيم و مساعدة التنظيمات الأخري، و التي تواجه مشاكل و مطاردات في بلادها، و هذا لا يتم إلا بوحدة الحركة الإسلامية السودانية، و إيجاد مناخ صحي لتوحدها، و إعادة بناءها من جديد، و تهيئة البيئة السياسية في السودان لها لكي تعيد ذاتها، و في نفس الوقت تتصالح مع القوي السياسية الأخري، و كما ذكرت في المقال السابق الذي كان بعنوان " السعودية و قطر علي حافة الحرب و السودان ليس ببعيد عنها" إن جريدة العرب التي تصدر في لندن، و هي مقربة من القيادة السعودية، ذكرت إن دعوة الرئيس السوداني للحوار الوطني، هي ترتيبات حدثت في قطر، و بالتالي هذه الإشارة من الصحيفة رسالة للنظام في الخرطوم، إن المملكة متابعة و علي دراية تامة بجميع المخططات التي تحدث داخل التنظيم العالمي للأخوان المسلمين، و لكن المملكة نفسها تقديرا لشعب السودان،تريد أن يكون الحوار الوطني الذي خطط له في الدوحة، هو سببا في تفكيك دولة الأخوان في السودان، من خلال ممارسة أكبر قدر من الضغوط الاقتصادية، و خنق النظام حتى يقدم أكبر تنازلات ممكنة، تؤدي إلي أن يكون جزءا من الحكم و ليس بيده القرار. و بدأت الضغوط السعودية علي السودان، بعد وصول البوارج و الفرطاقات الإيرانية لميناء السودان، حيث منعت طائرة الرئيس السوداني عبور الأجواء السعودية، أوقفت المملكة كل مساعداتها المالية للسودان، رفضت الخارجية السعودية كل الطلبات المقدمة من نظيرتها السودانية لترتيب لقاءات بين المسؤولين في لبلدين، و كانت أخرها رفض وزير الخارجية السعودي مقابلة الرئيس البشير في الكويت، ثم تصفية العمالة السودانية في المملكة و كان الإجراء يستهدف غير المقيمين و بقايا الأخوان المسلمين السودانيين، و أختتم الآن بوقف كل التعاملات البنكية بين البلدين، و هذا يعني وقف جميع التعاملات المالية و التجارية بين البلدين بما فيها الاستثمارات السعودية في السودان، و المملكة لن تقف عند هذا الحد، أيضا سوف تشير إلي حلفائها في دول الخليج، خاصة في دولة الأمارات العربية المتحدة و البحرين و الكويت، إن يحذوا حذوها، و هي سوف تكون الرسالة الأشد قسوة علي الخرطوم. في تصريحات قوية للأمير نايف بن عبد العزيز و وزير الداخلية السابق، قال في لقاء مع جريدة " السياسة الكويتية، إن كل الأزمات التي تمر بها المنطقة، و العنف المنتشر هو من أفعل جماعة الأخوان المسلمين في المنطقة، و قال إن المملكة رغم أنها قد أوتهم و قدمت لهم الملاذ بعد ما إضطهدتهم دولهم، و عذبتهم و شردتهم، و لكنها لم تجد غير نكران الجميل، و قال إن قيادات الأخوان مثل الدكتور حسن الترابي و راشد الغنوشي , نجم الدين بربكان قد وقفوا مع طغيان صدام و إحتلال الكويت عام 1991، و ظلوا يمارسون العداء ضد المملكة، و سخروا إعلامهم و مقالاتهم ضدها. في الإسبوع الثاني من شهر فبراير الماضي، سافر الأمير محمد بن نايف بن العزيز إلي واشنطن، و إلتقي بعدد من المسؤولين الأمريكين في القطاع الأمني و المخابراتي، و أيضا في القطاع المالي، و معروف إن الأمير محمد بن نايف هو الذي يمسك بملف التطرف و الإرهاب في المملكة، و قد نجح الرجل في مهمته خاصة داخل المملكة، حيث كانت الملفات الخارجية للمملكة في يد الأمير بندر بن سلطان رئيس جهاز المخابرات، و هناك إشارت كثير تقول إن جهاز المخابرات سوف يكون خاضعا لوزارة الداخلية، حيث إن الأمير بندر ظل غايبا بسبب مرضه، المهم في الموضوع، إن الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية التقي رئيس وكالة الأمن القومي الأمريكي الفريق كيث الكساندر، و رئيس المخابرات الأمريكية جون برينان، و وزير الخزانة الأمريكي جاك ليوي، و نائبه و وكيل وزارة المالية، و هذا يؤكد إن مقابلة الأمير محمد بن نايف لوزير المالية و طاقمه، هي لها علاقة بقرار المملكة وقف التعاملات البنكية مع نظام الخرطوم, و ربما تتبعها إجراءات أخري، بهدف التضييق و الضغط علي نظام الخرطوم، خاصة إن القيادة السعودية قد فقدت الثقة تماما مع نظام الخرطوم، و و صلت إلي قناعة برحيله مثل النظم الأخري، أو تفكيكه حتى لا يكون للأخوان اليد العليا، و أصبح نظام الإنقاذ في أجندة الملفات الخارجية للمملكة العربية السعودية، و هي سوف لن تكف في استخدام كل كروت الضغط التي تمتلكها، إضافة إلي إقناع حلفائها بالوقوف معها في هذه المعركة الإستراتيجية لترتيب المنطقة وفقا للرؤية السعودية، خاصة إن السعودية تقود معركتين في وقت واحد، ضد الجمهورية الإيرانية و وقف تمددها في المنطقة، و ضد قطر التي تدعم بقوة تنظيمات الأخوان المسلمين، و حكومة الإنقاذ لها علاقات قوية مع إيران و قطر، و بالتالي تنظر إيها المملكة أنها في الجانب الأخر المواجه للمملكة، وفق هذا التصور، كان نظام الإنقاذ في الملفات التي حملها وزير الداخلية السعودي معه إلي واشنطن، و أول نتائجها وقف التعاملات البنكية. في جانب أخر نجد إن الولايات المتحدة تمارس ضغوط أخري علي نظام الخرطوم لكي يقدم أكبر تنازلات، و في إفادت المبعوث الأمريكي للسودان أمام الكونجرس قال ( يجب أن نوصل حث المجتمع الدولي و الإقليمي إلي طاب الحكومة السودانية للتعاون الكامل مع محكمة الجنايات الدولية، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1593، و أيضا طالب بعدم السماح لحكومة الخرطوم بتصوير القضايا الوطنية كنزاعات إقليمية معزولة، و يجب أن يتوحد الموقف الدولي من السودان) و هذا يؤكد ممارسة أكبر ضغط، علي النظام، حتى لا يراوغ، في جميع المحادثات الهادفة لعملية التحول الديمقراطي، و لا اعتقد إن الموقف الإمريكي بعيد عن موقف المملكة، و قد تمت مفاهمات بين الجانبين في هذا الصدد أثناء زيارة وزير الداخلية السعودي لواشنطن. و إذا رجعنا للتاريخ لنتبين العلاقات المتأرجحة بين الأخوان و المملكة، في بحث للدكتور هشام يونس بعنوان " علاقة الأخوان و السعودية و إيران و الحوثيين" يقول ( إن علاقة الأخوان بإيران منذ عهد سيد قطب و هي علاقة بدأت مبكرة من خلال الداعية الشاب الإيراني نواب صفدي، الذي أسس ما عرف إيرانيا " بجماعة فدائيان إسلام" تلك الجماعة الإيرانية تعتبر محاكاة حرفية لجماعة الأخوان المسلمين) و يضيف يونس قائلا ( تلقي صفدي دعوة من سيد قطب لزيارة مصر فزار علي أثرها صفدي كل من مصر و الأردن و من خلال هذه الزيارة التقي صفدي مع عدد من مفكري الحركة الإسلامية في مصر و الأردن و عاد إلي إيران متأثرا بالفكر التنظيمي للأخوان) و وقف الأخوان مع صفدي ضد الشاه و قدموا له الدعم . في هذا الأثناء تدهورت العلاقة بين الأخوان و السلطة في مصر، إثر محاولة إغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في الاسكندرية عام 1954، علي إثر ذلك أعدم سيد قطب مع بعض رفاقه، و اشتدت الحرب في اليمن و بدأت المواجهة بين جمال و الملك فيصل، و حضنت المملكة العربية السعودية الأخوان و دعمتهم بالمال، لمحاربة نظام جمال عبد الناصر، و استمر دعم المملكة للأخوان حتى حرب الخليج الأولي، في هذه الفترة، كان هناك حوار مفتوح بين قيادة النظام في إيران و الأخوان بعد قطع علاقات إيران مع إسرائيل، و تقديم الدعم لمنظمة التحرير الفلسطينة، ثم تحول الدعم لحركة حماس، و بسبب إن حرب الخليج الأولي قد استنزفت موارد دول الخليج، حتى إن المملكة بدأت تستدين من النظام العالمي، و بدأت إيران تقدم الدعم للأخوان المسلمين، الأمر الذي جعل الأخوان يتجهون بقوتهم لطهران، و تدهورت العلاقة مع المملكة العربية السعودية. بعد إقالة الدكتور مرسي و طرد الأخوان من السلطة في مصر، و بدأ المملكة العربية السعودية دعم النظام الجديد في القاهرة، الأمر الذي جعل التنظيم العالمي للأخوان يشن عليهاهجوما عنيفا، و أيضا الأخوان المسلمين في مصر و اليمن، ثم جاءت حرب السعودية ضد الحوثيين في اليمن، حيث امتدت الحرب داخل الأراضي السعودية، و وقف الأخوان بجانب الحوثيين ضد السعودية، في أثناء المعارك أصدر الأخوان في مصر بيانا، طالبوا فيه السعودية بوقف القتال ضد الحوثيين، و أيضا صرح الدكتور كمال الهلباوي المتحدث السابق للتنظيم العالمي للأخوان ( إن هناك فتاوي شاذة تصدر من علماء بالسعودية، تقول إن آراء الحوثيين فاسدة، و التعرض لمذهبهم) و كان علي بلحاج الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، دعا حكومتى السعودية و اليمن إلي وقف العمليات العسكرية ضد الحوثيين، و اعتبر إن السعودية تخوض حربا بالوكالة بالنيابة عن الولايات المتحدة ضد إيران) إن البيان الذي أصدره تنظيم الأخوان في مصر أعتبرته السعودية بمثابة إعلان بوقف الأخوان إلي جانب إيران في الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط، و بالتالي إتخذت المملكة قرارا بشن حرب ضد تنظيم الأخوان المسلمين، باعتبار وجودهم في السلطة في المنطقة سوف يكون خصما علي السعودية و حلفائها في المنطقة، و اعتبرت إن تنظيم الأخوان قد دخل مع إيران في حلف إستراتيجي، يحاولون ترتيب المنطقة علي أسس جديدة تستهدف كل النظم السياسية التي لا تروق لهم. و بالتالي أصبحت حرب السعودية علي الأخوان، أقوي من صراعها مع إيران في المنطقة، تأكيدا لذلك، في المعارك الأخيرة التي أدت إلي سيطرت الحوثيين علي معاقل آل الأحمر في منطقتي الخمري و حوث في محافظة عمران شمال اليمن، سكتت المملكة السعودية و لم تتدخل، رغم إن انتصارات الحوثيين علي قبائل حاشد، تعني القرب من الأراضي السعودية، و لكن يقول بعض المراقبين إن السعودية تعتقد إن معركتها مع الأخوان هي الأهم، و إن آل الأحمر يحتضنون تنظيم الأخوان المسلمين، و في ذلك كتب الكاتب اليمني محمد قواص يقول ( إن الصمت السعودي، و عدم التحرك لنصرة من يفترض أنهم حلفاء في ميادين محازية لحدودها مع اليمن، يطرح أسئلة حول حقيقة موقف الرياض مما هو مفترض أن يكون تهديدا إيرانيا لحدودها، و ربما ذلك الصمت ينزع عن الحلفاء تلك الصفة، و يؤكد امتعاض السعودية من الأخوان المسلمين في اليمن، و الذي يقود آل الأحمر حراكهم " حزب التجمع اليمني للإصلاح" و عدم إنزعاج الرياض من ضربة توجه لهم حتى من قبل الحوثيين) و فيما يخص السودان، إن المعركة السعودية مع الأخوان المسلمين و ليست مع الشعب السوداني، و هناك تنسيقا سعوديا امريكيا بما يخص القضية السودانية، في إزالة الأخوان من الحكم، حتى لا يكون السودان مأوي لأخوان مصر أو غيرهم، و لا يستبعد وقوف مصر مع المملكة في هذه المعركة، و الآن أصبح اللعب علي المكشوف، و لا اعتقد إن ما قاله القيادي بالمؤتمر الوطني الدرديري محمد إن هناك حوارات مفتوحة مع المملكة العربية السعودية من جوانب شتي، لمراجعة إجراءاتها، هذا حديث رجل لا يقرأ الواقع و مجريات الصراع في منطقة الشرق الأوسط، هناك ترتيب جديد للمنطقة علي رؤيتين، واحدة تمثلها المملكة العربية السعودية، و السودان بعيد عنها، و ينحاز لرؤية مخالفة تماما، و بالتالي أصبحت الإنقاذ، و لا أقول السودان جزءا من الصراع في المنطقة و إفرازاته، و نسأل الله إن يخفف علي شعب السودان.
|
|
|
|
|
|