|
الرقابة القبلية/عثمان ميرغني
|
بصراحة لم أفهم في أخبار صحف الأمس.. توجيه السيد نائب رئيس الجمهورية، بإيقاف (الرقابة القبلية) على الصحف من جهاز الأمن والمخابرت الوطني.. فهذه الرقابة أصلاً غير موجودة هذه الأيام، وآخر حملة رقابة (قبلية) أُوقفت قبل حوالي عام.. ربما يقصد السيد النائب إيقاف الإجراءات التي يتخذها جهاز الأمن بمصادرة الصحف من المطابع بعد طباعتها.. وهو إجراء غريب للغاية لأنه يوقع (غرامة) غير مدفوعة لأية جهة.. فكميات الصحف المصادرة تفسد دون أن تحقق فائدة لأي طرف.. تماماً مثل أن يذهب موظف المحلية إلى صاحب البقالة المتهم بارتكاب مخالفة فيأخذ منه (جوال سكر) ويفرغه في التراب أو في (البلاعة).. هنا تهدر الموارد في لا شئ.. وتصبح (العقوبة!!) لا معنى لها.. هذا علاوة على أن الدستور أصلاً لا يمنح أية سُلطة تنفيذية حق (العقاب).. الذي تحتكره فقط السُلطة القضائية. في تقديري من الأجدر.. وبأعجل ما تيسر.. أن يصدر توجيه لوزارة العدل بإيقاف (نيابة الصحافة) في الولايات.. ومنع وزارة العدل من فتح مزيد من نيابات الصحافة في بقية الولايات (على ذمة الخبر الذي انفردت به الزميلة آخر لحظة).. فهذه النيابات تهدد حرية الصحافة بشكل مباشر.. لأنها تمثل نوعاً من الإجراء (العقابي) أكثر منه العدلي.. ففي تجربتي الشخصية.. في مادة صحفية واحدة، فتحت ضدي ثلاث جهات ثلاثة بلاغات في نفس المادة الصحفية.. علماً بأن الثلاث جهات هم مجرد موظفون يعملون عند الجهة الشاكية.. أي أن المقصود مجرد (تكرار!!) لإجراءات القبض والتحري.. وكان في كل بلاغ يُلقى القبض علىَّ ويجري التحري معي.. وعندما وصلت البلاغات الثلاثة إلى المحكمة احتار القاضي فيها، وقال بكل غضب كلمة لا تزال ترن في أذني (هذا عبث!!).. وقام بضم البلاغات الثلاثة في بلاغ واحد.. احترام سيادة القانون يحرس الدولة قبل المواطن.. لأنه يوقر المرجعيات في نفس المواطن.. لكن إحساس الناس بأن (المرجعيات) يمكن التحايل عليها والإلتفاف حولها باستخدام (الإجراءات) سيؤدي في نهاية الأمر إلى (سيولة) قانونية تجعل الحد الفاصل بين الحق والباطل خطاً متعرجاً قابل للتطويع حسب الظروف.. هل تذكرون لعبة المادة (130) من قاون الإجراءات الشهيرة.. أحد وكلاء النيابة الأذكياء ابتكر حيلة لمعاقبة الصحف باستخدام هذه المادة.. وهي مادة قانونية تتيح – مثلاً- إغلاق مطعم بواسطة النيابة إذا ثبت أنه يقدم – مثلاً – طعاماً فاسداً.. من باب درء الضرر لحين الفصل في الأمر بواسطة القضاء.. فصارت الصحف تغلق تحت طائلة هذه المادة دون حاجة لقرار قضائي.. إلى أن أصدرت المحكمة الدستورية فتوى بعدم جواز إغلاق الصحف بهذه المادة.. بالطبع لم يكن وكيل النيابة بحاجة لانتظار فتوى المحكمة الدستورية لأنه يعلم أن الأمر لا يحتاج إلى فتوى.. الاتحاد العام الجديد للصحفيين يجب أن يخوض أول معاركه ضد نيابات الصحافة في الولايات..
|
|
|
|
|
|