فجعت ممّا كتبه نقيب الصحفيين السودانيين، الأستاذ الصادق الرزيقي أمس في عموده بصحيفة (الانتباهة).. سأنقل لكم فقرة واحدة على سبيل المثال (معركتنا منذ اليوم، ضد كل من يريد أن يكون مصير بلادنا هو الدمار والخراب، فلن نترك لهم سانحة لتنفيذ مؤامرتهم الدنيئة، ولن تكون خاتمة عملهم إلا السراب، فالسودان أقوى من كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، ولوثة الجنون التي تعتمل في صدور الخائنين..). الرزيقي هو نقيب الصحفيين، وهو من المعروفين بهدوء النبرة، وعقلانية المسلك، والقول، فإذا وصلت الأوضاع في السودان إلى حد أن ينزلق نقيب الصحفيين–شخصياً- في هذه المعركة العجيبة، فيمعن في استخدام ضمير المتكلمين (نحن) في مواجهة ضمير الغائب (هم).. فيصبح السؤال المرّ المحزن.. من هم (نحن)؟، ومن هم (هم)؟، وأين الحدود الفاصلة بين (نحن) و(هم)؟، وعلى أي دين تقتسم المصائر؟. حسب ما فهمت من مقدمة ما قاله الرزيقي أنه يقصد بـ (هم) الحزب الشيوعي السوداني.. وهنا تطفر المأساة... فالحزب الشيوعي هو شخصية اعتبارية مسجل رسمياً وفق دستور وقوانين السودان في مسجل الأحزاب.. فإذا كان هذا الحزب وقيادته يخططون لـ (الدمار والخراب) بنص ما قاله الرزيقي.. فالأولى وضع البينات أمام النيابة والقضاء؛ لأنها الجهة الوحيدة المخول لها تقدير معنى (كل من يريد ببلادنا الدمار والخراب)، والمفوضة بالمحاسبة، والعقاب، وليس نقابة الصحفيين، أو أية جهة أخرى عرفَّها الرزيقي بضمير المتكلمين في عبارة (معركتنا منذ اليوم). في مثل هذا الظرف الدقيق الذي تمرّ به بلادنا مطلوب أقصى درجات الرشد خاصة في مَن حمَّلهم الله مسؤولية وأمانة القلم والنطق بلسان حال المجتمع.. ما أسهل حمل أعواد الثقاب، وإشعال النيران بالكلمات المتفجرة.. فالذي يحدث الآن في السودان ليس فيه دماء ولا أشلاء.. هي معركة إعلامية محضة فضاؤها الأسافير بالحجة والفكرة والإقناع.. فلا أحد سيسجن الناس في بيوتهم يوم 19 ديسمبر القادم.. هي دعوة وجهها الشباب.. الآمر فيها هو القناعة الذاتية لكل مواطن.. إما أن يقبلها أو يرفضها بمنتهى الحرية التي رفع سقفها القرآن إلى حد (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..).. وما دام هي في حيز الاختيار الشخصي المحض فلماذا تقرع طبول الحرب المحملة بصرخات الويل والثبور ضد الآخر (هم)؟. تقسيم البلاد إلى فسطاطين متواجهين بحد السيف أمر خطير للغاية، حملات التخوين والتكفير الوطني تؤسس لحالة انفصام وتفاصل وطني محرقة لوحدة وتماسك البلاد.. مثل هذه المنعرجات التأريخية تحتاج إلى العقل والصبر على حصافة القول والفكرة.. و(في الليلة الظلماء يُفتقد البدر). altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة