|
الرئيس البشير و الرهانات الصعبة زين العابدين صالح عبد الرحمن
|
نقلت وسائل الإعلام و الصحافة السودانية إن الرئيس البشير أكد بعدم التراجع عن إطلاق الحريات بوصفها التزام سياسي و أخلاقي، و نقل إلي لجنة الحوار بين الحكومة و المعارضة المعروفة أختصارا ب " 7+7" تمسكه بما ورد في خطاب المائدة المستديرة، الذي كان قد القاه أمام القوي السياسية في السادس من إبريل الماضي، و الملاحظ إن حزب الأمة القومي و الإصلاح الآن لم يحضرا اللقاء، و توصل الاجتماع إلي تكوين لجنة سداسية " 3+3" من أحزاب الحكومة و المعارضة التي قبلت المشاركة في الحوار، مهمة اللجنة تحضير خارطة طريق للحوار، خلال سبعة أيام تعرضها علي لجنة السبعة المشتركة. إن الإشكالية التي تواجه الحوار الذي أطلقه السيد رئيس الجمهورية، إشكالية تكمن في العقلية السياسية السودانية نفسها، لأنها عقلية تمحور ذاتها في مسار ضيق جدا، هو السلطة و كيفية الحفاظ عليها، أو كيفية المشاركة فيها، و هذا الفهم القائم علي دوافع المصالح الحزبية و الشخصية ، لا يستطيع أن يدفع بالحوار إلي الأمام، لكي يسهم في حل جذور المشكلة السودانية، و أيضا المشكلة تكمن في الحزب الحاكم، من خلال سطوة الرئيس علي الحزب و الدولة، فالنخبة السياسية في المؤتمر الوطني هي نخبة تنفيذية، و النخبة التنفيذية توظف كل ملكاتها و قدراتها من أجل الحفاظ علي مصالحها الذاتية، لذلك لا تستطيع أن تتجاوز رئيس السلطة التنفيذية، و دائما تدور في فلك أفكاره ،حتى إذا كانت خاطئة، لذلك عندما أكد الرئيس أنه ملتزم بإطلاق الحريات السياسية، لم يجرؤ أحد أن يسأله و ما هو الذي يجري الآن من إعتقالات و مصادرة للصحف و توقيف لكتاب، أين الالتزام؟ حيث أن الحريات تراجعت بصورة أكبر من قبل إعلان الرئيس، أما إن يكون الرئيس غير متابع لما يجري في الساحة ،أو أنه يقيس قضية الحريات بتصوراته الشخصية و يعتقد ما يمارس الأن جزء من العملية التحاورية، و في كلا الحالتين يمثل خلالا لمسار الحوار. إن السيد رئيس الجمهورية بالفعل قد أعلن الحوار الوطني، و بالفعل أصدر قرارات بهدف تهيئة مناخ الحوار، و لكنها كلها أشياء منقوصة، الأمر الذي يؤكد أن هناك فهما خاصا للرئيس لعملية الحوار، و هي عملية محدودة بسقف، و يؤكد ذلك الرئيس نفسه، عندما قال إن حرية الصحافة لسيت مطلقة، و يجب أن لا تتجاوز الخطوط الحمراء، و تأكيده علي إن الانتخابات يجب أن تقوم في موعدها، و رفضه تكوين أية حكومة انتقالية، هذا الحديث يؤكد إن الحوار له سقف في مفهوم الرئيس الذي أطلقه، و القوي السياسية تفهم ذلك تماما، كما هو معلوم أن القيادات في المؤتمر الوطني لا تجرؤ أن تناقش الرئيس، و لا تملك من الشجاعة أن تقدم رؤيتها حول الحوار و حدوده، لأنها قيادات قد صنعت الإله الذي يحدد مسيرتها بنفسها، و صعب عليها التحكم فيه، فليس لديها القدرة علي صناعة الحدث، أنما تؤمر لكي تتفاعل معه، برؤية الرئيس و ليس برؤيتها هي، و رغم خطاب الوعيد و التهديد الذي درجت عليها و لكنها تعلم لا تملك إرادة الفعل في قيادات مدجنة، و الرئيس يعلم أنه يعمل مع قيادات معطلة الفكر و فاقدة البصيرة، الأمر الذي يجعله يتردد في مشروع الحوار الوطني، هو الأمر الذي فطنت إليه بعض القيادات و تحاول أن تتعامل معه برؤية مد حبال الصبر و الترغيب. هناك ثلاثة رؤي لعملية الحوار، لدي القوي السياسية التي قبلت الحوار السياسي من حيث المبدأ، رغم علمها إن المؤتمر الوطني غير جاد في عملية الحوار، أو بمعني أصح إن سقف الحوار محدود بتصور الرئيس لعملية الحوار، و الثلاثة رؤي يمثلها، رؤية السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، و رؤية غازي صلاح الدين الأمين العام لحزب الإصلاح الآن، و الإثنان قاطعا حضور اجتماع اللجنة السباعية، و رؤية الدكتور حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، و هذه الرؤي قد تتفق و تختلف في منهجياتها، و لكنها تحاول أن تحدث اختراقا في ذهنية الرئيس، و ليس المؤتمر الوطني، باعتبار إن الرئيس هو الذي يمثل السلطة السياسية للحزب الحاكم و السلطة التنفيذية. 1 – رؤية السيد الصادق المهدي: تعتمد الرؤية علي إيجاد ضمانات لعملية المحكمة الجنائية للرئيس، و تعهد من المجتمع الدولي يقوم علي تجميد مطالبات المحكمة الجنائية الدولية، إعفاء ديون السودان و رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، و هذه تشكل ضمانات للرئيس و بعض القيادات في المؤتمر الوطني، الهدف منها أن يقبلوا بتفكيك دولة الحزب، لمصلحة دولة التعددية، أي توسيع دائرة مخرجات الحوار الوطني و تعلية سقفه، و السيد الصادق المهدي متأثر بالعملية التصالحية التي حدثت في جنوب أفريقيا " الحقيقة و التسامح" باعتبار إن السيد الصادق يعتقد أن توجس الرئيس و المؤتمر الوطني من عملية الحوار مرتبط بقضية المحكمة الجنائية و قضايا الفساد و غيرها، و في ذات الوقت، إن السيد الصادق المهدي يريد أن يقول، أننا نحن نستطيع التفاهمات مع الخارج دون المؤتمر الوطني، لحل مشكلة السودان الاقتصادية ،و هذه رسالة أيضا للشعب أن استمرار المؤتمر الوطني في السلطة يعني تأزم العملية الاقتصادية و العيش في ضائقة تتزايد ليس لها فرجا، و أيضا حقيقة حديث السيد الصادق إن وجود الرئيس علي السلطة يعني عدم حل المشكلة الاقتصادية، و لا اعتقد إن ثدي دولة قطر قادر علي اشباع الشعب السوداني. 2 – رؤية الدكتور غازي صلاح الدين: هي رؤية من شقين، الأولي تحديد أوجه الهوية السياسية، خاصة إن حزب السلطة و حزب الدكتور غازي، لا يختلفان في المرجعية الفكرية، و يعتقد الدكتور غازي إن هذه المرجعية يجب أن يحدث فيها فرز قائما علي أعمدة فكرية واضحة، فيما يخص قضايا الحرية و الديمقراطية، و هذا الفرز يتم عبر موقف واضح لعملية بناء الدولة علي أسس جديدة، و يعتقد إن الفرز هو الذي يكون أداة ضاغطة علي المؤتمر الوطني في تقديم تنازلات، أهمها تفكيك الدولة من الحزب، و الدكتور غازي يعلم أن عملية التفكيك سوف تظهر القوة الحقيقية للحزب لذلك، قال الدكتور غازي صلاح الدين عقب اللقاء الذي تم بين حزبه و حزب الأمة القومي يوم الخميس الماضي ( إن الحوار إذا أريد له النجاح فلا بد من الاتفاق حول مضامينه و غاياته لأن الحوار الناجح هو الذي يؤدي إلي إعادة تأسيس بنية الدولة السودانية و التعاقدعلي اتفاق وطني يقيم دولة العدل، و ليأت إلي السلطة بعد ذلك من تقدمه مؤهلاته لدي الجماهير). و الثانية إن الدكتور يحاول أن يعري المؤتمر الوطني، بأنه حزب خالي من أية نخب فكرية، تستطيع أن تقدم أطروحات فكرية لمعالجة المشكل السوداني، و قد اظهرت 25 عاما إن النخبة الحاكمة نخبة خالية الوفاض لا تملك غير شعارات التي سقطت في الممارسة العملية. 3 – الرؤية الثالثة للدكتور حسن الترابي، و هي رؤية تقوم علي ثلاثة أعمدة أساسية، الأولي أن يتخذ الحوار طريقا لفك الارتباط بين الحركة الإسلامية و العسكريين، و إذا حدث ذلك سوف يتبن لكل منهما قوته الحقيقية، و بالتالي تتم عملية تجريد المؤتمر الوطني من أية مرجعية إسلامية، و تتراجع القيادات التي كانت قد غدرت بالرجل إلي المقاعد الخلفية، الثانية يعتقد إن أي تفكيك للسلطة و إسقاطها مضرا بالحركة الإسلامية جميعها، لذلك هو يبحث عن عملية إصلاحية في الدولة دون أن تفقد الحركة الإسلامية دورها القيادي في قضية الحكم، خاصة إن الأحزاب التقليدية بدأ ينحسر دورها السياسي في المجتمع، و حدثت تراجعات كبيرة في عضويتها، في هذا الواقع السياسي المضطرب يمكن أن تعيد الحركة الإسلامية إنتاج نفسها بصورة جديدة، في غياب و ضعف باين للقوي الأخري، لكن الدكتور نفسه يتخوف من التيارات الجديدة، إذا إستطاعت أن تقدم أطروحات فكرية تجذب بها قطاعات الشباب. الثالثة إن الدكتور التربي يعتقد إن العمل المسلح و تعبئة الجماهير ليس في مصلحة الحركة الإسلامية في ظل الهجمة التي تتعرض لها في المنطقة، لذلك إذا حدث الحوار تحت مظلة وطنية سوف يعطي الفرصة للحركة الإسلامية أن تقدم مبادرة،، ربما تكون مقبولة تخفف النزاعات و في نفس الوقت تؤدي للتراضي الوطني، و يساعد الحركة الإسلامية علي تجميع نفسها من جديد. هذه الرؤي الثلاثة هي التي تمثل الأرضية الفكرية التي تنطلق منها في عملية الحوار، و التي علي ضوئها قبلت الحوار الوطني، و لكن الشيء غير المتوقع هو عملية تراجعات النظام من قضية الحوار الوطني، هذه التراجعات يعزيها البعض لخوف يعتري قيادات المؤتمر من أن يجر الحوار لتغيير جوهري في السلطة، الأمر الذي يقدمهم لمحاكمات، إن كان بسبب الفساد الذي استشري في البلاد، و ضرب كل المؤسسات و لا تبرأ قيادات نافذة في الحزب و السلطة التنفيذية منه، و هذا الفساد يشكل إدانة كاملة للحركة الإسلامية، و إتهامات المحكمة الجنائية الدولية، لذلك تتضارب التصريحات في قيادات المؤتمر الوطني، و تحاول أن تتعلق بأهداب الحوارة مرة، و تارة أخري تنادي بالانتخابات، و هي تعتقد إن سيطرتها علي مؤسسات الدولة سوف يجعلها لا تخسر الانتخابات، إن كان بعمليات التزوير أو بغيرها، و هذا الذي يحدث في تصريحات الرئيس المتضاربة، في الحديث عن الحريات و الحوار و في نفس الوقت إن مؤسساته القمعية تمارس عكس ذلك، الأمر الذي يظهر النظام برأسين لا تعرف من هي الجهة التي تدير هذه العمليات، و لكنها حالة من الأضطراب المؤسسي ناتج عن ضعف النظام السياسي، و خاصة إن التحديات التي تواجه النظام ليس لديها علاج، إلا إذا غادرت منصة الحكم، الأمر الذي يجعل بعض القوي السياسية تحاول أن تقدم بعض الضمانات و لكن ليس عل صكوك بيضاء أنما بثمنها، و غدا لن يكون أفضل من اليوم لأهل السلطة، و نسال الله التخفيف علي الناس.
|
|
|
|
|
|