|
الذكري 59..ويسطر التاريخ مأساة شعبنا..النبوة الصادقة..!! بقلم عبدالوهاب الأنصاري
|
"أيها السادة".. أنتم تثيرون فزعي.. نعم أنتم تثيرون فزعي.."نهرو"..
باندوق أندونسيا العام 1955.. من ميلاد السيد المسيح عليه السلام..و في حضرت وفود من 29 دولة.. من قارتي إفريقيا وآسيا.. ومن بينها السودان.. معظمها قاب قوسين أو أدني من نيل إستقلالها المزعوم.. رئيس وزراء الهند (جواهر لال نهرو) يّلقي كلمته الحكيمة المدهشة..أو قل نبوءته الصادقة.. في ثاني أيام مؤتمر باندونق التاريخي الشهير.. أدناه نبوءة.. الرجل الحكيم.. و قد تحققت جملة وتفصيلاً.. إذ تناسلت الأزمات وفاضت.. وصار حال البلد محنة.."حروب أهلية..إقصاء عرقي..وديني..وجهوي..وإزدياد وطأة الديون المنهوبة.. وإنهيار البنية التحتية وضمور في التنمية .. وتفشي المجاعات والأمراض.. وإنطبقت الكلمة على الواقع المأساوي الجحيم.. فإلي الكلمة لنقرأ ونستقرأ ونرى ما بنا الآن..
كلمة: نهرو: (("أيها السادة".. أنتم تثيرون فزعي.. نعم أنتم تثيرون فزعي.. وإلى درجة الموت.. إن كثيرين من أصدقائنا هنا يتحدثون عن الحرية والإستقلال.. كثيراً.. وخاصة رفاقنا في أفريقيا.. إنني عَدَدتُ كلمة "الحرية و الإستقلال" في حديث ممثلي الحركة الشعبية.. في كينيا، وروديسيا (زيمبابوي حالياً)، فإذا هي كثيرة، كثيرة جداً.. المندوب المُحتّرم.. من كينيا.. كررها تسع عشرة مرة.. ومندوب روديسيا، كان أكثر تواضعاً.. فقد كررها ست عشرة مرة فقط.. وليس بين الذين سمعتهم أمس، واليوم، من لم يُكررها.. عشر مرات على الأقل..
أريد أن أسألكم: ماذا تعرفون عن "الحرية والاستقلال"؟.. ماذا نعرف عن "الحرية والإستقلال"؟..
إذا تصورنا أنها إعلان المستعمر القديم بأنه سوف يسحب حامياته من أراضينا.. ثم يوقع معنا قصاصة ورق، فهذا هراء.. ذلك سهل، وهم على إستعداد لأن يفعلوه غداً.. ولكن ماذا بعد؟.. هل سألتم أنفسكم هذا السؤال؟!.. قلت لكم إنكم تثيرون فزعي، لأنكم لا ترون ما هو أبعد من مواقع أقدامكم... تشغلون أنفسكم باللحظة التي مضت.. وليس باللحظة القادمة.. تطلبون الإستقلال؟ حسناً.. وتطلبون الحرية؟.. حسناً جداً.. سوف يعطونكم ما تطلبون.. لم يعد في ذلك شك، لأسباب كثيرة..!!؟
أولها: أنه لم يعد في مقدورهم أن يسيطروا عليكم بقوة السلاح.. وثانيها: أنهم لم يعودوا راغبين في السيطرة عليكم بقوة السلاح.. فإنتشار الأسلحة الصغيرة بعد الحرب العالمية الثانية.. جعلكم أقدر على المقاومة المسلحة.. وإختلاف أوضاع العالم جعلهم في غنى عن إستعمال السلاح. إذن فإنهم سوف يتنازلون ويوقعون معكم قصاصات ورق تبين ذلك.. حسناً، ثم ماذا بعد؟.. سوف تتولون المسئولية.. وسوف تجدون أنفسكم رؤساء لشعوبكم.. لديكم قصور رئاسية.. وحرس.. وسيارات رئاسية.. وربما طائرات.. ليس هذا هو المهم!.. ولكن هل ستجدون لديكم سلطة رئاسات؟.. لست متأكداً.. سوف تجدون لأنفسكم سلطة على رعاياكم.. ولكن لن تجدوا لأنفسكم سلطة على غيرهم.. رعاياكم سوف يطلبون منكم (جوائز) الإستقلال، ومن حقهم أن يتوقعوا تحسناً في أحوالهم بعد الاستقلال..!!؟؟ فهل لديكم ما تعطونه لهم؟.. أشك كثيراً.. لماذا؟ لأنكم جميعاً منهوبون، ومواردكم منهوبة فعلاً.. أو هي مرتبطة بنظم دولية تواصل عملية نهبها. وإذا لم تكن لديكم سلطة غير سلطتكم على رعاياكم، وإذا كان هؤلاء سوف يطالبونكم بما سوف تكتشفون أنه غير موجود.. فماذا ستفعلون؟.. تغيرون إتجاه سلاحكم من أعدائكم القدامى.. إلى أعداء جدد سوف ترونهم داخل بلدانكم.. بعضكم قد يتحمس ويعلن أمامنا بأن لديه موارد ولكنها مستغلة من آخرين ولصالحهم.. وأنه ينوي إستردادها من أيدي غاصبيها.. حسناً.. فعلها "مُصَدَّق" في إيران وأمم البترول.. فماذا كانت النتيجة؟ وجد نفسه في طريق مسدود بالحصار، ثم وجد نفسه في السجن بالإنقلاب المُضاد..
إن مستعمريكم السابقين رتبوا أنفسهم قبل أن يوافقوا على الإستقلال، وأقاموا أوضاعاً جديدة تستبدل أعلامهم القديمة.. بأعلامكم الجديدة.. ولكن هل سيغير هذا من واقع الأمر شيئاً؟.. سوف تجدون أنفسكم أمام مشاكل، وسوف يندفع بعضكم إلى أن يطلب من صندوق النقد الدولي.. أو البنك الدولي قروضاً. فهل سألتم أنفسكم من هؤلاء.. الذين يسيطرون على صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي؟..نفس جلاديكم السابقين.. فأي وضع هذا الذي يستنجد فيه الضحية بالجاني..؟. لن تكون هذه هي المشكلة الوحيدة التي تواجههكم.. فحقوق الحرية التي ناضلنا من أجلها كأوطان.. سوف تحدث أثرها داخل هذه الأوطان نفسها.. بمعنى أن جماعات كثيرة.. وأقليات عرقية.. وعنصرية.. ودينية متعددة.. داخل أوطانكم سوف تطالب بحقوق في الداخل.. سكتت عليها لأنها إختارت ألا تكسر الوحدة الوطنية.. في ظروف المطالبة بالإستقلال. ولكنها بعد توقيع قصاصة الورق سوف تجد أن الفرصة ملائمة لتطالب بترتيبات خاصة.. نوع من الحكم الذاتي.. أو نوع من تحقيق الهوية الذاتية.. ربما يكون هناك تشجيع من قوى السيطرة القديمة.. فقد تعلمت بتجربتها أن تتعامل مع الأقليات من كل نوع..
أهذا كل شئ؟.. لا.. لأنكم سوف تجدون أنفسكم بعد الإستقلال في مشاكل حدود مع جيرانكم.. فخرائط معظم بلدانكم خرائط جديدة رسمها الإستعمار. في بعض مناطق أفريقيا تحددت الحدود بالنقطة التي وصلها رحالة من هذا البلد.. أو شركة من ذلك البلد.. ماذا ستفعلون؟ هل ستدخلون بعد الإستقلال في حروب مع جيرانكم؟.. مع بعضكم؟.. حسناً.. سوف نجد أنفسنا في سباق تسلح مع هؤلاء الجيران..
سمعت.. بعضكم يتحدث عن عضوية الأمم المتحدة.. وكأنها ملكوت الله.. تطلبون فتجابون!.. هل هذا صحيح؟ الأمم المتحدة بلا فاعلية.. ربما يقول: لي بعضكم إن دخول عدد كبير من الدول حديثة الإستقلال إليها سوف يحقنها بالفاعلية.. أخشى أن العكس سيحدث..!! أستطيع أن أرى المستقبل أمامي بوضوح.. حين يصبح عدد أعضاء الأمم المتحدة مائة وعشرين أو مائة وأربعين عضواً.. حسناً فليكن عددهم كذلك.. وليكن بينهم مائة دولة حديثة الإستقلال.. فما هو أثر ذلك؟ أثره كارثة محققة.. هل هي مسألة عدد أصوات؟.. وماذا سيفعل عدد الأصوات بالأمم المتحدة..؟
كيف يمكن أن تقبل الولايات المتحدة أن يتساوى صوتها مع صوت كوستاريكا.. أو يقبل الإتحاد السوفيتي.. أن تصبح قيمة صوته هي نفس قيمة صوت أفغانستان.. لن يقبلوا المساواة في عدد الأصوات.. أو في قوة الأصوات.. وبصراحة شديدة فإنني معهم، فالقوة الحقيقية في العالم لا يمكن أن تتحقق بعملية حسابية، تجمع أو تطرح فيها الأصوات
إنني لا أقصد أن أزرع الياس في نفوسكم، ولكنني أريدكم أن تستشعروا أن كلمة "الاستقلال" وكلمة "الحرية" ليستا تعبيرات "فرايحية"، وإنما أثقال ومسئولية، مسئولية مخيفة..))
* أعلاه مقتبس من "نبوة" (نهرو) رئيس وزراء الهند حينئذ. من خلال خطابه التاريخي "النبوة الصادقة" من حكيم الهند.. الذي ألقاه في مؤتمر باندونق.. وكأنه يستشف الغيب.. بعين وليٍ.. كشف عنه الحجاب.. ليصف لنا مستقبلنا.. وهذا بالضبط ما نشاهده عياناً بياناً.. في بلدنا السودان اليوم ويسطر التاريخ مأساة شعبنا بعد إستقلاله المتوهم.. الذي سنحتفل به غداً الخميس .. في 1/يناير 2015.. بمرور 59 عاماً.. بغثاثة الخطب المنبرية المتوهمة دموع التماسيح.
|
|
|
|
|
|