|
الذكرى الرابعة والخمسون لإستشهاد دكتور طه عثمان محمد بليه /ابراهيم طه بليه
|
بسم الله الرحمن الرحيم
قال كارليل العظماء – سواء كانوا شعراء أو مصلحين أو رجال أعمال أو رجال– دين ... هؤلاء الرجال فإنهم جميعا يحملون بين جنوبهم هذا السرالغامض – سر العظمه والبطوله – الذي تنزل عليهم واودع قلوبهم – فليسوا هم مخلوقات الظروف – وصنع الأحداث – وأنما هم الذين يخلقون الظروف ويصنعون الأحداث ويملون ارادتهم ويحققون مثلهم العليا.ثم يقول أيضا ... مثل هذا الرجل هو ما ندعوه بالرجل الاصيل الظريف – وهورسول موفد من المجهول اللانهائي يحمل إلينا الأخبار والبشائر – يحملها إلينا مباشرة من الحقيقه الداخليه الباطنيه للأشياء – وهويعيش متصلا اتصالا دائما بهذه الحقيقه ولا تستطيع الاشاعات الباطله والتخرصات الكاذبه أن تحجبها عنه – وأنه مقبل من قلب الوجود النابض – وهو جزء من الحقائق الأوليه للأشياء . ومثل هذا الرجل العظيم أو البطل لايستطيع جهل العصر الذي يظهر فيه- ونقائضه وعيوبه أن يشوه رؤيته الأصيله أو يمحو نضارتها وهو قد وصل الي حقيقة مجديه تهب القوة والحياة ... هذه الاقوا ل قالها كارليل في مقدمة كتابه عن رسائل كرومل الزعيم الانجليزي الشهير ... في تقديري تنطبق تماما علي الزعيم البجاوي د/طه عثمان محمد بليه مؤسس مؤتمر البجا في اكتوبر 1958 م . لأنه الزعيم الذي لم تلده ولم تبعثه المطامع وستظل ذكراه علي تراخي الحقب وتوالي الاجيال أنواط بالقلب وأعلق بالذاكره.... فزعامته أشبه بأصحاب الرسالات في تهيئة الفطره وثبات العقيده وعظمة النفس وإختيار االقدر ... فقد أ درك وهو في طراوة الشباب – زعامة الأمه - وخصومة أعدائها وكان في مقدوره إذا شاء أن يستغل هذه القوي في سبيل الثراءوالمناصب التي عرضت عليه بالسودان و في اثيوبيا وزيرا للصحه قبل عودته النهائيه .. ولكنه زهد في ذلك زهادة الحكيم- فعاش للمبدأ والفكره ومات للقدوة والعبره وقد قضي الصدق في الجهاد والاخلاص للمبدأ والثبات أمام أشد العقبات – أن يحرك ساكن شعبه بوجيب قلبه ويذكي صمود جيله بحرارة دمه ويضئ ظلام موطنه بوميض روحه ثم يموت رضوان الله عليه ميتة الشهداء. ولد طه عثمان محمد بليه في سنة 1920 م ... ولد البجا ومن أنسب البجا لبجا تسرر فيها أصيلا قدم تأريخها ... في منطقة أدارأويب غرب مدينة سواكن في بطن جبال الحر الاحمر الراسيات الشامخات - طبوغرافية قاسيه و عصية لغير أهلها وهي المنطقه التي شهدت دوراعظيما وفعالا في الدفاع عن الدين والوطن ودحر الغزاة الاجناب حيث شهدت أشد المعارك الحربيه ضراوة ودحر المستعمرين الاتراك
والانجليز ... يومئذ لم تهن البجا أو تتهاون ... قدمت مئات الشهداء من أجل الدين وكرامة الوطن بينما البجاوي اليوم مجهولا كخيالات تتردد في السمع وأصداء لماضي لن يعود أبدا – بطولات ماتبقي - ذكري علي أمجاد شاهده لمعارك عظيمه قادها قائد فذ جاهد ودعا – قاوم وصمد – تقدم وانتصر بسيف الحق علي الباطل أن الباطل كان زهوقا – إنه القائد الشهيد عثمان ابوبكر دقنه .وهذا مايؤكد إن البجا لم تشغلهم دنياهم عن دينهم وهم وحدهم الذين لا تختلج حواسهم لمقدم أجنبي ولايزول توترهم لرحيله ولايهبون وقوفا لرؤيته – يجاهرون بما هو حق في مواجهة كل باطل ولا يطأطئون الرأس. والتاريخ يشهد ان الموؤخ السوداني تناسي معارك الشرق (شرق السودان)خاصة معركة تاماي الفاصله بهزيمة المستعمر البريطاني وافشال مربعه الشهير بينما امتدح معركة أم دبيكرات بكل ما فيها من فشل و هزيمة امام ذات المستعمر. والده المربي العظيم عثمان محمد بليه – المدرس والناظر والمفتش وكبير مفتشي التعليم – قضي حياته يمحو الجهل ويزرع الوعي بكل مناطق مديرية كسلا - بالشماليه خاصة في منطقة ... مروي الي ان احيل للمعاش بوظيفة كبير مفتشي التعليم بوزارة المعارف السودانيه . لعل أول انسان استمد منه د/طه بليه- أول مقومات شخصيته الروحيه – هما والديه وبصفه خاصة والده المرحوم المربي عثمان محمد بليه – خيرة الاباء الذين يحسنون تربية ابنائهم وقد اتخذ من القصص الديني والوطني سبيلا لغرس الفضائل والمثل العليا في نفوس أولاده – حينما كان يجمعهم حوله كل مساء في المنزل- فكان الابن طه عثمان بليه يلتقط كل هذه الاقاصيص علي لوحة ذهنه الحاد المتوقد - فيضطرب لها خياله العصبي المشبوب – ولما كبر قليلا واتم دراسته الطبيه بكلية غوردون الطبيه الخرطوم - في العام 1946 م - في غضون هذه الفترة – اتيحت فرصتان لم تتح لغيره أبدا – الفرصه الاولي التخصص العلمي كإحصائي باطنيه من جامعة كمبريدج في لندن – حيث رأي ما رأي من نهضة وتقدم ورقي اجتماعي والثانيه أن اختيرالطبيب الخاص للامبراطور هيلاسيلاسي امبراطور اثيوبيا – بعد أن اشير اليه طبيبا نابغه أظهرالكفاءه والمقدره العلميه والعمليه – فأصبح ملازما له في كل جولاته الاقليميه والعالميه –وللاسفار فوائد جمه – أفادته كثيرا في حياته المهنيه والاجتماعيه والسياسيه المقبله. ومن سياق الاحداث وتفاعل الظروف بعد عودته النهائيه من اثيوبيا اتجه للجهاد والدعوه المثمره بالقلم واللسان وفرح بالتعاون الكبير الذ ي حصل ولم يفاجأ بخيبات الامل – فقد جاءت ثمرات العمل مجزيه وكانت اللحظات التأريخيه ... تلاحم القياده والقاعده ... صنع التاريخ السياسي للبجا في 13/ اكتوبر / 1958 م واعلان قيام تنظيم مؤتمر البجا .. . رؤية سياسيه وضعت الامه أمام مسئولياتها – أنه لاتهاون
ولاتفريط في حقوقنا التي كفلتها شريعة السماء وقوانين حقوق الانسان ... بهذا فتح طريقا – طريقا مجيدا للجهاد له ولمن بعده من أجيال امته البجا – بل فتح باب الأمل والرجاء في امكان تخليصهم من ظلام دامس أرخي سدوله علي مصيرها- ليترك مثلا حيا بالرغم من كل العوائق حتي لايترك ماضي البجا ومستقبلها في يد النسيان – ولكن القدر لم يمهله السنوات التي تمني أن يحياها – فالسنوات أصبحت تتلاشي والسعاده التي كان يطمع فيها بعد الكفاح المضني نالها – ولكن ليس في الدنيا بل كانت في الدار الآخره – بعد أن التف حول جثمانه شعب بأسره حتي حمل علي الاكتاف الي مثواه الاخير والجدير بالذكرأن وفاته حدثت بعيدا عن الدياروالاهل - بمدينة لندن في 16/أغسطس/1960 م. وللتاريخ وضع د/طه تحت الإقامه الجبريه ببورتسودان ولم يسمح له بالمغادره رغم اشتداد مرضه بعد انقلاب الفريق ابراهيم عبود في 17/ نوفمبر / 1958 م إلا بعد تدخل شخصي من الامبراطور هيلاسيلاسي لتلقي العلاج خارج البلاد . ان الحياة قيم ومبادئ وخير الناس من جاهد في سبيل أهله وعمل لخيرهم وناضل عن حقوقهم وأن روحه تتغذي من حبهم وبغير هذا الحب فلا معني للحياة ووهو حب عظيم يفيض علي المرء كل سلوي وكل سعادة فتأكيد الإنتماء لايحتاج التلقين والتعليم والارشاد - فواقع الحال يكفي حيث مجرد الانتماء – تسليما بوحدة من ينتمي إليهم بل تطوعا للفناءفي سبيلهم . ان ذلك ينطوي علي تحد هائل ولكن البجاوي يتفهم ويستيغظ حتي يظهر قدرة عجيبه علي التغلب علي أية صعوبه ولن يكون التحدي الحالي آخرالآمال – ولكن من المؤكد أنه الافضل بالظروف التي بالقائها علي كاهلنا فرصة ومسئوليه إنقاذ انفسنا من الكارثه الداهمه وبدفاعناعن حقوقنا الاساسيه فوق أرضنا – نحررأنفسنا من السيطريه المركزيه
د/طه عثمان محمد بليه ... مثل من أمثلة الوطنيه البجاو يه والقوميه ... تعلم منه الناس ما تيسر لهم أن يتعلموا ... فقد كان الفقيد ككل زعيم أصيل يتجدد كل يوم ويعلم الناس في كل جيل جديد ... وليس بالغريب فإن د/ طه بليه ... فعلا هو أول بجاوي أحس بالمعني الكامل للقوميه كعاطفة إنسانيه كبري ... تحرك الناس وتصنع التاريخ ويكفي أن نورد هنا كلمات قالها رفقاء دربه ... تعرفنا بإيمان هذا الرجل الذي علمنا الكثير من معني حب أمتتنا وحب ثقافتها . يمر الزمن – وتنسي الحوادث ... ولاينسي العظماء وذكراهم العظيمه التأريخيه الخالده فذكري قائد مؤتمر البجا هي من طبيعة الزعامه التي كان الفقيد رسولها وصاحب دعوتها ... لقد بزغت شمسه في عصر ادلهمت فيه الحواث ... وإعترت الامه البجاويه فترة ركود ... ركدت بأسبابها الهمم ... ووجمت النفوس ... وسكنت الالسن وسكنت الحركه .
ولكن لما كان للزعيم في الامة رساله ... تضع حدا فاصلا بين السنةواليغظه ...هب د/طه بليه ... يدعوالامه للمطالبه بحقوقها التي أخنت عليها سياسة المركز ... فقد كان حجة الامه البالغه علي باطل الذين رأوا أنها غير جديره بنعمة استقلال القرار... فقد وضع ورفاقه ... مبادئ تميط عن الطريق أذي الشك ... فيها خلاصهم واذي الاتهام لهم أن المناصب في ظل دولة مركزيه لاتليق بأصحاب المبادئ أن يتسابق إليها ... ووضع لأبنأء هذه الامه ثوابت من قواعد صلبه وشرع لها مبادئ تسير عليها في عرفان التمسك بحريتها وقرارها... فقد ادخره الله لزمنه الذي وجد فيه – كما يدخر الملهمون للأزمان التي يغضي أن وجدوا فيها – فبذغ بدرا ساطعا في عصر قلت فيه النجوم ... بل كان زعيم – قيم وأخلاق ومجتمع – كان بجاويا يقدس ماهوبجاوي ويفخر بإنتسابه إلي الأمه ذات الامجاد والتاريخ العريق – كان مؤمنا ثابت الايمان بقضيته- لم تفتنه عن جهاده المغريات ولا التلويح بالمناصب تارة وبمنافع أخري تارة اخري – ولكنه هزأ بكل ماهو بعيد عن الدفاع عن قضية الامه – فإن أبر رايات جهاده المبرر توحيد أهله البجا تحت راية واحده – فيومئذ فتح الله له باب الخلود علي مصراعيه- زعيما فذا – رسالته باقيه مابقيت هذه الامه ... نطق بحب أهله البجا وجاهد مركزية الدوله ولم يعبأ بالعقبات في طريقه ولكنها ذللها وضرب المثل للشباب في كل جيل بأن واجبهم وحدهم العمل في صفوف المجاهدين لقضايا أمتهم- فقد كان كريما أبيا لم يربح من وراء زعامته وقيادته في ميدان الجهاد مناصب أو جاها. لم يؤثر عن د/طه بليه في جهاده مهاجمة خصوم جهاده – فكانت زعامته رفيعة وآمنة ساميه – وضرب بذلك أروع مثل أخلاقي يقول عنه رفقاءدربه - قال ... أني أترفع عن أن ادافع عن قضية أمتي بالشتم والسباب وقد وضع للأمه المبدأ الذي يجب أن تترسم خطاه وتنتهج منهاجه في جهادها ضد من لايريدون الخير لها- وإن كل قول أو عمل يؤدي إلي اضعاف الروح الانتماء وإلي هدم كل أو جزء من ثقة الأمة بنفسها ومستقبلها هو أكبر أذي يصيب هذه الامه ولتكن الثوابت ... ان دولة المركز عارعلي الوطن وبنيه وإزالة العار من أقدس الواجبات . لكي تنمو الاتجاهات والتطورات التي تعود علي امتنا بالخير والرفاهيه – ولكي تأتي التجديدات بنتائج خصبه دائمه كان لابد من خطط حكيمه نسير وفقها ... لإن الحكومه والاحزاب لم تسستطع أن يرسموا هذه الخطط لاسباب مختلفه ولهذه الاسباب الغير مبرره أخذت قيادة مؤتمر البجا في العام 1958 م علي عاتقها في حزم وشجاعه ورسمها بنفسها – لقد وضعوا المبادئ ورصفوا الطريق وايغظوا البجا من سباتها وأبانوا لها واجبها القومي تجاه نفسها – فقد تم الاستيغاظ سريعا بعد ماكان ناقصا – فرفعت الناس رايةالحرية والعدل والمساواه وقدموا الشهداء ... لقد صاغت ضمائرهم علي شكل المبادئ – فقد رصفت لهم الطريق الذي يحقق رقيهم ورفعتهم – تبعث فيهم قوة الايمان والشعور بالفضائل والاهتمام بمستقبلهم – كأن تستحلف امة البجا
ليبرهنوا بإتحادهم علي انهم جديرون بحقوقهم الشرعيه التي يطالبون بها. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد وهذا جزء يسير مما روي ... إن الذين تبرعوا بإمدادي بكثير المعلومات – هم رفقاء دربه ومما يسعدني أن استطيع الاعتراف بفضل عدد ممن قدموا لي المساعده وأن اذكر اسمائهم - فقد أسهموا بكرم بالمعلومه ولهم يرجع الفضل فيما ارويه ... رحم الله من مضي منهم وأطال عمر من بقي منه ....وأخص بالذكر المرحوم علي محمد إدريس - مدير التلغراف الانجليزي ومصنع عبده ربه للغلال فيما بعد - والمرحوم محمد مختار مصطفي المدير الاسبق لهيئة الموانئ البحريه - وأبو التعليم المرحوم محمد بدري أبوهديه - والناظر أليفاي - والسيد مصطفي مختارمصطفي ... فلهم التحيه والتجله.
عاش كفاح مؤتمر البجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا والمجد والخلود لشهدائنا الابـــــــــــــــــــــــــرار والعار العار للخونــــة والجبنـــــــــــــــــــــــــاء
ابراهيم طه ابراهيم ( بليــــه ) مؤتمر البجــــــــــــــــا - المكتب القـــــــــيادي 16/ أغسطس / 2014
|
|
|
|
|
|