|
الخرطوم عاصمة للثقافة العربية
|
أوراق سودانية ( 2) حسن أحمد الحسن / واشنطن
الخرطوم عاصمة للثقافة العربية
تتميز الولايات المتحدة الأمريكية بتعددها العرقي والثقافي والحريات الدينية والفردية التي نص عليها الدستور الأمريكي كمحصلة موضوعية للحرب الأهلية الأمريكية التي شكلت مخاض الميلاد للولايات المتحدة الأميركية التي تتربع علي عرش العالم اليوم هذه الثقافات المتعددة وهذا المهرجان الشعبي لمهاجرين العالم وخصوصياتهم الثقافية والدينية لم يتناقض في الواقع مع سيادة وسريان الثقافة الغربية بزخمها الإعلامي والتكنلوجي وسيطرتها علي وسائل المعرفة وتدفق المعلومات بأعتبارها قد أضحت ثقافة قائدة بمقوماتها المادية والتكنلوجية وبريقها الدعائي وصمود مفرداتها وقدرتها علي التعاطي مع إيقاع العصر لم يقل أحد إن الثقافة الغربية الأمريكية قدإستعلت علي الثقافات الأخري داخل الولايات المتحدة بأعتبارأن لكل ثقافة مقوماتها وقدراتها علي التميز والبقاء أو التراجع أمام زخم الآخر والإندثار هكذا يحاول الهنود الحمروشعوب الكاريبي ولاتن أمريكا كما يحاول العرب والمسلمين إعادة إنتاج ثقافتهم ولم يمنعهم أحد بل تجد كل القوميات والثقافات المحلية الرعاية والدعم من أجل الإستمرار والصمود أمام هيمنة الثقافة الغربية بقراءتها الأمريكية فإذا كان هذا حال ثقافة قائدة في الغرب ,فإن الثقافة العربية بأدواتها اللغوية والقيمية والأدبية وثرائها الموضوعي الذي جعلها مؤهلة ليكرمها الله بالقرآن الكريم ليست في الواقع في نزاع مع ثقافات أخري محلية أو قطرية بل هي في تواصل مستمر مع كل الثقافات كثقافة قائدة علي الأقل في العالمين العربي والإسلامي ولايعني تألقها إستعلاءا علي الآخر مهما إختلف البعض في طرق التعبير عنها كما في الحالة السودانية حيث يحاول البعض تحويلها الي نزاع أو يتخذها البعض عدوا تفخخ له الخطب السياسية والثقافية . علي هذه الخلفية أن تكون الخرطوم عاصمة للثقافة العربية وهي تعاني بمضمونها المعنوي من حالة الشد والجذب في ضاحية نيفاشا حول هويتها ودلالاتها وملكيتها وأي زي تلبس وأي تسريحة شعر تختار وأي لغة تتحدث وأي عطر تستعمل وأي طريق تسلك هو بعينه التحدي الذي لايدانيه تحدي وعليها أن تستمد قدرتها علي التحدي من ثورة الفن والإبداع والأدب والفكر التي أنتجتها أجيال المبدعين السودانييين الثقاة الذين نهلوا من فيض الثقافة العربية الإسلامية وألتمسوا لها مفهوما سودانيا ثقافيا تجلي في منظومة القيم والإبداعات التي شكلت وجدان معظم أهل السودان . تستحق الخرطوم دون شك رغم تأثيرات الإستلاب الواقعة علي بعض المثقفين الذين خلطوا في مواقفهم بين رأيهم في النظام وإسقاط هذا الرأي علي موقفهم من الثقافة العربية الإسلامية أو لإعتقادهم أن توبيخهم للعروبة والإسلام بشكل عام يقربهم من الحركة الشعبية بأعتبارها قدأصبحت الراعي الرئيسي للعلمانية النافية لأي صبغة إسلامية أو مظهر يتعاطي مع أي مفهوم ينتمي للعروبة بعد أن وضعوا هذه المفاهيم في قفص الإتهام وحملوها مالا تحتمل . وللأسف فقد تطورت حالة مجاراة بعض المثقفين المتأثرين بمفاهيم بعض إطروحات الحركة الشعبية عن الثقافة العربية الأسلامية فيما يظهر في بعض كتاباتهم حتي أضحي إنتقاد مثل هذه المفاهيم سواء علي مستوي السياسة أو الثقافة أشبه بمقولات العداء للسامية التي يطلقها الصهاينة ضد كل مالايروق لهم وهولعمري خطل كبير . فلم تكن الثقافة العربية في يوم من الأيام في تضاد مع الثقافات السودانية المحلية الأخري بل كانت الواصل بينها والأكثر تعاطيا معها تلمسه في ثقافة السلوك والتواصل حتي أصبحت اللغة العربية الدارجة بمثابة المترجم بين اللهجات المحلية سيما في جنوب الوطن لأن العروبة في السودان عروبة ثقافية وليست عرقية يتندر عليها البعض من دعاة الأثننة والطلاءات العرقية الذين يعرقنون الواقع السكاني بشكلية تتجاوز المضمون . لذا مطلوب أن نفهم عروبة الثقافة في معظم السودان الجغرافي علي أسس ثقافية وليست عرقية تقتضي التنافس الجاف والتضاد الأعمي بأعتبارها ليست لون بشرة بيضاء أو سمراء أو شعرا مصففا كما تتجلي في مخيلة البعض .
وللخرطوم خصوصيتها الثقافية حين تتزين بتاريخ الدويلات الأسلامية التي ساهمت في إثراء الحضارة العربية والإسلامية منذ عهود التسامح الحسنوي الذي أرست دعائمه ديلوماسية عبدالله بن أبي السرح ولها أن تجعل من موروثها الصوفي الذي إستمدت منه منشورات المهدي بلاغتها فمزجت بين نار القرآن ونار الثورة في نيرفانا عابدة وظفت الأدب والثقافة كوسيلة للدعوة وإضاءة الآخرين . هي ذات الصوفية المعرفية التي روحنت الأدب فتجلي إبداعا في الشعر والنثر تجلت في روائع البرعي وحاج الماحي وود أبشريعة وغيرهم ممن وظفوا الأدب تربويا وتعليميا في خدمة مجتمعهم فإرتقوا بالثقافة والسلوك وأثروا ضروب الفن والإبداع .
لقد إستنكف البعض أن يكون ملتقي النيلين شمعة تضيء إسهامات بنيها وهي من أنجبت دهاقنة اللغة العربية وفطاحل الشعر والأدب العربي الذي تبدي في عطاء أجيال من النابهين الذين شكلوا وجدان الأمة بأضاءاتهم المميزة فنا وشعرا وأدبا وعلما لم تحده البلاد بل عم الأقطار والأمصار . فلنجعل من هذه المناسبة مهرجانا نسترد به نكهتنا وتتفجر فيه قدرات الخلق والإبداع والأمل أن يكون القائمين علي أمر الثقافة والإدارة في بلادنا علي قدر ماتوجبه المسؤلية ويحتمه الواجب . إننا نتطلع أن يستنفر الأدباء والشعراء والمفكرون والمثقفون من كل لون وميول لتزدهر ساحات الفن والإبداع وتنفض المؤسسات الفنية والأدبية عنها قيود القعود والإستكانه فكل ذلك لاينفصل عن نضالاتنا اليومية في وجه المعوقات والعثرات برغم توترات الواقع وحالة اللا حرب واللاسلم واللا إنفصال واللاوحدة فلنعين الوطن علي تقديم أنموذجه الخاص لحالته الثقافية المميزة ولاينال إحتفاءنا بالثقافة العربية من إعتزازنا بثقافاتنا الأخري .
|
|
|
|
|
|