لا أدري كيف وُفق (حُكماءنا) السياسيين أو من يدَّعون ذلك بالخبرة والمكوث القسري على سُدة قيادة الكثير من الأحزاب ، في أن يوطِّنوا عقولهم وأفئدتهم على القبول بالخديعة السافرة ، الخديعة السافرة هي تلك الأكاذيب التي لا يبذل صانعها أيي مجهود في إخفائها أو تلوينها أو التمويه فيها إحتراماً لعقول من إستهدفهم بنيرانها وعذاباتها ، أستغرب جداً أن يسمح بعض مُدعي الوعي السياسي والفكري والثقافي في بلادنا بتداول النقاش والجدال مع حكومة المؤتمر الوطني وهي تتوِّج نفسها راعية وداعمة للفكر الديموقراطي والتداول السلمي للسلطة ، وهي في نفس الوقت لا تبذل جهداً في إسدال السِتار على تاريخها الموثَّق والمفضوح والمقروء للداني والبعيد بوضوحٍ لا يقبل الشك في مجال الإنقضاض التآمري على منظومة الديموقراطية والحرية التي أنجزها شعبنا الأبي الصامد في أبريل 1985 ، ثم ما كان في سِجلها الحافل طيلة ثلاثين عاماً من الحكم القسري لهذه البلاد وشعبها بلا سند قاعدي يؤيد هيمنتها كما حدث في ثورة الخميني في إيران ، ولسان حالها يقول لشعبها وبقية الفرقاء من أهل السياسة (الزارعنا اليجي يقلعنا) ، ثم لم يبقى في خاطر الوطن والمواطن سوى ما بشَّروا به وأسموه المشروع الحضاري الجديد ، الذي ما لبثوا أن نفضوا أيديهم عنه وتخاذلوا عن سماته ومدلولاته وأهدافه عقب أول (هزة إقتصادية) وسياسية ألمت بالبلاد بعد إنفصال الجنوب ومناوشات الغرب الإنتقامية عبر أدواتٍ عدة أبرزها الحصار الإقتصادي والتلويح بمثول رأس الدولة أمام المحكمة الجنائية ، وعلى نفس المنوال الذي يمكننا أن نطلق عليه (لابد مما ليس منه بد) ، واصلت هذه الأمة في أحلامها الزائفة والسرابية فتفاعلت تحت ضغوط الحياة المتواترة مع ما كان يبثه الإعلام المُزيَّف والمُلَّجم بسطوة السلطان من بشريات تنموية وإنفراجية ظلت تعلنها ثورة الإنقاذ المزعوم في العديد من إحتفالاتها بيوم الثورة ، إلى إنقطعت عن ذلك منذ سنوات عدة وكأنها أيضاً دخلت في عِداد الصابئين وغير الواثقين باليقين من بُشرياتها وبعض أوهامها التي كانت يوماً ما (فاعلة) وقادرة على تخدير الناس بالقدر الذي يُخفِّف من إحساسهم بجراحهم وأحزانهم ، ثم ضاع الجنوب ذلك الحُلم الكبير الذي زرعته الإنقاذ في ضمائر الناس وأشعلت به جذوة الإيمان في قلوب بعضهم فقدموا دونه الدماء رخيصةً فداءاً للدين والوطن ، فكان ذلك آخر ما يمكن رسمه من حروف في سجل إيمان الناس ووثوقهم بما نضح به المد الحضاري الجديد ، وأطراف البلاد تشتعل حروباً ومآسي إنسانية في دارفور وكردفان والنيل الأزرق وجبال النوبة ، وحلايب والفشقة في فوهة البركان ، والفساد قد إستشرى أواره في كل مكان وزمان بإسم السلطة والتمكين والإنتماء السياسي ، ثم ما كان من أمر الغلاء والجوع ورفع الدعم عن التعليم والدواء والوقود وغاز الطعام ، ما زال بعض من يدعون الحكمة والخبرة بالتقادم والتسلُق في ميداننا السياسي يتجاذبون مع حكومة المؤتمر الوطني أطراف الحديث حول الحريات والتداول السلمي للسلطة والتنمية المُستدامة والإعتراف بالآخر والعدالة والمساواة ومُشكلات المواطن المُتعلِّقة بلقمة العيش الشريفة وحق أطفالنا في التعليم و التمتع بالصحة وحق شبابنا في الحصول على وظيفة وإستشراف المستقبل .. والله عجيب .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة