|
الخارجية السودانية و الانهزام أمام مجلس الأمن بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن
|
وافق مجلس الأمن بالإجماع لإعادة التحقيق في قضية اغتصاب 200 امرأة في قرية "تابت" بدارفور، متهمة فيها القوات المسلحة السودانية، و طالب المجلس حكومة الخرطوم بالتعاون مع بعثة التحقيق، و عدم وضع أية عوائق تعيق التحقيق، و قد رفضت الخرطوم طلب مجلس الأمن، و اعتقدت إن هناك مؤامرة تدبر لها داخل أروقة المجلس، و قال وكيل وزارة الخارجية السودانية السفير عبد الله الأزرق في مؤتمر صحفي عقد يوم الجمعة الماضي في الوزارة، و قال الأزرق ( إن هناك تصعيدا في مجلس الأمن تجاه السودان، حيث دعا مجلس الأمن في بيان صدر يوم الخميس الماضي السماح لبعثة لليونميد بالذهاب إلي تابت.. و نحن ننظر لهذا البيان بأنه محاولة لتهيئة الأجواء لمزيد من التصعيد و اتخاذ إجراءات ضد السودان و لا نستبعد شيئا من ذلك) و أضاف قائلا الأزرق ( إن محاولة إعادة التحقيق في مزاعم الاغتصاب الجماعي هو إذلال للدولة و انتهاك لحرماتها و ليس هناك حكومة محترمة تقبل بهذه الانتهاكات و الإهانة) و كان سفير استراليا الدائم في الأمم المتحدة و الرئيس الحالي لمجلس الأمن، قال في مداخل له في الحوار الدائر، إن وجود القوات السودانية مع المحققين قد أفقد التحقيق سريته المطلوبة. و في ذات الموضوع كانت المتحدثة السابقة للبعثة المشتركة من الأمم المتحدة و الاتحاد الإفريقي في دارفور عائشة البصري قالت عن التحقيق الذي كانت قد أجرته بعثة يوناميد حول اغتصاب 200 إمراة في قرية " تابت" بدارفور، إن إجراء تحقيق في وجود القوات المسلحة السودانية أسقط شرطا ضروريا هو " السرية" خاصة في جرائم مثل الاغتصاب، و قالت إن هناك إخفاء للمعلومات كما حدث من قبل ذات البعثة. إذن القضية التي يدور حولها الجدل، هي إن التحقيق الذي أجرته "بعثة اليوناميد" قد أجري بوجود القوات المسلحة السودانية المتهمة في القضية، الأمر الذي شكك في أن يكون التحقيق قد جري بصورة غير سليمة، و تقول الحكومة السودانية، إن وجود أفراد من القوات المسلحة مع البعثة كان بهدف حماية البعثة من الحركات المسلحة، و هنا أيضا يطرح سؤال مهم هل البعثة التي جاءت وفقا لقرار من الأمم المتحدة تحت البند السابع لا تستطيع أن تحمي المحققين؟ و هل الحكومة السودانية لم تكن تعلم إن وجود قواتها سوف يسبب لها حرجا مع مجلس الأمن؟ و القضية تنحصر في قانونية الإجراءات، و البيئة التي اجري فيها التحقيق، و هذا يعود إلي قصور حقيقي، من المؤسسات السودانية، و خاصة وزارة الخارجية و وزارة العدل، و كل الجهات ذات الاختصاص، و التي تعرف كيف تتم إجراءات التحقيق. و إذا كان بالفعل إن هناك مؤامرة تحاك في أروقة مجلس الأمن ضد السودان، فلماذا المؤسسات السودانية تعطيهم ذريعة لكي تكتمل أركان المؤامرة، و كانت قد ذكرت بعض القيادات إن الاتهام روجت إليه "إذاعة دبنقا " و قالوا هذه الإذاعة تقع تحت سيطرة الحركات المسلحة و شخصيات يسارية، فإذا كان الاتهام جاء من هذه الإذاعة كيف وصل إلي مجلس الأمن، و أين الدبلوماسية السودانية عندما كانت تتحرك الإجراءات داخل مجلس الأمن، و أين الشراكة الإستراتيجية التي تتحدث عنها قيادات الإنقاذ مع بعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، و إذا كانت الصين و روسيا تتفهمان وجهة النظر السودانية، لماذا صوتتا بإعادة التحقيق؟ باعتبار إن التصويت كان بالإجماع في مجلس الأمن. القضية الأخرى التي تثير التساؤل، إلي أين كانت توجه الرسالة الإعلامية عن القضية التي توجهها أجهزة الإعلام، هل هي موجه إلى المجتمع السوداني، أم هي رسالة للخارج؟ فالقضية خرجت من دائرة تبادل وجهات النظر، و أصبح هناك قرارا صادرا من مجلس الأمن بإعادة التحقيق في القضية مرة، باعتبار إن التحقيق الذي كان قد جري لم تكتمل شروطه، خاصة سرية التحقيق، حسب ما جاء في بيان مجلس الأمن، و هذا ما جاء علي لسان رئيس مجلس الأمن مندوب استراليا الدائم في الأمم المتحدة، و علي لسان الناطقة الرسمية باسم البعثة السابقة عائشة النصري، إلا إن الأخيرة تطالب بالتحقيق مع البعثة بسبب تقصيرها. و في إجراء تصعيدي طالب السودان من "بعثة اليوناميد" وضع إستراتيجية لمغادرة ارض دارفور، و السؤال موجه للدبلوماسية السودانية، هل مغادرة البعثة سوف يلغي القرار الصادر من مجلس الأمن بإعادة التحقيق؟ اعتقد إن التصعيد من قبل الخارجية السودانية تريد أن تغطي علي عجزها في إدارة القضية بالصورة التي تحفظ للبلاد كرامتها، و لكن دواعي التصعيد و الاتهام هذه محاولة لتغبيش الحقائق، و أيضا إن الاتهام عندما صدر ضد القوات المسلحة لم تكن الدبلوماسية تعلم إن الاتهام سوف تبني عليه إستراتيجية في محاصرة النظام، و سوف يصعد و يخلق حوله رأيا عاما في المجتمع الغربي، حتى يتم التحقيق حوله، و في كلا الحالات إذا برأ التحقيق القوات المسلحة أو جرمها يكون النظام في حالة دفاع و تنتزع منه عنصر المبادرة في إدارة المعركة. و كنت قد ذكرت في مقالات سابقة، إن الحكومة السودانية لا تستطيع إن تدير معاركها بجدارة خارج السودان، باعتبار إن السودانيين الذين غادروا السودان مجبرين أصبحوا أكثر قوة و حنكة و تأثيرا في إدارة الشأن الخارجي، و لن تستطيع الدبلوماسية، لأنها لا تملك القدرة علي التأثير في الرأي العام في الدول صاحبة الشأن في العلاقات الدولية، و هذه الأزمة لا اعتقد إنها في صالح النظام في السودان إذا لجأ إلي عملية التصعيد، و قد درج النظام علي الإثارة و الصيحات و العنتريات ثم بعد ذلك يتم التنازل و الخضوع، أعتقد هذا هو الغالب الذي سوف تسير عليه القضية، و نسأل الله يقي شعبنا شرور الساسة.
|
|
|
|
|
|