|
الحكومة بين خيارات الحرب والسلام أو تخلى النوبة عن الدولة السودانية !! بقلم آدم جمال أحمد– سيدنى–اس
|
سيدنى–استراليا ظلت قضية جبال النوبة تشكل دوماً إحدى الأجندة الحاضرة فى ملف السياسة السودانية ، وظلت مصطلحات (النعرة العنصرية ، المتمردين ، الانقلابات العنصرية … إلخ ) ، لم تبارح عقلية النخب وصفوة الشمال النيلى ، وأصبحت منطقة جبال النوبة تشكل رقماً مهماً فى رصيد المقدرة القومية للدولة لموقعها الجغرافى والإقتصادى وقوة دفاع وصمام أمان للسودان ، رغم ذلك إنسان جبال النوبة لم يجد الإحساس بمشاكله من قبل المسئولين في الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان سواء كانت مدنية أم عسكرية..؟! فظلت العلاقة بمنطقة جبال النوبة يعتريها الضعف وتخلف في البنية التحتية ، فالحكومات أسهمت بصورة أكبر في تخلف المنطقة بسبب الحرب المفروضة على الولاية ، فأصبحت تعاني من النقص الكامل في الخدمات الإنسانية والصحية والتعليمية .. فلا يوجد بولاية (جنوب كردفان) الى الآن مستشفي تخصصي واحد !! لأن الدولة تنظر للإقليم بالفهم الاقتصادي وفقاً لمصلحة المركز ضاربين بمصلحة أهل المنطقة عرض الحائط .. الاقتصادية والاجتماعية .. لذلك أصبح هامش التخلف يزداد إتساعاً في كل أرجاء الإقليم ، وهناك تعمد واضح وإستراتيجية من قبل الحكومة بسبب سياساتها الظالمة ونظرتها السالبة للنوبة (مواطنين درجة ثانية + متمردين) ، مما أقعدها في مجابهة ومعالجة قضايا جبال النوبة بالحكمة والمسئولية الوطنية وبإخلاص دون اللجوء للقبضة الأمنية والحلول العسكرية ، وخاصة ما ولدته هذه الأساليب من مرارات سياسية وإقتصادية وإجتماعية أقعدت كثيراً بنمو إنسان الإقليم ، مما جعله عرضة للتمرد وحمل السلاح بحثاً عن العدل وتحقيق التنمية السياسية والإجتماعية ، وإزاء هذا الواقع المرير الذى تعيشه المنطقة ، فإن قضية جبال النوبة تحتاج من الرئيس عمر البشير والقائمين على أمر البلاد لإعادة قراءة وفقاً للملامح الأساسية لمسبباتها ، بدلاً من الحشود العسكرية وعمليات الصيف الحاسم كما تدعى بحجة القضاء على التمرد وضرب مناطق النوبة ، فهذا لا يفيد الحكومة ما لم تعيد حساباتها وتحاول الجلوس مع الحركة الشعبية لحل القضية من خلال طاولة الحوار والتفاوض وفقاً لرؤية أبناء النوبة ، ولكن ما يجرى الآن له أثر كبير فى عدم إتاحة الفرصة لقراءتها بطريقة منطقية ، وخاصة بعد أن شرع الجيش والقوات الموالية للحكومة عمليات ما يسمى بالصيف الحاسم ، عبر عمل ممنهج ومنظم وفقاً لما هو مرسوم له بزعم كسر شوكة النوبة ، أي بمعنى أخر أن تشن الحكومة حرب مدمرة وشعواء في جبال النوبة وإطلاق نار مكثف من كل الجبهات ، هذا يكشف لنا حقيقة مفادها عدم مسئولية السلطة الحاكمة ، وتبين للجميع أن ديدن الحكومة هذه لمعالجة قضايا الوطن والمناطق الملتهبة فقط اللجوء الى الحلول العسكرية والأمنية ، وخاصة في التعاطى مع شأن قضية جبال النوبة ، وهذا بدوره سوف يقود الإقليم الى مزيداً من التردى والإنفلاتات الأمنية ، وبل إدخالها في أزمة سياسية عميقة بالغة التعقيد ومزيداً من الدمار والخراب والمأساة الإنسانية ، أكثر مما هو حادث الآن من إستهداف للمواطنين الأبرياء من الصفوة والمتعلمين والمثقفين والمساندين لموقف الحركة الشعبية من أبناء النوبة ، لقد طالتهم أيادى السلطة الحاكمة الغاشمة بالقتل والتشريد والإعتقالات الواسعة فى صفوفهم وتصفيات ونزوح وترويع دون تمييز أو مراعاة لأى جوانب إنسانية أو أخلاقية أو دينية ، مما خلق وضعاً مأساوياً بالولاية فى كل المدن والقرى ، بالإضافة الى حشدها لقوات ومليشيات من كل صوب ولكل صنوف الأسلحة وحتى المحظور إستخدامها عالمياً وهى تحاول أن تستخدمها وتجربها بالولاية في ساحات المعارك. فلذلك نؤكد بأن الحوار السلمى والتفاوض هما الوسيلة المثلى لحل كافة قضايا ومشكلات الوطن ، وإدراكاً منا لخصوصية وتمايز مشكلة جبال النوبة عن مشكلة أى إقليم آخر ، يتطلب الإعتراف من الدولة بقضية جبال النوبة كقضية من قضايا الوطن التاريخية ، والتى يتعين حلها عبر الحوار من أجل تكريس تعايش سلمى وإنجاز مستقبل مزدهر للمنطقة ، وإقامة نظام ديمقراطى يفتح الباب أمام التعددية ، ويستبعد أى شكل من أشكال الهيمنة الثقافية والعرقية ، فلذا النوبة لا يريدون حق تقرير المصير ولا يرغبون فى الإنفصال ، بل يريدون الحفاظ على ما تبقى من السودان ، والوحدة المبنية على العدالة والإعتراف بالتعدد والتباين الثقافى والعرقى والدينى ، وبحقهم فى المشاركة القومية فى السلطة والثروة ، وحكم ذاتى لإقليمهم ذو صلاحيات واسعة فى إطار دولة السودان الواحد لتحقيق مطالبهم العادلة وإزالة المظالم التاريخية التى لحقت بهم وبإقليمهم ، ، فلا يستطيع أحداً أن يقدح في حب النوبة لتراب هذا الوطن ، أو يشكك في وطنيتهم وفى مواقفهم وولائهم للسودان ولكن رغم كل ذلك نتسأل كيف يستمر النوبة في دولة لم تراعى حقوقهم ؟؟.. فبدلاً عن يكون للنوبة مشاركة سياسية واسعة وفرص تمثيل عادلة في جهاز الدولة مثل غيرهم ، تحاول الحكومة أن تشن عليهم حرب تستهدف به المقوم البشرى للنوبة كعرق ، فتعطلت عجلة الحياة والخدمات ودمرت البنيات التحتية وتشرد معظم شعب النوبة داخل وخارج السودان ، وأصبح الأطفال فاقد تربوى يمارسون المهن الهامشية بدلاً من الذهاب الى المدارس ، والنساء يمارسن المهن التي لا تليق بهن مثل (بيع الشاي وصناعة الخمور البلدية) للحصول على قوت أسرهم وهن يومياً في كر وفر مع شرطة أمن المجتمع ، والقائمون على أمر البلاد في الحكومة يعتقدون بأن تمرد أبناء النوبة هو إستهداف للوجود العربى والإسلامى قبل أن يكون إستهداف للدولة نفسها ، وحتى الإعلام والصحافة تصب جام غضبها على النوبة ، وتصفهم بالعنصريين والمتآمرين ، فكيف تستقيم الأمور ؟؟.. وليس هناك أى إتجاه حقيقى نحو تحقيق السلام ، لأن الحكومة تراهن على تحريك الآلة العسكرية لكسر شوكة أبناء النوبة بالحركة الشعبية ، لتصبح منطقة جبال النوبة خالية من التمرد ، والآن البشير وحكومته بهذه الحماقة يكررون نفس تجربتهم الأولى فى إتجاه تصعيد الحرب والعداء دون مراعاة لزهق المزيد من الأرواح ، وهناك أيضاً أصوات داخل المؤتمر الوطنى وجهاز الأمن مليئة بالغبن والعداء ويصرون على عدم وقف الحرب والعدائيات ودخول المساعدات الإنسانية من بعض المتشددين من قادة المؤتمر الوطنى وتجار الحرب ، الذين ظلوا يحيكون الأدوار خلف الكواليس تارة وعلانية تارة أخرى بحكم مواقعهم التنفيذية ، تنادى بالمزيد من الحسم لتصفية الحسابات لأنهم يعلمون بأنهم فى تلك المواقع لا يوجد ما يبكون عليه ، ولكن الأحداث برهنت بأن النوبة لن يهزمهم جيش الحكومة أو مليشيات المؤتمر الوطنى حتى لو حشدوا كل مليشيات العالم .. فالنوبة لا يجيدون (الولوله ) أو الصراخ او الفرار أو التولى يوم الزحف. ويتضح جلياً من خلال هذا السرد أن تعقيد المشكلة نتيجة للتحليل والوصف الخاطئ لأسبابها الأساسية ، مما مهد الطريق الى سياسات متطرفة وفتح الباب على مصرعيه لأساليب لم تكن مألوفة ، وهذا بدوره يقود الى مزيد من الإستفزاز والتحريض وفقاً لمجريات الأحداث ، ومحاولة لخلق صورة نمطية عن قضية جبال النوبة تحول دون التعاطف والتفاعل معها ، وإظهار النوبة بأنهم العدو الحقيقى المهدد لأمن الشمال وسلامته ، من قبل بعض العناصر فى حكومة المؤتمر الوطنى من خلال حملة إعلامية منظمة تحاول إلصاق تهم العصبية والعنصرية والعمالة على قومية النوبة وبإعتبارهم الجنوب الجديد ، وبالتالى لا بد من المواجهة ، وفى إيجاد مبررات لكل الأساليب التى تتطلب التصدى لكسر شوكة تمردهم ، دون أن تجتهد الحكومة فى عكس صورة تتصف بالحكمة والمسئولية الوطنية تسعى فيها للإعتراف بقضية جبال النوبة وخصوصيتها والسعى بإخلاص دون أى مرواغة فى عملية حلها ، بناءاً على رؤيتهم السياسية ، ولكن مع تداعيات الواقع وتشابك وتقاطع المواقف ومن خلال الحرب الدائرة والأحداث الجارية بالإقليم ، نرى أن الأوضاع فى جبال النوبة تمت إدارتها بإستراتيجية محددة وعبر مراحل وخطط بدأ تنفيذها ، كان الهدف منها كسر شوكة النوبة وإضعاف وجودهم ، تم فيها تشريد المثقفين وإبعادهم من وظائفهم فى إطار ما يسمى بالصالح العام ، وإضطر البعض تحت الضغوط والمتابعة للهجرة خارج البلاد وظل البعض الأخر أما موالياً للنظام أو مغلوبا على أمره ، وإرتكبت بموجب ذلك العديد من الفظائع والمآسى الإنسانية . لذلك يتضح من خلال مجمل الإشارات والملاحظات أن شكل إدارة أوضاع النوبة أثناء فترة حكم حكومة الإنقاذ بأنها لم تأخذ الشكل الإيجابى ، فلذك نؤكد لكم بإن النوبة لهم قضية ولهم مظالم ومطالب ، وأن حملهم للسلاح وتحالفهم مع الحركة الشعبية يمثل مرحلة من مراحل النضال التى بدأت سلمية ، وأن النوبة شعب مسالم صادق الوعد والعهد مع كل من تحالفوا معهم ، ولقد خدموا هذا الوطن ودافعوا عن ترابه ، وهم عماد قوة دفاع السودان لقد ناصروا المهدية وناهضوا المستعمر ، وأن ثورات شعب جبال النوبة كانت هى الأكبر عدداً والأكثر شراسةً فى وجه الوجود الأجنبى ، وأن أبناء النوبة طوال فترة الحكومات المتعاقبة فى السودان ، لم يحصل أحداً منهم على منصب نائب رئيس جمهورية أو مستشار بالرئاسة أو حتى مساعد رئيس جمهورية أو رئيس لمجلس الوزراء أو وزيراً فى أحدى الوزارات السيادية ( الدفاع – الخارجية – الداخلية – المالية – النفط ) أو سفراء في السلك الدبلوماسى ، بالرغم من أن أول من رفع علم السودان في القصر بعد جلاء الإنجليز من جبال النوبة ، فلم يذكره التاريخ ، ولكن ما أغفله التاريخ عمداً أو تجاهلاً عن نضالات وإسهامات النوبة في السودان سيظل حقائق لا يمكن إنكارها ، والنوبة لقد حطموا السياج الذى أُريد به عزلهم عن التفاعل مع المحيط الإجتماعى حولهم ، ولقد ظل باب جبال النوبة مشرعاً ذراعيه منذ مئات السنين لكل من وفد اليه وهو ما تعكسه التركيبة السكانية ونماذج التعايش السلمى الذى كان وما زال سائداً فى الإقليم ، فلذلك أن محاولة عزم الحكومة على سحق أبناء النوبة بالجيش الشعبى أو الموالين لهم والمواطنين العزل يعد خصماً على سند وقوة القوات المسلحة كمؤسسة وطنية وقومية وإجحافاً فى حق قومية تعتبر أحد عناوين هذه المؤسسة ، ولا سيما أن قوات الشعب المسلحة جزءاً من النسيج الوطنى والقومى لهذا البلد والذى تعد القومية النوبية أحد مكوناتها ، كما أن إصرار بعض القادة فى الحكومة وحزب المؤتمر الوطنى ومحاولتهم الدفع فى إتجاه القتال ورفض السلام ووقف نزيف الحرب ووصول المساعدات الإنسانية للمتضررين ، حتماً سوف تكرر نفس تجربة الجنوب وتجزئة ما تبقى من أرض السودان ، لأن الإصرار على الحسم بقوة السلاح من بعض المتشددين فى الحكومة هو ما دفع إخوتنا فى جنوب السودان الى الإنفصال ، بعد تهاون حكوماتنا الى الأسباب الأساسية التى دفعتهم لحمل السلاح والتهاون فى معالجتها ، وبالتالى يتوجب على طرفى النزاع الحكومة والحركة الشعبية وقف الإقتتال والبحث عن الحلول السياسية المتكاملة لكل نقاط الخلاف للوصول لاتفاق يجنب المنطقة شرور الحرب .. فلذلك الحكومة أمام خيارات .. أما أن تقبل بالسلام ومنح جبال النوبة الحكم الذاتي في ظل دولة السودان الموحد وتحت إدارة الحكومة ليحكموا أنفسهم ... أو مواصلة الحرب من نفس المنطلقات التى جعلت الجنوب يذهب ، وحينها سوف لن يتفرج النوبة على الحكومة وهى تنكل وتقتل في أهاليهم وتدمر في مناطقهم ، وقد تأتى لحظة ويصبح فيها حتى المعتدلين من أبناء النوبة والمساندين للحكومة أكثر تطرفاً للوقوف في صف إخوتهم الحاملين للسلاح ضد الحكومة ، والتي بتعنتها ومواقفها المتطرفة في إستخدام الخيار العسكرى والسلاح ضد النوبة سوف تدفع بالنوبة ليتخلوا عن الدولة السودانية متضطرين والمطالبة بقيام دولة مستقلة بهم تحفظ لهم كرامتهم ، ولا يستطيع أحداً أن يلومهم ما دام القادة السياسيين والعسكريين يريدون فقط أن يحكموا هذا السودان ويسيطروا على مقاليد السلطة دون إشراك إخوتهم أبناء النوبة ، فهنيئاً لهم أن يحكموا السودان دون وجود النوبة ، ودون إستنزاف المزيد من موارد الدولة في حرب لا طائل أو جدوى من ورائها ، وهذا الحل سوف يسهم فى حقن الدماء وصون كرامة إنسان جبال النوبة وهذا البلد والتى لا تأتى إلا بعزة وكرامة إنسانه. ولنا عودة ....... آدم جمال أحمد – سيدنى – استراليا
13 يناير 2015 م
|
|
|
|
|
|