|
الحــزب الشـــيوعى السودانى والعزلة التاريخية
|
البراق النذير الوراق-الخرطوم-السودان الحــزب الشـــيوعى السودانى والعزلة التاريخية البراق النذير الوراق
طرقت الصحف موضوع اللقاء الذى تم بين المؤتمر الشعبى والحزب الشيوعى السودانى بشئ من الدهشة لكون هذا اللقاء يتم بين جهتين متناقضتين تقريبا فى المنهج والرؤى السياسية والمواقف وهذا التباين قد جعل منهما اشبه بالعدوين,ولكن كما يقولون فان بالسياسة ليس هناك صديق دائم كما انه ليس هناك عدو دائم ولكن اشد ما قد يثير الدهشة هو قبول المؤتمر الشعبى الاستناد على مبدأ النقد والنقد الذاتى فى التعامل مع التجارب التاريخية التى مر بها الحزبين,اما عن الحزب الشيوعى فمعلوم ان هذا المبدأ يحوز قيمة عالية داخل اروقته اللائحية والتنظيمية وقد بادر هذا الحزب بتطبيق هذا المبدأ بشكل جاد عندما انتقد موقفه من انقلاب مايو هذا خلاف المواقف المتفرقة والتى عبرت عن ايمانه بهذا المبدأ افرادا وتنظيم,وهذا معناه ان المؤتمر الشعبى لم يقبل فقط الجلوس مع الشيوعى ولكنه كذلك اقر بان للشيوعى مدرسة فكرية متميزة يمكن ان يستصحب ا لمؤتمر الشعبى بعض من مفاهيمها ويتبناها كخط سياسى وجماهيرى, وبقراءة فى التاريخ القريب نجد ان المؤتمر الشعبى بمسمياته التى اختلفت على مر السنوات من الميثاق الاسلامى الى الجبهة الاسلامية ثم المؤتمر الشعبى والوطنى وقيادته الموجودة حتى الان هو الذى كان يحمل الشعلة الاولمبية فى التسابق على الصاق التهم و تشويه صورة الشيوعيين للمجتمع السودانى ومحاولة ضرب العزلة الكاملة على التنظيم ومشاريعه السياسية المختلفة هذا على الرغم مما لهذا التنظيم من المواقف المشهودة التى لا ينساها التاريخ والتى استفاد منها الكبار قبل الصغار فمثلا فى البرلمان الاول طرح ممثل الجبهة المعادية للاستعمار(الحزب الشيوعى نفسه) حسن الطاهر زروق مبدأ الحكم الذاتى لجنوب السودان ولا يبدو ان هذا الطرح لاقى النجاح لملابسات اعتقد ان هذا ليس مجال ذكرها ولكن ما حدث انه بعد خمسين عاما يلقى نفس هذا الطرح الحظوة والثناء على الرغم من تغير الظرف التاريخى والسياسى,ايضا عند انقلاب 1958 قام الحزب الشيوعى باصدار بيان اوضح فيه رفضه للانقلاب ودعا الى عودة الديمقراطية على الرغم من معرفته التامة بان الديمقراطية يمكن ان تجئ بنفس الاشخاص الذين سلموا السلطة للعسكر, ولكن حسبما يذكر الشيوعيين فان المبدئية هى التى تحكم نظرتهم لهذا الامر لتحقيق مكتسبات الشعب من الحرية والمشاركة فى صنع القرار و فى ابد اء الراى ,هذا اضافة لمساهمته فى تكوين مجلس السيادة الذى يعتبر احسن شكل لحكم السودان وممارسة الديمقراطية تم تطبيقه حتى الان.تلك بعض المشاهد التى شكلت الصورة الايجابية للحزب الشيوعى فى وجدان المجتمع والمستنيرين غير الانتهازيين من ابناء الوطن, اما الصور السلبية التى تشكلت فى ذهن المجتمع السودانى فقد بدأت بحملة اعلامية وسياسية ضخمة هدفها وصم الحزب الشيوعى بالالحاد ورفض الدين والتى بلغت اوجها بحادث معهد المعلمين ورغم متابعتى للشهادات التاريخية التى يدلى بها المخضرمين من ابناء جيل اكتوبر الا ان هذا الموضوع لم يكن جليا بما يكفى لادانة او تبرئة الحزب الشيوعى من هذه القضية والتى كان لابعادها بالغ الاثر فى حركة الحزب الشيوعى وفى الحركة الديمقراطية ككل كما انها ساهمت فى اظهار النزعات الديكتاتورية لبعض قادة الحركة الديمقراطية ,ولايمانى بان علاقة اى فرد بالموؤسسة السياسية تنتهى بمجرد قيام هذا الشخص بحدث مخالف لمبادئ هذه الموؤسسة ما لم تصمت تلك الموؤسسة او تصدر ردة فعل مؤيدة لهذا الموقف ناهيك عن ان تقوم تلك الموؤسسة باصداربيان جماهيرى يعلق على هذا الحدث بالسلب,اذن وفقا لهذا المفهوم فان الصمت المطبق يمكن ان يكون شكل من اشكال الموافقة لواقعة ما وهذا ما لم يحدث فى هذه الواقعة مثلا ولكن رغم ذلك تم محاسبة الحزب الشيوعى على هذا الفعل وادت تداعيات هذا الحدث لاخراجه من البرلمان وتم وأد الديمقراطية من جانب دعاتها انفسهم,وهنا بدات العزلة الحقيقية من جانب الاحزاب السودانية وتكونت الحواجز بينها والحزب الشيوعى رغم تاييد الشارع العام والقضاء الذى كان منصفا فى ذلك الوقت لعودة الحزب للبرلمان, اما بداية استقطاب الشارع للجانب المضاد للحركة الشيوعية فقد كرس لها الحزب الشيوعى نفسه بتأييده لمايو وادراج عناصر معروفة بانتمائها له فى وزارات الحكومة المايوية والاتحاد الاشتراكى ثم عزز هذا الجانب قيام الحكومة المايوية بمجزرة الجزيرة ابا ومقتل الامام الهادى وتوالت الاحداث حتى قيام حركة هاشم العطا ومجزرة بيت الضيافة ثم قام نميرى بقتل جزء كبير من قيادات الشيوعيين وكان هذا اخر مشهد فى مسلسل الصور السلبية للحزب الشيوعى , هذه هى اهم ملامح تفاعل الحركة الشيوعية مع المجتمع السودانى وتعاطيها للاحداث التى كانت شاهدة عليها منذ تكّونها بداية الاربعينات وحتى الان ويبقى السؤال قائما ماذا قدمت هذه الحركة لهذا الشعب وماذا اخذت منه , وما مدى مساهمتها فى دفع المجتمع الى مراقى الحضارة او تعطيلها لمسيرة التقدم بالبلاد وبما اننا ننتظر ظهور برنامج جديد للحزب الشيوعى يواكب الظرف الراهن هل سيغير ذلك بعض من المفاهيم التى ظل الشارع يتعامل بها معه كنظرة رجل الشارع مثلا للشيوعى كالخارج عن الملة او كالساحر الذى ربما يسحره وياتى به فى مزالق فكرية لا قبل له بها ,لذلك يجب علىالمجتمع و الاحزاب السياسية فى السودان اعادة تقييم الحزب الشيوعى السودانى من منطلق وجوده وتاثيره غير المنكور فى الحركة السياسية والجماهيرية والفكرية بالسودان ومن منطلق التجديد البرامجى الذى اعلن عنه هذا الحزب وليس من منطلق ما قد ترسخ فى الاذهان من مفاهيم عفا عليها الزمن
|
|
|
|
|
|