قضية التحولات و التغييرات التي تحدث داخل القوي السياسية في السودان، هي تحولات لا تحكمها منظومة فكرية، يمكن أن تخلق وعيا سياسيا جديدا يساعد علي تنمية و تطوير العملية السياسية، و التي بدورها سوف تساعد علي خلق بيئة مساعدة علي السلام و الاستقرار الاجتماعي الذي يعد القاعدة الأساسية للنهضة، و دائما تكون الصراعات داخل المؤسسات الحزبية هي صراعات تحفزها المصالح الخاصة، في كيفية الوصول أو القبض علي مفاصل السلطة، هذه العقلية السلطوية هي عقلية دائما تنحرف إلي فرض الشروط الشمولية، و تعمل دائما علي تقليص مساحات الحرية و الممارسة الديمقراطية، و الحركة الإسلامية منذ إستلامها السلطة في 30 يونيو 1989م، هي تعمل علي التضييق في الحريات، كانت قيادات الحركة الإسلامية تعتقد إن شعاراتها الطهرانية وحدها يمكن أن تؤدي إلي صدام بين الجماهير و المعارضة، و التي تتهمها بأنها ضد توجهاتها الإسلامية، دون أن تبزل أي اجتهاد فكري يجعل الصراع يأخذ جدلا فكريا يفتح في المستقبل الطريق لبناء نظام ديمقراطي توافقيا، و في خضم رؤية الحركة الإسلامية ذات الغبش الفكري القائم علي شعارات، نسيت إن السلطة نفسها تعد من أهم العوامل التي تفرز صراعا داخل بنية السلطة نفسها، بسبب تباين المصالح. و بالفعل إن الصراع داخل السلطة هو الذي أدى إلي المفاصلة عام 1999م، و هي أيضا التي جمدت فاعلية الحركة، و تقليص الحريات التي فرضتها الحركة الإسلامية علي القوي السياسية، قد خنقت الحركة نفسها، و حتى قيادات الحركة داخل السلطة عجزت أن تعبر عن رؤيتها بحرية، فقانون المحافظة علي الموقع و الوظيفة حتم عليهم أن يغمضوا أعينهم و يصموا آذانهم، و يتخذوا من الصمت آداة تعينهم علي رضي قيادة السلطة، فالقيادة التي تسيطر علي مقاليد النظام هي التي تتحكم في الحركة، و تجمد دورها علي الناحيتين السياسية و الدعوية، و قد خضعت قيادات الحركة لهذه التحولات التي أفرزتها القوانين الخاصة لمصالح القابضين علي السلطة. هذه التحولات أدت إلي أن تعاني الحركة الإسلامية السودانية حالة من الإعياء الشديد جعلها تفقد القدرة علي إثبات الوجود، فهي غائبة تماما عن المسرح السياسي و أيضا غائبة في المجال الدعوي، و الحركة الإسلامية كتنظيم غاب دورها بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، حيث تم حل الحركة و لم يذكر وجود لها، و اندقمت كل عضوية الحركة في مؤسسات الدولة، استجابة للمقولة التي كان يرددها دائما الدكتور الترابي "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"و هو قول مأخوذ عن الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، و لكن السلطان نفسه له قوانينه، خاصة عندما يصبح القرآن شعارا و ليس مبادئ يتحاكم إليها الجميع، تحولت السلطة إلي غنائم، ألأمر الذي جعل المصالح الذاتية تعلو و لا يعلى عليها. لكن في البحث في قضية حل الحركة الإسلامية، أو عدم حلها، تباينت الأراء حول الحل، تجد هناك ثلاثة أقوال عن الحل، جلها لا يمثل الحقيقة، أنما تمثل توجهات سياسية لها مغذاها، فالمقولة الأولي التي تؤكد علي الحل، تجد وراءها الذين خرجوا مع الدكتور الترابي في المفاصلة عام1999، و مغذي ذلك أن تصبح الحقيقة أداة لتجريد الآخرين من أي شرعية يدعونها للحركة الإسلامية، و التي أصبحت جزءا من النظام الحاكم، و عضوية المؤتمر الشعبي تصر علي الحل لكي تفقد الحركة الإسلامية شرعية العمل، حتى لا يستطيع النظام توظيف الحركة لمصلحته الذاتية. لذلك يقول الأستاذ المحبوب عبد السلام أحد مفكري الحركة الإسلامية و عضو حزب الؤتمر الشعبي، عن أن الحركة التي يقودها الشيخ الزبير، "هي حركة الآن قادتها وهم قادة المؤتمر الوطني انفسهم يعيدون النظر فيها؛ ويعتقدون بأن لابد من مراجعة وضعها بحيث تكون لها رسالة جديدة. حسب قرار اللجنة التي راجعت هذا الأمر فهي إما أن تندمج في المؤتمر الوطني، أو تصبح منظمة تعمل في العمل الطوعي كمنظمة عمل مدني، أو تحافظ على الوضع الحالي أغلبهم يميلون للمحافظة على الوضع الحالي." أما المقولة الثانية تأتي من عضوية المؤتمر الوطني تؤكد علي إن الحل لم يتم و يشاركها في ذلك أصحاب المقولة الثالثة، و لكل واحد منهم هدفا مختلفا، عضوية المؤتمر الوطني تريد أن تجرد المؤتمر الشعبي من أي حق للتحدث بأسم الحركة الإسلامية، و يصبح الأسم ماركة مسجلة فقط للمؤتمر الوطني. أما أصحاب المقولة الثالثة و هؤلاء جلهم من المعارضة يؤكدون علي إن الحركة الإسلامية باقية في السلطة، و كل أعمال السلطة و فشلها هو من بنات أفكار الحركة الإسلامية، و تريد المعارضة أن تتحمل الحركة الإسلامية كل إخفاقات النظام و و خاصة المتعلقة بالاخلاقيات التي تتركز في قضية الفساد، و يعتقدون إن الإقرار بأن الحركة الإسلامية كانت قد حلت يعني إنها بريئة من كل ممارسات النظام و فشله. و لا يعتقدون هناك تميز بين الحركة الإسلامية و العسكريين في السلطة، و كل القيادات في السلطة مهما كانت إنتماءتهم فهم كانوا أعضاء في الحركة الإسلامية. هذه المقولات الثلاثة هي مقولات تحمل أهدافا سياسية، و بالضرورة تحدد مغذاها المصالح التي تعبر عنها كل مجموعة. إن الدعوة من أجل إحياء الحركة الإسلامية، و العودة لفاعليتها التي كانت، هي تمثل أشواق أعداد كبيرة من الإسلاميين، و لكن عودة الحركة الإسلامية تحتاج إلي مجهودات سياسية و ثقافية و فكرية تتكئ علي دراسة نقدية لتجربة الإنقاذ، و لا توجد الآن أرضية أو بيئة تساعد علي مثل هذه المجهودات، خاصة إن المعاناة السياسية و الحياتية التي يعانيها الشعب السوداني بكل فئاته و تياراته الفكرية، ماعدا قيادات السلطة و المتحلقين حولها الذين استغلوا ثروات البلاد استغلالا ذاتيا. إن البيئة السياسية و الاجتماعية الحاليةغير مؤاتية و مهيأ. كما أن العناصر التي كانت فاعلة فكريا في الحركة الإسلامية، و التي كانت تواجه نوع من الإهمال و التهميش داخل المؤسسة الحزبية الآن تقدم مجهوداتها الفكرية و دراسات نقدية بعيدا عن آطار المؤسسية، و لكنها دراسات نقدية تعبر عن رؤيتهم الخاصة و ليس عن التنظيم. أما الذين اعتقدوا إنهم تمسكوا بأهداب الحركة و ثبات وجوده، هم يحاولون أن يدافعوا عن مواقع تحقق لهم مصالح خاصة. و في نفس الوقت ليس لهم أي إجتهادات فكرية و فقهية أو ثقافية يمكن أن تؤكد إنهم بالفعل يريدون إحياء الحركة الإسلامية. فالإنقاذ و تجربة الحكم لا تساعد للعودة لتقاليد قديمة، في أن تجتمع مجموعة من القيادات التاريخية، و تعلن عودة الحركة الإسلامية، فالعودة مرتبطة بمصالح متباينة و متنازعة في نفس الوقت، و التجربة الإنقاذية دون تقديم دراسة نقدية عن التجاوزات و الانحرافات التي حدثت لا تجد آذان صاغية عند النخب المتعلمة، و إذا تمت الدراسات النقدية، إن الجسم الذي سوف يتكون بعدها سوف يكون مغايرا عن ذلك السابق. و هناك أجتهادات تجري عبر منابر مختلفة و متنوعة، رغم إن المرجعية إسلامية، لكن الجدل الفكري يفتح منافذ عديدة بتعدد الأفكار الناتجة، و تتناول قضيايا كثيرة كان الحديث عنها سابقا غير متاح بالصورة التي تخلق جدلا داخل المؤسسة الحزبية. و الكارزما تعد أحد الأعمدة التي سقطت و كانت الثقافة السابقة تقف عليه، كما إن المنظر الوحيد أصبح ثقافة بالية، فالندية داخل المؤسسة الحزبية تمنع الانحرافات لأن القضايا لا تؤخذ بأحادية الرآى أنما يحدث لها وفاق لمجموعة من الآراء المختلفة. و كما قال المحبوب عبد السلام إن الحركة الإسلامية إذا قدر لها أن تعيد وجوده السياسي مطالبة أن تجاوب علي عدد من الأسئلة أولها موقفها من الحرية و الديمقراطية. نسأل الله حسن البصيرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة