|
الثورة بعد انتفاضة النفوس حياة و أمل..!! بقلم / أحمد يوسف حمد النيل
|
تعطلت الحياة , و انسدت السبل إلى النجاة و الحياة الكريمة في هذا البلد , فالاقتصاد معطل , و حركة الإنتاج متوقفة , و التعليم شُيّع إلى مثواه الأخير , و تمزقت أواصر المجتمع. السياسيون ينوحون على جنازة الوطن , ليس فيهم من يتقن الغسل , ليس فيهم من يفهم فقه تكفين الميّت , فلا هم ستروا عورات المجتمع و لا أكرموا شعباَ يقع بين أيدي عقول مستهترة. لقد تعاظم الذنب و الجرم , ليس هنالك من السياسيين من يتجرأ و يرد التهم عن نفسه. غضب جم في صدور الشعب البائس اليائس. ليس كل من قدّم لهم الوطن من الخدمات هم شرفاء و أوفياء. و في خضم المتغيرات السياسية يعيش المجتمع السوداني تحت حوافر الطغاة المستهترين. فالثورة في بلادي لا يمنعها ثبات هذا الشعب و نومه العميق.
كثرت موائد الحوار مع من لا يحترمون الآخر عقلاَ و نفساَ, و كثر الجدال بلا جدوى , فهذه فقط عباءة تغطي خبث الإخوان, من الذي أعطاهم حق التحدث باسم الوطن؟ , و ما هي الميزات التي جعلتهم يجلسون على كراسي الحكم سنينا عددا و الناس في حالة كراهية دائمة لهم؟ لمن تكن هنالك مرحلة من الذل أدنى من تلك التي يعيشها الشعب السوداني , و لن تكن هنالك مواقف مخذية للإنسان السوداني أكثر من هذا الحاضر المرير.
لقد استمتع أبناء الساسة بحياة الرفاهية في بلد يتمزق و تسيل دماء أبنائه من أجل الكرامة ضد بني جلدتهم , تعلم أبناؤهم في جامعات الدنيا في حين حَرم أبناء الفقراء من ذلك , أو حتى من الجامعات الوطنية المتهالكة بسبب ضيق ذات اليد و الفقر و الضائقة الاقتصادية. و درسوا في المدارس الخاصة جدا داخل الوطن و الجامعات , بينما حرم منها أبناء الفقراء. نحن لسنا إنسان القرن الخامس الميلادي , و لسنا مجتمع قريش آنذاك , فالدعاوى الزائفة لا تجدي نفعا , العقول المتحجرة و التي يغيب عنها النور لا توصل إلى نتيجة , فعالم الأنوار الإنسانية و الإنعتاق يحتاج إلى رحلة كفاح يصطحبها أخلاق و كد و اجتهاد يغذي ذلك كله حس مبدع يوجه تلك الطموحات البشرية المستنيرة إلى وجهتها السليمة.
فانقلاب الإخوان و الثورة المزعومة هي عدو لنفسها و مجتمعها من وجهة نظر الفوائد المرجوة منها , و بما أن الشعب مقتنعٌ بما ستوحي به الأيام المقبلة , فليس خيار أجدى من الثورة , فقد مات حقيقة الإخوان في كل البلدان العربية , و لكن إخوان السودان يتخلقون مرة أخرى بعد فلسفة الوثبة و عودة الترابي في الجولة الثانية و استبعاد البراغماتيين من كراسي الحكم. بل و تم حرقهم على يد فلاسفتهم و منظريهم. و ظهرت النسخة الثانية من إخوان المرحلة الأولى من الانقلاب و معهم كبيرهم الترابي بموجهات دولية تدل على غباء الإخوان و ائتمارهم بأوامر خارجية , مما يجعلهم يتعرون من صحة ما يدعون و يجعل آلاف الاستفهامات من أجل استبان حقائق من هم الذين ورطوا الوطن و جعلوه في حضن الأجنبي.
فحركة الإخوان رُفضت على مستوى العالم العربي , لكونها لا تلبي طموح الشعوب و لا تؤمن بالمواطنة و الدولة المدنية , إنما يستبطنون مفهوم دولة الإسلام و الإمبراطوريات التاريخية , فزعماؤهم يستدعون التاريخ بقيم الماضي الاقتصادية و الفلسفية و الاجتماعية , فمعضلة النصوص لم تُحل بالنسبة لهم , فهم بذلك يغالطون القيم و الحقائق التاريخية و الاجتماعية و حقيقة الانتساب الوطني لرقعة سياسية معلومة بالوثائق العالمية , و لتغيير كل هذه الحيثيات على من يريد ان يدير دفة الحكم بطموحات قاتلة , عليه ان يتمكن من سبل العلم و طرائقه و التكنولوجيا و قوة السلاح و النفوذ العالمي , فان وصل مرحلة المنافسة الحقيقية للقوى المعاصرة عليه ان يرفع صوته للمجابهة و الاقتتال.
و لكن كيف ترون الذين يقبعون في سطح الأرض و ليس لديهم دافع إلا الأحلام غير الواقعية؟ فقد كتب الناس كثيرا و لكن جدوى الامتثال و الالتفات لما يكتبه المتخصصون أو المثقفون أو الكتاب ضعيف جداً. فلم يبقى الا مفهوم مقولة: "آخر العلاج الكي" فالعلاج أصبح غير مجدي , و لكن الثورة توقع لما بعد المصيبة و حياة الضنك , فان ضاق الناس عليهم بالثورة و الانتفاض , و إن يئسوا عليهم بالثورة و الانتفاض , و إن ركنوا عليهم بالثورة و الانتفاض. فلابد مما ليس منه بد , فالثورة خير من البؤس و اليأس , فإذا نُفض الثوب غدا نظيفا و إذا غُسل غدا أكثر نصاعة , فالثورة بعد انتفاضة النفوس حياة و أمل.
|
|
|
|
|
|