إن سودان مابعد 27/11/2016 قد ولج وشعبه في أخطر منعطفات تاريخه الوطني .. بركان شعبي بدأ الانفجار التدريجي المتصاعد ايذانا بلحظة ميلاد جديد ستأتي حتما تتويجا لكل صبر ومعاناة الشعب النضاليه المستمرة منذ استقلالنا السياسي على الأقل إن لم تكن تصعد لتعانق معاناة نضالات شعبنا في تاريخه البعيد والمعبرة عن توق وتطلع هذا الشعب إلى الحرية والعدالة والسلام والنهوض واستئناف اسهامه الحضاري ليكون مركز إشعاع لمحيطه الإفريقي والعربي .. ما جرى في 27/11 وما بعده وما يختمر الآن لا يمكن إلا وصفه بعصف اللحظة الثورية في تاريخ الشعوب الحية التي قاومت الموت والتعطيل وأبت إلا أن تصطبر وتجاهد الظروف بصبر مؤمن ليكون الميلاد العظيم معبرا عن عمق صلة هذا الشعب بتاريخ مشرق وبحقيقة استعداده الدائم للعطاء. لقد فارق أو تجاوز السودان والسودانيون كلمة ومصطلح الرضا بانتفاضه وهم يتهيأون الان للثورة الشعبية الشاملة التي تتحقق فيها كل التطلعات المكبوتة والمتأجلة ورافضة لكل محاولات حصرها في مجرد انتفاضة أو إصلاح .. وثورة على ما حاول كثيرون أن يجعلوا منه حقائق ثابتة .. ثورة على كل محاولات طمس حقيقة هويتنا أو إثارة الشك في اننا شعب متفرد في ثقافته وانتماءه للعروبة والإسلام ومتميز ومتفرد في انتماءه الإفريقي .وأن الحقيقة تقول ان هذا الشعب هو جسر التواصل والتفاعل الثقافي والحضاري بين العرب وأفريقيا ولا يمكن إلا أن يكون إلا هكذا شعب محمول بهموم والآم العروبة والإسلام ومعاناة الإنسان الإفريقي بكل تفاصيلها ومفصحا عنها .. ولأن لكل ثورة عنوان واتجاه كان لابد أن تكون ثورتنا تحررية بكل مافي الكلمة من معاني التحرر من الخوف .. التحرر من الظلم ..التحرر من اعادتنا لأسر الجهوية والقبلية والطائفية السياسية والدينية .. التحرر من الاتجار بالمقدسات والدين وتشويهها وتسليطها سيوفا للتشهير بالآخر أو تحقيره أو قمعه .. التحرر من الفقر والعوز .. التحرر التخلف والتجهيل الممنهج .. وحتما ثورتنا إنسانية تنتصر للإنسان أينما كان وتناصر حقه في الحرية من الاستغلال والاحتلال وتناصر وتدعم حقه في المقاومة لتحرير أرضه ووطنه وثورة شعبنا ثورة من أجل العدالة .. العدالة أمام القانون .. العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات .. وعدالة في توفير حياة كريمة لكل مواطن .. وعدالة في التوزيع العادل لثروات الوطن وعدالة في النهوض التنموي لكل أجزائه لكنها مستوعبة لضرورات التمييز الإيجابي لكل المناطق التي تأثرت بالحرب في حصص التنمية وإعادة الأعمار .. ثورة مستوعبة لواقع التعدد الثقافي والاثني في السودان ومستوعبة إلى أن هذا الإرث الثقافي المتنوع هو سر ما يميز الشخصية السودانيه وأن الحفاظ عليه يكون ضمانا لوحدتنا وليس الفرقة والاختلاف ..وثورتنا تهدف لخلق المواطن السوداني الماسك بناصية العلم والتكنولوجيا والمسهم في إعادة بناء وطنه ليكون له مكانا بين الأمم .. ثورة تستثمر في الإنسان وسيلة وهدف كل تنمية حقيقية . لكن هل الطريق ممهد لهذه الثورة ؟ من هي القوى صاحبة المصلحة في التغيير والثورة .. ومن هي القوى التي ستكون في خانة العداء للتغيير والثورة .. على قدر أهل العزم تأتي العزائم .. شباب السودان الحي وقواه الوطنية التي راهنت على الشعب وحددت موقفها الرافض لنظام الإنقاذ وعانت من بطشه وتنكيله وصبرت وما بدلت تبديلا أو تلك التي خدعت بالشعارات وعادت لشعبها ملتحمة به .. أن كل جماهير شعبنا من العمال والطلاب والشباب والحرفيبن والمزارعين والموظفين والمهنيين والمعلمين والأطباء والصيادلة والقضاة والمحامين والمهندسين وكل فئات الشعب .. هي صاحبة المصلحة الحقيقية والأولى في تحقيق الثورة ومعهم التجار والرأسمالية الوطنية وافراد وضباط القوات النظامية ..( وهنا من الضرورة ان يتفهم شباب الثورة ان اي حديث عن إلغاء دور الأحزاب الوطنيه في ثورة الشعب أو إلغاء وتهميش دورها .. هو في الحقيقة واحدة من أساليب التضليل والتشويه التي يمارسها النظام والمحسوبين عليه أو المنتفعين منه وهذا الحديث لا يخدم الثورة بل يعمل على تخريبها وتعطيلها من الآن وهو خط يخدم أعداء الثورة مستخدمين تكتيك فرق تسد ) وهذا ليس من باب الاستجداء أو الاستعطاف ولكنها من حقيقة أنه لا يمكن ولا يجوز لأحد أن يزايد على مواقف وتاريخ وتضحيات القوى الوطنية والأحزاب السياسية .. ومن جهة أخرى فرض الحراك الشبابي والشعبي ويفرض على كثير من القوى الوطنية التي كانت مترددة في الرهان على قدرة الشارع في تبني شعار العصيان المدني والإضراب السياسي سلاحا سلميا للتغيير .. فرض هذا الواقع على هذه القوى ضرورة مراجعة مواقفها والالتحاق بقطار الثورة والتغيير لأن من يتخندق منها على مواقفه القديمة المراهنة على دور الضغط الخارجي الذي يمكن أن تمارسه قوى دولية نافذة أو الحل التفاوضي أو ما يسمى بالهبوط الناعم أدركت قياداتها أو عليها أن تدرك أن جماهيرها وقواعدها قد اختارت طريقها مع الشعب وأصبحت قيادات هذه القوى أمام خيارين .. أما الرضوخ لواقع وخيار قواعدها المنسجم مع خط الثورة أو الالتحاق بخندق أعداء الثورة الأمر الذي سيكون كلفته عالية سياسيا وتاريخيا ..وأود الإشارة هنا إلى ملاحظة بسيطة ومهمة ان واحدة من أسباب فشل الانتفاضات الشعبية العربية أو ما يسمى بالربيع العربي رغم التخريب الممنهج للقوى الأجنبية فيه إلا أن أحد أسبابه كان عدم التلاحم والتنسيق بين شباب وجماهير هذه الثورات والقوى السياسية الوطنية أو تأخر هذه القوى عن اللحاق بحركة الشارع اوعدم قدرتها على فهم معاناة وتطلعات شباب هذه الثورات الأمر الذي ومعه عوامل أخرى اوقع هذه الدول في مصيدة الفوضى الخلاقه .. أما أعداء الثورة فهم قسمان .. قسم محلي يتمثل في النظام بكل مؤسساته وقوانينه وحزبه ومن يشاركه وطبقة الطفيليين والمنتفعين منه الذين ستنسف الثورة مصالحهم وتقدمهم للمحاسبة القضائية عن ما ارتكبوه بحق الشعب والوطن واستعادة كل ما نهب من أموال وثروات الشعب والوطن .. أما القسم الخارجي من أعداء الثورة فهي القوى الإقليمية والدولية التي رأت في نظام الإنقاذ خير من ينفذ وصفاتها التدميرية وروشتات التقسيم .. وقوى إقليمية طامعة في مد نفوذها الطائفي التوسعي لإحداث مزيد من الشرخ في النسيج الاجتماعي الوطني خدمة لاحلامها التوسعية ..فالغرب ممثلا في أمريكا المنفلتة والمتحالفة مع الصهيونية قد شرعت في إعادة تقسيم الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا ( وذلك يعني إعادة تقسيم المقسم و تجزئة المجزأ .. وإثارة النعرات والاقتتال الجهوي والقبلي والطائفي داخل كل قطر ) وبما ينسجم ويسهل عليها تنفيذ مخططاتها للهيمنة ونهب الثروات في هذه المناطق المستهدفة .. والسودان واحد من الدول الذى بدأ تقسيمه في عهد نظام الإنقاذ بفصل جنوبه بحجة ايقاف الحرب وتحقيق السلام اللذان لم يتحققا بل انتشرت الحرب داخل الجنوب المنقسم وتوسعت لمناطق أخرى فيما تبقى من السودان وهنا علي قوى الثورة ان تدرك خطورة الانكشاف الوطني( تحت غطاء تدويل المشكل السوداني ) أصبح اختراقا يهدد بمزيد من التقسيم للسودان مستقبلا بما يشير إلى أن الترتيبات التي تجري الآن توحي بتهيئة المسرح الوطني لمزيد من التشظي والتفتيت والأنظار تتجه إلى دارفور كهدف ثاني للانفصال بعد الجنوب .. بقى ان نقول ان نجاحنا يكمن في وحدتنا وفي إدامة الصراحة والنصيحة والتشاور والتنسيق وضرورة تشكيل قيادة موحدة تخطط وتشرف وتتابع تنفيذ أهداف الثورة .. وأن نرسخ بيننا فكرا وسلوكا ثقافة قبول الآخر .. حتما مثلما للنظام من يدافع عنه ويدعمه فلثورتنا شعب يحميها ولتكن ثورة تجعل من يدعمها ثوار واحرار العالم أينما كانوا ..ولنحرص جميعا على أن يكون لها طريقها وعنوانها المميز فتشع على كل الدنيا وتصبح الخرطوم منارة الأحرار
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة