زين العابدين صالح عبد الرحمن إن قضية اغتيال الطلاب في حرم الجامعات أو خارجها، قضية لابد أن تؤرق المجتمع السوداني، و هي قضية كانت متوقعة بحكم التحولات الخطيرة التي تحدث في الحقل السياسي، و هي قضية تحتاج إلي دراسة، و معرفة الأسباب التي تؤدي لاستخدام أدوات و أساليب ضارية، بهدف إسكات الأصوات التي تخالف أو تعارض في الرؤية، و في هذا المقال ربما اختلف مع البعض في إن الذي يعزز استخدام العنف في المجتمع هي "الثقافة السودانية، و خاصة الثقافة التي نحاول استلافها من التراث، ثقافة المجتمعات قبل تكوين الدولة السودانية الحديثة، و التي تختزن الكثير من رموز و إشارات العنف، و أصبح الإعلام بدلا أن يكون واعيا للعوامل التي تساعد علي انتشار العنف، أصبح هو أهم عامل ينشر هذه العوامل، و يمكن لثقافة العنف في المجتمع، من خلال البرامج و الأشعار التي تدعوا لسيادة القبيلة و مفاخرة الذات، و استخدام كل أدوات العنف في حسم الصراعات، و الغريب في الأمر أن النخب السودانية المناط أن تعي و تدرك تأثير هذه الثقافة السالبة علي المجتمع، تصبح هي نفسها التي تروج لها، و تفرد لها المساحات الواسعة في أجهزة الإعلام و بعض الصحف، في مفاخرة قبلية. إن المجتمع عندما ينحرف إلي ثقافة العنف، و تصبح عمليات القتل هي الوسيلة المتفشية في المجتمع، لابد من إجتراح القضايا بقوة و دون مواراة، أو الحديث عنها بطرق غير مباشرة، إن وسائل الإعلام بدأت تبث و تركز علي ما يسمي بشعر الحماسة و الرجولة، هي المادة الأكثر توفيرا و انتشارا في أجهزة الإعلام، و يتنادي لها الناس من القبائل المختلفة، الكل يحاول إن يبرز صورة الحماسة و القتل و الضرب و الموت علي أسنة رماحهم أو حد سيوفهم، هذا الشعر الذي كان يرمز للقوة و البطولة في زمن كان السودان عبارة عن مشايخ و بطون و ممالك موزعة علي رقعة أرضه، أصبح يشكل خطورة علي قيام الدولة الواحدة، و في الدولة الحديثة يجب أن تتغير الرموز و الأنماط الثقافية لما يخدم قضية الوحدة الوطنية، و يعزز ترابط الوجدان المشترك و البناء الوطني السليم، حيث تبدأ مسيرة للغة جديدة، و أشعار وقصص تساعد علي التلاحم الوطني، و ليس التي تفرق بين مكوناته، إن معظم شعر الحماسة الذي كان يقال عندما كانت تتنافس المشايخ و الممالك، هو شعر يساعد علي عملية التنافس السالبة بين القبائل، و إثارة نعراتها المضرة ببناء الدولة الحديث، الذي يأمل الناس أن تكون كل الفنون بأنواعها تخدم قضية الوحدة الوطنية، و ترسيخ التربية الوطنية في المجتمع، و تدعو للقيم الفاضلة التي تساعد علي ذلك. و في ظل الاستقطاب الحاد الحاصل في المجتمع، غابت علي أجهزة الإعلام التي من المفترض أن تلعب دورا أساسيا في نشر ثقافة السلام، تحاول أن تقدم من البرامج ما يهدم هذه الثقافة، عندما تحاول في برامجها أن تقدم مواد تراثية، و هي مواد لا تصلح في الدولة الحديثة، و خاصة شعر الحماسة التي تنافست عليه القبائل من قبل، و الآن هو شعر يهدم بنيان الوحدة الوطنية، و يعزز ثقافة العنف خاصة في رموزه و إشاراته فمثلا يقول الشاعر في الحماس:- ما دايرلك الميتة أم رمادا شح دايرلك يوم لقي بدميك تتوشح الميت مساوب و العجاج يكتح أحي علي سيفوا البسوي التح و في القصيدة أيضا يقول ماهو الفافنوس ما هو الغليد القوص ود المك عريس خيلا بجن عركوس أحي علي سيفوا البحد الروس و يقول شاعر أخر في مطلع قصيدة يغلب عليها الحماس بتريد الطام أسد الكداد الزام هزمت البلد من اليمن للشام سيفك للفقر قلام و تقول أحدي الشاعرات مطالبة أبنها أن يهجر القراءة و العلم و يسرح مع الحروب ممتشقا سيفه متين يا حسين اشوف سيفك معلق لا حسين كتل لا حسين مفلق لا حسين ركب الفي شايتو علق قاعد للزكاة و لقيط المحلق شعر الحماسة يمثل ثقافة تاريخية في زمن كان السودان ليس دولة واحدة، كانت كل مجموعة تشكل مشيختها، و بالتالي تطلق شعر الحماسة لكي تهابها المشايخ و الممالك الأخرى، و في نفس الوقت تريد أن تؤكد إنها قبيلة مليئة بالفرسان الذين يدافعون عنها، و ليس لقمة سائقه، و لكنها في هذا الزمن الذي توحد السودان منذ عام 1916 بحدوده قبل انفصال الجنوب، ليس مفيدا أن نعيد هذا التراث، لكي ننعش من خلاله القبلية و العشائرية، و إن يبقي السف هو الذي يفصل في خلافات الناس، إذا كان بالفعل الناس تسعي لكي تحارب ثقافة العنف في المجتمع، و الغريب قبل الاستقلال كانت النخب قد تغلبت علي هذه الثقافة، و بدأت الموسيقي و الأغاني تتغير لكي تكل وجدان كل السودانيين في بوتقة واحدة، و أصبحت الموسيقى السودانية بسلمها الخماسي تشكل الوجدان المشترك و بدأت مسيرة الأغنية الوجدانية تؤثر في الكل بلغة جديدة بعيدة عن القبلية و العشائرية، الأمر الذي بدأ يخفت فيه العنف في المجتمع، و حتى حرب الجنوب كانت محصورة في منطقة معينة، و لكن الإنقاذ لكي تحمي نفسها و نظامها، بدأت تعيد شعر الحماس و القبلية، دون أن تعي تأثيره علي مستقبل البلاد، و مساعدته علي تفشي العنف في المجتمع، بل أصبحت وسائل الإعلام تنشر هذه الثقافة تحت سمع و بصر الدولة، و الآن تجني البلاد ثمرة هذا الفعل. و يجب علي النخب السودانية المثقفة و المتعلمة، إلي جانب المؤسسات التعليمية أن تعزز ثقافة السلام في المجتمع، و إن تحد من انتشار الفنون و الثقافات التاريخية الماضية التي تولد نزعة القبلية من جديد، و الثقافة تلعب دورا كبيرا في عملية السلوك و القيم و توجيه اتجاهات الناس، و الدول التي تسعي للتنمية و التطور و تحديث المجتمع أول ما تنظر إليه ثقافتها، و تفتش فيها عن العوائق التي يمكن أن تعيق عملية التنمية و انصهار شعبها، لأن الثقافة يمكن أن تكون سببا في النزاعات الداخلية، أو إنها تعطل مكنزمات التطور في المجتمع، يقول الكاتب عبد الله البريدي في كتابه " السلفية و الليبرالية – اغتيال الإبداع في ثقافتنا العربية" يقول ( ما يجعلنا نشدد القول علي ضرورة استدامة غرس " شتلات" المرونة الذهنية في " بستان" فقه التحيز، في كل جنباته و مساراته و مداخله و مخارجه، فنحافظ بذلك علي أهم سمة للعقل العربي و الإسلامي و هي الانفتاح الذهني، و تدفعه إلي الممارسة الإبداعية بخلق الجديد و ابتكار المفيد، و الاختيار الحر بين البدائل المعرفية وفق معايير المنهجية العلمية التي يطوعونها و يطورونها وفق منظومتهم الثقافية) فالثقافة عندما تشذب من السلبيات، تدفع الأفراد لكي ينطلقوا في دنيا الإبداع، و لكن استدعاء التاريخ و التراث الذي كان في ظروف مغايرة سوف يلعب دورا سالبا في عملية البناء و التنمية. و كتب الكاتب الراحل محمد عابد الجابري مقلا في مجلة المجلة بعنوان " التنمية الثقافية شرط أساسي للتنمية الشاملة" يقول فيه ( لم تعد الثقافة ينظر إليها اليوم علي أنها ليست سوي انعكاس الأيديولوجي للقاعدة المادية للمجتمع، بل إن اتجاه الفكر الاجتماعي المعاصر يميل بقوة اليوم خصوصا عندما يتعلق الأمر بمجتمعات ما قبل الرأسمالية" و ضمنها طبعا المجتمعات " المتخلفة – النامية" إلي اعتبار الثقافة عنصرا أساسيا في بنية المجتمع ككل، بل العنصر الذي من شأنه أن يلعب دورا محركا، مهما و أساسيا داخل الكيان) دائما النخب السودانية في حديثها عن التنمية و السلام و غيرها، من الدعائم التي يقوم عليها المجتمع الحديث المستقر، لا يذهب ذهنها نهائيا للثقافة، باعتبارها العامل الرئيس الداعم لعملية التنمية و التطور، كما إنها يمكن أن تكون معيقا لهذه العمليات، و في الثقافة السودانية و في التراث السوداني هناك الكثير من السالب، الذي يحد من تطور المجتمع و من وحدته و تقليل العنف فيه، و دون وعي تحاول أجهزة الإعلام السودانية تنطلق من قاعدة أيديولوجية، تغيب عنها إنها باستدعاء التراث دون تمحيص تساعد علي زيادة ثقافة العنف في المجتمع، من خلال استخدام لبعض الفنون التي كانت نتاج في زمن مغاير تاريخيا، مثل شعر الحماس الذي يقوم علي مدح القبيلة و فرسانها و استخدام أدوات العنف و القتل و السحل و التفاخر و غيرها، و هي كانت إيجابية في فترة زمنية مغايرة، و هي تحتاج إلي مراجعة بعيدا عن سيل العاطفة، و إنما تمحيص تحكمه النظرة الموضوعية المنطقية. إن تاريخ النهضة في العالم، و الدول التي وضعت بصمتها علي سلم الحضارة الإنسانية، و تهتم الآن برفاهية شعبها، بدأت بإزالة كل الشوائب و السالب في ثقافتها، و لم تتردد في التنقيب عن تراثها، و ما وجدته يساعد علي النهضة و التنمية و سلامة مجتمعها و وحدته، نفضت عنه الغبار و أظهرته علي السطح، عادت تجديده بما يلاءم مسيرتها التاريخية في التنمية، و ما يعارض برنامجها و تطور مجتمعها جعلته كتراث سابق حجبته عن الظهور مرة أخري، و لكن في التجربة السودانية نستعيد كل التراث دون التمحيص فيه، و في ظل سيادة عقل البندقية، بدأت أجهزة الإعلام تعيد تراث تاريخ مقبور، و لكنه يساعد علي سيادة ثقافة البندقية، و هي ثقافة تساعد علي نشر العنف في المجتمع، و هي ثقافة تتماشي مع النظام الشمولي، و بعيدة عن الديمقراطية التي يتوافق عليها الناس عبر الحوار و كل الأدوات التي تخدم هذا الطريق، بعيدا عن طريق البندقية و العقل الذي يديرها. يذكرني ما كتبه الكاتب المغربي جميل حمداوي في مقال بعنوان " المقاربة الثقافية أساس التنمية البشرية المستدامة" ( إن ديمقراطية المجتمع بشكل حقيقي و عملي و بنائه حضاريا و أخلاقيا، تعد من أهم الآليات الإجرائية لتحقيق التنمية الثقافية ولن يتحقق هذا عمليا و ميدانيا إلا بإصلاح المنظومة التربوية التعليمية، و ربطها بالفعل الثقافي المثمر، عن طريق برمجة مجموعة من الأنشطة الثقافية و الأدبية و العلمية و الفنية لصالح المتعلم أولا، و لصالح المجتمع ثانيا) و في السودان لابد أن تربط الثقافة مع معايير التنمية و التطور و التحديث و تشذيبها من كل ما يعيق هذه العملية التنموية و يساعد علي العنف. إذا إن الثقافة السودانية تحتوي الجميل الذي يساعد علي دفع عملية التلاحم و الوحدة الوطنية، و أيضا الثقافة تحتوي علي الأشياء السالبة، و خاصة الأنماط و الرموز و الإشارات التي تساعد علي انتشار العنف في المجتمع، و هي تحتاج لوقفة من النخبة المثقفة و الأكاديميين في الدراسات الاجتماعية و النفسية في أن يعيدوا قراءة الثقافة السودانية التي تحمل العديد من رموز العنف، و أجهزة الإعلام في إعادتها للتراث دون أن تقف علي السالب منه تساعد علي نشر هذه الثقافة، و هي قضية تحتاج لحوار مفتوح بين كل المثقفين السودانيين بكل مرجعياتهم الفكرية و الثقافية، لمعالجة هذه القضية لآن العنف إذا أصبح هو وسيلة الحوار المتاحة لا يسلم منها أحد، و هي التي سوف تجعل السودان يسير في ذات الاتجاه لليمن و سوريا و ليبيا، فهل نستطيع أن نقف لحظة واحدة للمراجعة مع النفس مع كل وطني حادب علي مصلحة هذا الوطن، ننتظر ضوءا أخر النفق. و نسأل الله البصيرة. نشر في جريدة إيلاف الخرطوم
اختلاط حابل الصراع السياسي بنابل الواقع الراهن المتصدع القي بظلاله بل وجد طريقه الي ساحات النور لتعمل فيه قوي الظلام تلويثا وتنقله الي مواجهة بل ايادي تعمل لصالح الاجندة ضيقة الأفق سواء من قبل النظام أو غيره
.ساحات التنوير اصبحت مكانا للعراك الدموي بدلا عن التاثير المدروس المخطط له لتغيير المجتمع ايجابيا , ورتق لحمته وازكاء شعوره الوطني والانتقال به الي براحات التنمية المستدامة والديمقراطية السمحاء.والنظام وهو يدير المعارك منصرفا عن طريقها من مواجهة الواقع المازوم سيجد نفسه في القريب عاريا يستند علي حائط اوهامه وظلامه.
وسيعود الطلاب الي رشد الواقع المعافي حين يتنادون الي عزل المندسين واصحاب الأجندة غير الوطنية وسيكون لهم فعلهم الناجز وليست ملاحم اكتوبر ببعيدة عن الذاكرة والوجدان..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة