|
التهميش و التكويش.. و الخوف (1 - 2 ) بقلم عثمان محمد حسن
|
التهميش- لدى العارفين ببواطن الأمور- هو إقصاء الآخر عن دائرة الفعل المجتمعي و اتخاذ القرار.. أي تهميشاً في السلطة و الثروة .. و قد يكون تهميشاً ( جغرافياً) أو في الانسان ذاته.. و التكويش هو جهاز أخطبوطي الأذرع .. يمَّكِن صاحبه من مد يديه إلى كل الأشياء بلا جهد.. بينما التمكين هو تخصيص قطاعات انتاجية و خدمية لهيمنة ( أهل الولاء).. أما التسكين فهو تلك ( العطية) التي يتفضل بها ( المكَوِّشون المُمكَنون) على المهمشين ( الممكونين) نظير قيامهم بدور المغفل النافع- بغلم أو بغير علم.. و تلك العطية أشبه ب(رأس التيس) التي يقول عنها أهلنا في دارفور:- " راس تيس بملا بيت جنا مسكين لحم!"
غابت الدهشة حين تذيل السودان قائمة الدول الأكثر فساداً.. فنحن نعيش في غابة لا تعترف بالديمقراطية و الحرية و حقوق الانسان.. و الديمقراطية فيها مبنية على النموذج الغربي و البيئة غير مهيئة لها.. .. و هي دائمة البحث عن وسيلة لاحتلال مكان لها داخل الأحزاب .. و الأحزاب بلا ملامح لاستراتيجيات سوى استراتيجية مناكفة الأخر.. و لكل حزب رئيس منتخب مدى الحياة .. و إذا أرادت عيون أن ترى بغير عيون الرئيس، ف" الباب يفوِّت جمل".. فلا مناص من أن تنشق الأحزاب.. و أن يستمر انشقاقها كما الدودة الشريطية.. او معظم المنشقين يهرولون للائتلاف مع ( الشجرة) التي هي أسوأ من الحزب المُنشَقِ عنه بما يعني أن الانشقاق لم يتأسس على مبادئ حقيقية.. و تبدأ الخصومة.. و الفجور في الخصومة..
و نظام الانقاذ هو النظام الذي انتهز الفوضى التي كانت سائدة في البلاد ف( وثب) على السلطة.. و سيطر على مقاليد الأمور سيطرة أطاحت بالديمقراطية الغائبة دائماً.. فغاب معها كل الشفافية التي كان يتسم بها نظام الحكم رغم كل شيئ.. و غياب الشفافية يعني تمهيد البيئة لتوالد يرقات الفساد في مجتمع يعاني حروبا داخلية معقدة أفرخها التهميش من ناحية و التسلط المفرط من أخرى.. و أي مُنشقٍّ من أي حزب يهرول إليه يكشف عن رعبة في السلطة و الجاه و المال في الغالب..
تحدث الباحث الاقتصادي السوري\ منير حمش في ورقة له عن الفساد:- " إن من ينظر إلى التأريخ الاقتصادي للرأسمالية و تطورها، يجد أن عملياتها ارتبطت بالنهب الخارجي للمستعمرات و النهب الداخلي باستغلال العمال و تشغيل النساء و الأطفال في ظروف عمل سيئة فضلاً عن ( احتكار) وسئل الانتاج.. و بذلك أمكن تحقيق تراكم رأس المال تحكمه قوى السوق.."
أتاح انقلاب الانقاذ بداية لسيطرة الرأسمالية ( المتوحشة) بالنهب الداخلي عير التكويش الذي تم تطويره إلى التمكين الكامل من كل مفاصل الدولة السودانية لدرجة أن صارت الدولة السودانية هي المؤتمر الوطني.. و رمز الدولة هو ( الشجرة).. تم كل ذلك بعد إلقاء الرأسمالية الوطنية و القذف بها خارج دائرة العملية الانتاجية.. و تم توجيه كل وسائل الانتاج لرفعة الموالين للنظام إلى أعلى عليين.. دون اكتراث لسقوط باقي أفراد المجتمع إلى أسفل سافلين.. خاصة أولئك الذين يتخطاهم التعداد السكاني كل مرة لأنهم خارج الحساب..
ممارسات النظام تندرج- وفق ( فقه الضرورة)- تحت مسمى ( تراكم رأس المال) لتحريكه تجاه أهداف محددة و غايات تستهدف رفعة شأن ( أيدولوجيتهم) عبر ترفيع إمكانات ( جماعات) تنمي الأموال التي إئتمنت عليها.. بل و تقوم بتمويل ( عمليات) دولة المؤتمر الوطني متى احتاجت إلى التمويل.. و لتلك الجماعات أموال خارج البلاد يمكن استدعاؤها إذا تطلبت ( الضرورة) ذلك.. و المعروف أن الناتج القومي لدولة ( ماليزيا) يبلغ حوالي 330 مليار دولار.. 7% منها من حُرّ مالنا ِالذي اغتصبته ( جماعة) الانقاذ إياهم.. و يبلغ الناتج القومي السوداني حوالي 90 مليار دولار.. كان يمكن أن يكون 113 دولاراً .. و لكن....
و يحكي العارفون ببواطن الأمور أن تنفيذيي النظام الحاكم عطلوا نظم و لوائح الخدمة المدنية.. و صار الروتين اليومي يُمارس بلوائح و نظم من صنع ( القوي الأمين) الجالس على كرسي المنشأة.. كلاً حسب مقتضيات دائرته.. لدرجة أن أحد المتنطعين كان يمزق أي لائحة يأتي بها إليه أحد مرؤوسيه لتبرير موقف يتوجب على الدائرة اتخاذه في ظرف محدد.. يمزقها و هو يصرخ في انفعال من مُسَّت كرامته: " أنا القانون هنا! أنا القانون! و بلاش لوائح و كلام فارغ!"
من العارفين ببواطن الأمور من يرى أن للتمكين إيجابياته.. و يرون أن المستهدفين بالقيود الحكومية المكبلة للأنشطة هم أولئك الذين من شـأنهم تبديد الثروات " القومية" فيما يؤثر سلباً على الاقتصاد الكلي عبر آلية المضاعف (The multiplier effect).. أما أهل الثقة، فيتم تجاوز الجمود البيروقراطي لأجلهم.. و تنفتح أبواب البنوك لصحفهم و وسائل إعلامهم و كل مستحيل ليمروا غسيلاً للأدمغة و تبريراً للتجاوزات التي تحدث ضد الصالح العام.. فالأسواق التي لا تخضع لقيود التنظيم و الرقابة- حسب العارفين ببواطن الأمور- تفجر الطاقات و تمكنها من استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة.. حيث لا توجد معايير للأخلاق في هذا النوع من الاقتصاد.. كل المطلوب هو ارتفاع الناتج الاجمالي القومي عبر تراكم رأس المال.. و من ثم اعتبار أن نصيب الفرد قد ارتفع بنفس النسبة، و ذلك هراء..
لكن معايير الأخلاق جزء أساس في الدين الاسلامي لصالح المجتمع " أطعمهم من جوع و آمنهم من خوفٍ ".. و قد تم إسقاط تلك المعايير و سقط الحديث عن " هي لله.. هي لله" و انحصر في " هي للسلطة.. هي للجاه!" و هربت صدقية المطالبة بالشريعة الاسلامية عن الذين يطأطؤون رؤوسهم لشروط البنك الدولي اللا ملتزمة بمعايير التكافل و الأخلاق.. و ساد الخوف و الجوع مجتمعات بأكملها..
|
|
|
|
|
|