بلوغ الموظف سن المعاش بالتأكيد لا يعني نهاية الحياة و لا نهاية العطاء ، بل هو بداية لنمط حياة جديد ، أكثر ما يميِّزه توفر وقت أكبر لتعميق و تطوير و تعضيد العلاقة مع الخالق جلّ و علا ، و هو أيضاً فرصةً كبرى لتجديد العلاقات الإجتماعية و الغوص فيها بقدر ما سيصبح الزمن متوفراً ومتاحاً كما لم يكن من قبل ، فضلاً عن أن ذلك لا يعني بُعد المعاشي عن دائرة الحياة العملية على كافة أشكالها و بحسب طاقاته و إمكانياته المتوفرة ، فالمجال على مستوى المشاريع الخاصة و الطموحات المؤجلة واسع ، ويمكن أن يتحصَّل به المتقاعد على منافع مادية و معنوية جمَّه ، كما أن المتقاعد إذا نظر إلى ما سلف من حياته المهنية بما فيها من إنقطاع زمني إستهلكته منه ظروف العمل ، سيجد أن ما يوجد لديه بعد المعاش من (براح زمني ) مدعاة للإلتفات إلى أسرته الصغيرة و الكبيرة بقدر أكبر و بأحاسيس أعمق ، سيكتشف أشياء لم يكن يدركها في من حوله ، ما قادني للكتابة اليوم عن موضوع المتقاعدين ، أن مجموعة من طلاب علم النفس بجامعة الزعيم الأزهري أعدوا بحثاً أو إستقصاءاً عن حالة الإضطراب النفسي لدى المتقاعدين ، خصوصاً في بدايات دخولهم إلى هذه المرحلة ، وجاءت نتيجة البحث أن 60% منهم بالفعل يتعرضون إلى إضطرابات نفسية أغلبها تدور في فلك الإكتئاب و الشعور بعدم الأمان النفسي ، و للحقيقة أرى أن الإرتباط النفسي بالعمل أو الوظيفة الزائد عن حده الطبيعي هو السبب الرئيس الذي يمنع هؤلاء من التعامل ببساطة مع موضوع التقاعد ، ورغم أنم العمل هو ( جانب ) مهم من جوانب حياتنا ، لكن من الصواب ألا يكون هو كل حياتنا ، بعض الناس يحملون هموم العمل و مشكلاته إلى حياتهم الخاصة ، فضلاً عن كونهم لا يبحثون داخل ذواتهم عن مواهب أخرى مدفونه تحت ضغوطات الحياة المختلفة بما فيها مشكلات العمل ، و تجدهم أيضاً يفتقدون إلى ممارسة الهوايات و تحقيق نوع من الإهتمامات الأخرى المفيدة عل الصعيد الإجتماعي سواء أن كانت طوعية أو مدفوعة الثمن ، والتي ربما إستطاعت في المستقبل أن تمتص صدمة الشعور بالعجز أو عدم الفائدة في الحياة إذا أتى وقت التقاعد .. على الأسر أن تهتم بمتقاعديها و كذلك البيئة الإجتماعية المحيطة .. عليهم جميعاً أن يلحظوا سلوكيات المتقاعد و مدى مقدرته على الولوج بإنسياب في عالمه الجديد ، و أن يقايسوا من وقت آخر ما يطرأ عليه من تغيُّرات سلوكية نمطية .. ربما أشارت إلى معاناته النفسية ، هم بالتأكيد يحتاجون إلى كثير من الدعم المعنوي ، كا يحتاجون إلى الشعور بتفاعل الآخرين مع مشاريعهم و مخططاتهم ، ذلك أيضاً أدعى للحفاظ على صحتهم الجسدية ، فالصحة البدنية هي دائماً موازية و مصاحبة لحالة الإستقرار النفسي .. لا تدعوا متقاعديكم يدخلون عالم الإكتئاب الأليم .. إجعلوهم قرة عين و إستفيدوا من خبراتهم الحياتية و المهنية و إدعموا طاقاتهم المتجددة و الفاعلة و التي لا تتأثر بحكم و لا قانون و لا لوائح إدارية .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة