:: باليابان، في العام 2001، عاقبوا معلماً، فاشادت الصحف والمجتمع بالعقاب، ثم أجبرت المعلم على تقديم الاستقالة..والغريب في الأمر ، أن هذا المعلم، كان قد فاز في سنوات سابقة بلقب (المعلم الممتاز)، ومع ذلك لم يشفع له هذا اللقب حين عاقبوه - إداريا وإعلاميا - لحد تقديم الاستقالة..والأغرب أن جريمة هذا المعلم لم تتجاوز رمي مقعده باتجاه تلاميذ يلعبون الكرة الطائرة ..!! :: كان يدربهم على الكرة الطائرة، فانفعل و رمى المقعد باتجاههم فقط ، أي لم يصبهم .. ورغم أن الحدث كان محض إنفعال في الملعب، فأن هذا الإنفعال وتوجس التلاميذ من غضب معلمهم بمثابة أدلة تكفي بحيث تكون هناك تهمة ثم إدانة ثم عقاب.. إنها التربية في اليابان التي لاتزال تخضع صغارها الذين شاهدوا وعاشوا مآسي توسنامي إلى العلاج النفسي بحيث يكونوا أسوياء في المستقبل ..!! :: ولكن هنا، في موطن العنف، كما قالت أخبار البارحة، فان المركز القومي للمناهج والبحث التربوي يتأهب لإجراء بحوث ميدانية حول أثر إلغاء عقوبة الجلد في مرحلة الأساس، لمعرفة سلوكيات الطلاب، توطئة لرفع التوصيات إما بالإلغاء أو الاستمرار .. جلد الأطفال لايزال خياراً تربوياً في موطن التخلف، وقد يعيده هذا المركز المتخلف - نهجاً - بعد ما أسمته بالدراسة الميدانية لآثر الغاء عقوبة الجلد.. !! :: وبالمناسبة، هذه الدراسة الميدانية المرتقبة محض غطاء لإعادة الجلد الى مدارس الأساس .. أعادوها، وسوف يتم تنفيذها في العام الدراسي القادم، ولكنهم يجتهدون في إقناع الرأي العام بالخزعبلات التي من شاكلة ( أجرينا دراسة ميدانية).. إذ قبل أشهر، مٌخاطباً احتفال افتتاح مدينة المعلم الطبية، وجه رئيس الجمهورية وزارة التربية بمراجعة قرار الغاء عقوبة الجلد قائلاً : ( التعليم ما قراية وكتابة، وإنما تربية)..!! :: ومايسمونها اليوم بدراسة آثار الجلد، بحيث يتم الإلغاء أو الإستمرار في القرار، غطاء مراد به تنفيذ ذاك التوجيه، بحيث يبدو الجلد تربوياً.. وزارة التربية تخشى أن يعود الجلد إلى مرحلة الأساس بلسان حال قائل ( الرئيس قال يجلدوكم)، وعوضاً عن هذا التحريض الرئاسي،سوف تعيد الجلد بلسان حال قائل : (الدراسة الميدانية أكدت فوائد الجلد)..هذا كل ما في الأمر ، وليس مهماً أن ترتفع نسب التسرب و حجم الغباء وفقدان الثقة في النفس و كل أمراض الجلد أضعاف ما هي عليها اليوم..!! :: وقبل خطاب الرئيس والإعلان عن الدراسة الميدانية، قال وزير التربية بالخرطوم قبل أشهر : ( منع الجلد بالمدارس جعل بعض التلاميذ يتطاولون على الأساتذة، وبعض الأسر تستغل قانون الأسرة والطفل ضد المعلمين، وأعلنا العزم على مراجعة لائحة منع عقوبة الجلد لإحداث التوازن المطلوب منعاً لحدوث رد فعل معاكس من التلاميذ وأسرهم نحو المعلمين)..هكذا كان العزم التربوي الرسمي الجهير قبل أشهر، فلماذا البحوث الميدانية اليوم؟.. ليس منطقاً إعلان العزم قبل البحوث ما لم تكن البحوث محض غطاء للعزم ..!! :: وفي مارس العام الفائت، أعلنت الهيئة النقابية لعمال التعليم بالخرطوم عن تطبيق لوائح صارمة في تعيينات المعلمين لحماية التلاميذ من (التعرض للأذى)، لإرتفاع حالات الجنون والأمراض النفسية وسط المعلمين .. وعندما سألوه عن أسباب إرتفاع حالات الجنون، أجاب الأمين العام : ( جاءوا إلينا بحالاتهم الراهنة)، ثم طالب بتواجد طبيب نفسي في لجان الإختيار.. وعليه، فان حالات الجنون المعترف بها هي التي تستدعي البحوث الميدانية، وليس آثار عدم جلد الصغار ..!! :: فأي تربية هذه التي يُساق إليها التلميذ بالسياط و الخراطيش؟..ليس هناك ما يمنع وزارة التربية ومراكز الدارسات عن إجراء الدراسات ومعرفة أسباب شغب التلاميذ وتطاولهم على أساتذتهم، أو كما يبررون لإعادة الجلد..هم يعلمون بأن لشغب التلاميذ أسباب ذات صلة بالبيئة المدرسية ومناهجها وطرق الإدارة و شخصية (الناظر والمعلم)..وكان معالجت هذه الأسباب بدلا عن إرساء المزيد من أسباب الجهل والغباء والعٌقد النفسية والتسرب في أوساط التلاميذ بالعودة إلى الجلد ..!! :: جلد التلميذ يعني تدني مستوى احترامه لذاته، ويعني عدم تعبيره السليم عن نفسه ، ويعني هز إستقراره النفسي، ويعني توليد الكراهية في نفسه تجاه الآخر، ويعني جلب الكآبة والقلق والعدائية إليه، ويعني عجزه عن مواجهة الأحداث والمواقف في حياته، ويعني رهبته من اتخاذ القرار، ويعني تعرضه للأذى أو الموت كما حدث باحدى مدارس ولاية الجزيرة قبل سنوات..ولترسيخ هذه الكوارث في أجيال الغد أيضاً - كما هي راسخة في أجيال الأمس اليوم - يجتهدون بما يسمونها (بحوث ميدانية).. فلتنتبه الصحف ومجالس الآباء والأمهات..!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة