|
التصوف الاسلامى من منظور منهجى/د. صبري محمد خليل
|
بسم الله الرحمن الرحيم
التصوف الاسلامى من منظور منهجى
د. صبري محمد خليل
جامعه الخرطوم
مقدمه تتناول هذه الدراسه التصوف الاسلامى من خلال منهج يتجاوز موقفي الرفض المطلق والقبول المطلق ،إلى موقف تقويمى قائم على اعتباره اجتهاد يحتمل الصواب والخطا في إطار الفكر الاسلامى ،فهو جزء من كل ،وان علاقتة بالفكر الانسانى هى علاقة تاثير متبادل . وان الموقف الصحيح من قضاياه ليس النفي المطلق أو الإثبات المطلق ، بل الإثبات المقيد بالضوابط التكليفيه (الاوامر والنواهى التي جاء بها الوحى) والتكوينيه (السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود).ثم تتناول الدراسه تطبيق هذا المنهج على قضايا التصوف المختلفة كنظريه الكشف الصوفى، ،الكرامات، الأحوال والمقامات...بالاضافه الى دراسه بعض الشخصيات والفرق الصوفيه.
بسم الله الرحمن الرحيم أصل كلمة تصوف اختلف الباحثون في اشتقاق كلمة صوفي: • فقيل إنه لقب أي لا تشهد له من جهة العربية اشتقاق أو قياس. • وقيل المشتق من الصفاء وإلى هذا يشير السبتي: "تنازع الناس في الصوفي واختلفوا فيه وظنوه مشتقاً من الصوف وليست الحل هذا للاسم مفتي- صافي فصوفي حتى لقب الصوفي. • وقيل أنه مشتق من الصفو بمعنى الصفاء أيضاً. • وقيل أنه مشتق من الصف الأول لأن الصوفية في الصف الأول أمام الله. • وقيل نسبة لأهل الصفة وكانوا قوماً من فقراء المهاجرين والأنصار بنيت لهم صفة في مؤخرة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. والصفة موضع غير البيت ذو ثلاث حوائط مظلل ليستتر به من البرد والحر(1) وكانوا معروفين بالعبادة. • وقيل أنه مشتق من اسم (صوفة بن مرة) أحد سدنة الكعبة في الجاهلية. • وقيل مشتق من كلمة (صوفيا) اليونانية وهي تعني الحكمة. • وقيل أنها مشتقة من الصوف ويقال الصوفي للرجل إذا لبس الصوف. وكثير من الصوفية يرون هذا الرأي ومنهم السراج الطوسي في كتابه (اللمع) وأيده ابن خلدون وآخرون. تقويم: رد التصوف إلى كلمة (صوفيا) وهو امتداد لمحاولة رد التصوف إلى مصدر أجنبي خالص هو الفلسفة اليونانية. كما أن رده إلى الصف لأن الصوفية في الصف الأول أمام الله هو تأويل صوفي للمصطلح ،يمكن اعتباره امتداد لمحاولة رد التصوف إلى مصدر إسلامي خاص، وكذلك رده إلى أهل الصفة الذين سكنوا مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم واشتغلوا بالعبادة وتعاون المهاجرون والأنصار على طعامهم طيلة أعوام الهجرة لشدة فقرهم. ونلاحظ أن الصوفية رأوا أن سلوكهم هو السلوك الأمثل في التصور الإسلامي وأنهم كانوا ينظرون إلى الحياة بعين السخط والتشاؤم ويستعجلون الخروج من الدنيا إلى الآخرة. والواقع أن سلوكهم كان سلوكاً استثنائياً ومرتبطاً بظروف الدعوة في مرحلة معينة بدليل أن أهل الصفة كانوا يشكون للرسول صلى الله عليه وسلم حالهم وكان يسهم بالحياة الأفضل في الدنيا قبل الآخرة، فمن أهل الصفة عبد الله بن الأسد المخزومي (كنا عند رسول فشكونا إليه الفقر والعري وقلة الشيء فقال عليه الصلاة والسلام اصبروا فوالله لأنا من كثرة الشيء أخوف عليكم من قتله وأنه لا يزال هذا الأمر فيكم حتى تفتح أرض فارس والروم) 2 وبدليل أنه بعد فتح مكة لم يبق أهل الصفة على ما كانوا عليه في الصفة عالة على إخوانهم.
المواقف المختلفة من التصوف 1) موقف القبول المطلق:ويمثله بعض الصوفية . 2) مواقف الرفض المطلق:ويمثله بعض المتكلمين والفقهاء وخاصة بعض متأخري الحنابلة. تقويم لموقف الرفض المطلق: هذا الموقف مبني على فهم خاطئ لموقف أئمة المذهب الحنبلي من التصوف ولكن القراءة المتكاملة لهؤلاء الأئمة تناقض هذا الموقف ، فعن الإمام أحمد بن حنبل نجد في الجزء الثاني من طبقات الحنابلة للقاضي محمد بن أبي يعلي مقدمة الشيخ أبي محمد بن تميم النبلي في عقيدة الإمام أحمد بن حنبل (قد سئل مرة عن المريد فقال أن يكون مع الله كما يريد وأن يترك كل ما يريد لما يريد... وكان يعظم الصوفية ويكرمهم وقال وقد سئل عنهم وقيل له يجلسون في المساجد فقال: العلم أجلسهم). أما في العصر الحديث فيتسند أنصار هذا الموقف إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولكن العديد من النصوص المنقولة عنه تمثل الموقف النقدى أكثر من موقف الرفض المطلف، ففي القسم الثالث من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب جزء (فتاوى ومسائل) قام بجمعها الشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم ومحمد عبد الرازق الدويسي والصفحة رقم (31) المسألة الخامسة "اعلم أرشدك الله – أن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى الذي هو العلم النافع ودين الحق الذي العمل الصالح إذا كان من ينسب إلى الدين: منهم من يتعانى بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء ومنهم من يتعانى بالعبادة طلب الآخرة كالصوفية. وبعث الله بنبيه بهذا الدين الجامع للنوعين"(1). وفي القسم الثاني من مؤلفاته (الفقه) المجلد الثاني ص (4) في رسالة (أربع قواعد تدور الأحكام عليها) يقول " اعلم رحمك الله إن أربع هذه الكلمات يدور عليها الدين سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير أو في علم الأصول أو في علم أعمال القلوب الذي يسمى علم السلوك..." وفي (لحق المصنفات) "هذه مسألة" صفحة (124) قال " فنفس محبته أصل عبادته والشرك فيها أصل الشرك في عبادته ولهذا كان مشايخ الصوفية العارفون يوصون كثيراً بمتابعة العلم قال بعضهم "ما ترك أحد شيئاً من السنة إلا لكبره في نفسه". الموقف التقويمي (النقدي): إن الموقف الذي يتجاوز الرفض أو القبول المطلقين إلى تناوله من حيث اتفاقه أو اختلافه مع أصول الدين المتمثلة في القواعد اليقينية الورود القطعية الدلالة المطلقة عن قيود الزمان والمكان فإن اتفق معها كان القبول وإن اختلف كان الرفض . وهو فيما نرى الموقف الحقيقي لابن تيمية الذي يقول "لأجل ما وقع في كثير من الاجتهاد والتنازع فيه تنازع الناس في طريقهم فطائفة ذمت (الصوفية والتصوف) وقال أنهم مبتدعون خارجون عن السنة ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف تبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام وطائفة غلو فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم. والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ وفيهم من يذنب ويتوب أو قد لا يتوب ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاصٍ لربه. وقد انتسب غليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم كالحلاج مثلاً... كما أنه الموقف الحقيقي لابن القيم الذي يقول "فاعلم إن في لسان القوم من الاستعارات وإطلاق العالم وإرادة الخاص وإطلاق اللفظ وإرادة إشارته دون حقيقة معناه ما ليس على لسان أحد من الطوائف غيرهم ولهذا يقولون "نحن أصحاب عبارة" و"الإشارة لنا والعبارة لغيرنا" وقد يطلقون العبارة التي يطلقها الملحد ويريدون بها معنى لا فساد فيه وصار هذا سبباً لفتنة طائفتين: طائفة تعلقوا عليهم بظاهر عباراتهم فبدعوهم وظلموهم. والطائفة الثانية حجبوا بما رأوه من محاسن القوم وصفاء قلوبهم وصحة عزائهم وحسن معاملتهم عن رؤية شطحاتهم ونقصانها فسحبوا عليها زيل المحاسن وأجروا حكم القبول وهؤلاء أيضاً معتدون مفرطون.والطائفة الثالثة: وهم أهل العدل والإنصاف الذين أعطوا كل ذي حق حقه وأنزلوا كل ذي منزلة منزلته فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول ولا للمعلول السقيم بحكم الصحيح بل قبلوا ما يقبل وردوا ما يرد(1) وبناء على هذا يورد ابن القيم تعريفاُ للتصوف فيقول (... والتصوف زاوية من زوايا السلوك الحقيقي وتزكية النفس وتهذيبها لتسعد لسيرها إلى صحبة الرفيق الأعلى، ومحبة فإن المرء مع من أحب). كما يورد تعريفاً آخراً فيقول "والدين كله خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد في الدين وكذلك التصوف قال الكتبي: التصوف هو الخلق فمن زاد في الخلق فقد زاد عليك في التصوف).
(1) ابن القيم، مدارج السالكين، ج3، ص مصادر التصوف أولاً: رد التصوف إلى مصدر أجنبي خالص أ) المصدر الفارسي: هنالك من المستشرقين من ذهب إلى القول بأن التصوف من أصل فارسي منهم دوزي فهو يرى أن التصوف جاء من أصل فارسي حيث كان موجود قبل الإسلام فقد ظهرت فكرة صدور كل شئ عن الله والقول بأن العالم لا وجود له في ذاته وأن الموجود الحقيقي هو الله. وكل هذه المعاني يفيض بها التصوف الإسلامي. ب) المصدر المسيحي: هنالك من المستشرقين من رأى أن التصوف من مصدر مسيحي ويستند أولئك إلى حجتين الأولى الصلات بين العرب والنصارى في الجاهلية والإسلام والثانية أو الشبه بين حياة الزهاد والصوفية وحياة المسيح والرهبان وطرقهم في العبادة والملبس ومن الذين يذهبون إلى هذا الرأي (جولدزيهير ونيكولسن واوليري). ج) المصدر الهندي: ويميل بعض المستشرقين إلى رد التصوف الإسلامي إلى الفكر الهندي ومن هؤلاء هورتن ومارتنمان فقد ساق الأخير حججاً كثيرة منها أن الزهد الإسلامي هندي في أساليبه فاستعمال المخلاة والسبح عادة هندية بالإضافة للتشابه في عقائد الهنود في وحدة الوجود والفناء وعقائد متفلسفة الصوفية. د) المصدر اليوناني: ومنهم من رد التصوف الإسلامي إلى مصدر يوناني وهم يعنون به التصوف الذي بدأ في الظهور في القرن الثالث الهجري على يد ذو النون البصري و الذي يطلق عليه اسم التصوف الفلسفي. تقويم: نلاحظ أن المستشرقين إذا ردوا التصوف الإسلامي إلى مصدر أجنبي خالص لم يتوصلوا إلى موقف موحد فأوائل المستشرقين كانوا أميل إلى ردهم إلى مصدر واحد أما المتأخرين منهم فهم أميل إلى رفض فكرة المصدر الواحد ويقول نيكليسون في كتابه التصوف الإسلامي "برهن البحث الحديث على أصل الصوفية لا يمكن أن يرد إلى سبب واحد محدود ومن هنا لم يرتضِ باحث منصف هذه التعليمات الجارفة من أمثال أنها رد فعل للعقل الآلي تجاه الدين الإسلامي الفاتح أو أنها ليست إلا نتاج للفكر الفارسي أو الهندي".(1) أما القول بالمصدر الفارسي فيمكن الرد كما يقول د. أبو الوفاء التفتزاني بأن هذه الأفكار لا توجد إلا عند أصحاب وحدة الوجود الذين ظهروا في وقت متأخر (القرنين السادس والسابع الهجري) وليس كل الصوفية في الإسلام قائلين بهذا المذهب. ويعاب عن القول برد التصوف الإسلامي إلى الزهد المسيحي عن تأثر بغير الصوفية بالمسيحية لم يظهر إلى وقت متأخر (أواخر القرن الثالث الهجري) بعد أن كان الزهد قد استقر في القرنين الأول والثاني الهجريين وأصبح دعامة التصوف الإسلامي. كما نجد أن الحلاج الذي استخدم مصطلحات مسيحية كاللهوت والناسوت ويرى نيكلسون نفسه في كتابه "تاريخ العرب العجمي "أن المسيحية على حيث أنها أثرت في التصوف الإسلامي" أما القول برده إلى الفكر الهندي فيرد أبو الوفاء بأنه لم يعثر على تصوير صريحة تدل على معرفة صوفية المسلمين بعقائد الهنود وديانتهم إلا عند الصوفي المتفلسف ابن سبعين في كتابه "الرسالة النورية" حيث يذكر شيئاً من صيغ الأذكار عند البراهد وهو ما كان في القرن السابع الهجري. كما يرى بعض المستشرقين أن هذا التشابه مبالغ فيه وسطحي أكثر من أن يكون جوهرياً كما عند (بروان) في كتابه "تاريخ الفرض الأدبي". أما القول الأخير فيمكن الرد عليه بأنه أن كل من غير المذكور أثر الفلسفة اليونانية عامة وفلسفة أف########ن خاصة على التصوف الإسلامي خاصة عندما يطلق عليهم الصوفية المتفلسفين مثل السهروري وابن عربي وابن سبعين أنه لا يمكن رد التصوف الإسلامي كله إلى مصدر يوناني لأن الصوفية الأوائل لم يقبلوا على فلسفة اليونان إقبال الفلاسفة المسلمين(1) ثانياًَ: المصدر الإسلامي الخالص: ومن الباحثين من ينكر أي أثر للمصادر الأجنبية على التصوف الإسلامي ويرده إلى مصادر إسلامية خالصة مثل القرآن والسنة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ويقارب هذا الرأي ما أورده د. أبو الوفاء التفتزاني في كتابه السابق الذكر من أن "التصوف متعلق أساساً بالشعور والوجدان، والنفس الإنسانية واحدة على الرغم من اختلاف الشعور والأجناس وما تصل غليه نفس بشرية واحدة بطريق المجاهدات والرياضات الروحية قد تصل إليه أخرى دون اتصال واحدة منها بالأخرى". ويترتب على هذا أن التشابه بين التصوف الإسلامي وغيره من أنواع التصوف الأجنبية لا يعني دائماً وأبداً أخذه عنه. ثالثاً: التأثير المتبادل بين المصادر الأجنبية والإسلامية: الواقع من الأمر أن كلا موقفين السابقين هو إنكار لسنة التأثير المتبادل فموقف المستشرقين القائم على رد التصوف الإسلامي إلى مصدر أجنبي خالص واعتباره مجرد نقل التراث الأجنبي هو إنكار لتأثير التصوف الإسلامي في هذا التراث حتى الصوفية الذين أخذوا من هذا التراث الأجنبي لم يكونوا مجرد نقلة له إنما أخذوه ثم نموه وطوروه. كما أن رد التصوف الإسلامي إلى مصدر أو مصادر إسلامية خالصة هو إنكار لتأثر التصوف الإسلامي بهذا التراث الأجنبي والحقيقة الحضارة العربية الإسلامية التي يعد التصوف الإسلامي أحد عناصرها جزء من المجتمع الإنساني وحضارات متأثرة به ومؤثرة فيه فلا تستطيع أي حضارة أن تنعزل عن العالم الذي يعيش فيه أو أن تأثيره فيها. غير أنه يجب النظر إلى طبيعة هذا التأثير المتبادل على التيارات المختلفة للتصوف الإسلامي ففي حين أن التيار الذي أطلق عليه اسم (التصوف الفلسفي) كما عند الجيلي (الاتحاد) والحلاج (الحلول) وابن عربي (وحدة الوجود) انطلق من مفاهيم مستمدة من المصادر الأجنبية أي أن عملية الأخذ والتنمية والتطوير لم يكن بعد الانطلاق من المفاهيم الإسلامية إنما تالياً لها. نجد أن التيار الذي يطلق عليه اسم (التصوف السني) كما عند الإمام الغزالي مثلاً انطلق أولاً من المفاهيم الإسلامية ثم تأثير في (1) د. أبو الوفاء التفتزاني، مدخل إلى التصوف الإسلامي، نفس المكان. صياغته لهذه المفاهيم بمصادر غير إسلامية. هذا الموقف يقارب رأي بعض المستشرقين منهم سبنسر ترمنجهام في كتابه (الصوفية في الإسلام) حيث يقول "إن الصوف الإسلامي تطور طبيعي داخل حدود الإسلام ولا يمكن إلا بصلة طفيفة بالمصادر غير الإسلامية مع أنه نظام إشاعات من الحياة الصوفية الزهدية المسيحية الشرقية وفكرها وبالتالي فإن نظام الصوفية الواسعة المتطورة قد يكون في الإسلام ومهما كان الدين يدين للأفلاطونية المحدثة أو الغنوصية أو التصوف المسيحي إلا أنه ينبغي أن ننظر إليه بحث كما نظر إليه الصوفية على أنه النظرية الباطنية للإسلام. نشأة وتطور التصوف عندما ظهر الإسلام كانت المجتمعات التي توجد بين الخليج العربي والمحيط الأطلسي إما قبائل أو شعوب وقد أشار القرآن لهذين الطرفين (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) "الحجرات:13" وكانت الهجرة بمثابة ترقي للعلاقة بين الناس إلى ما فوق الطور القبلي وهنا سيتحدث القرآن عن المؤمنين لا جملة بل حسب انتمائهم فإما مؤمنين ينتمون إلى قبائل (الأعراب) أو مؤمنون ينتمون إلى شعب (أهل المدينة) "ما كان أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله....) "التوبة:12" وبالتالي قطعت الروابط القبلية فيصبح المؤمنون من القبائل المختلفة يخضعون لنظام معاملات واحد كما في (الصحيفة) التي كانت بمثابة دستور للشعب الجديد وبدأت الأمة العربية المسلمة جنيناً في رحم هذا المجتمع (الشعب) الذي أوجده الإسلام ولدت فيه ونمت معه واكتملت به وكانت فترة الخلافة الراشدة امتداداً لمدرسة النبوة فقامت على المساواة بين الناس وقطع العلاقات العشائرية والقبلية.غير أنه بعد الخلافة الراشدة مرحلة الصراع (الدفع) الاجتماعي كان الصراع الداخلي فيها قائماً بين قوى تستهدف كل منها الخلافة (الدولة إدارة السيطرة على الإمكانيات المشتركة) وتدعي كل منها أحق من غيرها بها وإن كانت كل منها تحصل معها تراثها القبلي فيما تدعيه من وحدة الأصل (الأمويون، الهاشميون والعباسيون). 1) كانت بداية التصوف متمثلة في فئة الزهاد الذين اتخذوا موقفاً من هذا الصراع يتمثل في اعتزاله والانشغال بالعبادة. يقول النموبخي "من الفرق التي افترقت في ولاية علي على فرقة اعتزلوا مع سعد ين مالك وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب فإن هؤلاء اعتزلوا عن علي وامتنعوا عن محاربته والمحاربة معه ودخولهم بيعته والرضا به فسموا المعتزلة". ويقول المطلي "وهم سموا أنفسهم معتزلة وذلك عندما بايع الحسن معاوية وسلم إليه الأمر اعتزلوا الحسن ومعاوية وجميع الناس وذلك أنهم كانوا من أصحاب علي ولزموا مساجدهم وقالوا ننشغل بالعلم والعبادة فسموا بذلك المعتزلة". ومن النصوص السابقة نفهم أن هذه الفئة لا تنتمي بصلة إلى المعتزلة الفرقة الكلامية المشهورة بأصولها الخمسة وإنما كانوا أسلاف الصوفية وأخذوا اسمهم من موقفهم من الصراع الاجتماعي الدائر في زمانهم والقائم على اعتزال القوى المتصارعة وبناء على هذا كانت المرحلة الأولى في نشأة التصوف هي مرحلة الزهد وهي الواقعة في القرنين الأول والثاني الهجري فكانوا اتساقاً مع خصائص هذه المرحلة أفراداً لهم طريقة زهدية تتصل بالمأكل والمشرب والملبس ومن هؤلاء الحسن البصري المتوفى 110هـ ورابعة العدوية. ويميز ابن الجوزي بين الزهد ومرحلة التصوف في قوله الصوفية انفردوا عن الزهاد بصفات وأحوال وتوسموا بسمات فاحتجب إلى إفرادهم بالذكر والتصوف طريقة ابتدءوها الزهد الكلي.(1) 2) منذ القرن الثالث للهجرة نجد الصوفية عنوا الكلام في دقائق أوائل الناس والسلوك وغلب عليهم الطابع الأخلاقي ونشأ علم للتصوف يتميز عن علم الفقه له لغته الاصطلاحية الخاصة التي لا يشارك الصوفية فيها غيرهم يقول ابن خلدون "فلما كتبت العلوم ودونت وألف الفقهاء في الفقه وأصوله والكلام والتفسير وغير ذلك كتب رجال من هذه الطريقة في طريقهم فنمهم من كتب في الورع ومحاسبة النفس في الأخذ والترك كما فعل القشيري في الرسالة والسهروردي في كتاب (عوارف المعارف) فصار علم التصوف في الملة علماً مدوناً بعد أن كانت طريقة عبادة فقط. 3) ومن ناحية أخرى نجد بعد شيوخ التصوف في القرنين الثالث والرابع كالجنيد والسري السقطي والحراز يجمعون حولهم المريدين من أجل تربيتهم فتكونت لأول مرة الطرق الصوفية في الإسلام وكان أيضاً نوع من التصوف الفلسفي يمثله الحلاج الذي أعدم لمقالته في الحلول 309هـ. 4) ثم جاء الإمام الغزالي في القرن الخامس الهجري وأرسى القواعد من جديد من التصوف يساير أهل السنة على مذهب الأشاعرة الكلامي ويخالف تصوف الحلاج والبسطامي ومنذ القرن السادس الهجري أخذ التصوف السني في العالم الإسلامي يزداد بتأثير الغزالي وظهر صوفية كونوا طرقاً لتربية المريدين منهم أحمد الرفاعي المتوفى 570هـ وعبد القادر الجيلاني المتوفى 651هـ. 5) كما ظهر منذ القرن السادس مجموعة من شيوخ التصوف الذين مزجوا التصوف بالفلسفة ومنهم السهروردي صاحب حكمة الإشراق المقتول 549هـ والشيخ الأكبر محي الدين بن عربي المتوفى سنة 638هـ وابن السبعين المتوفى 669هـ وقد أخذوا من المصادر الأجنبية كالفلسفة اليونانية وخاصة الأفلاطونية المحدثة. 6) غير أنه منذ دخول الأمم والشعوب المسلمة لمرحلة الاستضعاف وكمقدمة لها أصاب التصوف شيء من التدهور (منذ القرن الثامن الميلادي وحتى العصر الحاضر) فاتجه أصحابه إلى الشروع والتلخيصات لكتب المتقدمين وتوقف الاجتهاد فيه كما عني أصحابه من الناحية العلمية بضروب من الطقوس والشكليات أبعدتهم من جوهر دعوتهم. ولعل ابن تيمية يشير إلى بداية هذه المرحلة بتميزه بين طبقات الصوفية وقد صارت الصوفية ثلاث طبقات صوفية الحقائق فهم الذين وصفناهم صفية الأرزاق فهم الذين وقفت عليهم الخوانق والوقوف فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل التصوف وأما صوفية الرسوم فمنهم المقصودين المقتصرين على التشبه بهم في اللباس والآداب الوصفية فهم بمنزلة الذي يقتصر على زي أهل العلم".(1) 7) وفي الفترة الحديثة والمعاصرة ظهر بعض المفكرين الذين دعوا إلى إصلاح التصوف وتخليصه من الشوائب التي علقت به في مراحله المتأخرة منهم محمد عبد وابن باديس.
اقسام التصوف قسم الباحثون التصوف إلى: 1) التصوف السني: ا. الحنبلى: ومن اهم ممثليه الامام الهروى وابن القيم فى كتابه"مدارج السالكين" لكن هذا المذهب لم يكتب له الاستمرار بفعل الصراع بين الحنابله والصوفيه. ب.الاشعرى:ويستند إلى المذهب الأشعري واهم اعلامه الامام الغزالى. 2) التصوف الفلسفي: يستند إلى مفاهيم وعقائد أجنبية وينقسم إلى عدة مذاهب: أ. مذهب الحلول: مضمونه إمكانية حلول روح الله تعالى في الإنسان وينسب الى الحلاج في كتاب الطواسين. ب. مذهب الاتحاد: مضمونه إمكانية اتخاذ الذات الإنسانية بالذات الإلهية وينسب البسطامي. ج. مذهب وحدة الوجود: ومضمونه أن هنالك وجود حقيقي واحد هو وجود الله تعالى أما وجود المخلوقات فهو وهمي مصدره خداع الحواس وينسب الى ابن سبعين.
تقويم تسميه التيار الثانى بالفلسفى غير موفقه لان الاسم يوحى بالتعارض المطلق بين الفلسفة والدين بينماهناك مواقف ومذاهب تتعارض مع الدين واخرى تتفق معه.كما يوحى ان مصدر كل هذه المفاهيم هو الفلسفة وهو غير صحيح فكثير منها يرجع إلى الديانات الشرقيه القديمه. وعلاقة التصوف الاسلامى بقسميه بالفكر الانسانى هي علاقة تاثير متبادل لكن طبيعه هذا التأثير تختلف طبقاً لقسمي التصوف: ففي حين أن التيار الذي أطلق عليه اسم (التصوف الفلسفي) انطلق من مفاهيم مستمدة من المصادر الأجنبية أي أن عملية الأخذ والتنمية والتطوير لم يكن بعد الانطلاق من المفاهيم الإسلامية إنما تالياً لها. نجد أن التيار الذي يطلق عليه اسم (التصوف السني) كما عند الإمام الغزالي مثلاً انطلق أولاً من المفاهيم الإسلامية ثم تأثير في صياغته لهذه المفاهيم بمصادر غير إسلامية.. و القول بالحلول او الاتحاد او وحدة الوجود الإسلام يتعارض مع التصور التنزيهى لله تعالى الذي مضمونه أن وجوده تعالى مطلق عن قيود الزمان والمكان لا تتوافر للإنسان امكانيه معرفته بحواسه وعقله . فضلا عن ان التصورالتنزيهى يدعم التطور اوالترقي الروحى (الذي مضمونه اتخاذ الله تعالي غاية مطلقة واتخاذ صفات ألوهيته مثل عليا -قيم-مطلقه يسعى الإنسان لتحقيقها في الأرض )،دون ان يلغى التطور المادي اى البعد المادى للإنسان ،فهو يمد ألذات الانسانيه بإمكانيات غير محدودة للتطور، لأنه لا تتوافر لهذه ألذات إمكانية التحقيق النهائي لها ،فضلاً عن تجاوزها، يقول ابن القيم (فإن السالك لا يزال سائراً إلي الله تعالى حتى يموت ولا ينقطع سيره إلا بالموت فليس في هذه الحياة وصول يفرغ معه السير وينتهي). بخلاف القول بالحلول او الاتحاد او وحدة الوجود لانه يترتب عليه القول بان لهذا التطور أو الترقي الروحي نهاية ، اى انه تتوافر للذات الانسانيه امكانيه التحقيق النهائي لهذه الغاية المطلقة أو المثل العليا - القيم المطلقة وبالتالي يترتب عليه إلغاء الترقى أو التطور المادى اى البعد المادى للوجود الانسانى. والقول بوحدة الوجود يترتب عليه إنكار الموضوعية ،اى إنكار أن للعالم وجود مستقل عن الوعي غير متوقف عليه وسابق عليه فى الوجود.
التصوف والوجود الانسانى ابعادالوجود الانسانى: الوجود الانسانى وجود مركب وليس وجود بسيط لذا تعددت ابعادهذا الوجود البعد المادى: مضمونه التطور المادي ( اى إشباع الحاجات المادية أو تحقيق الغايات والمثل العليا المحدودة بالزمان والمكان أو حل المشاكل المادية ) .البعد الروحي: (مضمونه التطور الروخى اى إشباع الحاجات الروحية أوالسعى لتحقيق الغايات والمثل العليا المطلقة أو حل المشاكل المعنوية والروحية ).البعدالسلبي: (مضمونه التحرر من القيود المفروضة على مقدره الإنسان على التطور) .البعدالايجابي :(مضمونه هذه المقدرة) .البعدالذاتي :(مضمونه تصورالذات لهذه الغايات اوالحاجات اوالحلول) .البعدالموضوعي: (مضمونه الفعل اللازم لإشباع الحاجات اوتحقيق الغايات أو حل المشاكل). البعدالفردى:( مضمونه الترقي الفردي:اى اشباع الحاجات أو حل المشاكل الخاصه).البعدالجماعى:( مضمونه الترقي الاجتماعي: اى اشباع الحاجات أو حل المشاكل العامه). التصور الصوفى: التصوف الاسلامى كجزء من الفكر الاسلامى اختار التركيز على نسق الأبعاد (الروحيه،السلبيه،الذاتية،الفردية) للوحود الانسانى ،ولكن تباينت المواقف الصوفيه من نسق الأبعاد (الماديه،الايجابيه الموضوعية،الاجتماعية ) بين التركيز على الأبعاد الاولى دون الغاء الأبعاد الثانيه ،أو التطرف في التأكيد على الأبعاد الاولى إلى درجه إلغاء الأبعاد الثانيه، ومرجع هذا التباين : أولا: مدى تاثر تياراته بالمفاهيم الاجنبيه: التصوف الإسلامي كجزء من الفكر الاسلامي اثر وتأثر بالفكر الانسانى. غير أن طبيعة هذا التأثير المتبادل اختلق باختلاف التيارات المختلفة للتصوف الإسلامي ،ففي حين أن التيار الذي أطلق عليه اسم (التصوف الفلسفي) انطلق من مفاهيم مستمدة من المصادر الأجنبية فانه حاول تنميه وتطوير هذه المفاهيم لتتفق مع الدين الاسلامى، أي أن عملية التنمية والتطوير لم يكن بعد الانطلاق من المفاهيم الإسلامية إنما تالياً لها. نجد أن التيار الذي يطلق عليه اسم (التصوف السني) كما عند الإمام الغزالي مثلاً انطلق أولاً من المفاهيم الإسلامية ثم تأثير في صياغته لهذه المفاهيم بمصادر غير إسلامية. فعلى سبيل المثال تاثر التصوف الفلسفى بتصور أفلاطون للوجود الانسانى القائم علىنظريه المثل القائلة بان للوجود قسمان: عالم المثل ذو الوجود الحقيقي، والعالم المحسوس الذي هو مجرد ظلال وإشباع تحاكى المثل وليس له وجود حقيقي، ومصدر اعتقادنا بكونه حقيقي خداع الحواس. والعقل أو النفس هى ما يقابل عالم المثل ،أما الجسد فهو ما يقابل العالم المحسوس.فالمادة( الجسم) هى مصدر الشر، والعقل( الروح) هي مصدر الخير. والوجود الإنساناى لا يتحقق الا بالتحرر من المادة والجسد( يتحقق التحرر الجزئي بالزهد والتأمل و يتحقق التحرر الكلى بالموت).فهو تصور يقوم على التطرف في التأكيد على الأبعاد (الروحيه،السلبيه،الذاتية،الفردية) للوحود الانسانى إلى درجه إلغاء الأبعاد (الماديه،الايجابيه الموضوعية،الاجتماعية ) . ثانيا: مراحل تطوره : وقد ساهم التصوف في إغناء الفكر الاسلامي بمذاهب وقيم جديدة إبان فتره التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة؛ غير أن توقف هذه المجتمعات عن التقدم لعوامل ذاتية وموضوعيه مختلفة أدى إلى تجمد الفكر الاسلامي وبالتالي المذاهب والقيم الصوفية على مضامين كسبتها في مراحل سابقة؛ فأصبحت قاصرة عن أن توفى بحلول لمشاكل الحياة في فتره تالية، وهو ما ساهم في ظهور بعض البدع وبعض أنماط التفكير الخرافي والأسطوري في الفكر الصوفي،.... ثالثا:مدى التقيد بالضوابط التكليفيه والتكوينيه: التي وضعها الإسلام لضمان تحقيق التوازن بين الأبعاد المتعدده للوحود الانسانى. ففى حين شدد كثير من ائمه التصوف والمذاهب الصوفيه علىالالتزام بهذه الضوابط التكليفيه(الاوامر النواهى التي جاء بها الوحي) والتكوينيه(معرفه والتزام السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود) ، تحررت بعض المذاهب الصوفيه من الضوابط .التكليفيه"بالقول بسقوط التكاليف" والتكوينيه"بالقول بخرق العاده " . الأبعاد السلبية والايجابية للوجود الانسانى: البعد السلبي للوجود الانسانى. لا يلغى البعد الايجابي له .فكلاهما متساويان في القيمة، واولويه البعد الأول على البعد الثانىاولويه ترتيب لا اولويه تفضيل.وقد اختارت مذاهب التصوف تأكيد البعد السلبي للوجود الانسانى كما يتضح من تعريف التصوف قال ابو الحسن الشاذلي : ( التصوف : تدريب النفس على العبودية ، وردها لأحكام الربوبية ). لكن تباين الموقف من البعد الايجابي له ففي حين أكدت بعض المذاهب الصوفية على البعد الأول لم تلغى البعد التانى ، تطرفت مذاهب أخرى في تأكيد البعد الأول لدرجه إلغاء البعد الثاني ممثلا في تحرر بعض المذاهب الصوفية من الضوابط التكليفيه"بالقول بسقوط التكاليف" والتكوينية"بالقول بخرق العادة " التي وضعها الإسلام لضمان استمرار مقدره الإنسان على التطور . الأبعاد ألروحيه والمادية: البعد الروحي للوجود الانسانى (التطور أو الترقي الروحي( اى المقدرة على إشباع الحاجات الروحية ،أو السعي لتحقيق الغايات والمثل العليا المطلقة )( لا يلغى البعد المادي له (التطور المادي (اى إشباع الحاجات المادية أو تحقيق الغايات والمثل العليا المحدودة بالزمان والمكان أو حل المشاكل المادية) ، بل يحدده كما يحدد الكل الجزء فيكمله وبغنية. فهو يتحقق عندما تأخذ حركه الإنسان شكل فعل غائي ( ذو ثلاث خطوات :المشكلة، الحل، العمل) محدود (تكوينيا وتكليفيا) بالفعل المطلق (الربوبية) والغاية المطلقة (الألوهية). وقد اختار التصوف تأكيد البعد الروحي للوجود الانسانى، لكن تباين الموقف من البعد المادي له ،ففي حين أكدت بعض المذاهب الصوفية على البعد الأول لم تلغى البعد التانى ، وجعلت العلاقة بينهما علاقة تحديد و تكامل ، تطرفت مذاهب أخرى في تأكيد البعد الأول لدرجه إلغاء البعد الثاني ،فجعلت العلاقة بينهما علاقة تناقض وإلغاء . الأبعاد الذاتية والموضوعية: البعد الذاتي للوجودالانسانى (تصورالذات لهذه الغايات اوالحاجات اوالحلول) . لا يلغى البعد الموضوعي له (الفعل اللازم لإشباع الحاجات اوتحقيق الغايات أو حل المشاكل).فالعلاقة بينهما لا تخرج عن إطار جدل المعرفة من الموضوعي (المشكلة التي يطرحها الواقع) إلى الذاتي (الحل الذهني) إلى موضوعي مره أخرى من اجل تغييره (تنفيذ الحل في الواقع بالعمل). وقد اختار التصوف تأكيد البعد الذاتي للوجود الانسانى،وهو ما يتضح في التركيز على النفس ، لكن تباين الموقف من البعد الموضوعي له ففي حين أكدت بعض المذاهب الصوفية على البعد الأول لم تلغى البعد التانى ، تطرفت مذاهب أخرى في تأكيد البعد الأول لدرجه إلغاء البعد الثاني فسقطت في هوه الذاتية المطلقة وهو ما يتضح في : التصور الهرمي للمعرفة (من الموضوعي إلى الذاتي)كبديل للتصور الجدلي للمعرفة(من الموضوعي إلى الذاتي إلى الموضوعي ) (للتوكل ثلاث مراتب: فالأولى: وهي أدناها، أن تكون مع الله تعالى، كالموكِّل مع الوكيل الشفيق الملاطف والثانية: وهي أوسطها، أن تكون مع الله تعالى كالطفل مع أُمه لا يرجع في جميع أُموره إِلا إِليها والثالثة: وهي أعلاها، أن تكون مع الله تعالى كالمريض بين يدي الطبيب. (انظر "معراج التشوف" ص8).
الأبعاد الفردية والجماعية: البعد الفردي للوجود الانسانى ( الترقي الفردي:اى إشباع الحاجات أو حل المشاكل الخاصة) لا يلغى البعد الجماعي له ( الترقي الاجتماعي: اى إشباع الحاجات أو حل المشاكل العامة). فالجماعة بالنسبة للفرد كالكل بالنسبة للجزء تحده فتكمله وتغنيه ولكن لا تلغيه . وقد اختار التصوف التأكيد على البعد الفردي للوجود الانسانى، ممثلا في التركيز على الفرد . لكن تباين الموقف من البعد الجماعي لها ففي حين أكدت بعض المذاهب الصوفية على البعد الأول لم تلغى البعد التانى وجعلت العلاقة بينهما علاقة ة تحديد و تكامل ، تطرفت مذاهب أخرى في تأكيد البعد الأول لدرجه إلغاء البعد الثاني فجعلت العلاقة بينهما علاقة تناقض وإلغاء وجعلت الوجود الفردي لكل قائم بذاته مستقل عن الوجود الجماعي وهو ما يتضح من: قول بعض المذاهب الصوفية بالإنسان الكامل • أو القول بالعزلة والخلوة المستمرة قال سهل بن عبد الله التستري : ( الصوفي من صفا من الكدر ، وامتلأ من الفكر ، وانقطع إلى الله من البشر ، واستوى عنده الذهب والمدر ) ، وكذلك التصور الصفوى القائم على تقسيم الناس إلى عامه وخاصة وخاصة الخاصة. فالحرية ( حرية العامة من رق الشهوات، 2- وحرية الخاصة عن رق المرادات لفناء إرادتهم في إرادة الحق، 3-وحرية خاصة الخاصة عن رق الرسوم والآثار لانمحاقهم في تجلي نور الأنوار (اصطلاحات الصوفية للكاشاني باب الحاء(• والزهد (زهد العامة: ترك ما فضل عن الحاجة في كل شيء، وزهد الخاصة: ترك ما يشغل عن التقرب إلى الله في كل حال، وزهد خاصة الخاصة ترك النظر إلى ما سوى الله في جميع الأوقات إلى أن قال: والزهد سبب السير والوصول ؛ إذ لا سير للقلب إذا تعلق بشيء سوى المحبوب) (معراج التشوف" لابن عجيبة ص7 ـ 8).
نظرية المعرفه الصوفيه(الكشف) نظرية المعرفه الصوفيه(الكشف)ترى أن الحواس والعقل هي وسائل معرفة ظنية بمعنى أنها معرضة للصواب والخطأ لهذا يجب أن نلجأ إلى الكشف كوسيلة للمعرفة المطلقة اليقين. ومضمونها أنه بالرياضة الروحية والجسديه يرق الحجاب بين الإنسان وخالقه حتى يزول أو يكاد يزول فيلتقي الإنسان للمعرفة تلقياً مباشراً من الله تعالى بدون واسطة من الحواس والعقل. تقويم: يمكن اعتبار الكشف كشكل من أشكال الرؤية الصادقة التي أشارت النصوص قال(ص) "الرؤية الصادقة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة".لكن المعرفة الكشفيه معرفه ذاتية لابد لها من معيار موضوعي لها للأخذ بها كوسيلة للمعرفة ، هذا المعيار ذو بعدان : بعد تكويني :هو اتساقها مع الوحي في إدراكها للغيبيات المطلقة عن قيود الزمان والمكان، يقول الشاطبى (فهذا أصل اقتضى للعاقل أن لا يجعل العقل حاكما بإطلاق، وقد ثبت عليه حاكم بإطلاق وهو الشرع) بعد تكليفي:هو اتساقها مع الحواس في إدراكها لعالم الشهادة المحدود زمانا و مكان والسنن الالهيه التي تضبط حركته ﴿ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والافئده لعلكم تشكرون﴾. ومن هنا كان التمييز بين الوحي وموضوعه الغيب المطلق الذي يتضمن الوجود الغيبي المطلق من قيود الزمان والمكان بشكليه المطلق (وجود الله تعالى) والمحدود (مثل وجود الملائكة الجن، الجنة، النار...)والرؤية الصادقة وموضوعها الغيب النسبي(المقيد) الذي يتضمن كل ما لم تتوافر إمكانية معرفته عن عالم الشهادة في مرحلة معينة أو في ظل ظروف معينه أو لشخص معين، مع توافر هذه الإمكانية في مرحلة تاليةاو ظروف أخرى أو شخص أخر ، والذي لم ينهى الإسلام عن البحث المعرفي فيه لأنه يقع أصلاً في نطاق عالم الشهادة.
الكرامات اثبت أهل السنة بفرقهم المختلفة كرامات الأولياء، غير أن هناك مذهبين في إثباتها، و بالتالي تفسيرها: الإثبات المطلق: اى إثبات الكرامة دون تقييد مضمونها: تكوينيا: فالكرامة يمكن أن تتم بانقطاع اضطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود،وهو ما عبر عنه أصحاب هذا التفسير بتعريف الكرامة بأنها " خرق للعادة" والمقصود بالعادة عند أصحاب هذا التفسير العادة المضطرة اى السنن الالهيه.. غير أن هذا التفسير لا يوضح الفرق بين الكرامة والمعجزة، لذا رفضه عدد من متأخري الاشاعرة و المتصوفة منهم السبكي القائل )معاذ الله أن يتحدى نبي بكرامه تكررت على ولي، بل لا بد أن يأتي النبي بما لا يوقعه الله على يد الولي ،و إن جاز وقوعه فليس كل جائز في قضايا العقول واقعا . و لما كانت مرتبة النبي أعلى و أرفع من مرتبة الولي كان الولي ممنوعا مما يأتي به النبي على الإعجاز و التحدي ، أدبا مع النبي )(1) تكليفيا: فالكرامة يمكن أن تحدث للشخص مع عدم التزامه بأوامر ونواهي الشريعة . ولم يقول بهذا المذهب إلا بعض متاخرى الصوفية،وأصحاب التصوف القائم على الحلول والاتحاد ووحده الوجود،فهو مبنى على امكانيه الحلول أو الاتحاد أو الوحدة بين ألذات الالهيه ألذات الانسانيه وسقوط التكاليف. الإثبات المقيد: اى إثبات الكرامة مع تقييد مضمونها: تكليفيا :بالتزام الأوامر والنواهي وقال بهذا الحنابلة والاشاعره وأهل التصوف السني يعرف الشريف الجرجاني الكرامة بأنها (ظهورُ أمرٍ خارق للعادة من قِبَل شخص غير مُقارنٍ لدعوى النبوة، فما لا يكون مقروناً بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجاً، وما يكون مقروناً بالنبوة يكون معجزة)(2) تكوينيا: بالتزام حتمية السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود ، وبالتالي فان الكرامة هي تكريم الله تعالى لشخص صالح دون انقطاع اضطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود. يقول الاسفرائينى (إن الكرامة لا تبلغ مبلغ خرق العادة وإنما هي إجابة دعوة أو موافاة ماء في (1) طبقات الشافعية 2/320 . (2)التعريفات،الجرجاني، ص210.
غير موقع المياه أو ما ضاهي ذلك، وكل ما جاز معجزة لنبي لم يجز كرامة لولي)(1) وهو يقارب رأى عدد من العلماء الذين فرقوا بين الكرامة والمعجزة بان ما جاز معجزه لنبي لا يجوز كرامه لولى ، يقول الإمام النووي (قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين الذي صار إليه أهل الحق جواز انخراق العادة في حق الأولياء ... قال وصار بعض أصحابنا إلي أن ما وقع معجزة للنبي لا يجوز تقدير وقوعة كرامه لولي فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر وينقلب العصا ثعبان ويحي الموتى إلي غير ذلك من آيات الأنبياء كرامة لولي )(2) و رفض أبو محمد بن أبي زيد المالكي الكرامة طبقا للتفسير الأول إلا بشرط حدوثها في المنام , وتبعه في هذا الراى عددا من العلماء منهم أبا الحسن علي القابسي (ت 403هـ) وأبا جعفر أحمد الداودي (402هـ). وجوز الإمام ابن حزم من أهل الظاهر الكرامة طبقا للتفسير الأول في حياة الرسول أما بعد موته صلى الله عليه وسلم فيرى انه لا سبيل إلى شيء من هذا. (3) وطبقا لهذا التفسير يجوز الأخذ بالتعريف الكرامة بأنها"خرق للعادة".بشرط أن يكون المقصود بالعادة ما اعتاد عليه الناس لا العادة المضطردة، ورد في شرح العقيدة الطحاويه"فالمعجزة في اللغة كل أمر خارق للعادة ،وكذلك الكرامة في عرف ألائمه أهل العلم المتقدمين، ولكن كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما...وجماعها الأمر الخارق للعادة...وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله ،ويعلمه ماعلمه الله إياه، ويستغنى عما أغناه الله ،ويقدر على ما اقدره الله عليه من الأمور المخالفة للعادة المضطردة أو لعاده اغلب الناس ،فجميع المعجزات والكرامات لا تخرج عن هذه الأنواع )(4) و الأيمان بالكرامة طبقا لهذا التفسير يتفق مع المنهج الإسلامي الذي يقرر انضباط حركة الوجود بسنن إلهية لا تتبدل (ولن تجد لسنة الله تبديلاً) كما يتفق مع التفكير العلمي ويناقض التفكير الخرافي.
(1)الاسفرائينى، الموافقات، ص25. (2)الإمام النووي، بستان العارفين، ص 30. (3)ابن حزم،الأصول والفروع،دار الكتب العلمية،بيروت،1984. (4)شرح العقيدة الطحاويه ،مكتبه الدعوة الاسلاميه،القاهرة،ص 499.
الأحوال و المقامات تعريفها: هي درجات ( مراحل ) هذا التطور أو الترقي الروحي ، استنادا الى تقرير القرآن أن الوجود الإنساني ينبغى أن يكون في صعود دائم عبر درجات﴿ يرفع الله الدين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾.﴿ ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ﴾. وهذه الدرجات بعضها ذو طابع ذاتى هي الأحوال .وبعضها ذو طابع موضوعى هي المقامات . فالأحوال: تمثل الدرجات الذاتية لهذا الترقي الروحى ، متمثله في الأنماط الانفعاليه والمعرفيه التي تجى كمحصله لالتزام الإنسان بمجموعه من القواعد التي تحدد للإنسان ما ينبغى أن يكون عليه وجدانه وتفكيره. بينما المقامات تمثل درجاته الموضوعية متمثله فىالانماط السلوكيه التى تجى كمحصله لالتزام الإنسان بمجموعه القواعد التي تحدد له ماينبغى أن يكون عليه سلوكه. يقول السراج الطوسي في "اللمع":"إن قيل ما معنى المقامات؟يقال:معناه مقام العبد بين يدي الله عز وجل,فيما يقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضيات والانقطاع إلى الله عز وجل",وقال الله تعالى: (ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) ( سورة إبراهيم /14) وقال :( وما منا إلا له مقام معلوم ) ( الصافات / 164 ). ومن المقامات: التوبة – الورع – الزهد – الفقر – الصبر – الرضا – التوكل...الخ.أما الحال:فهي معنى يرد على القلب من غير تصنع ولا اكتساب... وقد حكي عن الجنيد رحمه الله أنه قال:الحال نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم...وليس الحال من طريق المجاهدات والعبادات والرياضيات كالمقامات".من الأحوال :المراقبة – القرب – المحبة – الخوف – الرجاء – الشوق – الأنس – الطمأنينة – المشاهدة – اليقين...الخ. أما في "الرسالة القشيرية" فلقد جاء :أن المقام "ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب,مما يتوصل إليه بنوع تصرف,ويتحقق به بضرب تطلب,ومقاساة تكلف.فمقام كل أحد:موضع إقامته عند ذلك,وما هو مشتغل بالرياضة له.وشرطه أن لا يرتقي من مقام إلى مقام آخر ما لم يستوف أحكام ذلك المقام...ولا يصح لأحد منازلة مقام إلا بشهود إقامة الله تعالى إياه بذلك المقام,ليصح بناء أمره على قاعدة صحيحة".أما الحال عند الصوفية فهي "معنى يرد على القلب,من غير تعمد منهم,ولا اجتلاب,ولا اكتساب لهم...فالأحوال :مواهب.والمقامات :مكاسب.وقالوا :الأحوال كإسمها ,يعني أنها كما تحل بالقلب تزول في الوقت".
تقويم: القول بالتطور أو الترقي الروحي يتم عبر درجات (الأحوال والمقامات) لا يترتب عليه إلغاء الترقي أو التطور المادي في حاله تصور إن كل مقام أو حال لا ينعدم بالترقي إلى مقام أو حا ل آخر وإنما يندرج تحت الأعلى فيصبح الأخير متضمن له تضمن الكل لجزئه ، ولكنه يلغي التطور المادي في حاله تصور انعدام المقام أو الحال بالترقي إلى المقام أو الحال الأعلى. وقد نبه ابن القيم إلى هذا الأمر بقوله:( فأن المقام الأول لا ينعدم بالترقي إلى آخر ولو عدم لخلفه ضده, وذلك رجوع إلى نقص الطبيعة وصفات النفس المذمومة, وإنما يندرج حكمه في المقام الذي هو أعلى منه فيصبح الحكم له...أن أعلى المقامات مقرون بأدناها مصاحب له كما تقدم متضمن له تضمن الكل لجزئه ومستلزم له استلزام الملزوم لازمه, لا ينفك عنه أبداً ،ولكن لاندراجه فيه، وانطواء حكمه تحته، يصير المشهد والحكم للعالي).
التوكل
التوكل من المفاهيم الاسلاميه التي دعا اليها القران والسنه(وعلى اللهِ فليَتَوَكَّلِ المتوكِّلونَ} [المائدة: 23] و جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له فقال: يا رسول الله أأرسل ناقتي وأتوكل ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "اعقلها وتوكل" (رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة. وقال: غريب). وهو لا يتناقض مع البعد المادى للوجود الانسانى لان مضمونه ليس إلغاء الاراده الانسانيه بل تقييدها بالاراده الالهيه في شكلها التكليفى: بمعرفه والتزام القواعد الأمر والناهية التىجاء بها الوحي. والتكوينى: بمعرفه والتزام حتميه السنن الالهيه التي تحكم حركة . غير أن هناك بعض المذاهب الصوفيه التي جاءت بفهم خاطىء للتوكل بمعنى إلغاء الفعل والاراده الانسانيه، وعدم الأخذ بالاسباب. قال الإِمام الغزالي: (قد يظن الجهال أن شرط التوكل ترك الكسب وتركُ التداوي والاستسلامُ للمهلكات. وذلك خطأ لأن ذلك حرام في الشرع، والشرع قد أثنى على التوكل، وندب إِليه فكيف يُنال ذلك بمحظورة)(1). وقال القاضي عياض: (ذهب المحققون من الصوفية إلى ضرورة السعي فيما لا بد منه، ولكن لا يصح عندهم التوكل مع الالتفات والطمأنينة إلى الأسباب، بل فعل الأسباب سنة الله وحكمته، والثقة بأنها لا تجلب نفعاً، ولا تدفع ضراً، والكل من الله) (2)
(1) الأربعين في أصول الدين" للغزالي ص246. (2)"دليل الفالحين" ج2 ص3. الزهد الزهد مفهوم اسلامى التزم به الرسول(ص) والسلف الصالح من الصحابة والتابعين . ومضمونه أن يكون اشباع الانسان لحاجاته المتجدده زمانا ومكانا مقيدا بالقواعد التى حددها الله تعالى مالك المال ، وعلى وجه لا يتناقض مع مصلحة الجماعة المستخلفة أصلا فى الانتفاع بالمال . وهو على هذا الوجه لا يتنافقض مع البعد المادى للوحود الانسانى ممثلا فى اشباع الانسان لحاجاته الماديه . وقد التزم الكثير من الصوفيه بهذا المفهوم الاسلامى للزهد، قال العلامة المناوى(فليس الزهد تجنب المال بالكلية بل تساوي وجوده وعدمه، وعدمُ تعلقه بالقلب إليه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة الزاهدين، يأكل اللحم والحلوى والعسل، ويحب النساء والطيب والثياب الحسنة، فخذ من الطيبات بلا سرف ولا مخيلة، وإياك وزهد الرهبان) (1) وقد بين الإمام الزهري أن من معاني الزهد الحقيقي أن تشكر الله تعالى على ما رزقك من الحلال، وأن تحبس نفسك عن طلب الحرام قانعاً بما قسم لك من الرزق، فقال حين سئل عن زهد المسلم: (هو أن لا يغلب الحلال شكره، ولا الحرام صبره)(2) لكن هناك بعض المذاهب الصوفيه حولت الزهد من مجال كيفيه اشباع هذه الحاجات، إلى مجال اشباع او عدم اشباع هذه الحاجات، فاصبح الزهد عندهم هو عدم اشباع حاجات الانسان الماديه المتجدده تحت تاثير مذاهب اجنيه كالرهبانيه المسيحيه والبراهمه والفلسفه الافلاطونيه، يقول المناوي: (فالزهد فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد منها، وقد جهل قوم فظنوا أن الزهد تجنب الحلال، فاعتزلوا الناس، فضيعوا الحقوق، وقطعوا الأرحام، وجفوا الأنام، واكفهرُّوا في وجوه الأغنياء، وفي قلوبهم شهوة الغنى أمثال الجبال، ولم يعلموا أن الزهد إنما هو بالقلب، وأن أصله موت الشهوة القلبية، فلما اعتزلوها بالجوارح ظنوا أنهم استكملوا الزهد، فأداهم ذلك إلى الطعن في كثير من الأئمة) (3)
(1) فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي ج4/ص72. (2) النهاية في غريب الحديث ابن الأثير مادة (زهد) . (3) فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج3/ص73.
الملاماتية والنفس الإنسانية تعريفها: فرقة من فرق الصوفية بمدينة نيسابور بخرسان في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري. اختارت لنفسها اسم الملامة التي هي تأنيب النفس في مقابل اسم الصوفية لأنهم كانوا ثائرين على الكثير مما كان مقرراً عند الصوفية. اشتقاق الاسم: واسم الملاميتة متصل بمفهوم اللوم الوارد في القرآن كقوله تعالى (ولا أقسم بالنفس اللوامة) و (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم). ويقول حمدون القصار (طريقنا ترك التزين للخلق بحال وترك طلب رضاهم في نوع من الأخلاق والأحوال وألا يأخذك في الله لومة لائم). المراد باللوم: والمراد باللوم الملاماتي لوم النفس القائم على أن لا يرى الملاماتي لنفسه حظاً على الإطلاق ولا يطمئن إلى عمل ظناً منه أن النفس شر محض. ومن ناحية أخرى المراد باللوم لوم النفس شر محض. ومن ناحية أخرى المراد باللوم لوم الناس إياهم لأن الملاماتية خوفاً من أن تنكشف أحوالهم تعمد وأن يظهروا للناس ما يجلب عليهم التأنيب. ويقول أبو أبي حفص (أهل الملامة قوم قاموا مع الحق تعالى على حفظ أوقاتهم ومراعاة أسرارهم فلاموا أنفسهم على جميع ما أظهروا من أنواع القرب والعبادات وأظهروا للخلق قبائح ما هم فيهما وكتموا عنهم محاسنهم، فلاموا الناس على ظواهرهم ولاموا أنفسهم على ما يفعلونه من بواطنهم). الفرق بين الملاماتية والصوفية: أما الفرق بين الملاماتية والصوفية فهو كما يرى السلمي أن الصوفي لا يتحرج من إظهار الدعاوي وإعلان ما يفتح الله عليه من أسرار الغيب ولا الخروج على الناس بالكرامة. أما الملاماتي فيحتفظ على سر الله ويتكتم في نفسه ما بينه وبين ربه، ولا دعوى له لأنها رعونة، ولا يظهر كرامة خوفاً من أن تكون ابتلاء أو أن يفتتن الناس به. لذا يقسم السلمي أرباب الأحوال والعلوم إلى ثلاثة أقسام علماء الشريعة المشتغلين بظواهر الأحكام وهؤلاء هم الفقهاء، وأهل المعرفة بالله المنقطعين إلى الله، والزاهدين في أسباب الدنيا وهؤلاء هم الصوفية الذين زين الله بواطنهم بالقرب وقد غار الحق عليهم لئلا يعرف الخلق أحوالهم، فأظهر للخلق منهم صفاتهم الظاهرة التي تفيد معنى الافتراق، لكي يسلم لهم حاله معه تعالى وهؤلاء هم الملاماتية). القوى النفسية: يستعمل السلمي كلمات الروح والسر القلب والنفس والطبع ويرتبها على هذا النحو من حيث الأفضلية بينها ويجعل الترقي في الأحوال من حال النفس إلى حال القلب من غير أن يشعر الطبع بذلك من حال القلب إلى حالة إسلامية فعلى الأرجح أن النزعة التشاؤمية التي تنظر إلى النفس الإنسانية باعتبارها شراً محضاً يجب التخلص منه ذات مصدر زرادشتي هندي وجد طريقه إلى صوفية خرسان تحت تأثير البيئة الحضارية التي عاشوا فيها. تقويم التأثير بمذهب وحدة الوجود: يتضح أثر المصادر غير الإسلامية في هذه المحاولة من تأثير المذهب الملاماتي بوحدة الوجود هو ماثل في الرياء وكون الله تعالى وحده وهو الفاعل (لا فاعل المطلق). تدهور المذهب الملاماتي: كما خلف الملاماتية الأولين فئة نزلت بهذا المذهب إلى أحط درجات الفساد والتدهور واستخدمت تعاليمه كمبرر للإباحة حتى اقترن في أذهان الناس بمعنى العبث بأمور الدين والتراخي في أداء العبادات، والمباهاة بالمعاص الإمام الغزالى موقفه من الفلسفة: انتمى الإمام الغزالي أولاً إلى علم الكلام على المذهب الأشعري (أحد مذاهب أهل السنة) وقد استخدم الفلسفة والمنطق الأرسطيين للدفاع عن الدين شأن سائر علماء الكلام في هذه المرحلة. ثم انتقل إلى التصوف مع احتفاظه بالانتماء إلى المذهب الأشعري كما يتضح في محاولته التوفيق بين التصوف والمذهب الأشعري ليصبح أحد مؤسسي التصوف الأشعري أو السني وفي هذه المرحلة تأثر بالفلسفة الأفلاطونية شأن أغلب الصوفية إلا أنه نظر إلى هذه الفلسفة من خلال الدين لا العكس كما فعل أنصار التصوف الحلولي أو ما أسمي (التصوف الفلسفي) على الأقل في كتبه التي خاطبت العامة مثل إحياء علوم الدين. وهكذا فإن الغزالي لم يكن فيلسوفاً إسلامياً بالمعنى الدقيق للكلمة فقد انتمى إلى علم الكلام وأخيراً إلى التصوف ولكنه في كلا المرحلتين قدم إسهامات فلسفية ستناولها هنا بإيجاز. كما يترتب على هذا أن موقف الغزالي من الفلسفة هو موقفاً نقدياً يتناولها من حيث اتفاقها أو اختلافها عن أصول الدين ففي الحالة الأولى يكون الرفض وفي الحالة الثانية يكون الأخذ والقبول وبناءاً على هذا قسم الفلسفة إلى ثلاثة أقسام. قسم يتناقض مع أصل الدين شكلاً مضموناً (حدده في ثلاثة قضايا) وهنا كان موقفه التحريم وقسم يتناقض مع هذه الأصول شكلاً (حدده في سبع عشر قضية) وهنا كان موقفه التبديع، أما القسم الأخير يمثل باقي القضايا الفلسفية فلا يتناقض مع هذه الأصول شكلاً ومضموناً وهنا كان موقفه الأخذ والقبول مع ملاحظة أنه يقصد بالفلسفة الفلسفة اليونانية. نظرية المعرفة: أ) إمكانية المعرفة (الشك المنهجي): تبنى الغزالي الشك المنهجي (الابتداء بالشك للانتهاء باليقين) كما في كتابه (المنقذ من الضلال) حيث يبدأ بالشك في الحواس بأدلة منها أن الكوكب نراه بحجم الدينار بينما البراهين تثبت أنه أكبر من الأرض. وإذا أمدتنا الحواس بمعلومات ثم جاء العقل فكذبها فمن يدريني أن هناك قوة أعلى من العقل قد يأتي وقت تثبت فيه خطأ الثقة في العقل. ثم شك في الشعور لأننا نحلم ونعتقد أثناء الحلم أن ما نراه حقيقة واقعية ثم نستيقظ ونعلم أن ما عشناه كان وهماً. ثم انتقل إلى اليقين بالكشف أو الدس أ وبتعبيره بنور قذفه الله في قلبه. ب) وسائل المعرفة (الكشف): نظرية الكشف الصوفي: تبنى الغزالي (شأن أغلب الصوفية) هذه النظرية، ومضمونها أن الحواس والعقل وسائل معرفة ظنية لهذا نلجأ للكشف كوسيلة للمعرفة اليقينية ومضمون هذا الكشف أنه بالرياضة الروحية يرق الحجاب بين الإنسان وخالقه حتى يزول فيتلقى الإنسان المعرفة تلقائياً مباشراً من الله بدون واسطة من الحواس والعقل. القلب كتعبير عن الكشف: عبر الغزالي عن الكشف بالقلب كوسيلة للمعرفة، فالقلب عنده ليس الجسم المادي المحسوس الموجود في صدر الإنسان، إنما هو (لطيفة روحانية تمثل حقيقة الإنسان حسب تعبيره). ح) طبيعة المعرفة (كيفيتها): فطريه المعرفة:يرى الغزالى ان المعرفة بالله وبالحقائق فطرية(1)، وهي مركوزة في القلب فكل قلب فهو صالح بالفطرة لمعرفة الحقائق كيفيه المعرفة:ويحاول الغزالي توضيح كيفية حدوث المعرفة فيضرب مثالين: الأول: أن القلب كالمرآة ،والعلم هو انطباع الصور في هذه المرآة، فإن كانت مراه القلب غير مجلوه فيهو لا يستطيع أن يعكس العلوم، والذي يجعل مرآة القلوب تصدأ هو الشهوات، والذي تجلوه هو الإعراض عن هذه الشهوات"والإقبال على طاعة الله والإعراض عن مقتضى الشهوات هو والذي يجلو القلب ويصفيه".(2) ،. الثاني: يقول أننا لو افترضنا حوضاً في الأرض احتمل أن ينساق إليه الماء من فوقه بأنهار تفتح عليه، ويحتمل أن يحفر أسفل الحوض، ويكون ذلك الماء أغزر وأصفى. فالقلب مثل الحوض، والعلم مثل الماء، والحواس مثل الأنهار لذا يمكن أن يساق العلم بواسطة رفع الحجب عنه حتى تنفجر ينابيع العلم من داخله. "لو فرضنا حوضاًَ محفوراً في الأرض ،احتمل أن يساق إليه الماء من فوقه بأنهار تفتح فيه، ويحتمل أن يحفر أسفل الحوض ليكون ذلك الماء أصفى وأدوم فيكون أكثر وأغزر، فذلك القلب مثل الحوض ،والعلم مثل الماء وتكون الحواس الخمسة مثل الأنهار، وقد يمكن أن تساق العلوم إلى القلب بواسطة أنهار الحواس ،والاعتبار بالمشاهدات حتى يمتلئ علماً ،ويمكن أن تسد هذه الأنهار بالخلوة والعزلة وغض البصر ويفسر إلى عمق القلب وتطهيره ورفع طبقات الحجب عنه حتى تتفجر ينابيع العلم من داخله(3). مقارنه مع الاستدلال:و يبين كيف يكون القلب أداة للمعرفة ويقابله الكشف الاستدلالي العقلي الذي نننقل فيه من مقدمات إلى نتائج عند المتكلمين و الفلاسفة". فالمعرفة قد تحصل لبعض القلوب بإلهام على سبيل المباراة والمكاشفة ولبعضهم بتعلم واكتساب".(4) الكشف والوحى: ويميز بين كشف الصوفية ووحي الأنبياء ،فمعرفة الأولياء تتم بلا واسطة من حضرة الحق ،ولكنها تختلف عن معرفة النبوة من حيث أنها إلهام لا يدري الصوفي كيف حصل له ومن أين جاءت إليه ،على حين أن معرفة الأنبياء وحين يصل للنبي ويدري سببه وهو نزول الملك عليه، مع ذلك فإن كلاهما موقن بأن العلم في الحالتين من الله" ثم الواقع في القلب بغير حيلة واجتهاد من العبد ينقسم إلى ما لا يدري العبد كيف حصل له ومن أين حصل وإلى ما يطلع معه على السبب الذي منه استفاد ذلك العلم وهو مشاهدة الملك والأول يسمى إلهاماً ونفثاً في الروح والثاني يسمى وحياً ويختص به الأنبياء والأول يختص به الأولياء والأصفياء. 5. موضوع المعرفة:ثم يرى أن موضوع المعرفة الكشفية ذات الله وصفاته وأفعاله" وأشرف أنواع العلم وهو العلم بالله وصفاته وأفعاله، فيه كمال الإنسان وفي كماله سعادته وصلاحه أجور حضرة الجلال والكمال"6
نظرية الوجود: أما نظرية الوجود عند الغزالي فقائمة على الأخذ من نظرية الفيض ما يرى أنه لا يتناقض مع الدين الإسلامي: - فيأخذ من هذه النظرية القول بعالمين: عالم جسماني سفلي وعالم روحاني عقلي علوي، غير أنه يطلق على الأول اسم عالم الملك (الشهادة) وعلى الثاني اسم عالم (الغيب). كما أنه يضيف عالم يتوسطهما هو عالم الجبروت كمقابل للبرزخ. - ويرى أن الله تعالى صدر عنه عقل لأنه فياض على كل كائن وجوده، ولكنه لم يحدد كيفية صدور العقول عن هذا العقل، فضلاً عن أنه يرادف بين الفيض والأمر الإلهي. - ويدلل على أن العقل هو أول درجات الفيض بالحديث (أول ما خلق الله العقل فقال له اقبل ثم قال له أدبر فأدبر...). - ثم يوضح درجات الفيض بعد العقل وهي النفس فالهيولي ويطلق على العقل اسم القلم وعلى النفس اللوح المحفوظ. - كما يرى أن العقول صدر عنها العالم الجسماني بواسطة النفوس. - غير أن الغزالي يرفض النتيجة المنطقية لنظرية الفيض وهي قدم العالم ويقدم أدلة لنقضها في بعض كتبه. نظرية القيم: أما نظريته في القيم على أساس أشعري – صوفي، حيث نجده أولاً يورد عدة تعريفات للفعل الحسن (القيم الأخلاقية هو ما ينطبق على سائر القيم) طبقاً لتعدد المعايير التي يستخدمها، حيث يعرفه بأنه ما يوافق غرض فاعله (معيار أداتي وظيفي) وما حسنه الشرع (معيار ديني شرعي) وما لفاعله أن يفعله (معيار الواجب). كما يلتزم بالتصور الشرعي القائم على أن الحسن القبح ما حسنه وقبحه الشرع ولا حسن ولا قبيح قبل ورود الشرع. ويهاجم قول المعتزلة بالحسن والقبح الذاتيين. وبعبارة أخرى فإن الغزالي شأن سائر الأشاعرة يقر بالموضوعية المطلقة التكليفية المتمثلة في الوحي وينكر الموضوعية المحدودة التكوينية المتمثلة في الفطرة. كما ربط الغزالي بين القيمة والمنفعة فالعمل ليس شراً لأنه ضار وليس خيراً لا لأته نافع يقول (إن الكذب ليس حراماً لعينه بل لما فيه من ضرر على المخاطب أو على غيره).(1) تقويم: وهكذا فان الامام الغزالى يعتبر احد اهم مؤسسى التصوف الاشعرى ( السنى). وقد قال العديد من الباحثين أن مذهبه ينطوي على العديد من التناقضات، غير أن هذه التناقضات لا يمكن تفسيرها إلا بمراعاة التغير الذي حدث فى فكره بانتقاله من المتكلمين إلى المتصوفه (مع احتفاظه بأساسيات المذهب الأشعري في المرحلتين). كما يجب التمييز بين كتبه التي كتبها للخاصة (التي يغلب عليها المفاهيم الأفلاطونية المحدثة و المصطلحات الفلسفية) وكتبه التي كتبها للعامة (والتي يغلب عليها النصوص الدينية والفهم الظاهري لها، وهو تقليد كان سائداً في عصره.
المراجع 1. ابن تيمية، مختصر الفتاوى المصرية ، القاهرة، 1949، 2. ابن حزم،الأصول والفروع،دار الكتب العلمية،بيروت،1984 3. ابن الأثير ،النهاية في غريب الحديث،مادة (زهد) . 4. الغزالي،الأربعين في أصول الدين، طبعه مصر،1949. 5. المناوى، فيض القدير شرح الجامع الصغير، الجزء الثالث. 6. الغزالي، إحياء علوم الدين، الجزء الثالث. 7. القاضي عياض،دليل الفالحين، الجزء الثاني،طبعه مصر، بدون تاريخ. 8. عبد الحفيظ بن عبد الحق المكي، موقف أئمة الحركة السلفية من التصوف والتصوف، دار لسلام القاهرة، ط 1988م. 9. شرح العقيدة الطحاويه ،مكتبه الدعوة الاسلاميه،القاهرة، بدون تاريخ.
|
|
|
|
|
|