|
التصفية الجسدية عيب بقلم حيدر الشيخ هلال
|
ناطلع عنوان لخبر فنصاب بالهلع وتنقبض نفسيتنا من الصبح ، وبعجلة تجري اعيننا بين الاسطر لنتنفس الصعداء اخيراً . (نفذهها ثلاثة " ملثمون" يستغلون سيارة بدون لوحات .. نجاة برلماني من محاولة اغتيال). هكذا جاء عنوان الاخبر وصدمني المشهد الميلودرامي النمطي الذي صورته مخيلتي للحدث بحسب ما عبأتنا بها السينما لسيارة تعترض سيارة اخرى ويتقافز منها رجال ملثمون يفتحون النار من رشاشاتهم بكل تهور ثم يلوذوا بالفرار مخلفين ورائهم دماء واشلاء وعيون جاحظة مسمرة على الشاشة وقلوباً خافقة اوجفها الفعل الدرامي المحترف . الخوف عبأ كل الخلايا من رفض تؤثر فيه مخيلة نمطت على شاكلة افعال السينما فخلطت بين واقعها العاجز ومخيلتها المضطربة . فلوهلة حور اللاوعي المشهد وعبأءه بمخاوفه واعتقدنا ان المحظور قد وقع. وان الافكار المستغربة والاجنبية صارت واقعاً يمشي بيينا وان الاتزان السوداني اخيرا فقد بوصلته فحيدنا المعقول لصالح اللامعقول ، كنا نعرف ماهو المعقول الذي تعيه النفسية السودانية جيداً ونعرف ان مثل هذه المشاهد لاغترابها عنا تقاصرت عنها حتى مخيلتنا التخطيطية لاننا شعب نعبر عن استياءنا متى ما احسسنا به ولا نؤجلها لفعل جبان ومتنفس غادر نحن نغضب في وجه الحقائق ولا نحني لها الرؤوس لتمر من فوقنا لانأتى نتادرك التشفى من خلف ظهر ، نحن شعب لم نمارس التصفيات الجسدية الغادرة لان الامر ( عييييييب ) عندنا نحن لا نأتي ملثمون ومتخفون لنقول لك انك انتصرت علينا واننا صرنا عاجزين امامك نحن نقولها في وجهك مباشرة . فلهذا ليس منا من تلثم وتخفى فلينظر هؤلاء من اين جاءوا كما تسأل اديبنا الطيب صالح . نجح صياغ عنوان الخبر في تحريك كل مخاوفنا تجاه العك الاخواني الذي يجري في السودان ، وفي ظل دكتاتوريتهم البغيضة هذه كنا نخاف طيلة هذه الفترة ان تتصاعد حدة الرفض والفعل العكسي والاحتجاج الى انماط سلوكية عنيفة بعيدا عن ماعرف به السودان في مناهضة الدكتاتوريات الوطنية المتتابعة ، فالشعب السوداني الشجاع الجرئ الذي اعتاد ان يلاقى الرصاص بصدور مفتوحة ووجوه مكشوفة تعود ان لا يختبئ وراء الاقنعة والمواقف فهو شعب يعرف كيف يعبر عن احتجاجه بجرأة يحسد عليها وعرفنا في عهود سابقة كيف تمارس الشرعية وفق دساتير قويمة ونهج رصين وتربية وطنية استحقت أن تتوج على رأس التجارب الاقليمية من حولها وهذا كان مصدر خوفنا وصدمتنا عندما اخذنا العنوان على عواهنه بكينا للحظة على الانسان السوداني فنحن ورغم مرارتنا التي نعيشها نخاف على التحور في نفسية هذا الشعب ونريده شجاعاً أبيا كما كان ، لا نريد ان نتخفى وراء الاقنعة وان نمارس اغتيالات في حق مجرمين لنكسبهم حجة لمزيد من القمع لانريدهم ان يلبسوا علينا ثوب الحملان والبراءة كانهم هم الضحايا ونحن المجرمون فهولاء هم القتلة ليس نحن وهذه الافعال لا تشبهنا انما هم الذين تربوا على هذه الاعمال الإنسان رخيصة والجبانة . كنا نخاف على المواطن من هذه الحوادث البشعة التي نقرأ عنها في عهد هذه العصابة والتي استحقت معها هذا اللقب بجدارة فأعمال البلطجة وارهاب المواطن هذه لا تصلح الأ وصفاً للعصابات ، ابتداءا من الصحفي محمد طه محمد احمد وقضية الاقطان والتهجم على الصحفي عثمان ميرغني والكثير مما ارتكبته هذه العصابة . نخاف ان تتسرب مثل هذه الاخلاقيات الى باقى الكيانات الموجودة بشقيها المدني والسياسي والى المواطن المغبون نفسه فتنخرط البلاد اعمال التصفية الجسدية والارهاب البغيض وتنتظم البلاد جماعات وتنظيمات ذات ايدولجيات عنيفة وفتاوى منحرفة تبيح لنفسها سفك الدماء ومحاربة اعداءها كيف ما اتفق حيث سيجد عندها كثير من المغبونون ضالتهم لتنفيذ انتقاماتهم الشخصية ضد اشخاص بعينهم وهكذا ينتج الفعل فعل مضاد اقوى منه الى ان تعم الفوضى والخراب انحاء البلاد ولكن نحمد الله ان هذه الآفة لاتزال محصورة فيهم مما يؤكد على حقيقة الملمح المتسامح الذي يميز الشخصية السودانية وإنعدام الروح الاجرامية فيه وهذا برغم ماتوصف به بانها شخصية عاطفية تنساق خلف عواطفها في كثير من المواقف . ولكن نحمد لله عز وجل ان برأ الانسان السوداني من براثن الاحقاد والتلذذ بروح التشفي والانتقام . هل يمكن أن تكون هذه الافعال افعال سودانية هل تشبهنا هذه التصرفات بأية حال من الاحوال ؟. لاشئ بعد القذارة والانحطاط الاخلاقي فأن لم تستحي فأفعل ما تشاء وهؤلاء يعطوننا دروساً قيمة في كل يوم عن المدى الذي يمكن ان تتدحرج اليه الانسانية ، أي فصل من فصول السوء فات على هؤلاء السابية ؟ ان تصل الجرأة بالمفسدين لحد تصفية كل من يعترض طريقهم والله انه لدرك سحيق وسقط شنيع لم نكن نتوقع أن نسمع في يوم من الايام بمثل هذا في بلادنا ، فخير لنا ان نتدارك هذا الوكسة التاريخية المسمية الانقاذ باسرع مايمكن وبكل السبل قبل ان تتسرب اخلاقياتها الى ما تبقى من شرفاء بلادي فيكيفي من تلوث منهم نخاف والله ان تنتقل هذه الروح الدنيئة الى الناس فتشيع الفوضى باكثر مما هي عليه الان فلو أننا منطقنا احاسيسنا كل بحسب مزاجه واعطينا لانفسنا احقية ان نقتص من كل من تعدى علينا فأي غابة سننتج لمجتمعنا. نحي النائب بالمجلس التشريعي بولاية النيل الابيض ياسر زين العابدين المجنى عليه ، فبحسب مضمون الخبر له سوابق شجاعة ومواقف عرف بها ضد هذه الزمرة المأفونة والرجل وإن كان يحسب على هذه الجماعة بواقع حال الكثير ممن حوته المجالس التشريعية الولائية أو البرلمان تلك القباب التي جردت من معانيها فصارت للاسف الشديد منابر يحارب من داخلها السودان والشعب بكافة الوسائل القذرة وصلت في اخرها التجرؤ على الدستور نفسه ، نشكر له شجاعته ونزاهته التي ابداها في مواجهة الفساد وهذا كل ما نرجوه من مرتادي تلك القباب أن يكونو عيون للشعب تراقب وتنتقد وتحارب ما استطاعت من الداخل . قد يكون داخل الحزب نفسه اناس صحيت ضمائرهم او انها لم تتلوث من الاساس( على ندرتها ) فعلى مثل هؤلاء يعول لمحاربة الفساد من الداخل بواقع فقه الضرورة بعد ان صار من الصعوبة بمكان محاربة مفسدي الاخوان من خارج اطار حزبهم مع استفحال عصاباتهم وامتدادها في كافة عصب الخدمة المدنية والمؤسسة الادارية كافة مما سهل عليها طمر كثير من الحقائق والتلاعب بالسجلات والوثائق في حرب جبانة على الشفافية لم تشهد لها البشرية مثيل من قبل .
مكتبة فيصل الباقر
|
|
|
|
|
|