|
التسول العلماني على ضريح معاوية محمد نور المحاولات الفاشلة (لأدلجته (11 من 11) بقلم محمد وقيع الله
|
06:15 PM Sep, 05 2015 سودانيز اون لاين محمد وقيع الله- مكتبتى فى سودانيزاونلاين
انتهينا في الحلقات الماضية من تبيان ملامح الحملات المتلاحقة لأقطاب ثلاثة من الحزب الشيوعي، والحزب الجمهوري، وحزب البعث العربي، من أجل استقطاب معاوية محمود نور و(تجيير) جهوده الفكرية والأدبية لصالح اتجاهاتهم الإيديولوجية القاحلة التي تشكو الضمور الفكري والانبتات عن أرض الواقع السوداني. ومهمااشتدت حاجة هؤلاء المفلسين إلى انتهاب الرمز الكبير معاوية محمد نور فما كان ثمة ما يشفع لهم في ارتكابهم لخطايا التدليس والتلبيس التي اتهمناهم بها في المقالات السالفة وأثبتناها عليهم، وهي من نوع كبار الخطايا التي يتورع عن ارتكابها كل من له إحساس بشرف الفكر وعز الكتابة. ولكنهم ربما انحدروا في منحدرهم البائس ولجَّوا فيه بسبب من اطمئنان نفسي زائف ساورهو وخيل إليهم أنهم بمنجىً من الملاحقة والضبط متلبسين بهذا الإثم الفادح الذي يطمس على مصداقيتهم ويدمغهم بصفات يترفع عنها أهل الفكر والذكر. ونعود عاى إثر استعراضنا وتفنيدنا لمقاصد هذه المحاولات الوضيعة الدنيا التي حاكها هذا النفر حول مفخرة الوطن معاوية محمد نور، لنؤكد أن معاوية مفكر فخم ضخم، وأديب باقعة فذ، وأعجوبة من أعاجيب الدهر الحديث بحق، ومقامه في عالم الفكر هو أعلى بكثير من مقامات الإيديولوجيات الصغيرة المتداعية التي تدعى بالشيوعية، والبعثية، والجمهورية، وقد كان معاوية في تجرده في كفاحه في سبيل المبادئ أعظم بكثير من بلاء كافة زعماء هذه الإيديولوجيات ومن بلاء أتباعهما الناعقين. وقد اتسم فكر معاوية بأنه فكر إنساني حر عالمي الطابع، ولم ينتم صاحبه إلى أي حزب من الأحزاب السياسية، فقد نشأ معاوية ومات قبل أن تنشأ الأحزاب السودانية الوبيلة، وقبل أن تنشأ أكثر الأحزاب السياسية العربية، ولم يعرف لمعاوية انتماء حزبي في مصر التي بلغها بعد خروج أستاذه العقاد على حزب الوفد، وبهذا اختلف عن حال أكثر أفراد النخبة السودانية في ذلك الحين، حيث شاع في أوساطهم، لسبب ما، التحيز المفرط لحزب الوفد. فمعاوية الذي لم يتلوث بلوثة من الهوى السياسي الضار، لم يأبه في كثير ولا قليل بحدود التفكير الحزبي القاصر، ولا بموازينه التطفيفية الظالمة، وظل يسبح في سماوات الفكر والفن والأدب العالمي، ولذا فإن من المقت المستهجن أن يرنو بعض الكتاب المعاصرين، من أمثال الشيوعي تاج السر عثمان بابو، والجمهوري النور حمد، والبعثي عبد العزيز الصاوي، إلى (أدلجة) هذا المفكر الأديب الحر، وإلى تفسير أفكاره وتأويلها بحيث يتم نصبه في النهاية رمزا لوجهة إيديولوجية حزبية صغيرة من الإيديولوجيات التعيسة المنتشرة في الوطن. وهذه عادة راسخة عند هذا الجمع من الحزبيين الشموليين الذين يحاولون (تجيير) المواهب المرموقة لصالح أحزابهم، مع التباهي بها، وتسخيرها للدعاية للعمل الحزبي، وإخضاعها في النهاية لشروط هذا العمل وخططه وبرامجه! وما أشد ما أضرت عمليات (الأدلجة) والاستحواذ الحزبي بثمار العمل الأدبي اليانعة وأفسدتها، وقد أساءت في الماضي القريب إلى كثير من المدارس والاتجاهات الأدبية الواعدة، وأرهقتها من أمرها عسرا شديدا كاد أن يخنق منها الأنفاس. ولننظر جميعا بعين العبرة البالغة إلى هذا المثال الساطع من حالة الأدب الروسي، وهو في أوج ازدهاره، وقد وصفه معاوية في بعض كتاباته بأنه:" قصص جمع إلى بساطة التعبير وعدم الزخرفة اللفظية جمال الفن الرفيع، وإلى صدق اللهجة سحر العرض، يُعنى بمسائل الحياة ومسائل المجتمع الإنساني، فيه عطف واسع، وشدة في العاطفة، وتصوير لمآسي الحياة من غير ما تحيُّز ولا تعمُّل. فأنت تقرأ هذه القصيدة فتجد فيها من الفكاهة المحزنة ما يتصل بشغاف قلبك، وتنتقل منها إلى هذه فتجد في جوها شيئا من السحر والابتكار لم تألفه من قبل في جميع ما قرأت من قصص. فهذه الفردية التي يتسم بها الأدب الروسي وهذا الاختراع وهذه البساطة الجليلة هو ما يعطي القصص الروسي مكانه من الأدب العالي، ويحله ذروة من الخلود عالية". (المصدر: معاوية محمد نور، دراسات في الأدب والنقد، مصدر سابق، ص، 80 – 81). فلننظر إلى هذا الأدب الزاهي، ولنسأل أنفسنا كيف انطوى تفرده الذي مازه، وكيف انكمش وذوى واضمحل، وكيف ذهب أثرا بعد عين؟! ولنسأل كيف انطفأت تلكم القرائح العبقرية الوهاجة واحدة تلو الأخرى، بعدما أطبق عليها البلاشفة بشعاراتهم الإيديولوجية، وشرعوا في دمج نتاجاتها في إطارات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الخمسية؟! فاعتبارا بمثل هذه العاقبة التي لا تسر مخلصا من أرباب الأدب وخلصائه، ينبغي أن يكف مثقفونا السودانيون عن محاولة تقييد النشاطات الفنية الإنسانية الراقية بقيود التحزب الأعمى. وقد كان أديبنا العظيم معاوية كما تبدي بعض آثاره الحسان شديد الاستهجان لأساليب (الأدلجة) والحشد الحركي التي تستخدم لترويج الأدب، وتلميع الأدباء الحزبيين، عن طريق النقاد المحسوبين، الذين لا يألون جهدا في سبيل تحسين كتابات كوادر الحزب الأدبية في وسائط الإعلام، ومحاولة فرضها عن طريق تكرار الطرق عليها على أذواق القراء! وقد استملحنا قطعة نقدية ساخرة من بعض كتابات معاوية الحسان، انتقد فيها الدكتور أحمد زكي أبي شادي، صاحب جماعة (أبولو) الأدبية، وقال في مستهلها:" للدكتور أحمد زكي أبي شادي أكبر (كمية) من الأنصار، يذيعون شعره، ويتحدثون عن فنه، ويعلنون عن دواوينه بشدة وحرارة، وبأساليب مختلفة، وطرق متعددة، فحُقَّ لنا أن نتساءل عن هذا الشاعر الذي يدعي التجديد والعصرية في الشعر، وعن نصيب هذه الدعوى من الصدق والحق". (المصدر السابق، ص، 12). وقد بذل معاوية جهدا كبيرا في مقاله سبر به أغوار أبي شادي باستعراض تحليلي نقدي طريف نافذ لديوانه (الشفق الباكي) خلص منه إلى أن أكثر شعره تقليدي، وأن حظه من الشاعرية الحقة جد قليل، وأنه لذلك السبب وحده يستقوي بأساليب الحشد والاستنفار الحركي لفرض شعره الباهت على الخلق. وبعيدا عن مثل هذه الأساليب ينبغي أن نقرأ أدب معاوية محمد نور، وأن نتأمله ونتملَّاه بحيدة وموضوعية، وأن نراه كما هو في حقيقته، أي كما أظهرته آثاره النقدية والابداعية، وفي أضواء الظروف الزمانية التي عاشها. وهذا مما يستلزم أن يقلع المثقفون الإيديولوجيون المتطرفون في بلادنا عن النظر إلى أدب معاوية كما يشتهون، وأن يمتنع الحزبيون الملتزمون عن رؤيته وفق مناظيرهم الصغيرة قصيرة المدى. وكفى ظلما بليغا ذلك الظلم الذي حاق بمعاوية في غضون حياته القصيرة العامرة ذات الشجى. وعسى أن نجنبه بمثل هذا الوعظ، وإن قسا، ظلما أشد، يسعى البعض لإلحاقه به بعد الممات.
أحدث المقالات
- أشياء.. وأشياء!! بقلم صلاح الدين عووضة 09-05-15, 06:11 PM, صلاح الدين عووضة
- ذكرى معركة كرري بقلم الطيب مصطفى 09-05-15, 06:10 PM, الطيب مصطفى
- سياحة في ( قرية كوئكة ) بالولاية الشمالية بقلم عباس حسن محمد علي طه – جزيرة صاي 09-05-15, 06:08 PM, عباس حسن محمد علي طه
- في ذكري سبتمبر الشعارات ما بتفيد قصيدة بقلم يوسف عوض الكريم 09-05-15, 06:03 PM, مقالات سودانيزاونلاين
- دحلان ليس صديقا وهنية لا اعرفه ولكن....... بقلم سميح خلف 09-05-15, 06:01 PM, سميح خلف
- الثورة التدريجية بقلم حسين اسماعيل محمود 09-05-15, 04:59 PM, حسين اسماعيل محمود
- المعلومات في السودان: أبواب ذات حراسة مشددة بقلم ندى أمين 09-05-15, 04:54 PM, ندى أمين
- دفع الشباب شديد التدين إلى المحارق هو الخطوة الأهم برأي التنظيم الماسوني الصهيوني بقلم طلال دفع الله 09-05-15, 04:51 PM, طلال دفع الله
- وليد حسين..ستري شمس الحرية لامحالة بقلم بقلم امير (نالينقي) تركي جلدة اسيد 09-05-15, 04:45 PM, امير نالينقي تركي جلدة اسيد
- وليد الدود مكي الحسين بقلم قريمانيات .. بقلم .. الطيب رحمه قريمان .. بريطانيا... !! 09-05-15, 04:43 PM, الطيب رحمه قريمان
- المسمار الأخير فى نعش الحوار السودانى! بقلم على حمد إبراهيم 09-05-15, 03:02 PM, على حمد إبراهيم
- هل سيعفي البشير وزير الكهرباء ؟ والخضر لكنانة بقلم جمال السراج 09-05-15, 02:59 PM, جمال السراج
- حيثما توجد طاقة توجد تنمية بقلم ندى امين 09-05-15, 02:57 PM, ندى أمين
- سر المهنة..!! بقلم عبدالباقي الظافر 09-05-15, 02:55 PM, عبدالباقي الظافر
- أهلا بكم ..!! بقلم الطاهر ساتي 09-05-15, 02:53 PM, الطاهر ساتي
- الإرهاب والإنتخابات.. والأزمة السياسية والإجتماعية في تشادالحلقة الثانية(1-2) بقلم محمد علي كلياني 09-05-15, 07:05 AM, محمد علي كلياني
- الوصاية الأردنية على الأقصى في مأزق بقلم نقولا ناصر* 09-05-15, 06:31 AM, نقولا ناصر
- شهادة إثبات وليد الحسين بقلم أكرم محمد زكي 09-05-15, 06:29 AM, اكرم محمد زكى
- حتام هذا القتل البطيء لسكان ليبرتي يا ساسة العراق ؟؟ بقلم صافي الياسري 09-05-15, 06:26 AM, صافي الياسري
- مكاييل الحكومة ،إستمرارية الإقصاء!! بقلم حيدر احمد خيرالله 09-05-15, 05:03 AM, حيدر احمد خيرالله
- تلاشت عروبتي.. ولكن لا اعاديهم بقلم خليل محمد سليمان 09-05-15, 05:02 AM, خليل محمد سليمان
- أيها الفارون من جحيم الموت في سورية .. إلى نعيم جنة الغرب الموهومة !!! بقلم موفق السباعي 09-05-15, 03:05 AM, موفق السباعي
- الحركة الشّعبية تأكل بنيِها.. إحالة ثوار إلي (المعاش)..!! بقلم عبدالوهاب الأنصاري 09-05-15, 01:58 AM, عبد الوهاب الأنصاري
- الاوربيون .... قساة القلوب بقلم شوقي بدرى 09-04-15, 10:58 PM, شوقي بدرى
- الطواحين بين أشواق الإنسان وقسوة الواقع بقلم نور الدين مدني 09-04-15, 10:55 PM, نور الدين مدني
|
|
|
|
|
|