التدخل الأجنبي في السودان.. قادم وله إيجابياته!

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 01:32 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-27-2004, 02:12 AM

إيهـاب خيـري-الإمارات


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التدخل الأجنبي في السودان.. قادم وله إيجابياته!

    بنجاح مفاوضات السلام أو فشلها/محمد أبو القاسم حاج حمد: التدخل الأجنبي في السودان.. قادم وله إيجابياته!


    حوار- إيهـاب خيـري:

    "مثير للجدل".. تعبير يثير غبطة الكثيرين، ومن الشائع أن يُطلق على بعض الباحثين في مجالات الدراسات الفكرية والاجتماعية والسياسية، ومع ذلك لا يبدو الوصف مناسباً للأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد، الباحث السوداني، الذي ربما أرضاه أن يوصف بأنه "مثير للتفكير والنقاش"، رغم صعوبة "سجن" طاقاته ومساهماته بين "قضبان" وصف ما.
    تنوع مساهماته يمكن قراءتها في العمل السياسي المباشر، الذي جعله يؤسس حزباً لـ"شرعنة" معارضته لنظام الإنقاذ في السودان، حسبما يقول، كما قاده
    ليصبح مستشاراً للرئيس الإريتري إسياس أفورقي، بالإضافة إلى العمل الفكري، وله فيه مساهمات متعددة تجاوزت مناقشة القضايا الإشكالية في السودان في كتابه(السودان.. المأزق التاريخي وآفاق المستقبل)، الذي كان "إنجيلاً" لبعض شباب الثمانينات من القرن الفائت في السودان، لتمتد إلى مؤلفه (العالمية الإسلامية الثانية) الرائد في مجال دراسة النص القرآني بمناهج معرفية وألسنية، والذي صدر في 1979، قبل أن تتحول مثل هذه الدراسات إلى "موضة معرفية" تتزاحم منتجاتها على أرفف المكتبات.
    ولنضف إلى هذا وذاك، مساهمته في الكتابة الصحافية، منذ بداية الستينيات، وإلى يومنا هذا، وتأسيس دور نشر ومراكز بحوث، ومكتبة في أبوظبي في السبعينيات والثمانينيات، كان لها فعل السحر، وفتح أبواب الحداثة، لشباب تلك الفترة حسب شهادة للشاعر والباحث الإماراتي أحمد راشد ثاني.
    مؤخراً، زار الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد الإمارات، لإلقاء محاضرة في المجمع الثقافي، والمشاركة في فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب، فحملتنا إليه الرغبة في طرح الكثير من التساؤلات، التي تثيرها مساهماته. ولم يبخل بوقته، وأفكاره المثيرة، ولعل أكثرها إثارة في الوقت الحالي، إن
    التدخل الأجنبي في السودان قادم بنجاح مفاوضات السلام أو فشلها، وأنه يشكل الإمكانية الوحيدة للتغيير في السودان.

    *يلاحظ في الفترة الأخيرة اعتمادك على مفهوم الجيل في تحليلاتك، حيث تقسم الأجيال في السودان إلى ثلاثة: الآباء المؤسسين، والجيل الثاني، ويضم من ساهموا في العمل السياسي والفكري والثقافي بعد ثورة أكتوبر 1964، والجيل الثالث، الذي ولد في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات. ما هي العوامل التي تعتمد عليها في هذا التحقيب، ثم ألا يعد مفهوم الجيل غامضاً، وغير علمي؟
    ** مفهوم الجيل غير وارد في النظريات الاجتماعية التي تهتم بجدلية التغيير، فهي تعتمد على التركيب الطبقي الاجتماعي أياً كان مضمونه، سواء في الدول المتقدمة أو المتخلفة، ولكن قضية الجيل إذا توافرت شروط متعددة تجعل منه ظاهرة، فنظرية الجيل لتكون متحققة نظرياً واجتماعياً، لا تنهض بمجرد التحقيب، وإنما تنهض حين تتشكل عدة عناصر في النظرية لتؤكدها، فهي دائماً فرضية إلى أن تستكمل عواملها. مثال على ذلك، ثورة الجيل الجديد في فرنسا في الستينيات، التي عبر عنها هربرت ماكوز في كتاباته، وكان أحد أطرافها، تعتبر نتيجة للفشل اليسار الفرنسي، واستمرارية عقلية التقليد والمحافظة في السياسة الفرنسية، ولكن كيف برزت كظاهرة؟ لأن فرنسا، باعتبارها متقدمة في الطرح الثوري التاريخي منذ الثورة الفرنسية، وتلاحقت فيها فعاليات الثورة السياسية والفكرية بأكثر من الإيديولوجية الألمانية ومفاهيم الاقتصاد البريطانية، نجد أن التطور الداخلي فيها مع فشل اليسار والوسط واليمين، جعل ظاهرة الجيل عاملا حداثيا، فالحداثية هي التي أعطت الجيل في فرنسا قوة الظهور، بما حوله من فرضية إلى شبه نظرية، ولا أقول نظرية، لماذا؟ لان الواقع الفرنسي سرعان ما أستوعب انفعال التغيير لدى الجيل الفرنسي فلم يستطع أن يثبت أقدامه على الأرض بمنهج، لذلك، طرح ماركوز قضية ثورة بلا نموذج. تلك كانت بالنسبة لي مجرد التقاط وليس تحققا لنظرية اجتماعية. حين عنيت بدراسة قوى التطور الدافعة للتغيير في الوطن العربي عموماً والسودان خصوصاً، كنت اهتم بمناقشة إشكالية محددة: ما هي القاعدة الاجتماعية للتغيير في العالم الثالث؟ في العالم المتقدم، كارل ماركس حدد قضية طبقة البروليتاريا (العمال) في مواجهة الرأسمالية، وحدد البرجوازية التجارية في مواجهة الإقطاع.. حين نريد التغيير في العالم الثالث، على أي قاعدة اجتماعية نعتمد؟ في كتاب "السودان.. المأزق التاريخي وآفاق المستقبل" درست وضع العمال، ووجدت أن القاعدة العمالية ليست قاعدة طبقية، فهي قاعدة أُسست قبل الرأسمالية في السودان، نتيجة للاستثمار الاستعماري في السكك الحديدية، والورش في عطبرة وميناء بورتسودان. إذن، طبقتنا العمالية ليست متولدة جدلياً عن وجود طبقة رأسمالية، إنما سبقتها في التكوين. طبقة الفلاحين الجدد أيضاً ارتبطت بالاستثمار الاستعماري قبل نشوء الرأسمالية الزراعية في مشاريع الزيداب، والبرقيق، والجزيرة، منذ 1924، في حين أن إرهاصات الرأسمالية السودانية بدأت في الخمسينيات. إذن، وجدت أنه ليست هناك قواعد اجتماعية عمالية أو زراعية بالمعنى الطبقي ثم إن الجدلية معكوسة، فالقوى العمالية- كفئويين- قوتها نقابية وليست طبقية، وقوى المزراعين نشأت قبل نشوء الرأسماليتين الصناعية والزراعية. هذه المعضلة جعلتني أفترق عن تحليلات الفكر الماركسي في السودان حول القاعدة الاجتماعية للتغيير حيث اعتمدوا على العمال والفلاحين..
    *.. وتحالفها مع المثقفين والرأسمالية الوطنية
    ** المثقفون في وقت متأخر.. تلك الإشكالية الأولى التي كنت أعالجها في محاولة البحث عن قاعدة للتغيير، تغيير ماذا؟ هذه قضية مهمة هي التي قادتني فيما بعد. المثقفون حين نحللهم، ليس بالشكل التجريدي ولكن بمنطق جدل الواقع وتكوينه، هم عبارة عن فئات كونها البريطانيون بمنهج تجريبي محدود جداً ليكونوا محاسبين، وكتبة، وإداريين، ومعلمي مراحل وسطى.. فهم جهاز خدمات مرتبط بالمستعمر، ولم يستطيعوا تشكيل طبقة وسطى لأنهم لم يرتبطوا بقوى الإنتاج، وكان أكبر ما كانوه -في حال تحولهم من موظفين إلى القطاع الاقتصادي- ملاك عقارات، أو كومبرادور في شركات ذات أصول أجنبية (كونتي مخلص، بيطار، جلاتلي هانكين). لنأخذ المثقفين كقوى رافعة للمجتمع لم نجد هذه المقومات. عشنا مرحلة تفكك، وجاء تعبير كاد أن ينقذنا نوعاً ما في البحث عن قاعدة اجتماعية للتغيير(أي تعبير القوى الحديثة لنضعها في موازاة القوى الريفية التقليدية، ونعني بها قطاع الأطباء والمهندسين والكتبة في دواوين الدولة، الذين تمنهجوا على القاعدة التي أنشاها الاستعمار). الكارثة أن القوى الحديثة، التي تتكون من عصبين متداخلين: مثقف وآخر منتمي فئوياً إلى النقابات والهيئات، لم تتميز بنفسها فكرياً وسياسياً لتشكل بديلا بوجه القوى الريفية التقليدية المتشكلة من الطائفية والعشائرية وروابط المجتمع العضوية خارج نطاق التطور. ولم تستطع أن تستقل بخيارها وتكون بدائلها السياسية ماعدا الحركة الماركسية، التي تعتبر مترجماً غير مبدع لكلاسيكية المرحلة الستالينية في الاتحاد السوفيتي لأنها لم تستطع أن تكتشف جدل الواقع السوداني. والحركة الإسلامية، مترجم غير مبدع، رغم ادعاءات الترابي الزائفة والوهمية، لحركة الأخوان المسلمين في مصر منذ 1928. أما الحركة العربية بأقسامها المختلفة (بعثيين وناصريين وغيرهم)، فهي انعكاسات لانفعالات الحالة الثورية العربية في الشام الكبير ومصر حتى أنها لم تستطع أن تطور فكرة وحدة وادي النيل لتعطيها أفقا في الواقع السوداني. لذلك، عدم التمييز تنظيمياً، واجتماعياً، وفكرياً، وعدم القدرة على التحول من المنعكس الخارجي إلى الإبداع الذاتي، وعدم إيجاد فهم لجدل الواقع من الداخل، جعل مفهوم القوى الحديثة يمر بحالة إفلاس. وعوضاً عن تكوين الإطار المستقل لها انتموا لما هو قائم من طائفية وحكم عسكري. مثلاً بالإحصاءات عمل مع نظام نميري(1969-1985) 300 من حملة شهادات الدكتوراة في اختصاصات مختلفة، وكان يبدلهم كإطارات السيارات. وقطاع كبير منهم انتمى لحزبي الاتحادي والأمة، ولم يحدثوا أي تغيير داخل البنية التقليدية التي انتموا إليها، ولو حدث ذلك لكان هناك تلمس لدورهم كمثقفين ضمن قوى اجتماعية حديثة ..
    * هل نتحدث عن مثقفين أم حملة شهادات عليا (متمدرسين)؟
    ** دعني لا أفصل الأمر منهجياً ولا ابتعد عن المصطلح الذي تستخدمه الجماهير، التي تطلق صفة مثقف لكل من يجيد الحديث مثلي (يضحك). وشعبنا في السودان يميز بينهما، وهناك المثل المعروف (القلم ما بيزيل بلم). لا أريد هنا الغوص في هذه التفاصيل الدقيقة والمعقدة.
    للبحث عن القاعدة الاجتماعية للتغيير، بدأت أعيد النظر بنفس المنطلق، الذي حاكمت به الآخرين، أي جدل الواقع، ما هي قاعدة التغيير التي يمكن أن تنتج بمعزل عن تلك الظواهر؟
    بدأت أتلمس قضية أساسية عشتها بنفسي في الستينيات. في تلك الفترة، وقبل سقوط نظام الفريق إبراهيم عبود (1958-1964)، كانت هناك مكتبة صغيرة في المحطة الوسطى، الخرطوم، يديرها حامد المتري، وأرجو أن يسجل ضمن مساقات دراسة النهضة في السودان. كنا في العشرينيات من عمرنا نطلب كتب تروتسكي وزكي الأرسوزي، وميشيل عفلق وياسين الحافظ. ورغم أن عبود، لم يكن يهتم بالثقافة، كنا نجد الفرصة لتغذية اهتماماتنا في الماركسية النقدية كروزا لوكسمبرج، وفي الفكر القومي، نقرأ لناجي علوش، ومحمد مسعود الشابي، وعصمت سيف الدولة، وأصبحنا نشكل تحدياً للجيل الذي سبقنا، وخرجت نزعة نقدية في ظل عبود وبمعزل عنه. كان يحرك النقد الثقافي على صفحات صحيفة (الثورة) محي الدين فارس، ومحمد محمد علي، ومحمد المهدي المجذوب، والأستاذ كمال شانتير، المحامي في نقاشاته عن الوجودية. كان الأدب يتفجر ثورة وانفعالاً في صفحات الحكومة، كنا جيلاً متميزاً لم يتواكب معنا الجيل الذي سبقنا. لعبنا دوراً أساسياً غير معلن في ثورة أكتوبر، كل الذين خرجوا إلى الشارع كانوا من جيلنا، الأجيال التي سبقتنا كانت في قبة المهدي، ونادي أساتذة جامعة الخرطوم، يحرضون ولا يتفاعلون مع الجماهير. وحين جاء نميري، بدأت ذاكرتي تسترجع ظاهرة الجيل، فقد جاء في إطار جيلنا، الذي طرح النقد والثورية والتفكيك، وطرح ما كنا نطرحه.. لذا تسابقنا إليه فاحتوانا..
    * كجيل أم كتيارات؟
    ** احتوانا كتيارات كانت ملغومة بروح هذا الجيل الذي صنعة حامد المتري في المحطة الوسطى. تسابق إلى الانقلاب حملة الشهادات، وتحول أبناء ذلك الجيل إلى أعضاء مجالس إدارات البنوك والمؤسسات المؤممة. أُفرغ جيلنا، وانتمى لحقبة نميري، التي استمرت 16 سنة كحقبة الخليفة عبد الله التعايشي، وكانت مرحلة فراغ إيديولوجي كامل فالاتحاد الاشتراكي بأعمدته الثلاثة: د. جعفر محمد علي بخيت بفكره الإداري، وعمر الحاج موسى، والصولجان الإعلامي اللفظي، ود. منصور خالد وتأكيده على دور الصفوة فوق التجربة والجماهير، لم يستطع أن يقدم بديلاً على مستوى التنمية الثقافية والفكرية، وظهر الجيل الثالث، وبدأ يحيا حياة الفراغ الإيديولوجي، وهي أكبر سلب في تركيبة الجدلية، التي تؤدي إلى الإيجاب الثوري. كيف؟ جيل نميري، الذي لم نستطع أن نتواصل معه، بدأ ينشأ من أواخر الستينيات ويفتح أعينه على التجربة النيابية الثالثة (1986-1989) وبدأ يتشوف ويسأل ولا يجد إجابة وفقد انتماؤه مع كل قوى الواقع التقليدي حتى مع الحزب الشيوعي، وإذ به يكتشف نفسه في عهد آخر للخليفة عبد الله التعايشي، الذي يمثله في التاريخ المعاصر حسن الترابي، وعاش في ظل نظام الإنقاذ (1989-...) فترة تجهيل أسوأ من فترة نميري. هذا الجيل عاش المرحلة العدمية، مما جعله غير متواصلا مع البناء التقليدي، الذي قام عليه السودان من الاستقلال إلى 1989، وتدخلت العولمة، عبر وسائط لم تكن في متناول يد الجميع. كانت تيارات العولمة تأتيه كزخات، وليس مطراً خريفياً، وبدأ يسمع بأفكار عديدة ويتفاعل معها، وساهمت في ذلك ثورة الاتصالات، التي بدأ يشتد ساعدها في السودان منذ منتصف التسعينيات. أهم شيء في المفصل الثقافي، أن هذا الجيل لم يقارن بين الأحزاب وبرامجها، إذ لم يعد ذلك مطروحاً، بل أصبح يقارن بين وضع السودان والعالم الخارجي
    * وبدأ يناقش فكرة الوطن نفسها..
    ** وفكرة الدين، ودخل في نطاق المقدسات والمحرمات. هنا، جزء من الجيل يميل إلى التفكيك والنقد والتحليل، ومن لا يملك هذه الإمكانيات يغطي فراغه بالتصوف، ويمارس الهذيان، والغيبوبة، والدروشة، ومن استمر على نقديته وتحليله بدأ يعطي ثماره قليلاً فبدأ الجيل يحلل وضعه، ويستشرف، ومن معالم ذلك الجمعيات ومراكز الدراسات والبحوث مثل مركز عبد المجيد إمام، ومركز عبد الكريم ميرغني، ومركز الدراسات السودانية، ودار الثقافة، ومكتبة البشير الريح، التي تمثل حراكا ثقافيا بمنطق جيل ثالث. وحين أشارك في الندوات، ألاحظ أن أبناء الجيل الثالث ينصرفون عن خطاب الجيل الثاني، حينما نحدثهم عن تجاربنا، وأمجادنا وعن ما أحدثناه من تطور في السودان، لأننا لم نجب عن أسئلتهم، وأجد أن منطق جيلنا ينهزم أمام منطق الجيل الصاعد.

    حزب الوسط .. فات أوانه

    * كنت في العشرينات من عمرك، عندما طرحت في 1965، تكوين حزب الوسط، وهي الفكرة التي نقدها المرحوم عبد الخالق محجوب، وفي الوقت الحالي، تطرح الفكرة من جديد. ألا ترى أنها تمثل مخرجاً في ظل فشل اليمين واليسار والأحزاب التقليدية، وانصراف القوى الحديثة عنها، ومن ضمنهم "الجيل الثالث"، كما يقول المنادون بالفكرة؟
    ** عندما طرحت فكرة حزب الوسط، التي ساعدني على بلورتها الأستاذ/جمال عبد الملك (ابن خلدون)، ونشرت في (الجماهير)، ورد عليها المرحوم عبد الخالق محجوب في (الميدان) في مارس 1965، كنت كما أشرت في العشرينات من عمري، وأرى أن الحزب المقترح يمثل مخرجاً في ظل تنكر الحزب الوطني الاتحادي لقواعده، لكن عبد الخالق محجوب كان يعمل على توسيع الهوة بين قاعدة الوطني الاتحادي، الذي لم يكن قد تحالف في ذلك الوقت مع الشعب الديمقراطي، وقيادته لتكون رصيداً للحزب الشيوعي. المهم أن الفكرة تجاوزها الزمن، ولم تعد تجدي في الوقت الحالي، فمنطق الجيل الثالث مختلف تماماً عن جيلنا.
    * إذن، أين يجد الجيل الجديد تعبيره السياسي، وكيف يمكن تنظيمه؟
    ** إذا نظمته تقضي عليه، دعه يعمل..
    * فكرياً أم سياسياً؟
    ** على المستويين، دعه يعمل، ويطلق ثورة بلا نموذج.

    التدخل الأجنبي

    ** فكرة "الثورة بلا نموذج" التي فشلت في فرنسا، وأوصلت ريجيس دوبريه، أحد أبنائها البررة للقول بأن "الحلم أنحصر وأتخذ شكل الخبز في وقتنا الحالي"، فشلت كذلك في السودان، ففي انتفاضة سبتمبر 1995، لم ينجح الطلاب في السودان، رغم سيطرتهم على الشارع لأسبوع كامل، في تحويلها إلى ثورة تطيح بالنظام خاصة مع غياب قوة سياسية تنظم تحركهم..
    ** أقول: الترابي نجح في تدمير الطرق التي يتم بها تغيير الأنظمة في السودان، أي الخدمة المدنية، التي أفرغها من القوى السياسية المناهضة له، والجيش، وذلك أمر جيد. ويبدو أن التدخل الأجنبي، بنجاح نيفاشا أو فشلها، وإن كان فيه ضرر كبير بقضايا كثيرة لم يتبينها الناس بعد، فهو - بالضوابط التي يفرضها على نفسه ضمن مباديء ومتاحات العولمة- مثل حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي، والديمقراطية، وحرية الصحافة، وتقييد يد الأمن، وحرية إبداء الرأي والكلمة، وعدم منع التنظيمات، سيوجد متاحات للجيل الجديد ليتقدم ويطرح مفهومه عن التنظيم واللقاءات والجمعيات والمجتمع المدني. وأرجو أن لا يسأ فهم حديثي، فالتدخل الأجنبي رغم أخطاره له جوانبه الايجابية.
    * في الثلاثينيات من القرن العشرين، كتب تولياتي، زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي، محذرا من حرب محتملة لا تبقي ولا تذر،
    وقال إن الفاشية، بكل ترسانتها العسكرية والثقافية وأدواتها القمعية الرهيبة، تقضي على كافة إمكانيات تفكيكها من الداخل، بحيث لا يمكن القضاء عليها سوى بعامل خارجي. هل التدخل الأجنبي هو الإمكانية الوحيدة للتغيير في السودان حالياً؟
    ** نفس القضية انطبقت على الخليفة التعايشي، إذ كدنا نفقد الشرق بالتدخل الإيطالي، وفقدنا الجنوب بالتدخل البلجيكي الفرنسي والإثيوبي، وعاد الغرب لاستقلاله، فقد كان التدخل البريطاني المصري عودة إلى جغرافية السودان السياسية الحديثة، وبناء إدارة حديثة عوضاً عن خرافات المهدية، وأحدث التدخل قفزة نوعية لولاها لانتهت تركيبة السودان برمتها. القضية تتكرر، وربما أتت مسابح اللالوب (يستخدمها شيوخ الصوفية وأتباعها) بالأميركيين إلى السودان. نعم .. نقولها لأن هذه هي خارطة الواقع الآن.

    العولمة ..عضلات روما وقوانين شيشرون

    * يكثر في هذه الفترة الحديث عن مؤسسات المجتمع المدني، وضرورة تبني مفاهيم حقوق الإنسان، بمعناها الغربي. هل "ولد" الإنسان، بوصفه فرداً، في مجتمعاتنا أم أن التعامل معه ما يزال في إطار انتمائه لعشيرة أو قبيلة أو جماعة ما؟
    ** التعامل مع الفرد في مجتمعاتنا يمر عبر العائلة النووية والممتدة، مع مركب عشائري. عموماً لم نعش تجارب الليبرالية الفردية والصراعات ضد الانتماء الإقطاعي والكنسي.. تلك تجربة 4 قرون، تغير فيها البناء الاقتصادي والاجتماعي والفكري. نحن لم نألف قيمة الفرد لا اجتماعياً ولا سياسياً ولا أخلاقياً، ما يهيمن عليه هو العرف والتقاليد، وهي نمطية عرفية وليست معرفية، حين يأتي الغرب ويطرح علينا مسار تجربته لتعزيز الحرية الفردية، فذلك أمر يجب التفكير فيه ملياً، إذ يلاحظ أن المنطق الليبرالي منطق تفكيك للعائلة والعلاقات بشكل عام. وعندما طرح فرانسيس فوكوياما أن الليبرالية نهاية التاريخ، مستمداً الفكرة من كوجيف تلميذ هيجل، فقد التقط نتائجهما دون المنهج الفلسفي، إذ أن الثقافة الأميركية قيدته بنزعة أدواتية براغماتية، خارج نطاق التكوين الجدلي لهيجل وكوجييف. وعندما قرأت كتاب فوكوياما (نهاية التاريخ) وجدت أن مفاهيمه خلت من جذر الهيجلية، لكنه تراجع بعد سنوات ليكتشف مخاطر الليبرالية في كتابه (الانبهار العظيم)، الذي لم ينل مثل حظ كتابه الأول، الذي تلقفته العقلية الأميركية البراغماتية، وجعلته خبزاً ساخناً. تراجع فوكوياما، تراجع في إطار شبه الوضعية، ولا أقول العلمانية ليست ضد الدين. وفوكوياما علماني وليس وضعياً، وتبين مخاطر الليبرالية، لكن تراجعه يبقى دون الرؤية الكونية للوجود. وحين يأتون إلينا نحن أنفسنا كمسلمين لم نستشرف الرؤية الكونية، بمنهجية بعرفية ابتسمولوجية، فوعينا بها إيديولوجي تراثي، كإيمان العجائز.
    واختصاراً أقول: العولمة ستأتينا بعضلات روما. وعندما نظرت إلى مبنى الكابيتول في واشنطن تذكرت روما، فروما الجديدة تحكمنا، ومفاهيم حقوق الإنسان، تبدو كأنها اقتباس من شيشرون حول القوانين، وضرورة تنفيذها. وعقلية شيشرون تتمثل في حقوق الإنسان.. فلنستمر معهم في هذا الحيز إلى أن نستكمل نحن المسلمين رؤيتنا المنهجية الكونية.. وهذا جهد لي فيه عشرين عاماً، ولم أحقق فيه إلا واحد ناقص صفر من مائة!

    عروبة مركبة

    * من المآخذ على كتابك "السودان.. المأزق التاريخ وآفاق المستقبل" محاولة فرض ما يمكن تسميته بـ"الحتمية الجغرافية" لمسألة الهوية، إذ ترى أنه مثلما تتدرج التضاريس، المرتفعة غرباً وشرقاً، والمنحدرة نحو الوسط، وجريان النيل من الجنوب إلى الشمال، كذلك تكون الهوية والتوجه، في توجهها نحو الوسط والشمال، خاصة أنك كنت قومياً عربياً في فترة من حياتك..
    ** لم أكن قومياً أو بعثياً، كنت قريباً للبعث بحكم ارتباطي بالثورة الإرتيرية، وحين دفعني الإخوة الاريتريون عام 1966، لتنظيم علاقاتهم على المستوى العربي في دمشق كمساعد لمؤسس الثورة الحقيقي، عثمان صالح سبي، الذي أكن له كل محبة وتقدير، برغم السلبيات في نهج تفكيره التي ظهرت عام 1975. وجودي هناك ربطني بالبعث تنظيمياً وليس عقائدياً، وعروبتي تختلف عن العروبة الكلاسيكية العربية، فأنا أراها جماع حضارات وليست أحادية حضارية، إذ جمعت في ثوبها بين حضارات سبأ، ومعين وحمير ، وثمود، وبابل والسومرية والأكادية والكلدانية والعمورية والآرامية السريانية والقرطاجية وغيرها. وعملية التوحد الجدلي الحضارية والتاريخي والثقافي تجعل الشخصية العربية مركبة وليس أحادية. والرؤية الأحادية للعروبيين هي التي خلقت المشاكل مع الأكراد والبربر والجنوبيين.
    وعندما تناول أخي وصديقي منصور خالد أفكاري في كتابه "المخيلة العربية" سحب عليّ مقولات القوميين العرب في رؤيتهم الأحادية وحين يناقشني بعض الإخوة الجنوبيين، أقول لهم أنت جزء من تكويني، لذلك كانت أولى المقارنات الأدبية والشعرية في الكتاب بين المجذوب والشاعر الإفريقي باركس.
    ولأن رؤيتي ليست أحادية فقد انعكست على السودان، وأنا أعول على دور الوسط الذي يدمج بين البجاوية والزانداوية والفوراوية، والدينكاوية وكوش (590 ق م) ومروي (إلى 350م) وتأثرها بالهيلينية. وعندما أقول بمحورية الوسط، فهي ليست محورية تلفيقية، وهي لمدامجة التركيب وليس وسط هيمنة. وهذا الوسط نفسه ليس عربياً بمعنى حضاري، و القبائل التي تنسب نفسها للعباس مثلاً، تدامجت مع كل الأعراق في السودان، وأرى أن تاريخ التدامج السكاني، لم يدرس بهذا المعنى السوسيولوجي التاريخي. وأقول مرة أخرى، لقد حاكموني بما هو سائد في الشارع، وأرجو ألا تطول معاناتي.



    كوادر

    لست موظفاً

    لم أكن موظفاً حيثما أذهب، بل صاحب رسالة، استشعرها وأوديها. وحين أتيت الإمارات في 1975، جئت إلى دولة في طور التأسيس وانتميت إلى تلك الحالة، ولم أجامل أحداً، خاصة الفكر السائد وقتها، وقد طرحت فكرة تغيير المناهج في 1978 في النادي الثقافي في الشارقة. والموظف لا يؤسس مركزاً للإنماء الثقافي، ويفتح الأبواب لكتب الحداثة التي كانت نادرة هنا وقتها، وكان الشباب ينقلونها إلى دول أخرى في المنطقة على ظهور الحمير والإبل. كذلك، فقد ساهمت في تشجيع نشر المؤلفات الأولى لعدد من الشباب وقتها مثل ظبية خميس وأحمد راشد ثاني وحبيب الصايغ.
    مع الرئيس الاريتري

    أنا مرتبط بالثورة قبل الرئيس الاريتري إسياس أفورقي، إذ انضممت إليها في 1963، وانضم إسياس إليها في 1966، وهو يتعامل معي كأخ كبير وصديق، وبيننا حوارات نقدية حول الثورة والدولة، وأعتز به كصديق، وببقية أبنائي في القيادة والجيش في اريتريا.


    أركون ومعركة هرقل

    محمد أركون، من أكثر الناس قرباً إلى قلبي وعقلي، وأرى أنه أبو حيان التوحيدي في شكل معاصر. أركون يفكك التراثية اللاهوتية بتاريخانية مميزة مع انتمائه الإسلامي العميق، الذي لم يكتشفه الآخرون، كما لم يستفيدوا من نظرته التفكيكية للغرب. ويتعامل مع النص القرآني تعاملاً معرفيا وليس أسطورياً ولا خرافياً. وقد قطع نصف مشوار مشروعه، لكنه يقف أمام أزمة مفرقين: التراثي اللاهوتي، والنسق الغربي المتحكم في عقلية الاستشراق الغربي، ويقاتل معركة هرقل دون عضلاته.




    غواصة!
    حين تقدمت بطلب لتأسيس الحركة السودانية المركزية (حسم) ضمن نظام التوالي في السودان، فعلت ذلك لأشرعن معارضتي لنظام الإنقاذ من داخله. كنت "غواصة" كما يقال في أدبيات الأحزاب السياسية. وعندما يأتي شباب يقولون أنهم مقتنعون بأفكار الحركة، أرفض انضمامهم إليها!


    صلة عضوية
    كنت في مقدمة المنظمين لثورة أكتوبر. وبعد انتصارها، جعلوني قائداً لموكب للثورة، الذي ضم الجيش وكل الفئات، وذلك تكريماً لي. أقولها ليس لإبراز دوري بل لتوضيح صلتي العضوية بالحدث.



    طه.. زاهد ومخلص

    صدى الفكر المعرفي في تجديد الفكر الإسلامي يتزايد يوماً بعد يوم، والتجديد المعرفي يعتمد على النص القرآني، بينما الإيديولوجي يعتمد على التراث. أما بالنسبة للمرحوم محمود محمد طه، الذي اعتبره شهيداً، فهو لم يكن مجدداً، بل كان مقارباً للعصر والحداثة، إذ لم يتعامل مع النص لا ألسنياً ولا معرفياً ولا منهجياً بل كانت محاولاته مقاربة للعصر والحداثة حتى يقي الدين، بمفهومه السلفي التقليدي، مشكلة الابتعاد عنه.
    وقد عاش، رضوان الله عليه، حياته زاهدا ومضى مخلصاً.

    تلميذ فاشل

    كان والدي مهندساً معماريا، وقد تجولت معه في معظم أنحاء السودان ما عدا الجنوب، كما كان سياسياً مقرباً من الشيخ علي عبد الرحمن، وجمال عبد الناصر.
    ولم يكن الوالد يحجر علي الرأي في شيء وكان يسمح لي بالجلوس والاستماع في مجلسه، الذي يضم السياسيين والمثقفين، وكان يتقبل ملاحظاتي القاسية. أسلوب الوالد في التربية شكل جزءا من ثقافتي وتمردي المبكر على المناهج. في الثانوية في عطبرة، كان الطلاب يذاكرون، وكنت أهرب لقراءة مجلة الرسالة وكتب التاريخ الحديث والقديم، وغيرها، وفي امتحان الثانوية لم أوفق، ومنها انصرفت إلى اقتناء الكتب والتحليل والبحث فيها، ولم أدرس دراسة أكاديمية، فقد كنت تلميذا فاشلاً.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de