نورد اليوم حديث الدكتور عصام البشير حول التجديد والتبديد.. وعن المقصدية والحرفية وعن الإبداع والاتباع وعن التهوين والتهويل. يقول د. عصام : يتعين تجديد الخطاب الإسلامي، وإعادة النظر في كثير من قضاياه الفكرية ومفاهيمه الحاكمة، والممارسات السلوكية المرتبطة به، لكن ليس لأن مصلحة قوى مهيمنة هنا أو هناك تدعو إلى ذلك من خلال تبديد دور الإسلام والحد من حضوره في المجتمعات المسلمة، وليس استجابة لدعوات الاغتراب الحضاري وعلمنة الإسلام وتفريغه من محتواه الجهادي والاجتهادي .. وإنما لأن التجديد الديني سنة كونية وقانون تاريخي على مر القرون السابقة، ولأن الدواعي الموضوعية تدفع إلى التجديد، كي يستعيد الإسلام فاعليته العميقة في إصلاح المجتمعات الإسلامية، وحل المشكلات المعاصرة التى تواجه المجتمعات والإنسان المسلم. التجديد لا يعني الهدم والتبديد بل يعني الإبقاء على الطابع الأصيل، والخصائص المميزة، والأسس الثابتة. ولنتذكر كلمة الأمير شكيب أرسلان بهذا الصدد: (إنما يضيع الدين بين جامد وجاحد.. ذلك ينفر الناس منه بجموده، وهذا يضلهم عنه بجحوده!) ومن لم يتجدد، يتبدد ومن لم يتقدم، يتقادم. المقصدية والحرفية.. خطاب الإبداع والاتباع الأصل في الدينيات: التوقيف واتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم التزاماً بما به أمر، وامتناعاً عما عنه نهى: (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه، فانتهوا) (سورة الحشر الآية : 7) والأصل في الدنيويات وأمور المعاش والحياة: الإبداع والتجديد، وعدم الركون إلى ما سبق علمه أو إنجازه. وقد قال النبي الأكرم – صلوات الله عليه – عندما التزم أصحابه حرفية إشارته حول قصة تأبير النخل فقلّت جودته: (إذا أمرتكم بشيء من دينكم، فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي، فإنما أنا بشر) وفي الواقعة ذاتها قال أيضاً : (أنتم أعلم بأمور دنياكم). وبناء على هذا .. يجب على الخطاب الإسلامي إيلاء مقاصد الشرع الحنيف أهمية قصوى. فهي التي تحدد اتجاه الفقيه عن الاجتهاد، والمفتي عند الافتاء، والباحث عند إبداء الرأي .. لا سيما في النوازل التي لم نعهدها من قبل، لأن من لم يحكم ضبط الكليات يضطرب ولا يحسن فهم وعلاج الجزئيات وإنزالها على الواقع المتجدد، ومعلوم أن النصوص محدودة والوقائع متجددة. والأمر في هذا يتلخص فيما قاله ابن قيم الجوزية محققاً: (الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد. وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن الحكمة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها التأويل. فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها). التهوين والتهويل.. خطاب التوازن إن احترام الحقيقة وتجنب الإغراق في المبالغة بمثل الميزان المستقيم دون طغيان أو إخسار، فالمبالغة دوماً قبيحة تشوّه الحقيقة وتقرّب البعيد، وتبعّد القريب، وتظهر غبشاً في الرؤية على الطريق، إنها استخفاف بعقل السامع، وسخرية وجدانه. الإغراق في المبالغة سلبية في حياة عامة الناس، وهي ظاهرة في سلوك المجتمع والأسرة والفرد، فكيف إذا اتسم بها خطاب فكري أو دعوي؟! وفي المقابل .. يجب على الخطاب الإسلامي المحافظة على الوسطية في تناول جميع القضايا، فالمشكلة دوماً في طرفين: طرف منسحق بضغط التهويل من كيد الأعداء ومكرهم، والإغراق في (عقلية المؤامرة) إغراقاً أقعدهم عن العمل يأسًا! وطرف مستفز بآلام جلد الذات – كما يسميه فهمي هويدي – استفزازاً يدفعهم إلى العمل في حماسة غير منطقية! وواجب الأمة التي تحمل أمانة الخطاب الإسلامي أن تكون في مسار الفعل لا ردود الفعل، وهذا يستلزم الاقتدار والإعداد لردع الظلم، ومقاومة العدوان، ونشر العدل وأداء الحقوق. العقلانية والخرافية.. خطاب السننية جعل الله تعالى السنن والأسباب والنواميس والقوانين مطردة وموصلة إلى تحقيق المقاصد وإدراك النتائج، وطلب من الإنسان استيعاب هذه السنن والأسباب بعد أن شرعها له وخاطبه بها، ودلّل على فاعليتها بالعبرة التاريخية والحجة المنطقية، وناط النجاح في الدنيا والفوز في الآخرة بالقدرة على استيعاب هذه الأسباب وحُسن تسخيرها والتعامل معها. إننا بني الإنسان باعتبار شيء من الماضي، ومظهر تحققه ورؤية سنن الله تعالى المطردة هي ما يضفي التنظيم والمنطقية على أحداث التاريخ. ومع وجوب الإيمان بقدره – سبحانه- فقد حض الشارع الحكيم على مدافعة الأقدار بأضدادها، وهذا ما أشار إليه عبد القادر الكيلاني في كلمته العالية (كثير من الناس إذا دخلوا القضاء والقدر أمسكوا (أي: امتنعوا عن الكلام فيها) وأنا انفتحت لي فيه روزنة أي: نافذة معرفة، فنازعت أقدار الحق بالحق للحق. والولي من يكون منازعاً للقدر، لا من يكون موافقاً له.. وعلق عليها ابن تيمية بكلام نفيس: (وهذا الذي قال الشيخ تكلم له على لسان المحمدية. أي أن المسلم مأمور أن يفعل ما أمر الله به، وبدفع ما نهى الله عنه، وإن كانت أسبابه قد قدرت .. فيدفع قدر الله بقدر الله (...) فقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله .. أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، وتقى نتقيها.. هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال : (هن من قدر الله) وعندما نوزع عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – في شيء من هذا قال: ( نفر من قدر الله إلى قدر الله).
assayha
07-07-2017, 05:36 PM
محمد أبوجودة
محمد أبوجودة
تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 5265
جُزيتما خيراً أنتَ والشيخ عصام، ولكنه وعظٌ منبري يجرح تقبّله فالعمل به، أنّه في أذهان الرعية مشوبٌ بـــ "سيرورة" المعامَلة عند الواعظ..!
وَ ليتَ شــِــعري! كيف يزداد أداء العبادات والشعائر الإسلامية صعوبةً وتصعيبا كل يومٍ جديد ..؟! والحال، أنّ الشيخ عصام، كان من أوائل وزراء الشؤون الإسلامية والأوقاف في بلادنا هذه؟
نعم، إن كانت مسؤولية تقصير قد لحقته، فهيَ نِسبية بقدرِ طاقته تلك السنوات؛ أمّا وإن يشهد وَ يُعاصِر تراكم التصعيب في أداء العبادات والشعائر (المشاعر الإسلامية) تُتْرَك لوزراء مؤلّفَة ومدرين عامِّين كالمُطيع ال(فظيع) ثم يسكُت ..! فها هُنا "توهين" لــِ عَضُد القوامة الأميرية الإسلامية في كافة مناحي النشاطات الحيوية في الدولة.
وملاحظة في العنوان؛ وحيث أنه عنوان ارتكزت صياغته ونهضت على (الثنائيات) Dualism أرى أن (التبديد) مصدر لـ بــدَّد، بمعنى أفنى؛ وإنما المصدر المقابل (ثنائياً) لـ "التجديد" هو (التأبُّد) وإن كان لا بد من سجع، فليكن: التأبيد. كذلك فالتقادُم - وإن كانت تتوفر على طِباق مع التقدّم - إلّا أنّ (مُقابِل) التقدّم، وثنائياً، هو "التأخــُّــر" .. والله تعالى، أعلم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة