|
البحث عن قرشي: لماذا تأخرت ثورتنا؟؟/مصعب الحسن
|
طه القرشي شهيد ثورة أكتوبر and#1638;and#1636; والتي شهدت زوال نظام عسكري وقيام حكومة مدنية، أُختير رمزاً لتلك الثورة لأن إستشهادهُ كان محركاً لكثير من جماهير الأغلبية الصامتة، تلك الفئة من الشعب التي تقلب حسابات السياسيين وتحليلات علماء الإجتماع رأساً على عقب عند تحرُكها، بالنظر لهذه المعلومة بالأخص وربطها بسودان اليوم يصبح التساؤل عن متى سيثور الشعب غير ذي صلة إحصائياً، بعد أنهار الدماء التي سالت في كل جنبات البلاد، لكن يبقى سؤال لماذا لم يثر الشعب يحرك غريزة التحليل في عقول المتابعين للشأن السوداني إضافةً للحالمين بالتغيير على طريقة ثورة إكتوبر، العديد من المحللين ربط عدم قيام الثورة بظروف المعارضة وغياب القيادات الكاريزمية، والبعض قال بأن علاقات النظام الخارجية(تحديداً قطر والصين) تمدهُ بما يحتاج من أكسجين الإستمرار وإيضاً توفر له الغطاء السياسي الدولي، وعلاقة ذلك بالوضع الإقتصادي والأمني الداخلي واضحة، فضعف المعارضة يتجلى في إستمرارية هذا النظام لخمس وعشرين سنة في ظل العديد من الأسباب التي لو توافر إحداها فقط في دولة أخرى لقامت ثورة، فما بين قوانين متشددة و غياب حقيقي للحريات السياسية وحروب في جميع أطراف البلاد وبخاصةً غربه(حيث وصلت الخسارة الإنسانية حد التطهير العرقي بتوصيف الأمم المتحدة) وإنفصال جنوب السودان الذي رحلت معه عوائد البترول بعد تكبيد البلاد فاتورة ثقيلة من ناحية المديونية،والأزمة الإقتصادية الخانقة التي أدت إلى أزمة إجتماعية أخطر، والحصار السياسي من قبل ومن بعد قرار إتهام البشير رئيس النظام، ونزيف القوة البشرية وبخاصة العقول السودانية التي بدأت الهجرة منذ السنوات الأولى للنظام، وبعد كل هذا لازالت المعارضة السياسية في مرحلة النقاش والإتفاق على أجندة موحدة تتفاوت ما بين إسقاط النظام وتغيير النظام، الحديث عن هذا كله يطول لكنه يتناقض بداهة مع حقيقة أن الشعب نفسه(وليس المعارضة فقط) من يعيش هذه الظروف المحرضة على الثورة، وأنه في غنىً عن من يقول له بأنه فقير وجريح ومظلوم ، ويتناقض كذلك مع حقيقة أن هذا الشعب بكل فئاته هو من قام بثورة أكتوبر(على الرغم من الإدعاءات اليسارية والإسلامية)، فإفتراض أن الشعب يحتاج قيادةً لتحركه في مثل هذه الظروف هو إفتراض مهين لشعب موصوف بأنه معلم الشعوب، وهو مقابل (من ناحية الإهانة)السؤال الصريح الذي يطرحه أزلام النظام بصيغة(من البديل؟)، قلت سابقاً بأن سؤال متى سيثور الشعب هو سؤال تجاوزناه إحصائياً(عند ربطه بثورة إكتوبر)، وأن سؤال لماذا لم يثر الشعب قد أُريق فيه الكثير من الحبر والنقرات، إذاً لما لا نغير صيغة السؤال قليلا لعلنا نأتي منه بقبس أو نجد في الجواب هدىً، فلنضع صيغةالسؤال كالتالي: كيف أستطاع النظام تركيع الشعب؟
في فيلم (سايكو) للمخرج الأمريكي مايكل مور مقابلة مع عضو البرلمان البريطاني السابق عن حزب العمال(الراحل توني بن) قال فيها بأنه متى ما كان الشعب متعلما وفي صحة جيدة و واثقاً من نفسه صَعُبَ حُكمُه، وأن هنالك طريقتين للتحكم بالشعوب، إخافتهم وتحطيم معنوياتهم، بعيداً عن الصبغة اليسارية في حديث الرجل في باقي المقابلة، إلا أنه قد فتح عينيّ على وضعٍ كان قائماً أمامها طوال الوقت،فهذه الإستراتيجيات المستخدمة لتركيع الشعوب لا تعرف إيدلوجية، ولا يهم حقيقة إن كان نظام الإنقاذ قد تلبس بلبوس الدين فقد كانت السلطة مبتغاه منذ البداية،فقد إستخدم تكتيك الخوف لمحاربة الجموع منذ سنيّه الأولى، فأنتشرت بيوت الأشباح التي تم تعذيب السياسيين والنشطاء فيها، و كثرت المحاكمات العسكرية وأحكام الإعدام في قضايا لا علاقة لها بالقصاص، وتنوع منتج الخوف المُصدّر من النظام إلى الشعب فتمت تصفية منهجية للخدمة المدنية في ظروف إقتصادية سيئة ، فكان الخوف على لقمة العيش وعلى مستقبل الأبناء نوعاً جديداً من الهموم التي لم تكن تشغل بال الكثيرين، فأصبحت الوظيفة في ذاتها مطلباً بغض النظر عن الأجر الذي لن يكفي لمواجهة متطلبات الحياة، وبدأت موضة الوظيفة الثانية والثالثة عند البعض و(ودو الولد للسوق)، القبضة الأمنية الخانقة التي ربما إعتادها البعض منذ عهد نميري، لم تكن لتُسكِن الغضب الشعبي ما لم تتبعها سياسة التجويع والإفقار الممنهج، هذه السياسة التي ضربت اللُحمة الإجتماعية في مقتل، و ضيقت دائرة إهتمام المواطن إلى حدود دائرته الإجتماعية والإنسانية القريبة،و أصبح التضامن والتكافل الإجتماعي لا يخرج عن نطاق الأسرة أو الحي بالأكثر، فما لا يصيب المواطن شخصياً ولا يؤثر على معيشته لا يهمه كثيراً، سياسة التجويع والإفقار إيضاً أدت إلى هبوط مشين للقيم والأخلاق، فأصبح الفساد و سرقة المال العام شطارةً و(لحلحة)، وأصبحت الرشوة مجرد مصدر آخر للرزق،هذه السياسة أدت إلى نظرة مادية للحياة، فأسقطت أجيال أكتوبر وأبريل الكثير من القيم والمبادئ التي ثارت لأجلها في حين لم يجدها أجيال اليوم سوى في بطن الكتب، فليس غريبا أن يصرخ أحد متظاهري أكتوبر السابقين في وجه طلاب متظاهرين أو في عضو من أعضاء قرفنا أثناء مخاطبة جماهيرية بأن(إنتو شوية عيال دايرين تخربوا البلد!!)، وليس غريبا ألا ينتقل هذا الحماس الشبابي للتغيير من الطلبة والشباب الواعي لرجل الشارع العادي، فالخوف يعتصر قلبه وقلة الوعي تغشى عقله،الضرر لم يصب رجل الشارع فقط بل تعداه إلى النشطاء أنفسهم، فالكثير من دعوات التجمع والمناصرة في أنحاء الإسفير الواسعة تنتهي بمجموعة بسيطة تخيفها قلتها من أي تصعيد،الأعداد القليلة هذه تشي بخوف مكبوت وقلة وعي بأهمية مثل هذا الحراك، وتدني سقف المطالبات من إيقاف الحروب و وقف التصفية العرقية إلى طلب الإفراج عن المعتقلين(بدون أن يلي الإفراج المتوقع أي دعاوي قانونية للتعويض عن الإعتقال أو التعذيب)،هذه الدائرة المغلقة التي نجح جهاز الأمن في صناعتها(لتشتيت الكورة)، دائرة خروج بعض النشطاء لمطالبة ما ثم إعتقالهم ثم تعذيبهم ثم مطالبات بخروجهم ثم إطلاق سراحهم،بدون تحقيق ما خرج المعتقلين لأجله بل إن القضية التي أُعتقل لأجلها هؤلاء الناشطين قد لا تلقى نفس الإهتمام الجماهيري والإعلامي كقضية إعتقالهم، في تقصير مريع تجاه القضية تلك وتجاه من تجشموا عناء حملها والإعتقال من أجلها. لكن أقوى الأسلحة التي أُستخدمت في معركة التركيع هو سلاح الدين، وفي هذا لم يضطر النظام لإبتداع أي شيء مرة أخرى، فلقد إستخدم ما وجده جاهزا منذ القرون الأولى من فتاوى وأحاديث وإجتهادات وشعارات مثل(الحاكمية لله-حرمة الخروج على الحاكم المسلم)،وهنا لابد من الإنتباه لجزئية مهمة،إن الدين الإسلامي بصورته الحالية والتي إجتهد في بنائها علماء وسلاطين على مر العصور هو دين غير مستنير، بمعنى أنه لا يُسمح للفرد المسلم بإعمال عقله في قضاياه اليومية من منظور ديني، بل يجب عليه أن يُعطل هذا العقل الذي إكتسب علوماً ومهاراتِ حديثة لمصلحة عقل آخر عاش في زمن آخر وفي ظل علوم و مهارات إنسانية متواضعة على أفضل تقدير، ولا يمكنه أن يجتهد في صياغة تفسيرات أوإستنباط أحكام جديدة حتى وإن كان عالِماً بالدين، فتهمة(مفارقة السنة والجماعة) جاهزة لكل من يغرد خارج السرب،عودةً إلى نقطتي الأساسية أقول بأن النظام إستفاد من هذا الإرث والتفسير المتشدد للدين، ليُشيع أنه يحكم بإسم الله جل جلاله وبأن من يعارضه أو ينتقده فهو عدوٌ لله، هذه الجزئية عظيمة التأثير في شعب كالشعب السوداني،شعبُ صوفي النزعة في معظمه، يضع الإيمان بالله وبالقدر في مقدمة إهتماماته الروحية، مهمة كإعادة صياغة الدين الإسلامي وتخليصه من الإضافات المغرضة لا تقع على عاتق السودانيين وحدهم بالتأكيد، لكن أي ثورة مُقدر لها أن تشتعل وتنجح عليها أن تتعامل مع موضوع الدين بنجاح.
الآن وقد عرفنا (تقريبا) جواب لماذا وكيف ، متى سنجد القرشي؟؟
مصعب الحسن
|
|
|
|
|
|