|
الانقاذ ... النهاية ام الاستمرار ..؟
|
الانقاذ ... النهاية ام الاستمرار ..؟
مرت قبل أيام الذكرى الخامسة عشر لانقلاب الجبهة الإسلامية وأعلن الدكتور نافع علي نافع ان هذا العام سيكون بمثابة آخر احتفال نسبة لاستشراف البلاد عهد جديد ("الشرق الأوسط 30/6/04) ويبدو ان هذا الكلام اعتراف ضمني بحقيقة كون الحدث لم يكن "ثورة" في الأصل بحسب التعريف المتعارف عليه تاريخيا وفكريا واعتراف آخر بنهاية "الإنقاذ " التي أضحت هي الأخرى تحتاج إلى إنقاذ بحسب الدكتور عبد الوهاب الأفندي في مقاله الأخير المنشور على موقع سودنايل على الانترنت في الاسبوع الاخير من يونيو الفائت حيث يقول (نخلص إلي ان إنقاذ السودان قد يكون قريبا أو لا يكون، اما إنقاذ الإنقاذ فيبدو اليوم ابعد منه في اي وقت مضي " المصدر نفسه") وعلى ذلك فان كلا الرجلين لم يخالف الآخر إلا ان الأخير يعطي المسالة بعدا أعمق إذ يعتقد ان الوقت الذي يمكن ان تُنقذ فيه الإنقاذ قد مضى!
ولكن ما الذي يحمل على الاعتقاد ان الإنقاذ قد "انتهت"؟ وهل يمكن ان تقبل الإنقاذ بالتفكيك السلمي لنظامها؟ كل الدلائل قد لا تشير إلى الإيجاب خصوصا وان الاتفاق الأخير يجري الإعداد للتوقيع النهائي عليه شراكة بين طرفين أبعدت عنه القوى السياسية، وللمفارقة فان هذه القوى، تاريخيا، تمثل ما يفوق صاحبي الشراكة وإذا جاز لنا ان نتقبل موقف الحركة الشعبية بالنسبة لرائيها في مسالة مشاركة التجمع الوطني الديموقراطي، حيث طرحت هذا الأمر، ووقفت عند ذلك، فان تقبل وجهة نظر الحكومة يبدو بعيدا خصوصا وان الرفض قد أتي من جانبها الشيء الذي ما زالت تصر عليه ومازالت القوى السياسية تحاول جاهدة ان تقنع الحكومة بجدوى وضرورة مشاركتها في الاتفاق، الذي يمكن ان يعد آخر مخرج للازمة قبل انفجارها خصوصا وان المشكلة لم تعد قائمة في الجنوب وحسب بل امتدت إلى دارفور وقبلها كان الشرق الذي يقف في موقف يشبه "الهدنة. إذن لم تعد من منطقة يمكن ان تمتد إليها نيران الحرب سوى الشمال والوسط والأخيرتين ضمن تهديد قوات الحركة المسلحة بدارفور التي أشارت أكثر من مرة إلى إمكانية نقل المعارك إلى المدن الرئيسية في البلاد!
وكما هو معلوم فان مشكلة البلاد مشكلة تنمية في الأساس يتداخل معها انعدام الاستقرار السياسي بسبب ضعف القوى السياسية أولا ووقوع البلاد في منطقة تقاطع مصالح ثانيا سواء كان ذلك على المستوى الدولي، أيام الحرب الباردة، أو على المستوى الإقليمي وما شهدناه من فتور وتجاهل في الديموقراطية الثالثة "85-1989م" بل تعاون مع القوى التي لا تؤمن بالديموقراطية أصلا!! أضافت الجبهة الإسلامية أبعادا أخرى أكثر خطورة للازمة السودانية تمثلت في تديين الحرب في جميع مناطقها في البلاد وإثارة النعرات الاثنية والقبلية وهاهو الدكتور الأفندي يحمل الفئة المتنفذة في نظام الإنقاذ والتي تلتف في دائرة ضيقة حول نائب الرئيس علي عثمان محمد طه، وتتمثل في قادة مثل د. نافع علي نافع، مدير جهاز الأمن العام السابق وخليفته صلاح عبد الله (قوش) ووزير الطاقة عوض الجاز، ووزير الزراعة مجذوب الخليفة ووزير الدفاع بكري حسن صالح وآخرين. – المصدر نفسه" يحملهم مسئولية المشكلة في دارفور وكما أعلن السيد/ الصادق المهدي في مؤتمره الصحفي أواخر يونيو الفائت، عقب عودته من دارفور، فإن هنالك قبائل غير عربية تحمل السلاح وتحارب بجانب قبائل سودانية فيما يعرف بالجنجويد بل هنالك ذي نظامي رسمي وتسليح بل حتى التسميات هنالك بعضا منها غير سوداني مثل "أمير" الذي يقابله ناظر عند القبائل السودانية!!
وعلى كل فقد حوربت الأنظمة الديموقراطية في السودان من جانب كل القوى إقليميا ودوليا وحتى أوربا نفسها، حاملة لواء الحرية وحقوق الإنسان، لم تكن صاحبة مواقف ايجابية تجاه الأنظمة الديموقراطية التي قامت في السودان لأنها لم تكن صاحبة مصلحة فيها أصلا. ولا لوم على هذه القوى، سواء كانت على أيام الاتحاد السوفيتي، الذي لم يكن يؤمن بالديموقراطية الليبرالية أصلا، أو بالنسبة للغرب والولايات المتحدة التي لا يمكن ان تدعم أنظمة قد لا تخدم توجهاتها ومصالحها اقلها بالنسبة لموقف الديموقراطية نفسها في منطقة الشرق الأوسط، لان بقاء الأنظمة غير الديموقراطية في ذلك الحين - وهذا الرأي نعتقد انه مازال قائما في الكثير من جوانبه - يتفق والمصالح الغربية خصوصا بقاء المنطقة على ما هي عليه بالنسبة للأنظمة الحاكمة ولا عجب في ذلك طالما ان الغرب نفسه ما زال يقف على نفس أرضية النظام الرأسمالي. وإذا كان النظام التعليمي الجيد في بلدان الجنوب يعد بمثابة تهديد للولايات المتحدة الأمريكية فكيف الحال بالنسبة لأنظمة كاملة تتبنى التنمية والتقدم؟
عموم القول لا نرى ان كثير تغيير قد حدث في هذه الرؤية، ولم يتعدل المنظار إلا قليلا، بالنسبة للغرب والولايات المتحدة خاصة، سواء في الماضي القريب أو في الوقت الحالي؛ "والصراخ" الغربي العالي حول الديموقراطية وحقوق الإنسان، اللتين لا نختلف عليهما بمضامينها ومعانيها المعاصرة، لم يتكاثف إلا بعد ان داهمه الإرهاب في عقر داره وأصبح يشكل تهديدا جديا في بلدانه وتهديدا لحركة الاقتصاد العالمي وهو عين ما يمكن ان تنتجه أنظمة لا تمت إلى الديموقراطية أو الحرية أو العصر بصلة. وبالنسبة لبقاء الإنقاذ في السلطة، في الوقت الراهن، يبدو أمرا مقبولا لدى الولايات المتحدة، كونها وجدت تعاونا مستمرا وغير مسبوق، خاصة حول مسالة الإرهاب، وكون وجود نظام ديموقراطي بالمعنى الذي خبرناه في ثورتي أكتوبر 64 وابريل 85 لا يمكن ان يعد أمرا "مريحا" لدول المنطقة خاصة العربية منها والدول المتحالفة مع الولايات المتحدة. وعلى كل فإن الولايات المتحدة تريد نظاما قويا ومتعاونا في السودان حتى لا تكون هنالك صومالا أخرى بحسب القراءة الأمريكية كذلك تريد الولايات المتحدة أنظمة "منفتحة" على الديموقراطية في منطقة الشرق الأوسط تؤدي نظمها التعليمية بالضرورة إلى عقل لا يتبنى التطرف الديني وفات عليها ان الديموقراطية الحقيقية وليس مجرد "الانفتاح" والتنمية هي الطريق إلى وأد التطرف بكل أشكاله.
بقى ان تشير إلى ان بقاء الإنقاذ في السلطة أو عدم بقائها أمر لا يمكن ان يعول عليه اعتمادا على الولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب عموما، لان القوى المعنية بالديموقراطية والحرية والتقدم في السودان ممثلة في الأحزاب والتنظيمات السياسية والنقابات والديموقراطيين هي المعنية بهذا التغيير وهي المؤهلة تاريخيا لهذا الدور.
|
|
|
|
|
|