|
الاستعمار و"تأنيث" الشريعة بقلم عبدالله علي إبراهيم
|
05:29 AM Mar, 15 2015 سودانيز اون لاين عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA مكتبتى فى سودانيزاونلاين
(صدرت في السودان عن دار الخرطوم للصحافة والنشر الطبعة الثانية من كتابي "الشريعة والحداثة: جدل الأصل والعصر". وهو موجز وافي تقريباً لصورته الأخرى في الإنجليزية وعنوانها "هذيان مانوي: تحرير القضائية الاستعمارية الثنائية والإحياء الإسلامي في السودان، 1898-1985" (بريل 2008). ويحاول الكتاب الخوض في شأن "أسلمة الدولة" المستقلة بعد 1956 على ضوء مدرسة ما بعد الاستعمار( وهي منصة أكاديمية يسارية) بما يتجاوز التأجيج العلماني الذي اكتنف هذه المسألة منذ بروزها على السطح في دولتنا الوطنية المستقلة. وسيجد القاريء إنني رددت زحف الإسلام الموصوف بالسياسي إلى أصل في جغرافيا الدولة الاستعمارية أحسن وصفها المفكر الفرنسي (من أصول مارتينكية سوداء) وسماها بالجغرافيا المانوية. وتنقسم بها المستعمرة إلى فضاء حديث وفضاء تقليدي متشاكسين ضربة لازب. ولم ننجح بعد الاستقلال في تفكيك هذه الحغرافيا بإرادة وطنية غراء واعية. وأضطرب أمرنا وظللنا نتخبط في إسار هذه الجغرافيا بدلاً من تجاوزها إلى بناء الوطن المعافى من عقابيل الاستعمار. وحرصاً على أن يقرأ الكتاب من في الاغتراب ولاسبيل لهم في الخرطوم إليه أنشر هنا فصله الأول منجماً. ويبدأ الفصل بسؤال قديم رن في كتاب زكي مصطفي عن قانون السودان القائم على القانون العام الإنجليزي (1971) وهو: ألم تكن الشريعة أولى بأن تكون هي قانون السودان على عهد الإنجليز حتى بشروط العدالة والوجدان السليم التي جعلوها مبدأ سامياً للقسط. وأردت باستعادة السؤال المحير تفكيك عقائد صفوية استقرت عن بؤس الشريعة كنظام حقوقي. وهي عقائد لم تقع لنا اجتهاداً منا وكدحاً بالفكر بل بالتابعية نطأطأ له جبراً ونتبناه اعتباطاً بما عرف ب " الاستشراق الداخلي". لن تلتزم عناوين المنشور من الفصل منجماً بعناوينها الأصلية). نحاول في هذا الفصل الباكر أن نجيب عن سؤال أثاره الدكتور زكي مصطفى في كتابه القيم عن القانون السوداني القائم على القانون العام الإنجليزي (1971) وهو : "لماذا لم يستفد القضاة الإنجليز وخلفهم من السودانيين من الشريعة الإسلامية في إنشاء قوانين السودان ، في حين كان متاحًا لهم ذلك بفضل الصيغة الموجهة لعملهم القضائي والتشريعي القائلة أن بمقدورهم الاستعانة بأي قانون طالما لم يصادم العدالة والسوية وإملاءات الوجدان السليم؟" . وقد رأت الدراسة أن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي أن نجدد النظرة في الخبرة الاستعمارية البريطانية ومنزلة الهند في استواء هذه الخبرة ونضجها. يميل دارسو الإمبراطورية البريطانية بشكل متزايد للبحث في دور الهند في إحداث هذه التشابهات الملفتة في التجربة البريطانية الاستعمارية ، «والتهنيد» هو التعبير الذي اختاره تيموثى بارسونس لوصف المؤسسات البريطانية الاستعمارية التي تسربت عبر الهند إلى الإمبراطورية كلها . ففي رأى لبارسونس أن الثقافة والمؤسسات التي نشرها البريطانيون حول العالم كانت في الغالب هندية أكثر منها بريطانية . أما أي كوستا فيصور وحدة التجربة الإمبريالية البريطانية في عبارات مأخوذة من علم البستنة . ويؤكد أن الأفكار الإدارية ولدت في حاضرة الإمبريالية ، وتمت تربيتها في محاضن الهند ، وبلغت مرحلة النضج في أفريقيا . وقد وجد تعبير التهنيد صياغته الأكثر دقة حتى الآن في أعمال الكاتب الأفريقى محمود محمداني . فقد ناقش بصورة عرضية ، ولكن بقوة ، الوحدة الإدارية للإمبراطورية البريطانية . وأظهر أن إفريقيا، كآخر المعاقل الاستعمارية ، تعرًضت لأشكال من الإدارة كانت قد جُربت أولاً في الهند . وأضاف أن التفكير الاستعماري فيما تعلق بأفريقيا كان وثيق الصلة بالتفكير البريطاني في إدارة الهند بصورة أعمق مما هو ظاهر للعيان . وإذا كان ثمة اختلاف ربما كان في أن الإجراءات التي اتخذها البريطانيون لعلاج داء تحلل المجتمع التقليدي في الهند ، وهي المستعمرة الأقدم ، تحولت إلى تدابير وقائية لمنع ذات التحلل في أفريقيا . وقد أبانت عن هذا الجانب العلاجي الوقائي في السياسة الاستعمارية في الهند وأفريقيا كلمات حاكم عام السودان في 1908م . فقد تفجع الحاكم من كون الطبقة السودانية الراقية رفضت إرسال بنيها لورش التدريب الحرفي التي أنشأتها الإدارة ، لأنهم يريدون لهم أن يصبحوا أفندية أي « موظفين صغارًا » تقليدًا للأوروبيين ، وقد رأى في هذا نظيرًا لما وقع في الهند في وقت مضى فقال متعجبًا : « أليس في الإمكان الاعتقاد بأن بذور تجربة هندية ثانية قد تم بذرها هنا في السودان !! » . ومظاهر الوقاية في أفريقيا من أمراض عالجها الإنجليز في الهند كثيرة . فقد رأى البريطانيون في قادة التحركات الأولى للوطنيين السودانيين « الأفندية » صورة للثائر الوطني البنقالي في الهند والمعروف عندهم باسم « بابوس » . وكنتيجة لذلك جهدت السلطات البريطانية – بصورة واعية – للحفاظ على ما توخت أنه الأصالة الثقافية لكلية غردون التذكارية . فمع اندلاع ثورة 1924م ، غير البريطانيون قواعد الزي في الكلية . فقد طلبوا من الطلبة ارتداء الزي الوطني وهم الذين شجعوهم بادئ الأمر على ارتداء الزي الغربي الأوروبي . وقد أملت التجربة الهندية أيضًا على البريطانيين أن يفطموا طموح الطبقة المتعلمة الناشئة في السـودان وأن « يلزموها محلها » حتى لا يتكرر ما حدث لهم في الهند من تسييس لهذه الطبقة صوب الطموح الوطني . ولذا تحول البريطانيون عن الحكم المباشر ، الذي يتم بواسطة الأفندية ، إلى الحكم غير المباشر الذي هو حكم الإدارة الأهلية ومشائخ القبائل . وسيتوضح الأثر السالب للإدارة الأهلية على الشريعة الإسلامية كتقليد شرعي « مشروع » في الفصل القادم . واحد من أخصب المجالات لدراسة تهنيد أفريقيا « أي تشكيلها - استعماريًا - على النمط الهندي» هو مجال استيراد ونقل القوانين ووضعها. ففي السودان كما في بقية أفريقيا ، جرى نقل وفرض مجموعة القوانين الهندية والتي كانت بدورها قد اشتقت من القانون الإنجليزي العام . وسأجادل في هذا العرض أن الشريعة الإسلامية لم تعط مثقال فرصة للكشف عن قيمتها كمصدر محتمل لتحديث القانون خلال فترة الحكم الاستعماري. وسأشدد على أن التجاهل أو « التجنب » المتعمد للشريعة شاهد على تهنيد الإمبراطورية البريطانية الذي اعتمد فيه البريطانيون على مخزون من تجربتهم الاستعمارية في الهند لتفادي أخطائهم في حكم هذه الدرة في تاج إمبراطوريتهم في إدارة مستعمراتهم الطارئة في أفريقيا . وفور استيلائهم على السودان بدأ البريطانيون في تأسيس نظام محكم لتدبير النظام العدلي . وقاد هذا في النهاية ، وليس بالضرورة ، إلى نظام ثنائي للقضاء يشتمل على قسم للقانون المدني وآخر للقضاء الشرعي . وظلت هذه الثنائية معنا حتى أوائل الثمانينات حين أجبر الرئيس نميري القضائية على توحيد نفسها وتخطى ثنائيتها . اختص القسم المدني بالقانون الجنائي و المدني بينما اقتصر القسم الشرعي على قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين من نكاح وطلاق وغيره . وبحصر الإنجليز للشريعة في حيز الزواج الزواج والطلاق والميراث يمكن القول بأنها قد « أُنٍّثت » بواسطة الاستعمار الغالب الذي وطئ السودانيين المسلمين وأذلهم . وقالت باحثة عن موقف التأنيث للشريعة كلمة بليغة . فقد قالت : « إنه بحصر الاستعمار للشريعة في شؤون الأسرة فقط فكأنه قد نقل الإسلام من أرض معارك المقاومة الشرسة إلى غرف النوم » . جاء البريطانيون للسودان بعد أن خلصوا على ضوء تجربتهم في الهند ( بأقليتها المسلمة كثيرة العدد حيث كانت الشريعة هي قانون البلاد في ظل حكم المغول قبل الحكم البريطاني) إلى أن القانون الإسلامي لا يصلح لدولة حديثة . وقد انقضى وقت كثير وجدل خصب قبل أن يستقر هذا المبدأ الإنجليزي حول الشريعة في الهند ذاتها . ونواصل إن شاء الله
مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب
- ياللعار قتلوا الجار: لوممبا بقلم عبد الله علي إبراهيم 03-12-15, 04:43 PM, عبدالله علي إبراهيم
- وا حلاتي دا مي عبد الله! بقلم عبد الله علي إبراهيم 03-08-15, 09:03 PM, عبدالله علي إبراهيم
- عبد الخالق محجوب واقع علي ود الترابي (2-2) بقلم عبد الله علي إبراهيم 03-07-15, 06:32 PM, عبدالله علي إبراهيم
- عبد الخالق محجوب والترابي الجد بقلم عبد الله علي إبراهيم 03-06-15, 04:29 AM, عبدالله علي إبراهيم
- البرجوازية الصغيرة: ونهج عبد الخالق محجوب (3-3) بقلم عبد الله علي إبراهيم 03-01-15, 05:47 AM, عبدالله علي إبراهيم
- البرجوازية الصغيرة: نهج عبد الخالق محجوب (2-3) بقلم عبد الله علي إبراهيم 02-26-15, 04:41 PM, عبدالله علي إبراهيم
- البرجوازية الصغيرة-الصفوة: نهج عبد الخالق محجوب بقلم عبد الله علي إبراهيم 02-24-15, 09:53 PM, عبدالله علي إبراهيم
- 4-العقل الرعوي: لولا براعة الشبل بندر (4-4) بقلم عبدالله علي إبراهيم 02-22-15, 06:31 PM, عبدالله علي إبراهيم
- العقل الرعوي: أو إنت ساكت مالك آ (يا) طاها (3-4) بقلم عبدالله علي إبراهيم 02-21-15, 00:07 AM, عبدالله علي إبراهيم
- العقل الرعوي: أو إنت ساكت مالك آ (يا) طاها (2-4) بقلم عبد الله علي إبراهيم 02-18-15, 07:41 PM, عبدالله علي إبراهيم
- العقل الرعوي: أو إنت ساكت مالك آ (يا) طاها (1-4) بقلم عبد الله علي إبراهيم 02-17-15, 00:40 AM, عبدالله علي إبراهيم
- المسلمون كأسنان المشط: قالها ماركس (2-2) بقلم عبد الله علي إبراهيم 02-14-15, 04:21 AM, عبدالله علي إبراهيم
- زيارة كارل ماركس المغربي العثماني للجزائر (1-2) بقلم عبد الله علي إبراهيم 02-12-15, 02:13 AM, عبدالله علي إبراهيم
- محمود محمد طه: طوبى للغرباء (الحلقة الخاتمة) بقلم عبد الله علي إبراهيم 02-08-15, 05:53 PM, عبدالله علي إبراهيم
- محمود محمد طه: طوبى للغرباء 3-4 بقلم عبد الله علي إبراهيم 02-06-15, 04:11 AM, عبدالله علي إبراهيم
- محمود محمد طه: طوبى للغرباء (2-4) بقلم عبد الله علي إبراهيم 02-03-15, 09:25 PM, عبدالله علي إبراهيم
- محمود محمد طه: طوبى للغرباء 1-4 بقلم عبد الله علي إبراهيم 02-01-15, 08:55 PM, عبدالله علي إبراهيم
- سعودي دراج: الذكرى الجميلة لو تعرف معناها بقلم عبد الله علي إبراهيم 01-31-15, 00:48 AM, عبدالله علي إبراهيم
- في تذكر 18 يناير محكمة طه في 1985 : أخذت القانون بيدها للثأر بقلم عبد الله علي إبراهيم 01-22-15, 04:58 AM, عبدالله علي إبراهيم
- في تذكر 18 يناير ما هوية قضاة محنة الأستاذ طه (1985): قضاة شرعيون أم كيزان؟ بقلم عبد الله علي إبراه 01-21-15, 00:04 AM, عبدالله علي إبراهيم
- محمود عبد العزيز الحوت: ما قبل الربيع السوداني بقلم عبد الله علي إبراهيم 01-19-15, 07:20 AM, عبدالله علي إبراهيم
- إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (الأخيرة) (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 01-17-15, 05:43 AM, عبدالله علي إبراهيم
- إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (7) (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 01-15-15, 06:48 PM, عبدالله علي إبراهيم
- إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (6) (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 01-14-15, 06:18 PM, عبدالله علي إبراهيم
- إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (5-6) (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 01-13-15, 01:05 PM, عبدالله علي إبراهيم
- في تذكر 18 يناير الجمهوريون: حقول الاستتابة 1985 بقلم عبد الله علي إبراهيم 01-11-15, 10:30 PM, عبدالله علي إبراهيم
- إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (4-6) (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 01-10-15, 05:53 AM, عبدالله علي إبراهيم
- في تذكر 18 يناير: طه في وحشة طريق الآلام (1974-1982) بقلم عبد الله علي إبراهيم 01-08-15, 05:56 PM, عبدالله علي إبراهيم
- إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (3-6) (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 01-07-15, 05:00 PM, عبدالله علي إبراهيم
- أخطأت الميدان، وصَحّ عثمان ميرغني: السودنة الدامية بقلم عبد الله علي إبراهيم 01-06-15, 05:06 PM, عبدالله علي إبراهيم
- بين رزق وبابو: يوم انحلت أمريكا من فرط الشقاق بقلم عبد الله علي إبراهيم 01-05-15, 06:58 PM, عبدالله علي إبراهيم
- إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 01-05-15, 04:59 PM, عبدالله علي إبراهيم
- في تذكر 18 يناير : دراما محاكم الجمهوريين وقضاة الشرع بقلم عبد الله علي إبراهيم 01-04-15, 06:53 PM, عبدالله علي إبراهيم
- إسلام السودان وعربه: في مناسبة مرور 57 عاماً على صدور العرب والسودان(1967)للدكتور يوسف فضل حسن 1-6 01-03-15, 08:19 PM, عبدالله علي إبراهيم
- اليوم نلعن أبو خاش راية استقلالنا بقلم عبد الله علي إبراهيم 12-30-14, 03:46 PM, عبدالله علي إبراهيم
- تثقيف الغيرة على الحبيب المصطفى بقلم عبد الله علي إبراهيم 12-28-14, 01:58 AM, عبدالله علي إبراهيم
- جيل الفراشات الشيوعي: قريب الله الأنصاري بقلم عبد الله علي إبراهيم 12-26-14, 05:49 AM, عبدالله علي إبراهيم
- صه يا كنار: سيوبر وطنية بقلم عبد الله علي إبراهيم 12-23-14, 11:18 PM, عبدالله علي إبراهيم
- عثمان ميرغني: استقلال بتاع الساعة كم! بقلم عبد الله علي إبراهيم 12-21-14, 03:32 AM, عبدالله علي إبراهيم
- الاستقلال: موت الأمل، موت الحلم بقلم عبد الله على إبراهيم 12-18-14, 04:08 PM, عبدالله علي إبراهيم
- وادي الشايقية ووطن الجعليين: هبوط إضطراري عبد الله علي إبراهيم 05-11-14, 06:23 AM, عبدالله علي إبراهيم
|
|
|
|
|
|