|
الاحتجاجات تبدأ من المنزل!!
|
بتجرد بقلم: د. أبوبكر يوسف ابراهيم
- أصبحت حواء في بلادي العائل الرئيس للعائلة فعليها التدبير وعليها يعتمد الكل في وعلى معيشتهم، عليها التدبير ومسئولية توفير الوجبات والتعليم والطبابة، حواء الأم العاملة التي كانت مخملية في يومٍ من الأيام أصبحت شقية ومسئولة عن تسيير دفة شئون العائلة بما في ذلك الزوج بحكم القهر والغلاء والضنك المعيشي إضافة إلى أعباء الوظيفة !!. - مع بداية كلّ نهار، تسأل نفسها عن سرّ رغبتها في البقاء والاستمرار. تستيقظ تعبة وتكاد لا تجد القوّة الكافية لتغادر السرير. وعندما تفعل ذلك أخيرًا وتجلس منحنية مهزومة تكتشف أنّ سلسلة الأعمال التي عليها القيام بها في هذا اليوم تلتفّ حولها وتكبّل حركتها وتخنقها. - تعرف أنّها بعد قليل ستواجه وجهها في المرآة وستكتشف أنّ يومًا آخر ينتظر كي يمتصّ ما تبقّى من طاقتها وشبابها. وبعد ذلك يكمن لها أفراد عائلتها مسلّحين بطلباتهم المختلفة، عارضين عليها شؤونهم وشجونهم، صارخين غاضبين محتجّين، كمجموعة من المعارضين المتظاهرين لا يريدون إلّا تحقيق مطالبهم. ثمّ تخرج إلى الشارع حيث تحاصرها زحمة السير وتصمّ أذنيها أصوات الباعة وأبواق السيّارات، قبل أن تصل إلى عملها مرهقة يائسة حزينة. تنظر إلى الساعة، إنّها التاسعة إلا الربع صباحًا. فجأة يصفعها السؤال المخيف: كيف ستنجح في العبور إلى الضفّة المسائيّة لهذا اليوم الطويل؟ - ومع نهاية كلّ نهار، تكتشف أنّها نجحت في البقاء والاستمرار، واستطاعت أن تحتمل التعب والهرولة والمنافسة والخبث، والحرّ الخانق أوالبرد القارس أو المطر وسيوله التي تجعل من مصيبتها مصيبتين، والأزمة الاقتصاديّة والغلاء الفاحش والدخل المحدود والتصريحات السياسيّة، وبقيت على قيد الحياة في انتظار يوم جديد من دون أن تعرف كيف، ومن دون أن تعرف لماذا. - لا تعرف أيّ إيمان يدفعها إلى الحياة. أهو الإيمان بالله الذي تعتقد أنه معينها الوحيد للبقاء وسط هذا الضنك ؟ أم إيمان بالإنسان مع أنّها تعجز عن التواصل معه؟ أم إيمان بالوطن الذي يخذلها مرّة بعد مرّة ويدفعها دفعًا إلى التفكير في هجره؟ أم هو الإيمان بقدرتها على مقاومة كلّ هذه الشكوك لأنّ ثمّة من يحتاج إليها؟!! - بدأت تعتقد أنّ الذين يقرّرون الرحيل أو الغياب أو العبور إلى الأماكن الأخرى هم المقتنعون بأنْ لا حاجة إلى وجودهم/ هنا/ الآن في هذا المكان وفي هذه اللحظة، وبأنّ الآخرين يستطيعون إكمال حياتهم من دون الاستعانة بهم أو التبرّك بوجودهم أو الاغتناء بحكمتهم أو التفاؤل برؤيتهم أو الفرح بلقائهم، فاتّخذوا قرار العبور حين اكتشفوا فجأة أنّ بقاءهم ورحيلهم متساويان في القيمة والهدف، وأنّ الشمس ستشرق وتغيب سواء وجدوا أو غابوا، وعندئذ يستسلمون لرياح الرحيل تحملهم إلى حيث تشاء. - حاجتهم إليها! حاجتهم إلى وجودها! المسؤوليّات التي اختارت أن تحملها، الأهداف التي رسمتها، الوجوه التي تحبّها ضاحكة، الأشخاص الذين تريدهم معافين وأصحّاء وأقوياء، كلّ ذلك يدفعها إلى الاستمرار والبقاء، فتغادر تعبها صباحًا، وتخلع نعاسها، وتغسل وجهها وجسمها من آثار الهزيمة، وترتدي ثوب الحياة الجديدة لتستقبل نهارًا آخر بعدما غاب، ولو إلى حين، ليل القلق والشكّ، ثمّ تفكّر في المساكين الذين لا يحتاج أحد إلى وجودهم، وينتظرون في لهفة شمس الاهتمام لتشرق عليهم. - كثيرات هنّ الأمّهات الحزينات، ولكن ليس لجميعهنّ إيمان أم هاني (أمهاني) هذه الام السودانية وثقتها بأنّ لها من يواسيها في السماء وكذلك على الأرض، وليس صحيحًا القول عنها: وما من يعزّيها. وهل تعدم معزيًّا من اختارها الآب أمًّا لابنه، والتي لم تتخلّ عنها السماء لا في حياتها ولا حتى يوم انتقالها إليها؟ ولكن ماذا عن سائر الأمّهات؟ - يجب ألا يشغلنا حزن (أمهاني) عن أحزان مثيلاتها من الأمّهات، بل لعلّه يفتح أعيننا على مآسيهنّ وآذاننا على تنهّداتهنّ، إذ كيف يمكن أن تقتنع الدولة بمظهر الأسى على وجوه الناس تضامنًا في وقت يتعامى كلّ واحد منهم عن آلام من حوله. يكاد الأمر يبدو تمثيليّة كبرى!! - صارت البهدلة قوتًا يوميًّ لأمهات كثيرات هن أمهات فلذاتنا، وأن فوضى الاسعار تنعكس إلى مجموعة فوضات ، فالفوضى الاخلاقية والسلوكية أصبحت إدمانًا لا نستطيع تخيّل حياتنا من دونه ، كل هذه التراكمات يجب أن تتحملها الأمهات وإن أعلنت عجزاً بدأ الأولاد والبنات في الاحتجاجات ضدها ولا أحد يجد لها الاعذار ، وهي ما زالت صابرة تحتمل ما لا تطيق حمله الجبال.. لك الله أيتها الأم السودانية!!.. يا أحبتي غلاء الأسعار يغتال الأم والأمومة!! قصاصة: - الدموع التي تنزل نقطًا فوق حروف الشوق، لا تعاتبها! دعها تنساب على مهل ليصير للقاءِ معنى. اتركوني أبكي، فالبكاء، لا شهقة الوصول، هو ذروة المتعة،. لأنّ الدموعَ توهج نار، أمّا الوصولُ فانطفاءُ نيزك!! بس خلاص.. سلامتكم،،،،، mailto:[email protected]@gmail.com نقلاً عن جريدة الصحافة
|
|
|
|
|
|