|
الإيحاء / أنور يوسف عربي
|
الإيحاء هو تلك الإشارة الخفية التي يتلقاها القلب من مصدر أرفع من مقام الإدراك البشري ، او هو طاقة موجية خفية يتلقاها القلب كفاحا ليرسلها إلي الدماغ ليتلقفه الأخير قبولا أو إستحسانا أو رفضا ، او هو توارد لأفكار تصدر من عوالم ورائية يصعب علينا فك طلاسمه ، كما أستعصى علينا من قبل الإحاطة بأمر الروح الذي هو من أمر الله ، فالإيحاء بشمولية مضمونه سمة أساسية لهذا الإنسان لكي يبتكر ويتساير مع حداثة الحياة ،فلكل إنسان إلهاماته الخاصة التي يتلقاها ، ليبدع ويستمر على أمر الخلافة إذ لولا الإيحاء لتجمدت الأفكار وصارت الحياة قطعة فولاذية ساكنة غير متمددة أو غير قابلة للتمدد بما تتطلبه الحياة من موارد تسهم في أمر ديمومتها، إذ لا ينكر أحد منا ان تلك الإبتكارات العلمية والأدبية التي أسهمت في رقي الإنسان أتت إبتداء عن طريق الإيحاء قبل أن تتجسد في عالم الافكار(علم الإنسان ما لم يعلم) . عنددما نتحدث عن الإيحاء قد يتعلل بعضهم على أننى قد تناولت أمرا دينيا بحتا أو أننى قد أبحرت بمركبي الصغير في بحر لجي متلاطم الأمواج .فالإيحاء تكون دلالته بالإشارة الخفية التي يتلقفها القلب دون حاجة إلي وجود وسيط لنقل الامر الموحي به ، ولو انه شارك الوحي في هذه الخاصية من بعض نواحيه، بينما يتطلب الوحي وسيطا روحانيا وهو بلا شك ملك من الملائكة وهذا امر قد مضى زمانه إذ أن آخر رجل يوحى إليه هو النبي عليه الصلاة والسلام ، وكل من أدعى خلاف ذلك يكون قد انكر شئ معلوم من الدين بالضرورة مما يستدعى الحكم عليه بالردة والخروج عن ملة الإسلام ، وبما ان الوحي مصدر خارجي يأتي من عالم ملكوتي يفوق تصوره قدرة الإنسان الطبيعي على تلقي تلك الفيوضات الربانية ‘فإن الله يختار وفق علمه ومشيئته رجلا يؤهله تأهيلا يتوافق والمهمة الملقى على عاتقه ويقيد له من الأسباب الكونية التي تمكنه من الصدع بتلك المهمة ،مثلما حدث مع النبي عليه السلام من أرهاصات ذات دلالات قاطعات على صدق نبوءته ،أبتداء من الشيم والخصال التي تفرد بها منذ الصغر دون أقرانه مثل الصدق والامانة والحصافة والنأى عن مسقطات الأخلاق أنتهاء بحادثة الجراحة الملائكية له (حادثة شق الصدر وإخراج حظ الشيطان من قلبه) والتي هي الفيصل بين ما كان عليه وإلي ما سيعول إليه من أمور جسام تنوء بحملها الجبال ، كما قلنا سالفا انه قد انقضى زمان النبوءات بإنتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلي جوار ربه وبقيت إرهاصاتها متمثلة في الرؤى الصالحة التي يراها البعض ،وتاتي مضامينها متفقة مع واقع الحياة ، ولا تعني الرؤية الصادقة في حد ذاتها النبوءة بعينها و إنما هي من تبعاتها التي لا تنفك عنها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام(الرؤية الصالحة جزء من أربعين جزء من النبوة)) على انه يؤخذ على بعضهم إدعاء النبوة في زمان غدا فيه الفكر البشري مصاب بترهلات الشيخوخة والخرف الإيماني ، فما من وقت إلا ويخرج إلينا دعي من الأدعياء وينصب لنفسه رآية يموج من خلفه سفهاء الأحلام مؤيدين أياه بأنه المهدي المنتظر وقد جاء بالحق , أنه يتوعد الناس بكوكب سقر الذي لا يبقي من الخلق أحدا ولايذر لواحة للبشر وما شابه ذلك من السجع المقتبس من كتاب الله العزيز ، مستفيدين من جغرافيا المكان وقيد الزمان الذي ذكره النبي الكريم في احاديثه ،فما أكثر هؤلاء المتنطعين في هذا العصر ودونك مواقع الاسافير التي تعج بمثل تلك ترحات ،ففي لحظة من اللحظات يخرج علينا شخص مغلوب على أمره ويدعى أنه (عيسي عليه السلام )مستفيد من بعض علم الكلام الذي أكتسبه خلال تخيلاته تلك فسبى به عقول بعض من أصحاب الخيال الواسع الذين يشاركونه الدوران حول نفس الفلك ، فما أن ينتفض الرقيب وهو يحمل عصا التقويم ، حتى ينفض سامر هؤلاء ويلحق كل طائر بعشه .وينزوي أولئك الذين على وشك طرح مدار تخيلاتهم في فلك الخيال الواسع . إن ظاهرة أدعاء النبوة والمهدوية ينبغي الوقوف عندها وإستفراغ السبل لمداواتها لأنها تمس وترا حساسا من اوتار الحياة الا وهي العقيدة والتي لا تحتمل المهادنة وإنما تتطلب المداهنة حتى تصان العقيدة من الضغث والاوهام وألا تترك مضمارا سهل المنال للسذج والدهماء ( فيا ليت عمري) ما دور الهيئة الدولية للعقيدة والدعوة في إستئصال تلك الظاهرة ؟؟ ومعالجة مسسبباتها ، فإن كان المدعون من أصحاب الخيال الواسع كما أسلفنا ينبغي إلحاقهم بمراكز معالجة الإدمان و إعادة التأهيل وإن كانو غير ذلك يجب معماملتهم وفقا للشرع !!؟
|
|
|
|
|
|