|
الإنسان وجود ممزق بين عالمين بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
|
كما انقسمت الفلسفة بصورة عامة لمثالية وتجريبية (واقعية) كذلك إنقسم علم النفس. "الموضوع الرئيس الذي يتناوله علماء النفس بالبحث العلمي، هو الصورة السلوكية التي يتحرك بها الناس في حياتهم... علماء النفس ... ينقسمون إلى قسمين كبيرين ... السلوكيين و... علم نفس الأعماق". فكأن السلوكيين علماء نفس بينما أهل الأعماق هم فلاسفة نفس. وعلى نفس النمط يكون الفلاسفة التجريبون علماء طبيعة بينما المثاليون هم الفلاسفة الأقحاح. إن علم وظائف الأعضاء يدرس الإنسان باعتباره جسماً مادياً، وعلم النفس يدرسه باعتباره نفساً مادية، ولكن لا يوجد علم يَدْرُس الإنسان بصفته وجوداً متكاملاً خصوصاً حريته الوجودية التي تتخطى كل معرفة موضوعية. لا يوجد علم يدرس الإنسان كحقيقة غير مادية! قيمة الإنسان ليست في عقله فقط بل في قلبه وشعوره. وفي حقيقة الأمر المعرفة ما هي إلا أداة لتيسير وتفسير الوجود بينما القلب (الوجدان) هو الذي يعيش الحياة وهو غاية في ذاته لأن جوهر الوجود شعور وإحساس وقلب بينما العقل هو ضابط وحارس لذلك الوجود. فالقلب ينبغي ان يكون واحد بينما العقل يقوم على الثنائية. حين يؤثر إنشقاق العقل على وحدة القلب يقع العذاب والشقاء. فتعدد مصادر المعرفة الروحية في نفس آدم الأول هي التي سببت الإنشقاق وسببت الشقاء في نفوس البشر منذ فجر التاريخ وعليها نشأت العداوة البعضية التي نوه بها النص المقدس القرءاني في وصفه لحالة الإنسان بعد الخروج من عالم النموذج الأول القديم. القلب والشعور والحدس جميعها تقع في ما وراء التجريد، بينما العقل هو التجريد نفسه. وبذا يكون العقل هو الباب للقلب والعكس صحيح. بينما القلب (الإحساس، الشعور، الحدس، الخاطر والإلهام) يكون هو المدخل لعالم ما وراء العقل والثنائية. بذا أمكن القول بأن بعض الوجوديين هربوا من العقل للقلب (الوعي الشعوري). مشكلة الإنسان هي أن قلبه لم يعد واحد (وجدانه ممزق)، وجوده ليس واحد. فالعقل يبدأ من الشعور والاحساس العميق حيث تتخفى الأسباب والعلل، فجذوره ممتدة في أعماق الغيب وهو متمدد إلى الخارج الطبيعي، إلى قشرة الوجود، حيث تنجسم وتنتهي مظاهر الأسباب والعلل في الكون الطبيعي. للأسف ثنائية العقل انتقلت لقلب الإنسان فأحدثت شرخاً في وجوده وتصدعاً ما زالت الإنسانية تعاني من ويلاته. وهذا هو مصدر الذعر لدى الوجوديين. بدلاً من أن يوحد القلب الوجود المادي مرتكزاً على الشعور ليصنع الجنة حدث العكس. لقد فلق الإنشقاق العقلي صمد القلوب فصنع الجحيم حيث الفزع والهلع والخوف والجهل والطمع واللايقين واللاطمأنينة. فلو كان الإنسان خليفة الله تعالى كما قيل عنه في القرءان، أو "صورة الإله" كما قيل عنه في التوراة فهو لا يعرف الله عن طريق العقل فقط، العقل لا يقودك لأقرب مكان للإله إنما القلب يفعل ذلك. العقل بثنائيته يقف بك عند الباب لتدخل بقلبك كفرد. وفي الفهم الديني التقليدي يقولون تتوقف الملائكة ويسير الإنسان وحده لله. هنالك وقف جبريل وسار محمد (ص). يقولون إن الملائكة لا تفهم إلا بالثنائية والقياس العقلي (أنا خير منه). المسألة البالغة التعقيد هنا ليست هي تفكير ديكارت الذي أدى لقلة وجود كيركقارد ولكن صلب المشكلة هو في كيفية التوفيق بين تفكير ديكارت ووجود كيركغارد، بين البعد الملائكي والبشري في الإنسان. بإيجاد حل لوجهة نظر الملائكة في قولهم: "أتجعل فيها من يفسد فيها" ومنظور إبليس في قوله: “أنا خير منه" تحل مشاكل الوجود. وتحل هذه المشاكل في النفس البشرية عبر توحيد وعي والروح والمادة في الوعي البشري. أي توحيد وعي الغيب والشهادة في آدم. ثم توحيد كل ذلك مع الطبيعة.
|
|
|
|
|
|