05:52 PM March, 12 2016 سودانيز اون لاين
زين العابدين صالح عبد الرحمن-سيدنى - استراليا
مكتبتى
رابط مختصر
تابعت عددا من الحوارات السياسية التي أجرتها القنوات التلفزيونية الحكومية، و القريبة من الحزب الحاكم، و أخرها حوار في برنامج " وجهات نظر" الذي يقدمه الأستاذ مأمون عثمان في "قناة الشروق" و استضاف فيه كل من السيد كمال عمر الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي و عضو لجنة الحوار " 7+7" و الأستاذ الصادق الرزيقى نقيب الصحافيين السودانيين، و كان الحوار محصورا حول الدعوة التي قدمها رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى السيد سامبو إمبيكي لبعض القوي للاجتماع في أديس أبابا في هذا الشهر، بهدف التشاور لحوار يمكن أن يجري بين الحكومة و المعارضة، و قد كان فضولي أن أسمع ما هو موقف قوي الحوار الوطني من هذه الدعوة، خاصة إن المتحدثين ليس ببعيدين عن رؤية الحزب الحاكم، و القوي الأخرى القريبة من المؤتمر الوطني، باعتبار أن النظام تؤكد قيادته علي الدوام إن الحوار الذي يدعو إليه رئيس الآلية قد جرى بالفعل داخل السودان، و هم ليس في حاجة لحوار ثاني، و علي القوي التي لم تشارك أن تلحق بمؤتمر الحوار الوطني. هذا الحديث يمثل قناعة عند قيادات القوي السياسية المشاركة في الحوار و القريبين منهم. و أتفق كل من عمر و الرزيقي إن هناك أصابع خارجية تريد أن تعبث بالسودان، و ذهب تحلليهما في هذا الاتجاه، و إن القوي المعارضة تديرها تلك الأصابع، و كان السيد كمال عمر اتهم المعارضة من قبل بأنها تنفذ أجندة مخابرات خارجية.
في الجانب الأخر، الذي يخص العملية الإعلامية، و التقليدي في مدارس الإعلام، إن المحاور لابد أن يقف علي الحياد في الحوار، حتى يستطيع أن يقدم تغطية كامل عن الموضوع من كل جوانبه، و مدام المتحدثان يمثلان رؤية واحدة متطابقة، كان علي المحاور أن يأتي برؤية الآخرين، الذين يؤيدون الدعوة، حتى تكتمل كل جوانب الموضوع، و يبقي الحكم للمتابع، و لا ينسي الأستاذ مأمون إنه يتعامل في زمن أصبحت المعلومة متاحة للكل من مصادر مختلفة، و من هنا كان التحدي موجه لكل إعلامي. و لكن السيد مأمون و من خلال متابعاتي لحواراته في هذا البرنامج، يقدم مدرسة جديدة في العمل الإعلامي، تقوم علي قناعة أولية، إن الإعلامي لابد أن يكون منحازا حتى يستطيع أن يسوق ضيوف البرنامج إلي الرؤية التي يريدها، و هنا يفقد البرنامج حرارة الجذب، باعتباره لا يقدم جديدا و لا يسبر غور المشكل، لأنه تعود أن يقدم رؤية واحدة من المشهد السياسي، و يتحول البرنامج إلي إصدار كلمات الإدانة، للرؤية الغائبة، و هي غائبة برغبة مقدم البرنامج، و الغريب في الأمر إن اسم البرنامج يحمل رؤى مختلفة و متباينة " وجهات نظر" و هي من المفترض كانت سوف تخلق حيوية البرنامج، و الخلاف في الرؤى، و محاولة عرضها من الجانبين الحكومة و المعارضة، هي التي تخلق الوعي الجماهيري أولا، و ثانيا الرأي العام، لكن مدرسة الأستاذ عثمان تعتقد إن وجهات نظر هي تتمثل في الرؤية الواحدة، هل هذه سياسة القناة، أم إن الإعلاميون قد تحولوا إلي موظفين، الهدف هو عدم تعرض الوظيفة إلي الضياع في ظل الظروف الحياتية الضاغطة في السودان.
أذكر في جلسة كنت مع الصديق الراحل فتحي شيلا، عندما كان نائبا لأمين إعلام الحزب الحاكم، دخل علينا الدكتور كمال عبيد، و كان يشغل أمين إعلام الحزب الحاكم و وزيرا للإعلام، و من خلال الحوار قلت لهما، إن أية إعلام إذا تعاملت السلطة مع القائمين عليه أنهم حراس للنظام، و عليهم فقط تنفيذ سياسات السلطة، هذه الرؤية تفقد الإعلام دوره في تقديم المبادرات الوطنية، و أيضا تعطل القدرات الإبداعية عند الإعلاميين، و تبقي المهمة الرئيسية، كيف ترضي عنه السلطة، و يصبح الرقيب الذاتي معيقا لأية رؤية، في اعتقاد إن السلطة لا ترضي عنها. فقال الدكتور عبيد لا اعتقد هناك تحفظات بدرت من السلطة تجاه الإعلاميين، و لكن ربما لحالة الاضطراب السياسي في البلاد هي التي تجعل العملية الإعلامية تتأثر بالجو العام، و هذه غير صحيحة. فالنظم الشمولية دائما تكون رقابتها لصيقة للعمل الإعلامي، باعتبار إن أجهزة الإعلام تعتبر من المؤسسات المنافحة و المدافعة عن النظام، و الإشكالية التي أدت إلي وقف عملية المبادرات الإعلامية، إن الحزب الحاكم كان يعين عددا من الإعلاميين، و الذين كانوا في أمانة الإعلام، في الأجهزة الإعلامية و هؤلاء يقتنعون برؤية الحزب الحاكم، كما إنهم جاءوا دون مؤهلات و خبرات تساعدهم علي تجاوز عقبات الأداء الإعلامي، غير إنهم أهل ولاء، هذه السياسة لابد أن تؤثر سلبا علي العمل الإعلامي، و أيضا علي الإبداع في هذه المؤسسات الإعلامية.
فالنظم الشمولية تعتبر الإعلام واحدة من أهم الوسائل الأيديولوجية، التي تهدف لتغيير القناعات عند الناس، و بالتالي هي لا تغامر أن تعكس رؤيتين في القضية الواحدة، فهناك رؤية واحدة من المفترض تبلغ للناس و تسود في المجتمع، و تعتقد السلطة الحاكمة أن حجب الرؤية الأخرى تضعف أصحابها، و يصبحوا عاجزين عن توصيل رؤيتهم لقطاع عريض من الناس، و تصبح هناك معلومة واحدة هي المنتشرة في المجتمع. هذا الفهم في النظم الشمولية، هو الذي دفع هيلري كلينتون، عندما كانت وزيرة خارجية الولايات المتحدة في الفترة الأولي للرئيس باراك أوباما، تقول إننا طلبنا من القائمين من وسائل الاتصال الاجتماعي أن يجدوا بديلا لعملية الاتصال بالانترنيت، ثم الاتصال ب " social media " أي أن يكون الاتصال مباشرة من التلفونات الذكية إلي " Social media " حتى نتجاوز عملية الرقابة و السيطرة التي تقوم بها النظم الشمولية، و أن تفتح بابا جديدا في عملية الحرية، لا تستطيع مؤسسات النظم الشمولية القمعية أن تمنعها، أو تسيطر عليها، فالتقدم الذي حصل في وسائط الاتصال، جعل المعلومة متوفرة من عدة مصادر، و جعل الأجهزة الإعلامية أمام تحديات، هل تستطيع أن تقدم خدمة اجتماعية سياسية تزيد من رقعة الحرية، التي تتيح لها أن تقدم خدمة مهنية متوازنة، و فيها شيئا من المصداقية، أم إنها سوف تسير في ذات النهج، و بالتالي تصبح غير جاذبة، و خاصة إذا جاءت التوعية السياسية و الثقافية من خارج الحدود، لا تستطيع السلطة الشمولية أن تتوقع ردة فعلها تجاه بعض القضايا.
البرنامج الآخر الذي يمثل نوع آخر من الانحياز في القناة السودانية "خطوط عريضة" الذي كان يقدمه الأستاذ محمد دياب، و الذي توقف عن التقديم، و أصبحت الوجوه متعددة في التقديم، كان دياب معقولا في طرح أسئلته، و لكن المشكلة الأساسية إن القناة تستضيف أهل الولاء، الذين لن يعرضون القناة إلي أية مساءلات من قبل السلطة التنفيذية أو مؤسساتها، فكان التحليل و الرأي الذي يقدم من هؤلاء ما تريد أن تسمعه السلطة، و ليس تحليلا للواقع وفقا للمعلومات، هذه النوع من العمل الإعلامي الذي يحاول أن يتجاوز الرأي الأخر، يضر بالعمل الإعلامي و بمصداقية القناة نفسها، و بالتالي يصبح البحث عن المعلومة الصحيحة بعيدا عن القنوات الرسمية، و التي يعتمد عليها النظام في تشكيل الرأي العام، هذه السياسة لا يمكن أن تتم إلا في ظل النظم الشمولية، التي تفرض ثقافة مليئة بالتوجيهات و الضوابط غير المعلنة، و لكنها تبلغ أول بأول للمسؤولين في الأجهزة شفاهة، هذه الإجراءات هي التي تجعل الرقيب الذاتي يتمكن من الذات الإعلامية، و يؤثر في خصائصها و تصورها للعمل، كما يحد من قدراتها الإبداعية في تقديم مادة يغلب عليها الحس الوطني و ليس الحزبي، و هي السياسة التي أضعفت القنوات الإعلامية الحكومية، و جعلت البعض يهرب من المادة السياسية لكثرة المحظور فيها إلي الرياضة و برامج المنوعات و الترفيه، لأنها لا تشكل خطورة علي وظائفهم.
إن الإعلاميين يفضلون استضافت القيادات التنفيذية في الحكومة، أو في الحزب الحاكم في البرامج ذات الطابع السياسي أو الحوارية، إلي جانب أن القنوات الحكومية تستعيض عن ذلك ببرامج تميل إلي الإفادات التاريخية في استضافتها للبعض المحسوبين علي قوي المعارضة منعا للحرج، و لكنها لا تستطيع دعوتهم للحديث في القضايا المطروحة علي مائدة الحوار أو الأحداث الجارية، فمثلا الحوار الوطني الذي جري في الخرطوم، معلوم إن هناك قوي سياسية رافضة للحوار، و لكنها لا تتفق في أسباب الرفض، كل لها أسباب مختلفة عن الأخرى، و حضرت أغلبية الحوارات التي جرت عن الحوار، و لم تخاطر قناة واحدة أن تجري لقاء مع أحد رموز القوي السياسية الرافضة للحوار، لمعرفة الأسباب الحقيقية للرفض، و هي واحدة من أدوات تشكل الرأي العام، باعتبار إن الرأي العام لا يتكون من رؤية واحدة، مادام هناك قوي قادرة علي توصيل رؤيتها المعارضة عبر وسائل أخرى، كان من قبل يمكن أن يكون مؤثرا المنع و محاصرة الرأي الأخر، حيث تنعدم الوسائل لتوصيل الرأي الأخر، و يصل رأي واحد يشكل الرأي العام، و لكن التطور الذي حدث في وسائل الاتصال، استطاع أن يتجاوز تلك المرحلة، لكن مشكلة النظم الشمولية دائما تعتمد علي أهل الولاء، و أيضا علي العناصر التي لا تمانع في تعطيل عقلها و صوتها، حتى يكون هناك صوتا واحدا، فالأجهزة الإعلامية الحكومية لا تستطيع أن تتجاوز هذه العقبة، لأنها تمثل انتحارا لقيادات العمل الإعلامي، و بالتالي تبحث عن الطرق المريحة التي لا تسبب أية أزمة لها، الأمر الذي يجعل الأجهزة الحكومية أضعف أداء عن مثيلاتها الأخريات.
كان من المؤمل بعد خطاب الرئيس " خطاب الوثبة" و إعلانه أعطاء مساحات للحرية، للإعلام و الصحافة، لكي يسهموا في عملية إنجاح الحوار الوطني، استطاعت الصحافة أن تلعب دورا مقدرا في عكس الرؤى المختلفة حتى خارج دائرة الحوار، و ترتقي بالعمل السياسي، و لكن تخلفت القنوات الحكومية، و لم تستطيع أن تستفيد من مساحة الحرية في خلق مبادرات تستطيع من خلالها أن توسع دائرة حريتها، و تعتبرها كحق يسهم في تطوير الملكات الإبداعية للعاملين فيها من جانب، و في الجانب الأخر أن تلعب دورا وطنيا في إحداث مقاربات بين القوي السياسية، و لكنها عجزت عن ذلك لأنها كانت تنتظر تعليمات من فوق حتى تقدم علي الخطوة، و تعلم أن القرارات التي تنتظرها أن تبلغ إليها، لن تأتي مطلقا، لأن من تنتظرهم ليس في ثقافتهم الرأي الأخر، و ليس لديهم القدرة أيضا علي اتخاذ قرار لا يعرفون انعكاساته السياسية في المستقبل، لذلك تخلفت القنوات أن تدخل في تحدي وطني مع ذاتها، و فضلت أن تجنح نحو السلامة، في أن تجري بعض الحوارات مع الذين ترضي عنهم السلطة، و أصبح الحوار داخل حدود قاعة الصداقة، ليس لديه أدني انعكاسات في الشارع لكي يشكل رأيا عاما، و بعض القنوات اكتفت أن تقدم شعارات تأييد فقط للحوار الوطني، دون تخصيص برامج إليه، مما يؤكد إن الحزب الحاكم نفسه منقسم علي ذاته في قضية الحوار الوطني، و هذه متوقعة في النظم الشمولية، و لكن كان الدور أن تلعب أجهزة الإعلام دورا أكثر إيجابية في جعل الحوار يأخذ مسارات أكثر وطنية، بعيدا عن المصالح الحزبية، أو رؤى بعض الزعامات.
إذا إن وسائل الإعلام دائما تتبع فلسفة النظام القائم في البلاد، و هي لا تستطيع أن تخرج من دائرة هذه الفلسفة، و النظم الشمولية لا تستطيع التفريط في هذه الأجهزة، و بالتالي تعمل علي مراقبتها و اختيار العاملين فيها، الذين تتوافق رؤاهم مع فلسفة الدولة القائمة، و القضايا الوطنية تحدد حسب مفهوم القائمين علي الدولة، و ليست هي اتفاق وطني بين كل القوي السياسية، و يظل الإعلام يلعب علي هامش الحياة السياسية، عكس الصحافة التي تستطيع أن توسع دائرة الحرية بإحداث ثقوب في جدار الديكتاتورية، من خلال الاختراقات تحدثها يوميا، لأن القائمون عليها غير مرتبطين بوظائف الدولة، و أجهزة الإعلام لا تستطيع أن تقدم علي تجاوز السور المضروب عليها، إلا في ظل تعدد قنوات أهلية تقوم هي بالمبادرات، و تفرض شروط جديدة علي العمل الإعلام يؤثر علي ما هو حولها، و يؤثر إيجابا علي توسيع دائرة الحريات، و معروف أن الحرية لا تمنح إنما نؤخذ عبر صراع طويل مع النظام الشمولي، و ربما تكون علي مراحل، و بالفعل إن الصحافة هي التي نجحت في توسيع دائرة الحريات، بينما تخلفت الأجهزة الإعلامية عن ذلك. و كانت وزارة الإعلام قد عقدت مؤتمرين للإعلام و أصدر قرارات و توصيات و لكنها لم تجد طريقها للتنفيذ، بسبب إن الوزير لا يستطيع أن يخرج من الفلسفة القائمة للدولة، و سيظل يطلق تصريحات دون تنفيذ، لأنه يعلم لا يستطيع أن يقدم جديدا إلا إذا تغير فلسفة الدولة من الشمولية إلي الديمقراطية و في هذه الحالة يتغير الكثير. و نسأل الله التوفيق.
نشر في جريدة إيلاف الخرطوم
أحدث المقالات
بيان فتحي الضو ونداء الطبيبة السودانية بقلم محمد فضل علي..كنداالمُشكلة ليست في المُواطن السُّودانِى يا ريس ..!! بقلم كامل كاريزما أنت تذهب إلي القصر رئيسا بقلم بابكر عباس الأمينحتى يموت الترابي بقلم حيدر الشيخ هلال أسرع طريقة لمعالجة الازمات العاطفية!!! بقلم فيصل الدابي/المحاميالمعلمون والمعلمات درسٌ في المفاوضات بقلم د. فايز أبو شمالةقصيدة أنا الزول بقلم عمر بشير أبوعاقلةحركة فتح وعناصر المشكلة والمأساة بقلم سميح خلفحديث عن المثقف والسلطة فى رحاب ذكرى أديبنا الطيب صالح بقلم الياس الغائب( فضوها سيرة ) بقلم الطاهر ساتيمهرجلون وألفة !! بقلم صلاح الدين عووضةحكاية من لاغوس ..!! بقلم عبد الباقى الظافرالصبر لا الكسر.. بين الغنوشي وإبراهيم السنوسي بقلم الطيب مصطفىفلتحتشم محلية امدرمان قبل المصارعين!! بقلم حيدر احمد خيراللهالقيادة الفلسطينية تكبح المقاومة السلمية بقلم نقولا ناصر* حتي بعد موت الترابي لن يتوقف الكذب بقلم شوقي بدرىعن الترابي وشراكة حكمه مع البشير بقلم سايم نصار المرحوم الدكتور/حسن الترابى:لماذا لا نُثمن ونشيد بخواتيم أعماله؟بقلم يوسف الطب محمدتوم/المحامىمظلة الأمان الطبيعية للأطفال بقلم نورالدين مدنيتعطيل الحركة اليسارية، أي حركة يسارية، لصالح من؟ ولأجل ماذا؟.....4