ان العمل السياسي الذي قاد البلاد الى نيل استقلالها انما بدأ مع نشوء مؤتمر الخرجين في العام 1938م و قد كان المؤتمر اول جهاز يبرز الشخصية السودانية و يحشد و يوجه جهودها لخدمة البلاد ، و قد سعى المؤتمر لايجاد بديل لروح القبلية التي اذكاها الاستعمار فرفع شعار "القومية السودانية" انطلق المؤتمر في مجالات الخدمة الاجتماعية ، وعلى رأسها التعليم الذي كان منطلقاً وطنياً اخذ يتبلور شيئاً فشيئاً بعد مضي اربع سنوات حيث اسفر عن الوجه السياسي الصريح في عام 1942م وكان هذا بعيد نشوء الحرب العالمية الثانية و التي شارك فيها السودان بقوة دفاع السودان، الى جانب الحلفاء ضد النازية ، و لقد اصدر الحلفاء وثيقة الاطلنطي و التي تنص على ان الحلفاء سيمنحون ابناء المستعمرات التي تعاونت معهم حق تقرير المصير اذا انتصروا في الحرب و قد استغل المؤتمر هذا الوعد و تبادل بشأنه المذكرات مع الحكومة و لزمن طويل.
*و لم تكن الطائفية غائبة عن المؤتمر فقد كانت طائفة الختمية موجودة و طائفة الانصار موجودة كذلك و تقاسما المؤتمر، و الصراع الحاد بين الخريجين داخل المؤتمر ادى الى التصاقهم التصاقاً شديداً بالطائفتين طلباً للسند الشعبي و بعد بروز المؤتمر كمطالب بحق تقرير المصير ووقعت لاحقاً المواجهة بين المؤتمر و الاستعمار، رفض المستعمر الاعتراف بحقهم السياسي في التحدث باسم السودان بل انكى من ذلك جعل هذا الحق مقتصراً على زعماء العشائر و زعماء الدين الطائفة ، مما زاد التصاق الخريجين بالطائفية طلباً للسند الشعبي حتى يتسنى لهم التحدث باسم السودان امام حكومة الاستعمارمما جعل الطائفية تتحكم فى حياتنا السياسية بصورة منكرة، و حتى يومنا هذا.. وفي هذا الاثناء تمادى المؤتمر في تبادل المذكرات مع الحكومة و برزت خلافات الخريجين و ظهر تياران سياسيان، تيار الاتحاد مع مصر ، و تيار الاستقلال ، فخرجت من عباءة المؤتمر الاحزاب الاتحادية و الاحزاب الاستقلالية و تبلورت لاحقاً في الحزب الوطني الاتحادي و قوامه طائفة الختمية و في حزب الامة و قوامه طائفة الانصار، و معلوم ان هذه الطائفة ارتبطت بمصر و الطائفة الاخرى ارتبطت ببريطانيا و حتى المذكرات المتبادلة مع الاستعمار جاءت متأثرة بهذين الاتجاهين.
*ان اتجاه الخرجين الى الطائفية قد اخرج قد اخرج الشعب من الصورة فكانت المذكرات يتم تبادلها بين المؤتمر و الحكومة و الشعب لا يدري عنها شيئاً، ومن ثم لم يتفاعل معها، بينما كان الواجب يقضي بمخاطبة الامة و تنويرها بما يجري و تحديد المقصد الصريح في الاستقلال و الحرية ، و اقامة مجتمع العدل فضلاً عن ذلك كان المنتظر من المؤتمر استنهاض الشعب و استنفاره ليمسك القضية في يده لينافح و يكافح من أجل حريته و يضحي في سبيلهما، و كل هذا لم يحدث من المؤتمر للاسف.
*أن اول ما يؤخذ على الحركة الوطنية هو انصرافها الكامل عن المذهبية الصالحة التي تحدد الغاية و ترسم السبيل، و تعد الوسائل لتحقيقها، و لقد نبه الاستاذ محمود محمد طه في كتابه السفر الاول لهذا الامر منذ عام 1945م حيث قال "نحن اليوم بسبيل حركة وطنية تسير بالبلاد في شحوب اصيل حياة العالم هذه المريرة، الى فجر حياة جديدة على هدى من الدين الاسلامي، و برشد من الفحولة العربية و بسبب من التكوين الشرقي، و لسنا ندعو اول ما ندعو الى شئ اكثر و لا قل من إعمال الفكر الحر فيما نأتي وما ندع من امورنا ، الفكر الحر الذي يضيق بكل قيد، و يسأل عن قيمة كل شئ فليس بشئ يفلت من البحث و ليس شئ يفلت من التشكيك ، فلا يظن احد ان النهضة الدينية ممكنة بغير الفكر الحر ، و لا يظن احد أن النهضة الاقتصادية ممكنة بغير الفكر الحر، و لا يظن احد بان الحياة نفسها يمكن ان تكون منتجة ممتعة بغير الفكر الحر ، ان الحزب الجمهوري لا يسعى الى الاستقلال كغاية في ذاته ، و انما يطلب لانه وسيلة الى الحرية ، و هي التي ستكفل للفرد الجو الحر الذي يساعده على اظهار المواهب الكمينة في صدره و رأسه" انتهى.. 26اكتوبر1945م.. كتاب "السفر الاول".
سلام يا
كل عام وانتم بخير ، عام سعيد وجديد لكل شعبنا الصابر ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة