|
الإرهاب الفكري بين الأمس واليوم!! 1-5 بقلم جمال أحمد الحسن
|
mailto:[email protected]@gmail.com مدخل أول: لتناوُل هذا الموضوع بجوانبه الأربعة لابُدَّ لنا أولاً من تعريف كلمة إرهاب، وهي بمعناها البسيط القريب التخويف الشديد المُفرِط.. إذْ لا يكون الخوف العادي إرهاباً إلا إذا قُرِنَ بمُعينات رادعة نفسية أو جسدية كانت.. هذا مُجْمَلاً.. أما إذا أردنا إنزال هذا التعريف إلى أرض الواقِعْ... فهُو محاولة لتحجيم رأيٍ ما "كما حدث مع النبي الأكرم في بداية الدعوة الإسلامية" بشتَّى أساليب الفظاعة والبشاعة في التخويف من هذا الرأْي مع إستخدام كافة الطُرُق المشروعة والغير مشروعة من كذبٍ وبهتانٍ وإشانة سُمعَة لردِّ هذا الرأي مع إحتمال تَيَقُّنْ الإرهابي بصدق هذا الأمر.. وهُو ما سنراهُ لاحقاً.. مدخل ثاني..
عندما نزلت الآية الكريمة (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ)... صعد النبي الأكرم على الصفا ونادى وا صباحاه حتى إجتمعت إليه قريشاً كلها ومن تعذَّر مجيئه أرسل من ينوب عنه... فقال مخاطباً إياهُم يا بنو عبد المطلب يا بنو كعب يا بنو لؤي وصار يعدد أفخاذ قريش بيتاً بيتا.. أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفحِ هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟؟ قالوا نعم.. ما عهِدْنَا عليك الكذب قط.. وهذا إعترافٌ موثَّقٌ بأنَّه كان بينهم خياراً من خيار.. فما أن قال لهم إنِّي نذيرٌ لكُم بين يَدَيْ عذابٍ شديد.. حتى صاح عمه أبو لهب في وجهِه "تباً" لك ألهذا جمعتنا؟؟ فاجتمعت هنا عوامِل عُدة لتخويف النبي ومن معه لرَدْع هذا الأمر.. منها التوبيخ بِتَبٍّ لك والسُخْرِيَّة بألهذا جمعتنا!!
فكانت هذه الكلمة التي تتكون من حرفين فقط (تبَّاً)!! هِي أوَّل ما مُورِسَ من إرهابٍ ضد الدعوة الجديدة وأهلها... بعد فشلهم طبعاً من الرد المنطقي على صاحب الدعوة وهُو كما وصفُوهُ بالصادق الأمين... فكيفَ لهم أن يُخلِعُوهُ هذا الجلباب الذي طالما ألبَسُوهُ إيَّاه في الجاهلية؟؟!! اللهم إلاَّ بالتهوُّر الذي حدث من أبي لهب بتبٍ لك ثم تطور بعد ذلك إلى مراحل عدة أعقبت سورة المسد...
مدخل ثالث..
عندما عظم أمر النبي الأكرم وتيقَّنُوا أن هذا هُو الدين الحق... عاندوا في إتِّباعِه ربّما لأنه يتيماً كان.. إلا أن العناية الإلهية أحاطت به حتى بدأت تزوره الوفود من خارج مكة، وكان القبول والرضاء يُحيط بدعوته من كل جانب.. فبدأت قريش حملات تصعيدية لمُحاصرته وأصحابه من لقاء زُوَّار بيت الله الحرام فقرَّرُوا الإجتماع بكبيرهم آنذاك الوليد بن المغيرة وكان ذا سنٍّ ورأْيٍ عندهم فاستقرَّ رأيهم بأن يمنعُوا وفود القبائل الزائرين للكعبة من مقابلته وأصحابه وبدأُوا في خلقِ الأوصاف التي تُنفرهم منه...
فوصفوهُ بالكاهن، ثم المجنون، فالشاعر وأخيراً الساحر.. إلا أن كبيرهم يُراجعهم دوماً بنفي هذه الصفات عنه.. مُعلِّلاً حديثه بأن كلامه صلى الله عليه وآله وسلم لَحلاوَة وإنَّ عليه لطَلاَوَة وانه لمثمرٌ أعلاهُ مُغدقٌ أسفله وإنه ليعلُو ولا يُعلَى وإنَّه ليحطم ما تحته.. وبما أنه الخبير العالم ببواطن إمور الكهانة والشعر والسحر، فلا تنطبق أيٍ من هذه الصفات على أمين قريش "كما كانُوا يلقبُّونه قبل الدعوة" وبرغم هذا كله ويقينه التام بما قال إلا أنه فكَّر وقدَّر وقال إنْ هذا إلاَّ سحرٌ يؤثر.. واستقر رأيهم على هذا ليشيعُوا ذلك بين زوار البيت الحرام بأن محمداً ساحراً يُفرِّق بين الرجل وزوجته والمرأة وبنتها وغيرها من الشائعات، كدعاية إستباقية كذبٌ وبهتانٌ وهذا –لعمري- من أخطر أنواع الإرهاب الفكري..
مدخل رابع..
إجتمعت قريش ذات يومٍ تُناقش أمر هذه الدعوة الجديدة وذلك بعد أن أحاط أبو طالب بابن أخيه وجعله تحت حمايته وتعصَّب له بنُو عبد المطلب إلاَّ شقيَّهم أبا لهب وزوجته حمَّالة الحطب.. إستقرَّ رأيهم بعد مداولاتٍ عدَّة لحصار بني هاشم إقتصادياً وعزلهم إجتماعياً واستمر هذا الأمر لمدة ثلاث سنوات لا يبايعوهم ولا يزاوجوهم ولا يعينوهم ولا يستعينوا بهم في أمرٍ من إمور الحياة حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فأتى أمر الله إلى الأرضة التي أكلت صحيفتهم المُتَعَاهَد عليها غدراً بهذا الحصار المَعِيشي الجائر على أبناء عمومتهم من بني هاشم.. وفُكَّتْ ضائقتهم لتبدأ مرحلة الإرهاب الأسود القاتل!!
مدخل خامس..
واصل النبي الأعظم دعوته ودخل فيها أُناسٌ كثُر من قريشٍ ومواليهِم فسلَّط عليهم أشرافها شرَّ أنواع العذاب البدني والنفسي في محاولةٍ منهم يائسة لحجب هذا النُور الإسلامي الذي بدأ يشع هنا وهناك.. إلاَّ أنَّ ما وقَرَ في صدور هؤلاء الفتية لا تُرهبه سياطِ أبي جَهل ولا الكَيِّ بنيرانِ أُميَّة بن خلف!! إستمر هذا الوضع مُسايِراً هذه الأنواع الفظيعة من التعذيب النفسي والجسدي إلى أن بَزَغت شمس يثرب وأنصارها.. وبدأت الهجرة تتدفَّق عليها كما قطرات الندى على الأزاهِر..
فكان لابُدَّ للقرشيين من زيادة وتيرة إرهابهم فبدأُوا في التصفيات الجسدية فكان مقتل ياسراً وزوجته سمية بخنجر الغدر المشئوم وأحكموا مشورتهم بقتل النبي الأكرم وقَبْرِ هذا الدين في شعب أبي طالب بمكَّة.. ولكن الله مُتِمٌ نُوره ولو كره الكافرون.. فنجَّاه الله وصاحبيه في ليلة الهجرة المشهورة.. فشاهَت وجوه المُجرمين الإرهابيين إلى يوم الدين..
مدخل أخير..
بمتابَعَة هذا التسلسل من الأحداث التي لازمت بداية عهد الرسالة الإسلامية نرى أن الإرهاب بدأ قديماً بكلمة من حرفين –كما ذكرنا- هي (تباً) ثم ما لبث أن تطوَّر إلى الكيد بالدسائس والشائعات والأكاذيب ثم الغدر والخيانة والحصار الإقتصادي وأخيراً القتل والتصفية الجسدية..
ليَجِيئ إرْهَابيِّي اليوم بما لم يأتِ به أولهم... فيبدأُوا بما انتهى به أسلافهم!! بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.. وإشاعة الذُعر بين المسلمين والمُعاهدين الآمنين بإثارة النعرات الطائفية تارةً وبالتكفير والتفجير تارةً أُخرى... فكانت النتيجة المحتُومة أن كثُر التقتيل والتمثيل بالجثث والتلَذُّذ بقطع الرؤوس والتكبير على أنغامِ الهَوَى المريض.. نسأل الله السلامة..
.
.
لو أقْبَلَ صَادِقٌ علَى الله ألف ألف سَنَة ثُم أعرَض عَنْه لَحظَةً كَانَ ما فَاتَه أكثَر مِمَّا نالَهُ...
# الإمام الجُنيد بن محمد "رضي الله عنه"
|
|
|
|
|
|