كانت الفتاة تهمس في أُذن رفيقتها "انظري إلى الرجل الذي يجمع القمامة من أمام القصر.. إنه يشبه الرئيس".. الحقيقة أن الرجل المعني لم يكن سوى الرئيس جون ماغفولي شخصياً.. منذ انتخابه في نوفمبر ٢٠١٤ تعهَّد الرئيس بإنفاذ سياسة تقشفية لإنقاذ الاقتصاد التنزاني.. ألغى الرئيس الاحتفال باليوم الوطني، وحوَّل موازنته لنظافة العاصمة.. كما حوَّل مبالغ خُصِّصت للاحتفال بافتتاح دورة برلمانية لشراء أسرَّة إلى مشفى المدينة.. أهم ما فعله الرئيس تقييده لسفر كبار المسؤولين.. الحصاد كان جيداً، إذ احتفلت تنزانيا قبل أيام بافتتاح خط سكة حديد سريع، بتكليف قاربت الملياري دولار . حملت لنا الصحف خبراً يفيد أن مساعد رئيس الجمهورية اللواء عبدالرحمن الصادق المهدي يزور فرنسا هذه الأيام.. الأمير عبدالرحمن ذهب إلى عاصمة النور للمشاركة في سباق قوس النصر.. مضى في معيَّة الأمير، الأستاذ مصعب البشير، والذي يشغل منصباً رفيعاً في اتحاد الفروسية الذي يترأسه سعادة اللواء.. هنالك كان سفير السودان في الانتظار، وذلك بسبب الوضع المراسيمي للضيف الرئاسي.. لم ينس الأمير عبدالرحمن أنه مساعد لرئيس الجمهورية، فاستفاض في السياسة حينما تحدث لـ(مونت كارلو) و( فرنسا ٢٤).. كان محور الحديث عن موقف السودان من الأزمة الخليجية. علينا ألا نلوم الأمير بن الأمير.. في العام الماضي اشتكي السيد الحسن، مساعد أول رئيس الجمهورية أن الحكومة سحبت أربع سيارات من أسطول السيارات المُخصَّصة لخدمته.. وقتها تساءل الناس عن عدد عربات الأسطول المُخصَّصة للمساعد المهمَّش.. لكن حكاية المساعد السابق جعفر الميرغني تستحق رقماً قياسياً.. المساعد المعني من كثرة أسفاره؛ كان حينما يتوقَّف في الخرطوم يحل ضيفاً على أحد الفنادق الفخمة، ريثما يواصل المسيرة.. أحد شيوخ المساعدين أصر قبل أشهر أن يقود العربة الفخمة، فكاد أن يقتل مواطناً.. اضطر المواطن المسكين لتقديم الاعتذار الذي جعله في المكان الخطأ. كل تلك؛ كانت أمثلة لحكومة تدعي أنها تمارس ترشيد الانفاق.. بل إنها تتوسَّل للعالم أن يضعها في قائمة الدول المسكينة التي تستحق الإعفاء من الديون.. كل ذلك؛ وكبار المسؤولين في جولات سياحية حول العالم.. صحيح أن قانون مُخصَّصات شاغلي المناصب الدستورية جعل حتى الكهرباء التي تستهلكها بيوت الكبار تدفع من جيب دافع الضرائب الفقير.. نحن الآن بلد في غاية الفقر.. اقتصادنا يعاني عجزاً في الميزان التجاري يقترب من الخمسة مليارات دولار.. رغم كل ذلك؛ إلا أن الكبار يتوسَّعون في السفر.. ويتطاولون في البنيان. في تقديري؛ أن كل آليات الحدِّ من التقشُّف لم تعُد مجدية.. الاقتصاد السوداني تحوَّل الى دولة موظفين.. الآن معظم من يركبون الفارهات الجياد هم كبار الموظفين.. الأحياء الراقية تعجُّ بالطبقة الجديدة.. كل شيء يتم بالقانون، وتحت سمع وبصر الحكومة.. بل أحياناً يحدث ما يشبه النفاق حينما تُعلن الحكومة تخفيض رواتب الدستوريين.. لكن حينما تطفأ الأنوار ترتفع ذات الرواتب أو ما يوازيها من مُخصَّصات . صراحة؛ لا نطلب من الحكومة المزيد من النفاق.. كل ما نطلب أن تكون الحكومة شفَّافة مع الشعب.. عند نهاية كل شهر تعلن قائمة المحظوظين بالسفر، وأمام كل مسؤول ما أنفق من مالنا وما أنجز لشعبنا.. هذا الطلب المتواضع سيكون الأصعب على حكومتنا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست