:: يُحكى أن الابن اشترى بنطالاً، ووجده طويلاً بزيادة (4 سم).. طلب من والدته تقصيره، فاعتذرت لظرف ما .. فطلب من أخته تقصيره، فاعتذرت أيضاً لظرف ما .. فذهب إلى الخيًاط وقصًره، وعاد الى المنزل ووضعه في الدولاب..ولاحقاً، حن قلب الأم، بحيث ذهبت إلى غرفة الإبن، وأخرجت البنطال من الدولاب وقصرته (4 سم).. وبعدها، حن قلب الأخت أيضاً، وذهبت إلى غرفة شقيقها وأخرجت البنطال وقصرته (4 سم).. وفي الصباح، أراد الإبن أن يرتدي بنطاله، وإذ به يتفاجأ بأن البنطال أصبح ( برموده)..!! :: تلك القصة تحكي عن ثلاثة أفراد إجتهدوا لإنجاز عمل .. ومع ذلك، أي رغم صدق النوايا و الجهد المشترك، أفسدوا هذا العمل وتكبدوا الخسائر.. أي لم يكتفوا بعدم انجاز العمل، وكان من الأفضل ألا ينجزوه، لكي لا يخسروا الجهد والزمن والمال..ولكن بضعف التنسيق وأزمة التنجانس، أفسدوا العمل و أهدروا الجهد والزمن و قيمة البنطال..وهكذا تقريباً حال مؤسسات الدولة التي تفتقد للتنجانس والتنسيق..!! :: وعلى سبيل المثال، فالحدث اليوم - بالصندوق القومي للإمدادات الطبية - إفتتاح أكبر مخزن دوائي في إفريقيا .. مساحة المخزن وسعته (46.000 متر مكعب)..مكعب وليس مربع، ويبدو أن للصيادلة وأدويتهم ومساحات مخازنها لغة ومواصفة (خاصة)..وهي سعة تسع لتخزين إستهلاكنا الدوائي لفترة ( 6 أشهر)..ويتميًز المخزن بالتخزين الرأسي - على ثلاثة مدرجات - بإرتفاع( 8 أمتار)، ومُجهز بكل أجهزة ومعدات التكييف ورصد درجات الحرارة والرطوبة، ومزوًد بنظم رصد ومتابعة مخازن الصندوق بالولايات، وكل عمليات الشحن والتفريغ تتم ( آلياً)..!! :: وتكاليف هذا المخزن، الأكبر في إفريقيا بشهادة منظمات دولية زارتها خلال الأسابيع الفائتة، بلغت (174.000.000 جنيه)، أو كما نقول بالجديد (174 مليار جنيه).. وذلك بنظام التمويل المصرفي (بنك المزارع)، لفترة أربع سنوات أرباحها (55 مليون جنيه ).. فالقيمة الفعلية لتكاليف المخزن (119) مليون بالقديم ومليار بالجديد، وكما تعلمون (لا مليون نافع، لا مليار نافع) لحين عودة الروح للجنيه السوداني.. والمهم.. هذا هو أكبر مخزن دوائي في إفريقيا، ويتم الإفتتاح اليوم على هامش إجتماع لجنة الصحة العليا التي يرأسها رئيس الجمهورية ..!! :: وعليه، هذا إنجاز يُحسب للصندوق القومي للإمدادات الطبية وتستحق إدارته على الإنجاز كل الشكر والثناء..ولكن نتحدث - بلغة أهل الموسيقى - عن الهارموني، وهو تجانس الأصوات والآلات الموسيقية وتناسقها في إصدار الأصوات بحيث يكون اللحن طروباً.. وأمام حدث إفتتاح أكبر مخزن دوائي في إفريقيا يجب أن ننظر إلى موقف البلاد الدوائي بحيث نعرف إن كان انجاز هذا المخزن نغماً طروباً أم صوتاً نشاذاَ؟.. بمعنى، هل تكاملت كل الوحدات الصحية وتجانست وتناسقت بحيث تكون حاجة البلاد إلى محض (مخزن كبير)، وناهيك بأن يكون الأكبر في إفريقيا ..؟؟ :: وللإجابة على هذا السؤال، إليكم ما يلي .. يستهلك شعبنا سنوياً أدوية قيمتها ثلاثمائة مليون دولار، نصيب القطاع الخاص منها (200 مليون دولار)، ونصيب الصندوق القومي للإمدادات الطبية (100 مليون دولار)..وللأسف، لم يتجاوز إنتاج الصناعة الوطنية من إستهلاك شعبنا (16%)..نسبة إنتاج مصر من إستهلاك شعبها (90%)، وسوريا قبل الحرب (94%)، والمغرب (85%)، و.. و.. كل الدول العربية تكاد تكتفي أو تكتفي و تصدر ( لنا).. حجم الأصناف الدوائية في بلادنا (4599 صنف)، ولا تصنع مصانعنا غير (723 صنف)، وهي التي تعادل (16%)..وعليه، فان إفتتاح أكبر مصنع في إفريقيا كان يجب يتجانس مع إفتتاح أكبر مخزن في إفريقيا ..!! :: ذاك شئ، أما الشئ الآخر فأن دراسات منظمة الصحة العالمية تُقدًر متوسط الصرف على صحة الفرد في العالم ب (74 دولار)، وتقدر قيمة الرعاية الصحية الأساسية التي يجب أن يحظى بها الفرد في دول افريقيا بما تعادل (17 دولار)..ومع ذلك، فأن نصيب الفرد في السودان من الرعاية الصحية الأساسية لا يتجاوز ( 7 دولارات)، ثم يتمها بالمحايات والأعشاب والدجل والشعوذة حتى يتعافى أو يلقى الله محروماً من أبجديات الرعاية الصحية..وعليه، فأن سد هذه الفجوة الدوائية كان يجب أن يتجانس مع إفتتاح أكبر مخزن في إفريقيا ..!! :: وهكذا..ما لم يتم تفعيل كل الوحدات الحكومية بحيث تُشكل (دولة المؤسسات) التي تُدير كل مناحي الحياة بالتجانس والتنسيق والتخطيط الشامل والمؤسسية، فلا جدوى لأكبر مخزن دوائي، وأطول نهر دائم، و أخصب أرض زراعية، و أكبر ثروة حيوانية، وغيرها من الكُبريات التي نتباهى بها ثم نقترض من الآخرين - أو نشحد - قوت العام .. وقزًمنا أكبر دولة في إفريقيا بعجزنا عن التجانس..وما لم تتجانس كل المؤسسات - ذات الصلة بالانتاج الدوائي - في الإنجاز، فأن حال هذا المخزن الدوائي لن يختلف عن حال مخازن الأقطان ( المهجورة)، رغم أنها الأكبر في إفريقيا..!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة