يقول الله تعالى:(وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ )الأية(80)سورة الشعراء قال صلّى الله عليه وسلم:( ما من داء إلا وله دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله إلا السام يعني الموت)م قال الشاعر أبو الطيب المتنبى: لِكُلِ داءٍ دَواءٌ يُستَطَبُ بِهِ ***إلا الحَمَاقَةَ أعيت من يُداويها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضى،كانت أغانى البنات في السودان،تُمجد المدرس وترفع من شأنه وهذا يدل على علو كعب المدرس في ذاك الوقت الزمن الجميل وكن يغنين (ياماشى ليباريس جيبل لى معاك عريس شرطاً يكون لبيس من هيئة التدريس)ولكننا نلاحظ في هذه السنوات تحولت الأعجاب من قبل بناتنا من المدرسين الى الدكاترة(الأطباء)(الدكاترة كشفو القلب لقوا قلبى زائد ضرب)ويغينها الفنان الكبير/حمد الريح،ولكننا لا ندرى سر هذا التحول لصالح الطبيب هل هو لأهمية المهنة ؟أم لكثرة دخله من هذه المهنة. فإذا كان لأهمية المهنة فإن الطب يعتبرمن أقدم المهن الموجودة على وجه الأرض ,و يعود أقدم كتاب طبي إلى زمن المصريين القدماء. يعتبرالطب من أكثر المهن التي أشتهر بها المسلمون, ومن أشهر أطبائهم (ابن سينا) و(ابن النفيس) الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى. حالياً, يدرس الطب بنظامين في معظم الجامعات العالمية وهما النظام التقليدي أو نظام الأجهزة (البلوكات) ، وتبلغ سنوات الدراسة في معظم كليات الطب 6 سنوات ثلاثة منها ” علوم طبية أساسية ” وبعد ذلك سنتين ” علوم سريرية ” ثم يختم طالب الطب دراسة البكالوريوس بسنة ” الامتياز ” والتي تعتبر تطبيق لما تعلمه فيما مضى والطب هو من أكثر التخصصات التي تفيد المجتمع وأكثرها تواصلاً معه،ويشارك الطبيب في العديد من الحملات الصحية التثقيفية، والمشاركة في البرامج الوقائية، وحماية البيئة، واستخدام كل وسيلة فعَّآلة لتحقيق ذلك،ويساهم الطبيب الواعى بمهنته أيضاً في رفع مستوى الوعي الصحي وتقديم المشورة للمجتمع بغض النظر عن الانتماءات السياسية أو العرقية أو الجهوية.م وإذا كان هذا التحول من أجل المال فكما هو معلوم لكل مواطن سودانى الحالة الاجتماعية والاقتصادية في السودان والتى تدهورت كثيراً بعد انفصال جنوب السودان، في حين لا يزال هنالك صراع قائم أو بالأحرى حرب أهلية بين أبناء الوطن الواحد في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وقد عانى اقتصاد السودان بعد إنفصال الجنوب وإعلان دولته المستقلة ، أولاً :من انخفاض أسعار النفط، ومؤخراً من خسارة فادحة في الإيرادات بسبب توقف نقل النفط لأسباب سياسية أو بسبب الحرب بين الجنوبيين أنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، تأثير استمرار العقوبات والحظر التجاري. ونتيجة لهذه الأحداث، تم تخفيض الأموال من أجل الصحة، إضافة إلى هشاشة القطاع الصحي،وهذه الأسباب بلا شك تؤثر على الطبيب من حيث المرتب والمسكن وغيره وخاصةً للذين يعملون في المشافى الحكومية.. أما عن تاريخ الطب في السودان،فقد تناول الرجل العالم بروفيسور عبد الرحيم محمد خبير في مقالٍ رصين له بقوله :أهداني البروفيسور أحمد الصافي الأستاذ بكلية الخرطوم للعلوم الطبية نسخة من كتابه الموسوم بـ : “الحكيم – من أجل أطباء أعمق فهماً لمهنتهم ولثقافات مجتمعاتهم وأكثر وعياً ببيئاتهم وأحوال أهلهم”. صدر الكتاب هذا العام (2013م) من المؤسسة السودانية للتراث الطبي، ويبلغ عدد صفحاته (569)م) . وجاء فى الفصل الثامن حصاد السنين” قدم المؤلف بانوراما شاملة للوضع الصحي في السودان منذ النصف الثاني من القرن العشرين وحتى اليوم. وشهد القرن الماضي وما بعده طفرة في الوضع الصحي بالسودان الحديث. فأنشئت مجالس تنظيم المهنة وأخرى للدراسات الطبية، وقامت أخرى لوضع السياسات وأسست كليات جامعية ومؤسسات أخرى للتعليم في كل مجالات الطب. والصحة. وكانت مدرسة كتشنر الطبية التي أسست عام 1924م هي النواة الأولى للتعليم الطبي في السودان وتطورت لتصبح كلية الطب بجامعة الخرطوم في منتصف الخمسينات. وأنشئت لاحقاً مراكز تدريب أهلية لتساعد القطاع العام في سد ثغرات عديدة. وأنشأ مجلس التخصصات الطبية السودانية في عام 1995م لتأهيل الأطباء ليصبحوا اختصاصيين في مجالات الطب المختلف ويؤهل أكثر من ثلاثين طبيباً سنوياً . وبلغ عدد كليات وبرامج الطب بالسودان في عام 2013م (31) تخرج أربعة آلاف طبيب كل سنة. غير أن الوضع الصحي حسب ما يذكر المؤلف – لم يتقدم بخطى ثابتة في فواتيح القرن الواحد والعشرين كما خطط له رغم الازدياد المضطرد في عدد الأطباء والكوادر الطبية المساعدة لأن معدلات هجرتهم خارج البلاد تتزايد يوماً بعد يوم بسبب العديد من المصاعب التي تواجههم والمتمثلة في التوظيف وغياب التدريب الكافي وشح المرتبات وتردي أحوالهم المعيشية والاجتماعية. وبما أن تطوير الخدمات الصحية في السودان يحتاج إلى تخطيط إداري فعال وسياسات واقعية تنفيذاً ومراقبة وتنظيماً وتقييماً ، وجب إشراك جميع الكفاءات الوطنية في التخطيط والتنفيذ كما تتطلب العملية الإدارية صياغة سياسات صحية ذات أولويات محددة وبرامج وميزانيات لوضع هذه السياسات موضع التنفيذ. وعلى وزارة الصحة أن تستعين برأي المختصين وأن تتبنى وتشجع الدراسات العلمية الشاملة لكل خططها ومشروعاتها الخاصة سيما وأنها السلطة العليا المختصة أمام الجهاز التشريعي والتنفيذي عن توفير الخدمات الصحية وتطويرها إتساقاً مع مسيرة التقدم العلمي وإحتياجات البلاد وإمكاناتها. وفيما يخص الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة (الفصل الأخير للكتاب) فيشير المجلس الطبي السوداني إلى أن الممارسة الطبية الجيدة تتطلب توفر أطباء جيدين يضعون رعاية مرضاهم في أولويات إهتماماتهم ويعملون باستمرار على تنمية معلوماتهم وترقية مهاراتهم ومتابعة آخر المستجدات العلمية في مجال الطب والصحة مع العمل على خلق علائق جيدة مع مرضاهم وزملائهم وهم دوماً صادقين ومحل ثقة ويتصرفون بنزاهة)انتهى.وهنا لا بد لنا من طرح سؤال :هل قامت الدولة بتوفير معينات العمل وهيئت البيئة الصالحة لعمل هولاء الأطباء حتى يطالبهم المجلس الطبى بما ذكر أعلاه ؟ وإذا تحدثنا الطبيب نجد أن هنالك كثيرين يتحسرون على مهنة الطب بين الأمس واليوم، ويسردون لك كثيراً من الأمثلة التي تدل على فهم بعض الأطباء بالأمس لأخلاقيات وإنسانية المهنة التي يتعاملون بها. فالأمثلة كثيرة على تفاني كثير من الأطباء من علاج المرضى لدرجة تنازلهم عن أجرهم تقديراً لظروف بعض المرضي،وقطعاً الذى حدث هو دخول أصحاب رؤوس الأموال لهذا المجال والقيام بإنشاء مراكز طبية غايتها الأولى هى تحقيق الربح،وليست إعادة العافية لبدن المواطن الذى يقصد هذا المركز. وإذا طرقنا باب تسييس هذه المهنة ذات الطابع الإنسانى والأخلاقى في السودان ،نجد أن الصراع الأن من أجل الظفر بحملة شهاداتها ينحصر بين طرفين،الطرف الأول ويمثله اليسار ويتصدر هذا التيار العريض الحزب الشيوعى السودانى والطرف الأخر،يتمثل في الحركة الإسلامية السودانية،قبل القيام بإنقلابها على السلطة الشرعية فى 1989م وأصبحت الأن بعد أن تمكنت من القبض على تلابيب السلطة عن طريق فوهة البندقية ،أصبحت أكثر ضراوةً في فصل الأطباء أصحاب التوجهات المغايرة لها،وعملت على تجنيد أطباء جدد في صفوفها وبمختلف الإغراءات،بعد أن تربع منسوبيها على رأس المجال الصحى فى السودان ،فلا شك إن تسييس المهنة قد تضرر منه أولاً :المواطن ضرراً بليغاً ،وثانياً :لحقت هذه الأضرار بجميع المرافق الصحية الحكومية ،ولكننا يجب علينا أن نميز بين الخلاف بين طرفين لهما أيدلوجيات مختلفة فى هذا المجال ،وبين المطالب المشروعة من أجل ،رضوخ الجهات المسؤولة بالمجال الصحى إلى إحترام الأطباء وذلك بتحسين مرتباتهم وتهيئة بيئة العمل داخل المشافى ووجود معينات العمل الكافية ،من أجل تقديم خدمات صحية جيدة للمواطن.فالإضرابات التى تحدث في هذه الأيام لا شك أن وصفها بالشرعية لا يحتاج لأخذ إستشارة من رجل قانون أو حتى الإذن من الجهات المختصة،لأن حال المستشفيات الحكومية،وصل مرحلة رديئة جداً ،من حيث إنعدام معينات العمل والبيئة المناسبة للعمل أى إنعدام معظم البنيات التحتية التى تقوم عليها هذه المشافى،فالصحف السيارة قامت بكتابة عشرات التقارير والتحقيقات والتى أظهرت إنعدام معينات العمل من أدوية وأجهزة بالحوادث،لدرجة أن أنك إحتجت لشاش أو قطن فما عليك إلا أن تتفقد جيبك المنهك سلفاً بضروريات أخرى وتتوجه تلقاء الصيدلية،بل أن هنالك بعض التقارير ذكرت أن بعض المرضى يفترشون أرض المستشفيات لعدم وجود الأسرة الكافية،وهذا خلاف السلبيات الأخرى التى توجد داخل المستشفيات الحكومية،ولا أدرى لماذا تتجاهل الحكومة مثل هذه المطالب المشروعة وتنعت الذين قاموا بها بأنهم مخربين وشيوعيين وغيرها من الاتهامات التى لا تقدم بل تؤخر تطوير المجال الصحى في السودان؟ وما يسند ظهر هذه المطالب المشروعة هو أن الصرف الحكومى لا يتجاوز من ميزانية الدولة مانسبته 2%على الخدمات الصحية،هذا يعطى مؤشراً خطيراً لعدم إهتمام الحكومة بصحة المواطن والطبيب معاً ،مادام مسئوليها وأسرهم يتعالجون بأفضل المستشفيات بالخارج. وكذلك نجد أن بعض المطالب أن هنالك عدداً غير قليل من الأطباء يشكون من صعوبة إجراءات الترخيص للمراكز الطبية ،ووضع الشروط التعجيزية لهم،مما دفع كثير منهم الهجرة للخارج. لا شك أن تدنى خدمات الصحة الوقائية والعلاجية في كل ولايات السودان، وتفشي الأمراض وتزايد نسب الوفيات بين الأطفال والأمهات وكبار السن خاصة في أوساط الفقراء دون الأغنياء وما يزال متوسط عمر الإنسان في السودان يقدر بأقل من 49 سنة في وقت تجاوز فيه متوسط عمر الإنسان في معظم دول العالم 70 سنة وبلغ في بعضها 80 –81 سنة. نتيجة لتخلي الدولة عن مسئوليتها تجاه صحة المواطن ارتفعت تكلفة العلاج وتدنت الخدمات بالمؤسسات الصحية الحكومية حتى أصبحت جل المؤسسات الصحية والبيطرية في الريف السوداني مجرد مبانٍ مهجورة تسكنها الهوام والدواب،هذا الإنحدار الشديد في هذا القطاع الهام يحتاج لمجهودات كبيرة من أهل المهنة و الخبرة والدراية والحكمة،لكى يضعوا خطة محكمة من أجل الإرتقاء بالمجال الصحى في جميع أنحاء السودان بعيداً عن الهيمنة السياسية والنظرة الأحادية الضيقة وبعيداً عن ثقافة التكويش التى يتبعها المؤتمرفي تعيين كوادره والتى لا تملك الحنكة والحكمة لإدارة هذا القطاع الحيوى،فأطباء السودان بالخارج مصدر فخر لوطنهم كما أنهم يجدون الإشادة والتقدير والثناء من شعوب الدول التى يعملون بها،فمثل هولاء ألا يستحق الشعب السودانى أن يكونوا أمثال هولاء الأطباء المخلصين الأكفاء ،من يضعون له الخطط وينفذونها من أجل تطوير المجال الصحى في السودان؟ وبالله الثقة وعليه التُكلان د/يوسف الطيب محمدتوم/المحامى [email protected]
نسال الله الكريم أن تكون مخرجات الحوار الوطنى كخطوة اولى لانهاء عهدا كان مظلما فيه ضاعت حقوق الناس وخاصة العلاج المجانى والمشافى الجاهزة والطبيب المؤهل والمعينات للعمل داخل المستشفيات والمرتبات المجزية للأطباء.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة