|
الأبعاد الإقليمية والدولية للصراع الديني في السودان وتأثيراته علي البلدان الإفريقية – 5
|
حادثة مجزرة الثورة مدخلا : الأبعاد الإقليمية والدولية للصراع الديني في السودان وتأثيراته علي البلدان الإفريقية – 5 - الخرطوم : إعداد : الهادي محمد الأمين الجرّافة إرهاب آخر : وتعد ثالث عملية إرهابية بعد حادثتي كمبو 10 بوسط السودان ومسجد الشيخ أبوزيد بالثورة الحارة الأولى بأمدرمان ومنفذ الحادثة الذي قام بارتكاب هذه المجزرة الدموية يعتبر أحد قادة التكفيريين يسمى عباس الباقر عباس الذي هاجم وأطلق وابلاً من الرصاص على المصلين بمسجد أبوبكر الصديق بحي الجرّافة شمالي مدينة أم درمان - بمسافة تبعد حوالي 15 كلم – في حوالي الساعة الثامنة والربع بتوقيت السودان أثناء أدائهم لشعيرة التراويح بعد دخلوهم في الركعة الثانية في أمسية يوم (9) ديسمبر (2000) م وقتل في الحال (24) مواطناً من بينهم أطفال وجرح ما يزيد عن الأربعين تمّ نقلهم وإسعافهم لحوادث مستشفى أم درمان وتم قتل السفاح عباس الباقر خلال عملية تبادل إطلاق النار بينه وقوات الشرطة بعد أن رفض الاستسلام للقوة المكلفة بالقبض عليه ومن قبل انخرط عباس الباقر في صفوف الدفاع الشعبي مجاهداً تمّ تفويجه لمسارح العمليات العسكرية بجنوب السودان وشارك في المتحركات المتجهة لتحرير كبويتا بشرق الاستوائية ومنها سافر إلى ليبيا ثم عاد للسودان مستقراً بمدينة ودمدني ليعمل في تجارة التجزئة بحي المزاد وكان دائم الاشتباك مع قيادات جماعة أنصار السنة بالجزيرة وسبق - حسب بيان الجماعة - أن قام الجاني بتهديد أفراد وقيادات من الجماعة على رأسهم أمير أنصار السنة الشيخ (صلاح الدين محمد إدريس) وداعية آخر هو (محمد كريّم) وتوعدهما بالقتل؛ الأمر الذي جعل أنصار السنة يبلّغون السلطات الأمنية بتهديدات الرجل وتم اعتقاله على خلفية هذا التحرشات ضد أنصار السنة والتحفظ عليه لكونه - طبقاً لافادات اللواء عثمان يعقوب مدير الشرطة بالخرطوم (وقتها) - شخصية كانت تمارس نشاطاً هداماً ومدمراً وبعد ترحيله من مدينة ودمدني للخرطوم تمّ إطلاق سراحه بعد أن تخلى عن جماعة التكفير والهجرة وكان يسكن مع شقيقه إسماعيل (سائق حافلة) في منزل يجاور المسجد المستهدف ورجح البعض أن الحادث لم ينفذه عباس الباقر بمفرده وذلك لكثرة وقوع القتلى والجرحى. أما القتلى فهم: تاج الدين إبراهيم – الشيخ الرضي – معاذ التوم – ياسر أحمد – مؤيد صلاح – محمد الحسن نبيل – محمد عثمان علي – قسم الله حامد – الطاهر ياسين – أحمد آدم – محمد السر أحمد – خليفة عيسى – آدم سليمان – محمد صالح خضر – عمر عثمان – محمد يوسف محمد – ياسين أحمد – عمر عبدالسلام – محمد عوض الطيب – قسم محمد وآخرون.. بينما المصابون هم: مدثر عيسى السماني – أسامة عبدالسلام – أحمد سالم بخيت - الشيخ نور الدين – عوض الكريم حمزة – سعيد أحمد حماد – أحمد علي أحمد – كباشي علي أحمد – الزين السعيد – حامد بخيت – عثمان أحمد – خليفة أحمد عباس – محمد النور بخيت – جمال عبدالقادر – حافظ سعيد عبداللطيف – عمر محمد – الحارث سعيد عبداللطيف – حسين علي أحمد – عبدالماجد حسين – أحمد حمزة – عبدالله برعي – عوض حمزه – حسين علي عبدالله – الأمين العوض – هشام الطيب – محمد علي أحمد – آدم عبدالله حمد – أسامة عبدالله – أحمد التيجاني – محمد موسى – حامد علي أحمد – النور حمزة – يحيى السيد السماني. وظهر في وقت لاحق احتمال أن يكون معه معاونون ساعدوه في ارتكاب المجزرة بعد أن رجح أحد رجال الشرطة الذين تعاملوا مع الحادث - وقتها - بأن الجناة أكثر من ثلاثة يرتدون جلابيب يبضاء عليها سترات واقية للرصاص لاذوا بالفرار بعد تنفيذ المذبحة التي حولت صحن المسجد لبركة من الدماء والأشلاء المتناثرة لكن الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة اللواء عثمان يعقوب أرجع الأمر إلى أنَّ الجاني استخدم التكتيك العسكري وغيّر من موقعه أكثر من مرة أثناء إطلاق النيران الشيء الذي ساعد في تردد معلومات بأن مرتكب الحادثة أكثر من فرد بجانب استبداله لخزنة مدفعه الرشاش أكثر من مرة وقال إمام المسجد الشيخ بشير إبراهيم محيي الدين إن الجاني سبق وأن تحدث في مسجد المدرعات بالجرافة وكفّر في خطبته الحكومة فتم اعتقاله وحبسه ثم الإفراج عنه بعد كتابة تعهُّد وأضاف الشيخ إبراهيم أن اثنين من الجرحى هما أحمد سالم ومحمد عوض توفيا في مستشفى أم درمان بعد تدهور صحتهما لاحقاً. يُشار إلى أنَّ أسرة السفاح عباس الباقر رفضت استلام الجثمان لعدم رضائها عن توجهات ابنها التكفيرية وسلوكه العنيف ونشاطه الهدام. من الغرائب أنَّ هذه الهجمات غالباً ما تقع في شهر رمضان وتحديداً يوم الجمعة وتتم عملية القتل داخل بيوت الله تعالى وأثناء أداء المصلين لفريضة الصلاة وكلها تستهدف جماعة أنصار السنة وهذا هو جوهر الخلاف بين التكفيريين التقليديين وبين عناصر السلفية الجهادية التي تُصوِّب نيران أسلحتها على الأجانب من الأمريكان والأوروبيين وغيرهم أو المعتدين (العدو الصائل) أو العملاء من أبناء المسلمين وتسميهم بالمرتدين والخونة – حسب تصنيفاتهم – لكن جرائم واعتداءات السلفية الجهادية ضد غير المسلمين غالباً ما تقع في مناسبات دينية غربية، كأعياد الكريسماس ورأس السنة الميلادية لكن الأغرب من ذلك أنَّ جماعة التكفير والهجرة بالسودان ليست منظمة محظورة من العمل في الساحة الدعوية لأن الدستور والقانون أتاحا فرصاً وحرية للنشاط الديني لكل الكيانات الدينية بلا استثناء.!! واقع جديد ... السلفية الجهادية تطورات الأوضاع السياسية بالسودان ودول الإقليم المحيطة به أفرزت واقعاً جديداً تكيّفت معها فكرة التكفير في اتجاه سلبي لمقابلة هذه التطورات فظهر ما يُعرف بالسلفية الجهادية أو الحربية الحديثة التي تؤمن بفقه (التكفير والتفجير) على حد سواء وهذا أدى لقفزة نوعية وتطور في الفكر والتوجه من جهة وفي استخدام التقانة الحديثة من جهة ثانية وهذا أتاح لهم فرصاً للتعرف على ما يدور بالخارج والتواصل بسهولة ويسر مع رصفائهم في البلدان الأخرى وخلق شبكة علاقات خارجية. فالسلفية الجهادية نسخة مُخففّة من تنظيم القاعدة لكنها تتشابه وتتلاقى معه في عدد من المحاور من بينها البعد الدولي والامتدادات الإقليمية فمثلما أنَّ القاعدة تمددت وتنامت وتصاعد نشاطها متخذاً طابعاً دولياً كأممية جديدة فكذا الحال بالنسبة للسلفية الجهادية التي تشترك مع القاعدة في اهتمامها بمجريات الأحداث عالمياً واتخاذ مواقف معادية للدول الغربية كبلدان أوروبا وأمريكا على وجه التحديد ومواجهة الأحلاف عسكرياً داخل دول العالم العربي والإسلامي بجانب استهداف المواقع الاستراتيجية والحيوية لتلك الدول والتخطيط لضرب مقار المنظمات الأجنبية ووكالات العون والإغاثة العاملة في الحقل الطوعي والانساني وباعتماد إستراتيجية الجهاد وسيلةً في المواجهة بعيداً عن لغة الحوار والدبلوماسية بجانب أن غالبية عناصر السلفية الجهادية تلقت تدريباتها العسكرية في معسكرات تابعة لتنظيم القاعدة وبالتالي اكتسبت تلك الكوادر ذات الثقافة والعقيدة القتالية وتأثرت بها إلى حد بعيد وأحياناً قد لا تجد أي فروقات بين القاعدة والسلفية الجهادية التي تناسلت ورضعت من ثديين هما القاعدة بتشبعها عسكرياً وأمنياً وبالتيار السروري ثقافياً وفكرياً وقد تجتمع في العنصر الواحد كل هذه المكونات خاصة لو أضيف لها البعد التكفيري وهناك تلاقٍ وتشابه في الوسائل والتكتيكات وآليات التغيير. فالشاهد أنَّ السلفية الجهادية الحديثة جاءت تسميتها للتفرقة بينها والسلفية التقليدية التي تشمل جماعة أنصار السنة التي تختلف كلياً مع السلفية الحركية أو الحربية في عدد من القضايا من بينها (فقه الخروج على الحكام – المظاهرات وتسيير المواكب الجماهيرية والاعتصامات – العمليات الفدائية أو الاستشهادية – الانتحارية – تغيير المنكر باليد أو استخدام القوة – التركيز على العمل الجهادي باعتباره أولوية وضرورة تأتي أهميتها في الدرجة الأولى من سلم الأولويات تسبق العمل الدعوي السلمي – تصنيع العبوات والأحزمة الناسفة نكاية في العدو وإثخاناً له – استهداف العدو الصائل والعملاء "دون أخذ الإذن من ولي الأمر" - التمترس أو استخدام الدروع البشرية حتى لو كانوا أبرياء ومدنيين وعزّلاً – الاستعداد لضرب مواقع ومقار المنظمات الأجنبية وسفارات الدول الغربية - بجانب تكوين الأجهزة السرية الخاصة والأجنحة العسكرية والخلايا النائمة – والاعتماد على الجانب المعلوماتي والأمني في تنظيماتهم) ولهم اهتمام خاص بتطور الحلقات الأمنية الثلاث بالبلاد (الجيش – الشرطة – الأمن) وغيرها من المسائل والقضايا وهي تدور ما بين الأمور الاعتقادية والعملية بين هذه المدارس أو المذاهب الفكرية وبالتالي برز هناك تمايز ومفاصلة في المنحيين الفكري الاعتقادي والعملي بين جماعات أنصار السنة والسلفية الجهادية والسرورية من جانب آخر بيد أن أنصار السنة والسروريين والسلفيين الجهاديين يتفقون في تكفير الشيعة وإنهم جماعات خارج الملة المحمدية الظروف والعوامل : هنا لابد أن نستدعي العوامل والظروف التي أدت لتناميها والتأثيرات والتفاعلات التي ألقت بذيولها وظلالها على السودان ومن جملة ذلك : = انتشار وتمدد المذهب الشيعي وتزايد النفوذ الإيراني بالخليج العربي ومحاولة إيران المستميتة لتصدير الفكر لخارج بلدها خاصة السودان كدولة مقر ومعبر للفكر الشيعي ثم تغلغله في بعض المناطق بالبلاد ووجود علاقات إستراتيجية قوية ظهرت بين الحاكمين بالسودان وإيران في شكل أقرب للمحور بجانب وجود علاقة أخرى بين السودان وحزب الله اللبناني وانتشار المراكز الثقافية الإيرانية الموزعة بدقة وعناية فائقة في عدد من المواقع بولاية الخرطوم تزيد عن الـ(10). ثم كان احتلال العراق من قبل قوات حلف الأطلسي مدخلا لكثيرين للهجرة لبلاد الرافدين لقتال القوات الأمريكية والأوربية هذا إذا أضفنا إلى ذلك مشاركة كثير من السودانيين في الجهاد الأفغاني من قبل ثم توجُّه بعضهم للقتال في جبال البلقان والبوسنة والهرسك لاحقاً ثم بعد تطورات الأوضاع في القرن الأفريقي شاركت عناصر سودانية في الحروب التي قادتها حركة الجهاد الإسلامي الإريتري وحركة الشباب المجاهدين بالصومال فيما بعد. ويمكن إضافة عامل آخر أسهم في وجود السلفيين الجهاديين بالسودان وهو ظهور شعارات تنادي بالوسطية والاعتدال في مواجهة الغلو والتطرُّف الديني فظهرت شكوك تجاه دعاة الوسطية واتهامهم بتبني سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه ومصادره وأن دعاة الوسطية والاعتدال يمثلون شركاء مع الأمريكان لايقاف المد الجهادي وأطلقوا على دعاة الوسطية دعاة (الإسلام الأمريكي) وبأنهم جزء من هذه الحملة الهادفة لتكميل ملف التطبيع بين الخرطوم وواشنطون على مستوى العلاقات الخارجية بين السودان وأمريكا. وبذات القدر هيأت أزمة دارفور (2003م) م واتفاقية سلام نيفاشا الخاصة بالجنوب (2005) م ظروفاً مواتية لتمكين تيار السلفية الجهادية من الإعلان عن نفسه عبر عمليات تلت تدفق المنظمات الأجنبية لدارفور جنوب كردفان والجنوب السوداني وتزايد الدور الغربي واهتمامه بمجريات الأحداث المتسارعة بالسودان ومقدم بعض الجيوش التابعة للأمم المتحدة بالبلاد فظهرت فتاوى في اتجاهين: = الأولى تتعلق بتطورات الأوضاع في السودان بعد مشاركة الحركة الشعبية في الحكومة المركزية بالخرطوم بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل في العام (2005) م وأصبحت الحركة الشعبية شريكاً في الحكم فصدرت فتوى تكفّر من انضم للحركة الشعبية ثم تلى ذلك تكفير المنتمين لقطاع الشمال التابع للحركة الشعبية. = الثانية تتعلق بالوضع في دارفور حيث أطلقت فتوى تكفّر وتحرّم من يقوم بتأجير منزله أو داره للمنظمات الأجنبية في الخرطوم ودارفور خاصة بعد ارتفاع إيجارات المباني وأسعار العقارات حيث تقوم المنظمات بدفع استحقاقاتها المادية بالعملة الأجنبية (الدولار) فحظرت بعض الجماعات هذه المعاملة واعتبرتها تدخلاً في دائرة التحريم ذلك لأنَّ كثيرين من مواطني مدن نيالا – الفاشر – الجنينة وزالنجي قاموا بتأجير منازلهم للمنظمات الأجنبية وحققوا فوائد وأرباحاً طائلة وفرّت لهم ثروة مالية مقدرة فصدرت فتوى تُحرِّم ذلك وتُكفِّر من يستأجر داره لتكون مقراً لهذه المنظمات. تبع ذلك ما تردد عن تنامي نشاط النصاري والمبشرين بالديانة المسيحية في مناطق دارفور فهذه التطورات أسهمت بشكل مباشر في اتجاه تطوير السلفيين الجهاديين لأدوات المقاومة وخلق وعياً بضرورة إيجاد وسائل تكافئ التمدد الغربي بالسودان في مستوياته المدنية والعسكرية ... نواصل
|
|
|
|
|
|