|
اعادة اكتشاف الإنسان في الفكر الحديث (3) بقلم عماد البليك
|
03:54 AM Jun, 02 2015 سودانيز اون لاين عماد البليك -مسقط-عمان مكتبتى فى سودانيزاونلاين
لا يحكى
يشكل المعنى أحد الأسئلة المركزية في حياة الإنسان ودفعها إلى الترقية والنماء، لكن سؤال المعنى في حد ذاته مربك وغير واضح، وما لم يتم تحديد السؤال في حد ذاته فإن البحث عن الإجابة يكون أكثر إرباكا. من ناحية مبدئية فإن المعنى يتعلق بسؤال عام يمكن تلخيصه في الفكرة التي قال بها الفيلسوف عمانوئيل كانط، ما الإنسان؟ فالبحث عن ذات الإنسان وحيويته هي التي تمكن من قطع المسافة باتجاه الكينونة والمعنى. لكن هذا السؤال فلسفي وغامض ومربك، لهذا يتم تجزئته أو إنزاله إلى حيز الواقع المباشر بمعنى تحويله إلى أسئلة أكثر سهولة متعلقة بالمعاش واليومي والعادي. غير أن ذلك يتطلب بدرجة أخرى تحرير السؤال "ما الإنسان؟" من ديالكتيك، أي جدل اللغز الكوني العميق لأن هذا مجال آخر وكبير. فالذي نتحدث عنه هنا مرتبط بسياق الحياة الإنسانية في تجليات اليومي وفي الرغبة في معايشة واقعية وفضلى للعالم وليس أن يكون الإنسان أسير الوعي اليومي والعادي والمتوهم. في ثنايا الحياة الإنسانية يعيش الإنسان دائما أسير المعرفة المكتسبة والمتوارثة ما لم يسع إلى الانعتاق من ذلك، لكن بدرجة كبيرة فإن الإنسان في المجتمع هو كائن مقلد وطبيعته تقوم على السير مع "القطيع"، وقلة هي التي تبتكر الاختلاف في سبيل أن تنشد الأفضل لها وللمجموع، وهذا من المفترض أن يكون قانونا عاما، لكنه لا يحدث لأن ثمة خلل في أنظمة الوعي الجمعي بهذا الموضوع، كما أن هناك عدم وعي كاف بأن أساس أو جوهر الترقي البشري يقوم على الأنساق المعرفية، ما اسماه الناس في الإطار الكلاسيكي بالأخلاق، كيف يمكن النهوض بها وتشذيبها بل إعادة إنتاجها وفق مساق العصر والحاجة الحديثة. فالأخلاق هي مناظيم وعي جرى اختصارها في مجتمعاتنا العالمثالثية في صيغ ذات التصاق كبير بالتابوهات بالبدن وبالصدق والكذب والحرام والحلال، في حين أن المضمون الأسمى للأخلاق هو شيء رفيع ومعقد، إنها القدرة على إدراك العالم والحياة وفهم المسارات والأنماط والطرق أي المفاهيم والنظريات التي تمكنا من أن نعيش بسلام وأن نكتشف أنفسنا وأن نكون فاعلين في محيط عالمنا ابتداء من الذات في محددها الشخصي إلى المجتمع ككلل كنسق كبير وكلي. إن كثيرا من الإخفاقات والاحباطات التي يعبر بها الكائن منا يوميا، ليست وليدة الأحداث والوقائع إنما هي قدرات الفرد على التكيف وردة الفعل وموضعة ذاته في العالم، وهذا لا يعني أن قانون الحياة في كل الأحوال هو تحت تحكمنا الشخصي أو رؤيتنا للأخلاق والمفاهيم، لكن يعني أن الإنسان أمامه من سبل التحرر على المستوى الشخصي. لكن النظرة التي يجب أن نحكم بها القيمة المطلوبة هي كلية النظرة، بمعنى مجموع ما يمكن أن نحققه كلنا كـ "نحن" يفترض بها أن تعمل على إحداث التحول في فيزيائيات الحياة اليومية وترقيها إلى الأسمى والمنشود في سبيل قيم الكرامة الإنسانية والحريات والمساواة والإخاء. إن الإنسان كونه يخضع لقانون العادي فهو يسير بجانب الوهم وفي ظله، وهذا ينطبق على مجتمعات بأكملها لا تتوقف لتبصر أنها في معمعة الأوهام تعيش وتتربى وتنمو، لهذا فإنها تعاني الاخفاقات المتواترة والعجز النفسي والرهاب الذي يحولها إلى الشلل التام أو العجز عن تحريك العالم الكلي نحو المثمر، بحيث تصبح الحياة داخل سياق المجموع إلى جحيم أرضي، في الوقت الذي من المفترض فيه أن الحياة الاجتماعية يجب أن تدعو إلى التعايش والسمو ورفعة الذات وترقيها، لأن الإنسان بطبعه يعيش مع الجماعة وليس منعزلا. إذن يمكن الحديث عن "أوهام الوعي اليومي" بوصفها نوع من أسطرة مزيفة لواقع ماثل بدل من تحويله إلى قيمة واضحة وجلية للتعامل، ويعني ذلك ببساطة أن الإنسان ينسج شبكات من اللاوعي المتوهم الذي يقوده إلى "حقائق" غير صحيحة بما يفضح صيرورته ويكشف عجزه ويجعل في نهاية الأمر خائرا ومجنونا حتى لو أنه لم يع طبيعة ما يعاني منه، فالكثير من الناس والمجتمعات كما تعلمون، لا تدرك حقيقة الأزمات التي تعيشها أو أنها تحيل الإشكاليات إلى أسباب غير واقعية أو لا تمت بمكمن الأزمة بصلة، أو هي تنظر إلى التحرر اللحظي ولا تتعامل بما يعرف بقانون الـ "سوبرمستقبلية" التي تعني مراجعة الأزمة من خلال النظر من نقطة بعيدة في المستقبل. وليس من داخل الأزمة في راهنها. لكن هذا النوع من الوعي الذي يؤسس لمراجعات من البعد الزمني الاستقرائي، لا يقوم على الرغبة فحسب، إذ يتطلب استزادة معرفية وقدرة على التخيل الكبير والممنهج، وهذا يعني بدرجة معينة تنمية الخيال الإنساني، الذي هو مثله مثل أي شيء في الطبيعة إذا لم يُنمى يضمحل ويذبل وينتهي إلى الموات. إن الخيال هو شجرة الحياة الإنسانية وهو كنز المعنى لمن أراد أن يجعل لحياته غاية سامية، أي أن تترادف المعاني مع المعايشات وتتطابق الصور الذهنية المطلوبة مع الوقائع مهما بدت الصورة ساذجة أحيانا. لكن ترقية الصور كذلك هو أسير بناء الخيال الأسمى. تهمل المدارس ودور العلم بل أن طبيعة المجتمع عندنا لا تسمح ببناء الذكاء والخلاقية والتخيل السليم الذي يقود إلى المعنى، والوعي الكافي بماهية الحياة المنشودة. إن كثيرا من الناس بل أغلبهم يولدون بالاستعداد الوفير والملائم لصياغة المعنى الرائع لحياتهم لكن تنصب شباك المجتمع وأحابيل الأنظمة البالية للدولة في ترقية الوعي، ليكون البديل هو الخسارة وربما الانهيار النفسي أو الانتحار الذي قد لا يعني ممارسة فعل الموت مباشرة، بل فقدان الشهية الكافية لاستلهام جمالية العيش والحياة وغالبا ما يتم اختصار السؤال الكانطي "ما الإنسان؟" في الطاقة الحسية، في المأكل والمشرب والنوم والجنس، بل أن تلك الحاجيات نفسها لا يتم وضعها في تعريف وممارسة إيجابية بل تصبح جزءا من دوائر "الوهم اليومي". وفيما أبعد من ذلك وهو المحفز الأساسي للحياة وطاقتها الخالدة، يظل مهملا، فالإنسان الذي لا يعرف كيف يحفز خياله وينمي وعيه لن يكون قادرا على السير أي خطوة في أي مساحة كانت، على الأقل في سؤال المعاش اليومي والسبب أن هذا الأخير هو جزء من متلازمات وليس الإشكال أو المتلازمة المركزية كما جرى تعليمنا منذ الصغر، حتى في اختيار المهن وفرضياتها ما يعوق الذكاء وطاقة الإبداع ويقود إلى مجتمع مترهل وعجول ليس له من انعتاق من الرؤى التي لا توفر سوى الضيم والظلمات، ويصبح فيه الناس أعداء ليس لهم من مسرح حقيقي للتنافس سوى على الخديعة. إن جزءا من مفهوم اعادة اكتشاف الإنسان يتعلق بهذا المعنى الكلي سواء للذات أو المجتمع بشكل عام، وهو سؤال سيظل مستمرا ومترقيا يكبر مع خيالنا ورغباتنا ومع إحساسنا بسحر الانتماء للعالم. mailto:[email protected]@gmail.com
أحدث المقالات
- احتفالية النصب والتنصيب : وجع . وجع . وجع وصديد ! بقلم على حمد ابراهيم 06-01-15, 09:55 PM, على حمد إبراهيم
- مازال الفلم الهندى مستمر بقلم عمر الشريف 06-01-15, 09:45 PM, عمر الشريف
- بين حفل التنصيب وشباب شارع الحوادث بقلم أحمد الملك 06-01-15, 09:35 PM, أحمد الملك
- هذا هو الانسان الايراني اليوم تحت سياط الملالي بقلم صافي الياسري 06-01-15, 09:20 PM, صافي الياسري
- ارتريا تحتفي بكتارا متوشحة بالتفاؤل مستدعية نضالها لغد مشرق بقلم عواطف عبداللطيف 06-01-15, 09:19 PM, عواطف عبداللطيف
- قال الطيب مصطفي عصام احمد البشير اكبر مفكري الوسطية في العالم بقلم جبريل حسن احمد 06-01-15, 08:43 PM, جبريل حسن احمد
- أمينة النقاش: الحبيب الإمام لم يخطيء العنوان بقلم عبد الله علي إبراهيم 06-01-15, 08:39 PM, عبدالله علي إبراهيم
- وهل أنت (راشد) ؟! بقلم صلاح الدين عووضة 06-01-15, 08:36 PM, صلاح الدين عووضة
- خذوا حذركم من الخلايا النائمة! بقلم الطيب مصطفى 06-01-15, 08:34 PM, الطيب مصطفى
- هل ينجح ..؟ بقلم الطاهر ساتي 06-01-15, 08:30 PM, الطاهر ساتي
- تايه بين القوم / الشيخ الحسين ....... من شعر الشريف زين العابدين الهندي....... شرق السودان 06-01-15, 04:29 AM, الشيخ الحسين
- مراثون الصراع بين المجاهدين ونظام الملالي الى اين ؟ بقلم د . حسن طوالبه 06-01-15, 04:20 AM, حسن طوالبه
- الأولمبى التونسى يتأهل لملاقاة أسود الأطلسى على حساب الأولمبى السودانى ... الأبيض ... ياسر قطيه 06-01-15, 04:16 AM, ياسر قطيه
- إبليس يترافع عن شريعته أمام الله.. بقلم عثمان محمد حسن 06-01-15, 04:11 AM, عثمان محمد حسن
- القتل حداً لمهربي المخدرات!! بقلم أبوبكر يوسف إبراهيم 06-01-15, 04:07 AM, أبوبكر يوسف إبراهيم
- تهديد داعش في العراق بين الديمقراطيين والجمهوريين بقلم د. نصر محمد علي/مركز المستقبل للدراسات الستر 06-01-15, 04:05 AM, مقالات سودانيزاونلاين
- السودان بعد الإنتخابات الاخيرة بقلم حامد ديدان محمد 06-01-15, 04:04 AM, حامـد ديدان محمـد
- الكيد السياسي والأحكام الجائرة بقلم نورالدين مدني 06-01-15, 03:10 AM, نور الدين مدني
- عودة الابن الضال..(موسى هلال)..منهزما!! بقلم عبد الغفار المهدى 06-01-15, 03:08 AM, عبد الغفار المهدى
- إصلاح النظام الصحي التشخيص والعلاج ( 2) بقلم عميد معاش طبيب سيد عبد القادر قنات 06-01-15, 03:06 AM, سيد عبد القادر قنات
- التطرف!! بقلم أبوبكر يوسف إبراهيم 06-01-15, 03:04 AM, أبوبكر يوسف إبراهيم
- كارثة نلاحظ أن سحر البشير يجذب الأخرين إلى بلاطه لتنصبه رئيسا ليذبح المزيد من شعبه 06-01-15, 03:01 AM, توتو كوكو ليزو
يوميات نيفاشا وصكوك البراءة السياسية لعلي عثمان وفريق التفاوض بقلم خالد موسي دفع الله 06-02-15, 03:51 AM, خالد موسي دفع اللهخالد موسى وصكوك الإدانة السياسية الكاملة لعلي عثمان وفريق نيفاشا بقلم صديق محمد عثمان 06-02-15, 03:49 AM, صديق محمد عثمان-لندن
|
|
|
|
|
|