|
ادريس البنّا: من فنون حنتوب إلى مجلس السيادة بقلم الأستاذ الطيب علي السلاوي
|
كتب الأستاذ احمد يوسف ابوحريره على احدى صفحات التواصل الاجتماعى" لم تجتمع لأسرة واحدة ما اجتمع لآل البنّا فى السودان من الإبداع والحضور الدائم فى كل الأزمنة وعبر الأجيال.. توارث افراد ألأسرة كابرا عن كابرالأبداع فى مختلف صوره واشكاله خلال خمسة أجيال ان لم يكن اكثر .كان ولا يزال ابداع اولاد البنا ابداع أصيل متأصل فى كل مبدع منهم على حده" تشاء الصدف ان ياتى تذكار سيرة إدريس البنا، معلم الاجيال، استاذ الفنون والرسم والمهارات اليدويه فى حنتوب، متعه الله بالمزيد من الصحة والعافية، متزامنا مع عيد ميلاده التسعين من عمره الطويل باذن الله فى الخامس عشر من شهر نوفمبر الحالى. جاء حنتوب فى عام 1950 فأثرى وجدان طلابها مع زملائه الكرام فى شعبة الفنون والجماليات رسما تشكيليا ومهارات يدويه وهداية وإرشادا فضلا عن الادب والشعر قبل ان يلهب مشاعر أهل السودان سياسة وحديثا واعلاما. ورث استاذنا الجليل ادريس من آبائه واسلافه الكثير من جميل الصفات والشمائل الى جانب الطول فى القامه والعلو فى القدر والمهابه واحترام النفس وحسن التعامل مع الآخرين زملاءه فى مجالات عطائه المهنى والحكومى والسياسى، فضلا عما ظل يلمسه طلابه ومرؤوسيه من حسن تعامل ووفاء. كان ريحانة مجتمع حنتوب.احاديثه الشائقه لا تمل وتعليقاته تفيض بالطرافة والسخرية اللطيفة التى تحمل فى باطنها الارشاد والهداية والتوعيه. كان المعنيون بها من رفاق الدرب من طلابه يتقبلونها عن رضا تام إذ كان احساس كل من سعد بالجلوس الى حلقات درس الاستاذ داخل استوديوهات الفنون، اوالتقاه فى أرجاء حنتوب الواسعة، ليحس بقدر وفير من الفخر أنه طالب علم تحت رعاية ذلك المعلم ورفاق دربه الغر الميامين. وكان أقربهم الى نفسه صديقه وصفيه المرحوم احمد صلاح بخارى الذى زامله السكن فى اقصى منازل الحى البريطانى القائمة فى شرق وصباح حنتوب. رحمة الله على كل من انتقل الى رحاب ربه من ذلك النفر من كرام المعلمين. كان طلاب حنتوب كلما التقوا أستاذ ادريس داخل استوديوهات الفنون او خارجها يجدوه هاشا باشا وهو ينطلق فى حيوية ونشاط يبعث فى نفوس طلابه وفيرالامال والتفاؤل . فى عام 1954 انتقل الى خور طقت رئيسا لشعبة الرسم والفنون حينما غادر حنتوب "الروضة الغنّاء" رفيق دربه احمد صلاح الى ادارة الخدمات الاجتماعيه فى رئاسة مشروع الجزيره ببركات. فسعد ابناء الخور الخصيب واهل كردفان بإشراقاته الذكية اللماحه خلال الثلاث اعوام من 1954 الى 1957حينما آثر الانتقال الى مجال الاعلام والصحافه. فأصدر صحيفته"اخبار الغرب" اليوميه فى مدينة ألأبيض تشد من ازر صحيفة "كردفان" الى ان كان انتقاله الى وزارة الاستعلامات والعمل حيث عمل ضابطا للاعلام فى عطبره وفى بحر الغزال وغيرها من مديريات السودان شماليها وجنوبيها. ومن ثم استقر به المقام حينا من الدهرمديرا للتلفزيون فى 1963 ثم كبيرا لضباط الاعلام فى رئاسة الوزارة. وانطلق من بعد ذلك الى المملكة العربية السعوديه لخمس سنوات من سنى ادائه المتميزمديرا "للشركة السودانية السعوديه للانتاج الزراعى والحيوانى". ومن ثم كان له الحضور الواسع المرتكزات فى مجال الاعلام السعودى ادارة وابداعا وألقا إبان فترات عطائه الزاخربكل انماط الابداع فى مجال الاعلام السودانى مديرا للاذاعة السودانيه، واول مراقب عام للتلفزيون فى سنة 1963. أولى حقيبة الفن جل اهتماماته. شرح مفرداتها وقارن بين اشعارها وقوافيها وما فيه من صور ومحسنات بديعية وبين اشعار الانجليز. وقام بترجمة بعض ألأغانى السودانية الى الانجليزيه مما يدل على تمكنه من ناصية اللغتين. وتغنى بصوته الجميل بالاغانى السوانيه (عربيا وانجلبزيا) بما قام بترجمته من تلك الاغنيات. فى لواحق من الزمان عرفنا ان استاذ الاجيال من خيار القلائل من المعلمين السودانيين الذين برعوا فى العزف على "الكمان" نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الاساتذة الاجلاء المرحوم احمد محمد سعد والامين كعورّه وعبدالله محمد سليمان مد الله فى اعمارهمما ومتعهما بالمزيد من الصحة والعافيه. استاذنا الجليل ادريس كان الوحيد من آل البنا الذى خاض غمار العمل السياسى رغم ما كان لوالده الشاعر الفحل ومعلم الاجيال من علاقات وثيقة بصناع السياسية. وكان والده معلماً بكلية غردون عبر تاريخها الطويل منذ ان كانت مدرسة " اولية" فى بدايات عهدها، وانتقل معها الى مرحلة التعليم الاوسط بها، وسايرها الى أيام قسمها الثانوى "التجهيزى"، ومن ثم امتد عطاؤه فيها الى ان اضحت مدارس عاليه نواة للتعليم العالى. كانت لوالد البنا علاقات وطيدة ووثيقه بمن كانو فى قمة ميادين السياسه، السيدين الجليلين عبدالرحمن المهدى وعلى الميرغنى والشريف يوسف الهندى. ومن شغل أستاذنا الفنان في السياسة اختياره عضوا فى مجلس السيادة ونائباً لرئيسه المرحوم احمد الميرغنى عام 1986 ابان فترة الديموقراطية الثالثه بعد انتفاضة ابريل. فجمعه العمل فى القصر الجمهورى مرة ثانية بصفيه وزميله فى سوابق الايام احمد صلاح بخارى الذى وقع عليه الاختيار لتولى مهام المراسم والبروتوكول فى القصر. ثم حصل على ماجستير الفنون الجميله من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا عام 1997. ومنحته جامعة الخرطوم درجة الدكتوراه الفخرية (آثار) فى عام 2001، وواضل عطاءه الثرمحاضرا فى مادة الادب الانجليزى فى جامعة ام درمان الاهليه بين عامى 1997 و .1999 لم يتوقف عطاء اساذنا الجليل ادريس فى محطة تدريس الفنون والجماليات، ولم يقتصر من بعد ذلك فى مجال العمل الاعلامى، فقد امتد ذلك العطاء المتميز شعرا ونثرا وترجمة ورواية للقصص ومقارنة بين اشعار العرب والاعاجم ( البريطانيين على وجه الخصوص). نظم الشعر فى مختلف اغراضه واوزانه. وله قصيدة عصماء اسعدنا بالاستماع اليها ابان فترة منتصف الثمانينات ظهيرة جمعة مباركة فى دارالخال العزيز الراحل الاستاذ المرحوم مهدى على شرفى امدرمان . وهي مما تغنى به الفنان حسن خليفه العطبراوى وعبد العزيز داؤود عنوانها "القلب الذاكر" يقول فيها: زارنى طيف غرامك فى سحر هو كالورقاء عادت من سفر وأثار الشجون من حال السير وحكى لنا وحكى ان نور الحق فى الناس انتشر فى لحاظ الغيد فى ضوء القمر فى جلال الكون فى كل أثر فى سماء رفعت بغير عمد فى نجوم لا تحصى عدد فى خليل عاش فى كل كبد وفى هناء وابتلاء وعناء كلها من حكمة الفرد الصمد ترجم عددا من المدائح والاغانى و اشعار المناحه والدوبيت والمراثى اشهرها مرثية بنونه بت المك: "ما دايرالك الميته ام رمادا شح". وقارن بين اشعار بعض الشعراء الانجليز ورصفائهم السودانيين.وماثل بين "جون كيتس" والحردلو فى وصف الجو الماطر والخضرة . وماثل بين ابى الطيب المتنبى وابراهيم العبادى. ومال الى شعر العبادى. كما قام بترجمة قصيدة " الخبر الاكيد قالو البطانه اترشت .. ساريه تبقبق للصباح ما اتفشّت.. ناح فحل ام صريصر والمنائح بشّت.. وبت ام ساق على حدب الفريق اتعشت.." وفى ختام تذكارى لسيرة استاذنا الجليل لا بد ان اسدى الشكر أجزله والتقدير اوفره لاهدائى اثنين من مؤلفاته احدهما باللغة الانجليزيه: Sudanese View of Comparative Poetry اما الآخر فهو "لمحات من ممالك كوش " لا أملك الآ أن أسأل الله لاستاذنا الجليل المزيد من الصحة والعافيه وان يحفظه ذخرا لاسرته ولأهل السودان اجمعين.
|
|
|
|
|
|