قبل سنوات قليلة كنت أقود عربتي في شارع البلدية في نهار ساخن..جاءني صوت عبر الهاتف ينبئني أن شيخ موسى يريد أن يتحدث معي بعد قليل..كان المتحدث يقصد زعيم قبيلة المحاميد الشيخ موسى هلال..في البداية ظننت أن الرجل أخطأ العنوان..بعد ذلك جاءني صوت موسى هلال هاديء النبرات كأنه صادر من رجل يعيش في نعيم مقيم لا أرض عمليات.. طلب مني الشيخ موسى هلال أن أنقل رسالة إلى البروفيسور إبراهيم غندور، مساعد رئيس الجمهورية (وقتها)، ..كانت مطالب الشيخ تكمن في التفاوض معه باحترام ..بالفعل حملت رسالة موسى هلال وذهبت إلى غندور في مكتبه في معية الأستاذ الطيب مصطفى والدكتور ياسر محجوب الحسين . منذ أيام قليلة بدت تلوح في الأفق نذر مواجهة جديدة بين الحكومة والشيخ موسى هلال..قيادة الدعم السريع اتهمت هلال بتوفير الإيواء لعناصر من الحركات المسلحة وبعض من المعارضة التشادية..وأكدت قوات الدعم السريع أنها اكتفت بمراقبة الأحداث حفاظاً على حياة المدنيين ..قبل أن تجف تصريحات الحكومة كان موسى هلال يستل سيف المواجهة في الشهر الفضيل مؤكداً استعداده للدخول في حرب مع الحكومة. في الحقيقة أن المواجهة لم تبدأ في هذا الصيف..منذ أكثر من عام عاد موسى هلال إلى مقر إقامته الحربي في مستريحة بقلب دارفور..قبلها كان الرجل قد توصل إلى اتفاق مع الحكومة في قاعدة عسكرية في الجنينة ..كان الجزء الأول فيه تسريح عثمان كبر والي شمال دارفور..وقد حدث ذلك ..لكن هلال الطموح جداً كان يعتقد أن تتم مكافأته بمناصب سياسية مرموقة..في الجانب الآخر كانت الحكومة تنظر إلى هلال باعتباره حليفاً متقلب المزاج ومن الممكن أن تصدر منه دائماً مفاجأة داوية..لهذا السبب اتجهت الحكومة للبحث عن بدائل بذات مميزات موسى هلال حتى لا تكون دائماً تحت الضغط والابتزاز. لكن ماذا إذا وقعت الواقعة بين موسى وحلفائه السابقين في الحكومة ..موسى هلال شرع في مغازلة الحركات المسلحة في دارفور بنداء لأهله وعشيرته الأبعدين راجياً منهم عدم المشاركة في الصف الحكومي ..الحركات التي تئن من الضغط العسكري غفرت للشيخ ما تقدم من ذنبه ورحبت به ترحيباً حاراً.. وقوع أي مواجهة مع موسى هلال في هذا الوقت ستكون بمثابة منشّط عسكري في موسم تراجع الحركات في الميدان العسكري..الأهم من ذلك أن مكوّناً كبيراً في دارفور سيجد أن عليه إعادة جرد حساباته السياسية ..في الغالب الأعم ستفقد الحكومة حليفاً كان دائماً من ورائها ولو بالدعاء الصالح. في تقديري..ليس من مصلحة الحكومة الدفع بموسى هلال إلى مربع المواجهة..هذا الخيار ليس جيداً حتى للشيخ هلال نفسه.. يمكن للحركات المسلحة أن تغض الطرف عن ماضي هلال ولكن لن تنساه..في نهاية المطاف سيجد الشيخ نفسه بين مطرقة الحكومة وسندان الحركات..لكن الأهم من ذلك كله أي تطورات جديدة في مسرح دارفور مصحوبة مع ضعف الحركات المتمردة سيتحول الإقليم من خانة الحرب الأهلية الى حافة الفوضي..إن حدث ذلك سيصبح السلام هدفاً مجهول العنوان وعصي التحقيق كما في الصومال وليبيا. بصراحة.. ليس أمام الحكومة سوى أن تحتمل موسى هلال الذي ساهمت كثيراً في صناعته..هنالك في السياسة تكتيك الاحتواء المزدوج وهو ما تحتاجه الحكومة الآن في التعامل مع موسى هلال. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة