|
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (2)/فيصل عبدالرحمن علي طه
|
تتكون اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد من ديباجة و71 مادة قُسمت إلى ثمانية فصول. سنتناول فيما يلي تباعاً وبشيء من الإيجاز الفصول الخمسة الأولى من الاتفاقية. وسنستصحب في ذلك الدليل التشريعي لتنفيذ الاتفاقية. وكما سبقت الاشارة فإن هذا الدليل أصدره في العام 2012 مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ليساعد، ضمن أمور أخرى، المسؤولين عن السياسات العامة والمشرعين في الدول التي تستعد للتصديق على الاتفاقية وتنفيذها. اشتملت ديباجة الاتفاقية على بيان لخطورة ومخاطر الفساد نقتطف منها ما يلي: - الصلات القائمة بين الفساد وسائر أشكال الجريمة، وخصوصاً الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية، بما في ذلك غسيل الأموال. - إن الفساد لم يعد شأناً محلياً بل هو ظاهرة عبر وطنية تمس كل المجتمعات وكل الاقتصادات، مما يجعل التعاون الدولي على منعه ومكافحته أمراً ضرورياً. - إن اكتساب الثروة الشخصية بصورة غير مشروعة يمكن أن يلحق ضرراً بالغاً بالمؤسسات الديمقراطية والاقتصادات الوطنية وسيادة القانون. أكدت الاتفاقية في فصلها الأول على مبدأي تساوي الدول في السيادة وسلامة أراضيها، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وحددت أغراضها فيما يلي: - ترويج وتدعيم التدابير التي ترمي لمنع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجع. - تيسير ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفساد بما في ذلك استرداد الموجودات المتأتية من الفساد. - تعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشؤون والممتلكات. اشتمل الفصل الأول كذلك على تعريف للمصطلحات المستخدمة في الاتفاقية. من هذه المصطلحات نورد فيما يلي التعريف لتعبيري «موظف عمومي» و «الممتلكات». عرفت الاتفاقية تعبير «موظف عمومي» بأنه: 1- أي شخص يشغل منصباً تشريعياً أو تنفيذياً أو إدارياً أو قضائياً لدى دولة طرف سواء أكان معيناً أم منتخباً، دائماً أم مؤقتاً، مدفوع الأجر أم غير مدفوع الأجر، بصرف النظر عن أقدمية ذلك الشخص. 2- أي شخص آخر يؤدي وظيفة عمومية، بما في ذلك لصالح جهاز عمومي أو منشأة عمومية، أو يقدم خدمة عمومية، حسب التعريف الوارد في القانون الداخلي للدولة الطرف. 3- أي شخص معرَّف بأنه «موظف عمومي» في القانون الداخلي للدولة الطرف. أما «الممتلكات» فقد عرفتها الاتفاقية بأنها «الموجودات بكل أنواعها، سواء أكانت المادية أم غير مادية، منقولة أو غير منقولة، ملموسة أم غير ملموسة، والمستندات أو الصكوك القانونية التي تثبت ملكية تلك الموجودات أو وجود حق فيها».
التدابير الوقائية (المواد 5 إلى 14) ذُكر في الدليل التشريعي لتنفيذ الاتفاقية أن الفساد يزدهر في الظروف التي تتيح الفرص المناسبة لممارسة سلوك غير مشروع، وظروف واسعة لاستغلال تلك الفرص. وذُكر فيه أيضاً أن الوقاية من الفساد تكون أكثر فعالية في البيئات التي تحد من تلك الفرص إلى أدنى حد، وتشجع على النزاهة والشفافية. لا مراء إذن في أن تدابير الوقاية من الفساد ركن أساسي في أي استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد. أُفرد الفصل الثاني من الاتفاقية لبيان تدابير محددة للوقاية من الفساد في القطاعين العام والخاص. ولكن عرضنا التالي سيقتصر على القطاع العام. تلزم المواد 5 و6 و13 من الاتفاقية على التوالي الدولة الطرف بالآتي: 1- وضع وتنفيذ سياسات لمكافحة الفساد تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة. 2- كفالة وجود هيئات تتولى منع الفساد بتنفيذ السياسات الموضوعة وزيادة المعارف المتعلقة بمنع الفساد. على أن تمنع الهيئات الاستقلالية التي تمكنها من القيام بوظائفها بفاعلية وبمنأى عن أي تأثير لا مسوغ له. وأن توفر لها ما يلزم من الموارد والموظفين وبما يحتاج إليه الموظفون من تدريب. 3- اتخاذ تدابير لتشجيع المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي على المشاركة النشطة في منع الفساد ومكافحته وإذكاء وعي الجمهور بوجود الفساد وبخطورته وينبغي أن تُدعم المشاركة بتعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وتشجيع اسهام الناس فيها، وبتيسير حصول الناس على المعلومات. وكذلك اتخاذ تدابير لتعريف الجمهور بهيئات مكافحة الفساد، وتوفير سبل وصول الجمهور لتلك الهيئات للابلاغ عن حوادث قد تشكل أفعالاً مجرمة، بما في ذلك بدون الكشف عن هوية المبلغين.
تدابير الشفافية في القطاع العام عالج الفصل الثاني من الاتفاقية في المواد 7 و8 و9 مسائل تتصل بالشفافية والنزاهة في القطاع العام. المادة 7 تقضي بأن تسعى كل دولة طرف للقيام بالآتي: - اعتماد نظم لتوظيف المستخدمين المدنيين واستخدامهم واستبقائهم وترقيتهم واحالتهم على التقاعد تقوم على مبادئ الكفاءه والشفافية والمعايير الموضوعية مثل الجدارة والإنصاف والأهلية. - اتخاذ تدابير مناسبة لاختيار وتدريب أفراد لتولي المناصب العمومية التي تعتبر عرضة للفساد وضمان تناوبهم على المناصب. - اتخاذ تدابير تشريعية وادارية لتعزيز الشفافية في الترشيحات لانتخاب شاغلي المناصب العمومية وتمويل الاحزاب السياسية. - اعتماد وترسيخ نظم تعزز الشفافية وتمنع تضارب المصالح. أما المادة 8 فلأجل مكافحة الفساد، تطالب الدولة الطرف بأن تعمل على تعزيز النزاهة والمسؤولية بين موظفيها العموميين وأن تسعى للقيام بالآتي: - تطبيق مدونات أو معايير سلوكية من أجل الاداء الصحيح والمشرف والسليم للوظائف العمومية. - إرساء نظم وتدابير تيسر قيام الموظفين العموميين بابلاغ السلطات عن أفعال فساد عندما ينتبهون إلى مثل هذه الأفعال أثناء أداء وظائفهم. - وضع تدابير ونظم تلزم الموظفين العموميين بالافصاح للسلطات عن أنشطتهم الخارجية والعمل الوظيفي والاستثمارات والموجودات أو المنافع الكبيرة التي قد تفضي إلى تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين. - اتخاذ تدابير تأديبية بشأن الموظفين العموميين الذين يخالفون المدونات أو المعايير المقررة. تشمل التدابير الوقائية كذلك المشتريات العمومية وادارة الأموال العمومية. الفقرة 1 من المادة 9 تطالب الدولة الطرف باتخاذ الخطوات اللازمة لإنشاء نظم إشتراء تقوم على الشفافية والتنافس وعلى معايير الموضوعية في اتخاذ القرارت وتتسم بعدة أمور من بينها الفاعلية في منع الفساد. أما الفقرة 2 من المادة 9 فتلزم الدولة الطرف -وفقاً لنظامها القانوني- باتخاذ ما يناسب من تدابير لتعزيز الشفافية والمساءلة في ادارة الأموال العمومية. من بين هذه التدابير اجراءات لاعتماد الميزانية الوطنية، والإبلاغ عن الايرادات والنفقات في حينها، ونظاماً يتضمن معاييراً للمحاسبة ومراجعة الحسابات وما يتعلق بذلك من رقابة، ونظماً فعالة لادارة المخاطر والمراقبة الداخلية. لا يفوتنا أن نذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة في سعيها لمكافحة الفساد، اعتمدت بالقرار 51/59 المؤرخ 12 ديسمبر 1996 المدونة الدولية لقواعد سلوك الموظفين العموميين. إشتملت المدونة على ستة بنود هي: مبادئ عامة، تضارب المصالح وفقدان الأهلية، الإفصاح عن الأصول، قبول الهدايا أو غيرها من المجاملات، المعلومات السرية، النشاط السياسي. وفي أواخر عام 1999 وبتكليف من الأمين العام للأمم المتحدة أرسل المركز المعني بمنع الإجرام الدولي التابع لمكتب مراقبة المخدرات ومنع الجريمة التابع للأمانة العامة استبياناً للدول الأعضاء بشأن تنفيذ المدونة الدولية لقواعد سلوك الموظفين العموميين. قدمت 54 دولة (لم يكن من بينها السودان) ردها على الاستبيان. سنورد فيما يلي وفي نقاط بعض ما ذكر في ردود الدول المستجيبة للاستبيان علنا نجد فيها ما يفيد: - إن معظم الدول التي اعتمـدت مدونات سلوك في الفترة 1996 - 1999 أعلنت أن تلك المدونات استُلهمت من المدونة الدولية لقواعد سلوك الموظفين العموميين. - أشارت عدة دول إلى أن لها مدونات قواعد سلوك لفئات معينة من الموظفين العموميين مثل (أ) أعضاء السلطة القضائية (ب) أعضاء النيابة العامة (ج) رجال الشرطة (د) موظفو السجون (هـ) موظفو الضرائب (ز) كبار الضباط العسكريين (ح) السياسيون. - أشارت ما يقرب من نصف الدول المستجيبة إلى أنها تزود الموظفين العموميين بتدريب في الاخلاقيات والسلوك المهني. - أفادت بعض الدول بأن سلطاتها الوطنية ذات الصلة نظمت حملات لإعلام الجمهور بالأحكام التي تضمنتها مدونات قواعد سلوك الموظفين العموميين. - ردت غالبية الدول بأن اداراتها العمومية تقضي من الموظفين العموميين أداء قسم عندما يبدأون العمل. - أشارت عدة دول إلى أنه بموجب قوانينها الداخلية أو نظمها الادارية يتوجب على الموظفين العموميين، إذا نشأ تضارب محتمل في المصالح أن يعلنوا: (أ) المصالح المؤسسية أو التجارية (ب) المصالح المالية (ج) الانشطة التي يضطلع بها للكسب المالي. - يطلب من الموظفين العموميين في أغلب الدول التي أجابت على الاستبيان الافصاح عن موجوداتهم والتزاماتهم ونسخ من إقراراتهم الضريبية. تدابير الوقاية المتعلقة بالجهاز القضائي والنيابة العامة إن النزاهة القضائية عنصر أساسي في أي استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد. ولاهمية استقلالية القضاء والدور الحاسم الذي يمكن أن يقوم به في مكافحة الفساد، فقد دعت الفقرة 1 من المادة 11 من الاتفاقية الدول الأطراف بأن تتخذ، وفقاً للمبادئ الأساسية ودون مساس باستقلالية القضاء، تدابير تدعم نزاهة القضاء وتدرأ الفساد بين أعضاء الجهاز القضائي. ويجوز أن تشمل هذه التدابير قواعد بشأن تعيين أعضاء الجهاز القضائي وسلوكهم. وورد في الدليل التشريعي لتنفيذ الاتفاقية أن هذا الخيار قد يحتم إعادة النظر في احكام الدستور، وربما تقييم القواعد والإجراءات التي يتم بموجبها تعيين أعضاء الجهاز القضائي، وآليات المساءلة التي قررها الجهاز القضائي لنفسه للتحقق من إيفائها بمتطلبات المادة 11. ودعت الفقرة 2 من المادة 11 إلى استحدات وتطبيق تدابير مماثلة بالنسبة لجهاز النيابة العامة إذا لم يكن جزءاً من الجهاز القضائي ولكنة يتمتع باستقلالية تماثل استقلالية الجهاز القضائي.
مبادئ بانجلور للسلوك القضائي إن تناول مسألة استقلال القضاء ودوره في مكافحة الفساد يقتضينا التنويه عن مبادئ بانجلور للسلوك القضائي. ففي ابريل من عام 2000 وبدعوة من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة وفي إطار البرنامج العالمي لمكافحة الفساد، عُقد في فيينا إجتماع لمجموعة أصبحت تعرف فيما بعد بـ «مجموعة النزاهة القضائية». كان هدف الاجتماع هو «مناقشة المشكلة التي ظهرت جلياً في عدة دول بمختلف القارات والتي تتمثل في فقدان الشعوب الثقة في أنظمتهم القضائية نتيجة للانطباع المأخوذ عنها بأنها فاسدة أو محابية على أقل تقدير». وفي الاجتماع الثاني الذي عقد في بانجلور بالهند في فبراير 2001 أُعدت مسودة مبادئ بانجلور للسلوك القضائي. ولاحقاً تمت دارستها من قبل قضاة ينتمون إلى التراثين القانونيين الأساسيين (القانون العام والقانون المدني) في اجتماع عقد في لاهاي بهولندا في نوفمبر 2002. أُقرت مبادئ بانجلور للسلوك القضائي من قبل لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة في 29 ابريل 2003، ورفعت تلك المبادئ للدول الأعضاء في الأمم المتحدة وإلى أجهزة الأمم المتحدة المعنية وإلى المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. وفي ابريل 2004 وفي تقريره للدورة الستين للجنة حقوق الانسان، قال المقرر الخاص لاستقلال القضاة والمحامين بالأمم المتحدة إن اللجنة قد عبرت عن قلقها بشأن تكرار واتساع ظاهرة الفساد داخل السلطة القضائية في أنحاء العالم. وقال أيضاً «إن حقيقة أن الشعوب في بعض الدول تميل للنظر للسلطة القضائية كسلطة فاسدة يُعد أمر جلل: إن انعدام الثقة في العدالة أمر مدمر للديمقراطية والتنمية كما أنه يشجع استمرارية الفساد». نورد فيما يلي مبادئ بانجلور الستة: القيمة الأولى: الاستقلالية: الاستقلالية القضائية مبدأ أساسي لحكم القانون، ومبدأ جوهري يضمن توفير محاكمة عادلة. ولذلك، على القاضي أن يدعم ويجسد الاستقلالية القضائية على الصعيدين الفردي والمؤسسي. القيمة الثانية: الحيادية: الحيادية أمر جوهري لأداء واجبات المنصب القضائي بطريقة سليمة، وينطبق ذلك ليس على القرار في حد ذاته فحسب ولكن أيضاً على الاجراءات التي يُتخذ من خلالها القرار. القيمة الثالثة: النزاهة: النزاهة شيء جوهري لاداء مهام المنصب القضائي بطريقة سليمة. القيمة الرابعة: اللياقة وآداب المجتمع: اللياقة ومظهر اللياقة هما أمران جوهريان في ممارسة كافة أنشطة القاضي. القيمة الخامسة: المساواة: الحرص على المساواة في معاملة الجميع أمام المحاكم أمر ضروري لاداء واجبات المنصب القضائي على نحو مُستوجب. القيمة السادسة: المقدرة والاجتهاد: المقدرة والاجتهاد هي شروط جوهرية لاداء واجبات المنصب القضائي على النحو المستوجب. في مارس 2007 نشر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة كتاباً بعنوان «تعليق على مبادئ بانجلور للسلوك القضائي». قام بإعداد التعليق بالمشاركة مع «مجموعة النزاهة القضائية»، عدد من الخبراء الحكوميين من كل أنحاء العالم بما في ذلك العالمين الاسلامي والعربي. في قراره 2006/23 المؤرخ 27 يوليو 2006 دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي الدول الأعضاء في الامم المتحدة إلى تشجيع أجهزتها القضائية على أن تأخذ في اعتبارها لدى مراجعة أو صوغ القواعد المتعلقة بالسلوك المهني والاخلاقي لاعضاء الجهاز القضائي، مبادئ بانجلور بشأن السلوك القضائي.
|
|
|
|
|
|