|
إهمال الصحة(1)
|
الخرطوم:حسين سعد
دفعت الاوضاع الاقتصادية الخانقة بالبلاد العديد من السودانيين والسودانيات للهجرة خارج البلاد لتحسين اوضاعهم المعيشية وتعليم اولادهم والمساهمة في علاج المرضي ومن بين العقول المهاجرة كان هناك اساتذة الجامعات والاطباء والمهندسيين والصحفيين والخرجيين بعضهم خرج في هجرة شرعية وفق عقودات رسمية معروفة واخرين فضلوا الخروج من السودان من خلال هجرة غير شرعية دون الالتفات لعواقبها،تأثيرات تلك الهجرة كانت واسعة في كل المناحي لكننا في تحقيقنا هذا نتابع هجرة الاطباء وانعكاساتها علي الخدمات الصحية بالبلاد ،ونرصد بالارقام حجم تلك الهجرة ،واسبابها،وتأثيراتها،واذا اردنا الوقوف الي حجم هذه القضية تكفي زيارة خاطفة الي احدي المستشفيات بالعاصمة او الولايات ،لكننا نستهل هذا التحقيق بما ذكرته وزارة الصحة الاتحادية منتصف الاسبوع الحالي حيث كشفت عن نقص وصفته بالكبير في الكوادر العاملة في مجال إصحاح البيئة والمكافحة المتكاملة لنواقل الأمراض وسلامة المياه والرقابة على الأغذية وشددت على ضرورة وضع قوانين واضحة لكل ما يتعلق بصحة البيئة كاشفة عن وجود خلل وصفته بالخطير في عدم مركزيتها. وقال مدير إدارة صحة البيئة وسلامة الأغذية د. صلاح المبارك في تصريحات صحفية أنه من خلال طواف الفرق الميدانية على الولايات اتضح وجود نقص في الكوادر والآليات،وفي العام الماضي أبدت وزارة الصحة قلقها من هجرة الكوادر الصحية إلى الدول العربية، خصوصا بعد الإحصاءات التي كشفت عن أن ثلاثة آلاف طبيب يهاجرون سنوياً، فضلاً عن هجرة نحو (94230) سودانياً البلاد في 2012م مقابل (10032) في العام(8002) وكانت والوزارة قد كشفت عن هجرة (55%) من الكوادر الصحية خارج البلاد، وفي إحصاءات حول هجرة الكوادر السودانية قدمها على أحمد دقاش مدير الإدارة العامة للموارد البشرية بوزارة تنمية الموارد البشرية والعمل، للفترة من 2008 وحتى 2012 أبان أن حجم القوى العاملة في السودان حسب التعداد السكاني الخامس بلغ 8 ملايين مقابل 30.1 مليون عدد سكان البلاد ومعدل نمو السكاني (2.4%) وهو أكبر من معدل نمو للقوى العاملة بنسبة (1.3%)، أما العاطلون عن العمل حتى 2008 فتعدادهم بلغ (1.4) مليون بمعدل (16.8%) من حجم القوى العاملة ومعدل نمو المشتغلين (0.9%) بينما معدل نمو العاطلين وصلت نسبته (4.1 %)وقال أن عدد المهاجرين السودانيين لكافة الدول في العام 2012 بلغ (94.230) مقابل (10032) في العام 2008 وصاحب تلك الزيادة دخول دول جديدة في قائمة الدول المُستَقبِلة مثل ليبيا وارتفاع النسب في دول كانت معدلات الهجرة إليها منخفضة مثل البحرين وعُمان والكويت، مبيناً أن معدلات الهجرة في المهن التعليمية والصحية في تزايد مستمر إذ بلغ عدد الأطباء في السنوات الخمس الأخيرة (5.028) و(1.002) معظمهم خلال العام(2012) لكن الدكتور الشيخ الصديق بدر، من المرصد القومي للموارد البشرية الصحية، شكك في دقة إحصاءات وزارة الموارد البشرية والعمل في ما يخص أعداد المهاجرين من القطاع الصحي، وكشف إحصاء أجراه مرصده أن عدد المهاجرين من الأطر الصحية في العام 2012 بلغ (6.590) بحسب مؤشر شهادات الخبرة المستخرجة من وزارة الصحة الاتحادية وبحسب سجلات وكالات الاستقدام. وقال إن الوضع مزعج، إذ تكشف إحصاءاتهم أن أكثر من نصف الأطباء السودانيين يعملون بالخارج مع تزايد معدلات الهجرة وسط الطبيبات من الأطر الصحية وفي مهنة التمريض تجاه دول الخليج وليبيا،وقال ان الجامعات الولائية وحدها فقدت أكثر من and#1635;and#1637;and#1632; أستاذاً خلال العام and#1634;and#1632;and#1633;and#1633; مما يعني أن هناك: "نزيفا نوعيا" في الكوادر المدربة بحيث فقدت مستشفى الذره بالخرطوم and#1633;and#1632;and#1638; من كادرها المدرب بين عامي 2006 ـ and#1634;and#1632;and#1633;and#1633;م، كن هجرة الأطباء من مختلف التخصصات والتي تشمل الأطباء العموميين والنواب لها أسباب عديدة بحسب اطباء تحدثوا للايام منها أسباب رئيسة تتمثل في العائد المادي للعمل حيث أن أغلب الأطباء العموميين وأطباء الامتياز يتقاضون رواتب (ضعفية) ويقول الاطباء ان العائد المادي لا يكفي مستلزماتهم الشخصية من وجبات ومواصلات وبالرغم من ضعف الراتب الضئيل الا انه –اي المرتب-لا يسلم من شبح الاستقطاعات لجهات عديدة وبمسميات كثيرة.الشق الثاني من اسباب الهجرة هو تردي بيئة العمل وتدهورها ويقول الاطباء الذين استنطقتهم التغيير الاليكترونية ان بيئة العمل بالمستشفيات طاردة للأطباء والمرضى على حد سواء فالطبيب يعمل تحت ظروف قاسية لا تتوفر فيها معينات العمل من أدوات ومعدات وأجهزة طبية حتى النقالات والأسرّة وأجهزة التنفس والأدوية المنقذة للحياة، بجانب عدم توفر أغلب الاحتياجات من فحوصات معملية أو أشعة أو فحوصات دقيقة وإن توفرت تكون بأثمان باهظة لا يستطيع المريض الإيفاء بها،وبحسب الدكتور سيد علي قنات فان الطبيب يقف (مكتوف الايدي) ولا يستطيع فعل شي للمريض بسبب ارتفاع تكلفة العلاج، وحول نقل المستشفيات المركزية الي الاطراف بحجة نقل الخدمات الطبية الي الاطراف قال قنات وهو استشاري تخدير وانعاش وصفها بإنها (كلمة حق أريد بها باطل) واضاف المستشفيات القومية هي ارث تاريخي ملك للشعب السوداني.وتابع(هناك قصور في التدريب وضعف المرتبات وعدم وجود وظائف،وشدد الحكومة مهملة الصحة والرعاية الصحية الاولية وتابع(الميزانية المخصصة للصحة لا تتجاوز نسبة2%) واشارالي عدم وجود توزيع عادل للخدمات الصحية ،ونبه قنات الي ان عدد الاطباء المسجلين حوالي عشرة الف اخصائي وقال ان مستشفي امدرمان التعليمي يبلغ عدد اخصائي التخدير العاملين بالمستشفي والتابعين للوزارة اربعة اخصائيين فقط والجراحيين(5)والعظام(2) وفي ذات الاتجاه اشار طبيب تحدث الي الايام فضل حجب اسمه الي عدم وجود استراحات مهيئة بشكل إنساني للأطباء لقضاء احتياجاتهم الشخصية وقال انهم لا تقدم لهم الوجبات ولا المياه فيضطرون لتناول الوجبات بالكفتريات في بيئة صحية متدنية تتناقض تماما مع الإرشادات الصحية التي يجب أن يقتدي فيها المرضى بالأطباء، واشتكي الطبيب الذي تحدث عبر الهاتف مع الايام من داخل احدي المستشفيات الكبيرة بالعاصمة من عدم وجود ترحيل للأطباءوقال ان بعضهم يضطر للجوء إلى المواصلات العامة التي نادرا ما تتوفر في مواعيد المناوبة والانصراف فضلا عن غياب وانعدام الحماية لهم في أماكن عملهم بحيث يتعرضون للعنف اللفظي والجسدي من المرافقين للمرضى وفي بعض الأحيان من قبل منتسبي القوات النظامية حيث صارت هذه الأحداث عادية. وفي المقابل يقدر رئيس نقابة اطباء السودان الدكتور احمد الشيخ في حديثه مع الايام عدد الاطباء في بريطانيا بحوالي (700) وفي ايرلندا(500) وفي امريكا وكندا(3000) وفي دول السعودية والخليج حوالي (10)الف وفي الدول الاسكندنافية (200) بجانب المئات في ليبيا وردد(الهجرة متزايدة بشكل يومي ) ودعا الشيخ لتخصيص ميزاينة منفصلة للمجالس المهنية وان لا تتبع تلك المجالس لاي جهة بإعتبارها مجالس سيادية وهي:المجلس الطبي الذي وصفه بانه من أعرق المجالس الطبية والمجلس القومي للبحوث ومجلس التخصصات الطبية،وشدد علي ضرورة ان توفر الدولة المعينات الطبية اللازمة للطبيب حتي يستطيع اداء عمله بشكل جيد وقال ان الاطباء هاجروا بسبب الاوضاع الاقتصادية القاسية وغياب التدريب والسياسات الطبية الخاطئة وتابع(الغربة حارة لكن ماذا يفعل الطبيب اذا كانت الدولة غير مهتمة بتوفير العلاج والخدمات الصحية) وأكد انعدام فرص التدريب والدراسة حيث أن الابتعاث للخارج تنضوي تحته فئة أطباء تحت التدريب وهم إما أطباء امتياز للترقي للعمومي أو نواب اختصاصيين للوصول لمرتبة الاختصاصي وشدد علي ضرورة أن يكون التدريب بشكل علمي وممنهج ومستمر على أن يتم تخصيص وقت محدد وكاف للتدريب وأن يكون المتدربون متفرغين للتدريب تماما.. واوضح الشيخ ان ما يحدث الآن أن الأطباء يقومون بتقديم الخدمة للمرضى في المستشفيات في أغلب الأوقات ولا يجدون وقتا للتدريب نتيجة لقلة الساعات المخصصة للتدريب وعدم وجود فرص للابتعاث للخارج، وإن وجدت الفرص فهي لاولاد المصاريين البيض ولا تتسم بالشفافية والعدالة في معايير الاختيار إنما يخضع الأمر لمعايير سياسية ومحسوبية صارخة. وبالرغم من كل تلك الاوضاع الا ان الأطباء الذين فضلوا البقاء بالسودان لمساعدة اهاليهم لم يصمتوا علي تلك الاوضاع بل ظلوا يقدمون المذكرة تلو الاخري للجهات المختصة مطالبين من خلالها بتحسين بيئة العمل وتحسين الوضع المادي للطبيب وتقديم العلاج المجاني لغير القادرين بتوفير الأدوية المنقذة للحياة إلا أن تلك المذكرات(ظلت حبيسة الادراج) ولم تجد الاستجابة من الجهات المسؤولة فاضطر الأطباء للجوء إلى الوقفات الاحتجاجية واستخدام سلاح الإضراب الذي لم يشمل الحوادث والطوارئ، لدواعي انسانية ،وللنظر لمثل تلك الحالات يمكننا قراءة الوقفة الاحتجاجية التي نفذتها نقابة المهن الصحية بمستشفي الخرطوم الشهرالحالي إحتجاجاً علي نقل ماكينات مركز الكلي بالمستشفي الي مشاف النو والجزيرة سلانج وقالت النقابة ان قوة مدججة بالسلاح من السلطات الامنية داهمت المستشفي صباح وقفة عيد الفطر المبارك الماضي لحمل ماكينات غسيل الكلي بمركز المستشفي دون مراعاة للمرضي واحوالهم الصحية، لكن امين فرعية المهن الصحية بالنقابة دكتورة سعاد سالم وجهت في مؤتمر صحفي انتقادات حادة للطريقة التي تمت بها نقل ماكينات الغسيل وقالت سعاد ان اي اجراء في تحويل اجهزة لابد ان يكون عبر عملية التسليم والتسلم وفق بنود محددة للحفاظ علي حقوق المرضي واسرارهم والعامليين بالمستشفي وتابعت(الجهات المعنية والولاية ووزارة الصحة تخطط لازالة مستشفي الخرطوم)ووصفت مايدور من حديث حول تطوير المستشفي بانه كذب وتضليل وقالت ان الاقسام التي نقلت الي ابراهيم مالك لايعمل بالصورة المطلوبة،واوضحت ان الماكينات التي نقلت الي مستشفيات النو والجزيرة سلانج لم تركيبها وتشغيلها حتي الان ورددت(المرضي مجهجهين) وللاستماع لوجهة نظر الاطباء والناشطيين والناشطات تقول الدكتورة إحسان فقيري في حديثها مع الايام ان هجرة الاطباء لديها اسبابها وهي غياب الوظائف والمقابل المالي المجزي بجانب التدريب ونبهت الي وجود انعكاسات وصفتها بالكبيرة لهجرة الاطباء وقالت ان زوجها من كبير الاستشاريين هاجر قبل فترة ليست بالقليلة الي بريطانيا فضلا عن هجرة العشرات من الذين تعرفهم والذين فضلوا الهجرة مؤخراً بدلا من البقاء في السودان بدون تدريب وبدون وظائف واضافت ان العمل الصحي الجيد يحتاج الي برتوكولات علاجية لاسيما وان بلادنا بها أمراض مثل الملاريا-الدرن-البلهارسيا-الكلزار-التايفويد وغيرها من امراض الفقر الذي تفشي بصورة واسعة في المجتمع،ولمعرفة وجهة نظر منظمات المجتمع المدني يقول الامين العام لجمعية حماية المستهلك الدكتور ياسر ميرغني في حديثه مع الايام ان هجرة الاطباء الواسعة من السودان لديها اسباب عديدة منها ماهو بفعل فاعل،واوضح ان الممارسات الاقصائية وغياب التدريب والتوظيف ساهم في ذلك مشيرا الي عددا من الصيادلة المؤهلين في المعمل القومي للادوية والسموم الذين تم إبتعاثهم للتحضير للماجستير والدكتوراة للخارج وعقب عودتهم لم يتم ارجاعهم لمناصبهم وتابع(هناك متنفذون لا يرغبون في ان يكون هناك اشخاص متطوريين ) واوضح ان هناك مضايقات تحصل لبعض الاطباء الامر الذي دفع بعضهم لخيار الهجرة وكشف عن تراجع كبير في الخدمات الصحية بسبب تلك الهجرة.(يتبع)
|
|
|
|
|
|