|
إنهم ينافقونك يا مشير..! بقلم يوسف الجلال
|
لن يكون بوسعي – وأنا أرى الكارثة بأم عيني – غير أن أصف القصة كلها، بأنها "درجة عالية من النفاق"، ولن يكون بمقدوري – إذا كنتُ صادقاً مع ربي ومع نفسي – سوى أن أسوق النعوت الحارقة، والتوصيفات الناقدة، لمن يُشرعّنون لهذا السلوك الشائن. فليس من المنطق أن نضيف إلى طوابير الشياطين الساكتين عن الحق، شيطان آخر أخرس أو صامت.
أتذكر جيداً، إنني كنتُ يقظاً وأنا أعبر كبري "المنشية" عصر أمس (السبت)، بل كنت في كامل تفكيري وانتباهتي، إذ أنه سيكون من المخاطرة أن تنشغل عن الطريق بينما تهّم بصعود ذاك الجسر، لأن تلك مخاطرة، غير مأمونة العواقب، وغير مضمونة النتائج. بل ستجد نفسك طائراً - أنت والمِقْوَد الذي تُمسك به - في الهواء، ما لم تتعامل بوعٍ كامل أثناء عبورك فوق أحد الحفر الكبيرة التي ترابط لشهور، - إن لم يكن لسنوات - على مدخل الكبري من الناحية الشرقية، بينما تنخر واحدة مثلها منتصف المسار الآخر القادم من الخرطوم، في طريقه إلى الشرق.
لكن انتباهتي تلك، لم تكن ذات جدوى، بل ما عادت مهمة بعد أن جاءت آليات الحكومة – لا أدري الخاصة بالولاية أم بمعتمدية شرق النيل – وجعلت من تلك المطبات العميقة في أضابير التاريخ، وفي ذمة الماضي.
حسناً، فقد تنبّهت الجهات المختصة إلى الخطر الداهم الذي كان يتوسط الطريق، وقامت بإهالة الإسفلت على تلك الحفر والمطبات. ولا أخفيكم فقد شكرت هذا الصنيع لمن قاموا به، بعد أن رحموا العباد الذين كرمهم الله تعالى، بأن أزالوا العثرات القاتلة والمطبات المميتة من طريقهم. لكن ما هي إلا فترة زمنية وجيزة، حتى ظهرت تشريفة تبدو أنها خاصة برئيس الجمهورية المشير البشير.. نعم إنها لرئيس الجمهورية، فحين تتفرس في المشهد، ستتأكد من ذلك.
يا رباه، إنهم تذكّروا الشعب يوم مرور الرئيس من على الجسر، وتحديداً في يوم زيارته لشرق النيل. وتذكروا الجسر، وتذكروا المطبات، لأنهم أرادوا أن يقولوا للرئيس إن كل شيء "تمام التمام"، وإنه لم تتعثر "عربة" بالجسر. لكني أجزم أنهم لن يقولوا للرئيس إن الجسر نفسه، يعاني من سطوة الإطارات، بعد أن أضحت قوائمه التي يستند عليها، تئن من وطأة مرور السيارات. ولن يقولوا له إنهم تبعاً لذلك قاموا بمنع مرور الشاحنات حتى لا ينهار الجسر الذي لم يكمل عامه العاشر بعد.
يا لدهشي، فقد فرضت عليّ ظروفي أن أمضي – بعد عبور الجسر - في اتجاه آخر، غير الذي مرّ من خلاله موكب الرئيس في الذهاب والعودة، وهناك تراصت السيارات أمام أحد التقاطعات المرورية في انتظار شارة العبور، لكن ما هي إلا ثواني معدودة حتى تحركت السيارات كلها، نعم تحركت كلها، إلا واحدة.
أتدرون ماذا حدث.! لقد غاص إطار السيارة التي كانت تقودها إحدى السيدات في حفرة عميقة تتوسط شارع الإسفلت..! لحظتها أحسست أن تلك السيدة تملّكتها الرغبة في البكاء بسبب سقوط سيارتها، بينما تملّكتني الرغبة في البكاء، لسقوط قادة.. فيا للهول..!
حسناً، فسأقولها ولن أكون شيطاناً أخرس، وسأقولها حتى لا نضيف إلى طوابير الشياطين الساكتين عن الحق، شيطان آخر أخرس أو صامت: "إنهم ينافقونك يا مشير".
مكتبة شوقى بدرى(shawgi badri)
|
|
|
|
|
|