|
إنقلابا جديدا للرئيس البشير لمصلحة من؟ بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن
|
إن التعديلات الدستورية التي كان قد رفعها الرئيس البشير إلي البرلمان، و أجازها البرلمان أخيرا علي عجل، متجاوزا الدستور، تؤكد إن وراء التعديلات الدستورية شيئا غامضا و مبهما، فالرئيس البشير وحده يعلم كنهه، و الذين في معيته و يشاركونه عملية التخطيط، فالعديد من الناس ينظروا إليها بإنها عملية تعيق الحوار الوطني من جانب، و الجانب الأخر إنها تركز السلطات في يد الرئيس وحده، فبدلا أن يطلق علي نظام الحكم نظام الحزب الواحد، أصبحت دولة الفرد، و هي أشبه بالملكية منها إلي الجمهورية، حيث إصبح 90% من السلطات و القرارات في يد رئيس الجمهورية، و أصبحت المؤسسات الدستورية الأخري صورية، لا سلطة دستورية لها، حيث جردت منها، فلماذا كل ذلك؟ إن التعديلات الدستورية، قد منحت الرئيس البشير سلطة التحكم في الدولة لوحده، و اصبحت 90% من السلطات بيده، فهو الجهة الوحيدة التي لها حق تعين و عزل السلطة التنفيذية، و حل البرلمان، و أيضا تعين و عزل الولاة في الأقاليم المختلفة، و مهما حاولت قيادات المؤتمر الوطني أن تبرر هذا الفعل، بأن الهدف منه هو محاربة العشائرية و القبلية التي إستحكمت في البلاد، فهذا تبرير يجافي الحقيقة و الواقع، إن هذا الإجراء قد أخذ كل الصلاحيات التي كان يتمتع بها الحزب الحاكم في إختيار حكام الولايات و حمايتهم من سلطة المركز، باعتبار إنهم منتخبين من قبل القاعدة، و ليس لأية جهة الحق في العزل و التعين سوي القاعدة الشعبية في الإقليم، و لكن هذه السلطة أصبحت بيد الرئيس، و أصبح الحزب الحاكم حزبا صوريا، مثله مثل الأحزاب الأخري، لا يملك سلطة بيده إلا في حدود ما يمنحها الرئيس لهم، ففرغ الحزب من مضمونه. إن عملية تهميش الحزب الحاكم، أتخذت إجراءات متسلسة منذ الإطاحة بمراكز القوي داخل الحزب، و التي كان يمثلها، النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق علي عثمان محمد طه، و أغلبية المجموعة التي تدين له بالولاء، و الدكتور نافع علي نافع نائب رئيس الحزب، و مجموعته، و مركز القوي التي تدين له بالولاء في الأقاليم، و من ثم يكون الرئيس قد استغني عن الحركة الإسلامية كقاعدة جماهيرية و مؤسسة سياسية إجتماعية، باعتبارها كانت تشكل قوة حامية للنظام، و الغريب إن الرئيس استخدم عناصر الحركة الإسلامية و بعض قيادتها في إنهاء دورها في مؤسسة الحكم، بعد ما فككها و جعلها مجموعات و فرق مشتت لا رابط بينها، فهي الأن عاجزة أن تقوم بأية دور سياسي، باعتبارها لا تمثل وحدة واحدة، فالرئيس جردها من كل أدوات القوة التي كانت تعتمد عليها، و اصبح أغلبية قياداتها التي في جهاز المؤسسة السياسية و السلطة التنفيذية متهم بعضها بالفساد، فاصبحت مدانة وسط الشعب السوداني من الناحيتين، السياسية لفشلها في تحقيق مشروعها، و أيضا من الناحية الأخلاقية في عمليات الفساد، و من خلال التعديلات الدستورية إن الرئيس يتجه في إن يحمي النظام بمؤسسة " جهاز الأمن و المخابرات" بعد ما حولتها التعديلات إلي قوات نظامية لها حق القتال و التحقيق و الاعتقال مثلها مثل القوات المسلحة و الشرطة، و لكنها تتميز بأنها تابعة مباشرة لرئيس الجمهورية، و ليس لآية جهة سلطة عليها، أو تخضع للمحاسبة إلا من قبل رئيس الجمهورية، و هي كانت بالفعل تمارسها من قبل، و التعديلات فقط قننتها، و بالتالي أصبح النظام يعتمد علي الأجهزة القمعية و ليس جماهير شعبية تدين بالولاء لمؤسسة سياسية. إن خطاب الوثبة الذي كان قد القاه الرئيس في يناير من العام الماضي، كان إعترافا صريحا بفشل مشروع الحركة الإسلامية و " الإنقاذ" لذلك جاءت دعوة الحوار الوطني المضمنة في خطاب الوثبة لمناقشة أربع قضايا "الأزمة الاقتصادية، نظام الحكم و وقف الحروب، الهوية، و السياسة الخارجية" و هي ذات القضايا التي تحملها أجندة المعارضة، و طالبت المعارضة بتهيئة المناخ لكي يتسني لها المشاركة في الحوار الوطني، و وضعت شروطا للدخول في الحوار، في ذات الوقت الذي بدأت قوي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم تعمل من أجل أن لا يقوم الحوار الوطني، و هي تشكل أغلبية تدافع عن مصالحها الذاتية و المكاسب التي إغتنمتها دون أية إعتبار للحق الوطني، لذلك جاءت إشارات متفرقة في الخطابات التي كان قد ألقاها الرئيس بعد خطاب " الوثبة" حيث تحدث عن مراكز القوي داخل حزبه و يجب أن تنتهي، و تحدث عن الفساد، ثم تحدث عن فطام الحزب و عدم الرضاعة من ثدي الدولة، و أيضا عن فتح باب التوظيف لكل المواطنين دون الاعتماد علي أهل الولاء، كل تلك الإشارات كانت تدل علي إن هناك صراعا محموما يجري داخل الحزب الحاكم، و هي إشارات تدل علي إن الرئيس بات مقتنعا إن حزب المؤتمر الوطني هو السبب الرئيسي في أزمات البلاد المختلفة، كما هو السبب المباشر في بعث النزعات القبلية و العشائرية في مناطق السودان المختلفة، حيث أصبح الحزب يسير قوافل الولاء و البيعة من قبل القبائل المختلفة لكي تأتي تأتي للخرطوم و تقدم صكوك الطاعة و الولاء، الأمر الذي زاد من النعرات و التنافس القبلي و العشائري. يقال هناك من نصح القيادة من خارج السودان، في إن الحكم الفدرالي المطبق في السودان الآن، هو السبب وراء انتشار النعرات القبلية و العشائرية، حيث إن القبائل التي سيطرت علي بعض الأقاليم قد أصبحت السلطة في يدها إلي جانب السيطرة علي ثروة الإقليم و مؤسسات الدولة، و اصبحت القوة القمعية و السلاح في يدها، لذلك فرضت بالقوة أو بالترغيب علي القبائل الأخري أن تدين لها و تخضع لسلطتها، الأمر الذي أدي إلي التظلم و المواجهة بالسلاح، فأنتشرت الحروب في أغلبية مدن السودان و خاصة في دارفور، و إنتشار السلاح أدي إلي خلق عصابات و قطاع طرق افقدت الإقليم الأمن و الإستقرار. يقول أحد المحللين الإستراتيجيين العسكريين، إن إختلالات الأمن في عدد من أقاليم السودان المختلفة، و انتشار السلاح و إنتهاكات حرمة القانون، هو السبب وراء تكوين قوة الإنتشار السريع، و هي تهدف للإستفادة من كل الذين يحملون السلاح خارج دائرة المؤسسات العسكرية، إن يتم إستيعابهم في قوة تحت سيطرة الدولة، تعمل من أجل محاربة كل الذين يحملون السلاح خارج دائرة المؤسسات المسموح لها بحمل السلاح، و تساعد علي إستعادة الأمن، و خاصة إن هؤلاء يعرفون مداخل ومخارج الأقاليم و مخابئه، كما يعرفون قطاع الطرق و المغامرين و غيرهم في المناطق التي تفتقد للأمن و الاستقرار، هذه كانت الفكرة، من حيث التخطيط الإستراتيجي، أما إذا كانت الفكرة قد نفذت بصورة سليمة، أو شابتها أخطاء يرجع ذلك لتقيم الناس. أصبح النظام السياسي ليس سلطة الحزب الواحد، إنما نظام ديكتاتورية الفرد، إذن ماذا يريد الرئيس البشير أن يفعل بكل هذه السلطات في يده؟ و إن الرجل رغم إصراره علي قيام الانتخابات التي سوف تقاطعها جميع الأحزاب السياسية، و لن تدخلها إلا الأحزاب التي صنعتها الإنقاذ " أطفال الأنابيب" إنها لن تعطي النظام شرعية، و لن تغيير في الوضع القائم شيئا، و لكن تميل التحليلات إن الرئيس البشير لا يبحث عن شرعية للنظام، أو حتى شرعية للبرلمان الذي سوف ينتخب، و لكن من خلال انتخابه كرئيس سوف يتمسك بأنه هو الذي يشرف علي أية عملية تغيير سياسي يمكن الاتفاق عليها، و إن تركيز الصلاحيات في يده يستطيع أن ينفذ من خلال إصدار القرارات دون الرجوع إلي أية مؤسسة في الدولة، هذا الرأي يؤيده حزب المؤتمر الشعبي، أرجع لكل المقابلات الصحفية التي أجراها مؤخرا الدكتور بشير أدم رحمة مسؤول العلاقة الخارجية في الحزب، و آخرها مقابلة مع صحيفة "التيار" 14 يناير 2015 قال فيها إن تركيز السلطات في يد الرئيس لها إيجابياتها و سلبياتها، و يقول الدكتور رحمة في المقابلة الصحفية ( إن السلطة الآن أصبحت ممركزة في شخص عمر البشير تمركز السلطة هذا فيه فوائد و فيه خطورة، أما الفائدة فتتمثل في أنه الآن مركز القرار، فإذا تحدثت معه، و اقنعته أن مصلحة البلاد تتمحور في أمور تعددها له و تفهمها، فهكذا يمكن أن تعبر, و لكن الخطورة تكمن في أن مركز القرار يمكن أن يتغير 180 درجة إذا تغيرت كل الأمور" تلخبطت") فهل كل الإجراءات التي حدثت قبل خطاب "الوثبة" و قضية الانتخابات كانت بعلم المؤتمر الشعبي؟ و هل أصبح حزب المؤتمر الشعبي جزءا من عملية التخطيط، أم إن المؤتمر الشعبي يحاول أن يستوعب ما يجري، دون أن يفقد علاقته بالرئيس البشير، و المسألة ترجع أن المقابلات الصحفية التي يجريها الدكتور بشير أدم رحمة تحمل إشارات عديدة، يؤكد فيها النظرة الموضوعية للمؤتمر الشعبي، لذلك هذه التصريحات لم تسند لكمال عمر المسؤول السياسي الذي اصبح عند العامة و السياسيين مدافعا عن مصالح المؤتمر الوطني، و لا أريد القول بممارسة التهريج السياسي. و في أخر إجتماع لأحزاب المعارضة التي وافقت علي الحوار الوطني، و التي تشارك في لجنة " 7+7" قدم الدكتور غازي صلاح الدين تقريرا عن إجتماعه مع السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة واحد الموقعين علي إتفاق "نداء السودان، و قال أنه تحدث مع السيد الصادق بالرجوع و المشاركة في الحوار الوطني، و كل ما يتمخض عن الحوار، إذا كان نجح الحوار أو لم ينجح، و بالتالي العمل سويا من أجل إسقاط النظام، و قال إن الضغط علي النظام يتم من خلال آليتين الأولي أن تحرك القوي السياسية الجماهير و تخرجها للشارع، و قال إن القوي السياسية لا تملك القدرة عليها الأن. الثاتية ممارسة الضغط الدولي علي النظام، و هذه تملك القوي السياسية المعارضة مكنزماتها إذا اتفقنا عليها، و رغم إن الدكتور غازي تحدث بإسهاب في الموضوع، و وضع كل المعلومات أمام أحزاب المعارضة في 7 +7، لكن ذلك لم يبعد الشك من صدور حزب المؤتمر الشعبي، في إعتقادهة أن هناك ترتيبات تجري بين حزب الأمة و حزب الإصلاح الآن و منبر الحوار، و تسعي لعزل المؤتمر الشعبي، و ربما يتغيير الأمر في إجتماع اليوم الخميس 15 يتاير 2015 و المقرر إجارءه مساء، و لكن حقيقة إن إصرار الرئيس علي إجراء الإنتخابات و قبض الخيوط فيه قد أربك الساحة السياسية و خلط أوراقها، و الكل يتحدث عن ماا بعد عملية الانتخابات، كما إن الرئيس صرح إنه سوف يختار الولاة من شخصيات قومية، و هذه تؤكد أن المؤتمر الوطني أصبح علي هامش العملية السياسية. إذن قضية التعديلات الدستورية، ليست تعديلات دون مرمي سياسي مستقبلي، هي عملية مخطط لها تماما، وسط حلقة ضيقة جدا، ربما تكون من أجل تغييرات جوهرية سوف تجري تحت سلطة الرئيس البشير، و ربما أيضا تكون تحول جوهري في قضية الحكم إلي ديكتاتورية فردية محمية بقوة السلاح و الأمن، و إذا كان الاتجاه هو الأخير تمتين حكم الفرد بسطوة المؤسسات العسكرية، فأن النظام لن يستمر طويلا أيضا، لأن الصراع المؤسسي سوف يأخذ بعده، و يدخل حلبة الصراع السياسي، و مهما كانت القوة الأمنية لن تصمد في وجه الحركة الجماهيرية، و يبين لنا التاريخ ذلك في ثورات الشعوب، كما إن النظام سوف يظل محاصرا دخليا و خارجيا، و سوف تشتد الأزمة الاقتصادية و السياسية، فلا أحد يستطيع أن يجزم إلي أين يسير المخطط السياسي، لكن الانتخابات سوف تقوم بمشاركة الحزب الحاكم و أحزاب الأنابيب، و الحزب الذي يسيطر عليه السيد الميرغني، و معروف تاريخيا إن أسرة الميرغني ظلت تساند الدكتاتوريات العسكرية جميعها التي حكمت السودان، فالنخب التي تقف مع الميرغني جميعها دون استثتاء هي تبحث عن مصالحها الذاتية، و ليس لها علاقة بقضية الديمقراطية أو قضايا الوطن، و لكن يظل السؤال المطروح:- ماذا يريد الرئيس البشير أن يفعل بتركيز السلطات في يده؟ نسأل الله أن ينصرنا علي أنفسنا.
|
|
|
|
|
|