|
إنتهت المهلة وفى الزمن بدل الضائع: قرار مجلس الأمن... ماذا قدمت
|
إنتهت المهلة وفى الزمن بدل الضائع: قرار مجلس الأمن... ماذا قدمت الحكومة وماذا تنتظر؟ تحليل : عبد الحميد عوض اتنتهت المهلة التي منحها مجلس الأمن الدولي عبر قراره بالرقم «1556» للحكومة السودانية لتنفيذ جملة من الالتزامات لجهة معالجة الاوضاع الأمنية والإنسانية والسياسية في دارفور، فيما تتجه الانظار لمجلس الأمن مرة اخرى لمعرفة ما سيقرره على ضوء اعادة تقييمه للاوضاع وفقاً لتقارير يطلع عليها من الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان تبقى فيها النتائج مفتوحة سواء لصالح الحكومة أو عليها: واي التزامات؟ في الثلاثين من يونيو الماضي انهى مجلس الأمن سلسلة جلساته بشأن الاوضاع في دارفور وانتهى إلى اصدار قراره بالرقم «1556» والذي عبر فيه عن قلقه البالغ ازاء الاوضاع الإنسانية والأمنية خاصة ما يعتبره انتهاكاً واسعاً لحقوق الإنسان من جميع الاطراف بدارفور وبالاخص مليشيات الجنجويد وهجماتهم العرقية علي المدنيين فضلاً عن حالات الاغتصاب والترحيل الاجباري مضافاً إليه الانتهاك المستمر لاتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة ومسلحي دارفور الموقع في انجمينا 8/4/2004م ورحب القرار في ذات الوقت بجهود الاتحاد الافريقي لحلحلة القضية ولجهوده الاخرى في مجال وقف إطلاق النار بين اطراف القتال، ولم ينس القرار الترحيب بجهود امين عام الامم المتحدة الذي عين مبعوثاً خاصاً له بالخرطوم هو السيد يان برونك والترحيب كذلك بتعهدات الحكومة بالتحقيق والتحري حول ما يجري وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة والتزامها بتحريك قوات الجيش لنزع اسلحة الجنجويد.. الخ. إلا ان مجلس الأمن واستناداً إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة دعا حكومة السودان لتنفيذ التزاماتها التي قطعتها في اتفاق قبل شهر من ذلك الموعد مع عنان بما في ذلك وعلى وجه الخصوص تسهيل المساعدات الانسانية من خلال ازالة جميع العقبات التي تعترض ايصال المساعدات الانسانية واستئناف محادثات السلام مع المجموعات المنشقة في دارفور وعلى وجه الخصوص حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان، ودعا القرار الحكومة الى تنفيذ تعهداتها كذلك على صعيد نزع اسلحة الجنجويد وتقديم قيادات الجنجويد ومساعديهم الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان للعدالة ودعا الأمين العام تقديم تقرير بعد «30» يوماً وشهرياً ما اذا كان هناك تقدم ام لا بشأن تلك الالتزامات التي من بينها إعطاء حق العودة الطوعية للنازحين وتوفير الحماية الكاملة لهم. ولم يكتف المجلس بالمناشدة والحث والدعوة بل هدد باستخدام منطوق المادة «41» التي تشير الي انه من حق مجلس الأمن ان يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوة المسلحة لتنفيذ قراراته في حالة عدم الالتزام، وله ان يطلب إلى اعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير ويجوز ان يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً او كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية. وماذا فعلت الحكومة بعد الصدمة؟ اضطرب الموقف الحكومي تجاه القرار في ليلة صدوره ففي اول رد فعل على القرار اصدر الزهاوي إبراهيم مالك وزير الاعلام الناطق الرسمي بياناً اعلن فيه رفض الحكومة للقرار، ولعله كان بياناً «ارتجالياً» سرعان ما حاول د. مصطفى عثمان وزير الخارجية وبنفس دبلوماسي تداركه بعد ساعة من صدوره حينما صرح في برنامج «في الواجهة» التلفزيوني بالتزام الحكومة بتنفيذ اتفاقها السابق مع الأمم المتحدة اثناء زيارة كوفي عنان للخرطوم مطلع يوليو وهو ذات الاتفاق الذي اشار إليه مجلس الأمن وطالب بالتعهد بتنفيذه وكم كان الوزير موفقاً حينما رفض التقليل من قرار مجلس الأمن بل قلل من بيان وزير الاعلام حينما ذكر ان مجلس الوزراء وحده هو الذي يتخذ قرار الرفض او القبول، وعلي الرغم من دبلوماسية الرجل الى ان حالة الاضطراب استمرت باعلان المؤتمر الوطني الحاكم رفضه للقرار واعتبار الناطق الرسمي باسم الجيش له بأنه «اعلان حرب» قبل ان يتدخل مجلس الوزراء ويقطع قول كل خطيب، ومهما كان حجم التناقض في المواقف فانها نتيجة طبيعية لدى كثير من المحللين لحالة الصدمة التي تصيب صانعي القرار في مثل هذه الحالات. وماذا بعد الصدمة؟ استمرت الحالة تلك عدة ايام قبل ان تستفيق الحكومة منها لمواجهة الأمر الواقع ومعطياته لتقفز مباشرة نحو التوقيع في منتصف شهر أغسطس على اتفاق مع ممثل عنان بالخرطوم لما عرف بـ«خارطة الطريق» اعترفت فيها الأمم المتحدة بقصر المهلة الممنوحة للحكومة لكنها طالبت الحكومة بالقيام بخطوات يمكن اثبات جديتها تجاه قرار مجلس الأمن. وهدفت الخطة التي وقع عليها من الجانب السوداني د. مصطفى عثمان اسماعيل وزير الخارجية الي خلق مناخ لاقرار السلام والاستقرار والتنمية في دارفور واهم ما فيها هو اقامة مناطق آمنة تشمل معسكرات النازحين بالداخل واطراف المدن والقرى على ان تتولى قوات الشرطة السودانية التي حظيت بثقة الأهالي مهمة تأمين تلك المناطق ليتمكن فيها النازحون من الوصول الى المياه والغذاء والزراعة علي ان تكون هناك نقاط دفاعية للمدن والمعسكرات ونقاط تفتيش على طول الطرق وحددت المناطق من (ريفي الفاشر ومعسكري زمزم وابوشوك وطويله وريفي الجنينة ومورني وريفي نيالا وكلمة وسانيه دليبه وابي عجورة والتزمت الحكومة كذلك عبر الخطة بايقاف هجمات المليشيات الموالية لها على ان تتجنب القوات الحكومية الاحتكاك بالقوات المتمردة عدا في حالات الدفاع عن النفس والالتزام كذلك بوقف اطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الافريقي. اتباع القول بالعمل: سرعان مابدأت الحكومة في التحول من نقطة القول إلى العمل وفي هذا برز اللواء عبد الرحيم محمد حسين كنجم كبير تحرك في كل الاتجاهات كما لم يتحرك من قبل واستخدم أول ما استخدم سلطاته الممنوحة له بموجب الدستور والقانون في استصدار «21» قراراً في مجال اعادة انشاء قوات الشرطة والجيش والأمن وفتح مراكز ونقاط شرطية في معسكرات النزوح وتأمين اجراءات الأمن فيها وتسهيل حركة الاغاثة عبر ازالة القيود الجمركية والضرائبية واعفائها وإلغاء القيود المتعلقة بالمواصفات وتسهيل حركة الاغاثة والعاملين فيها وتجهيز «6» آلاف شرطي مع بداية اغسطس وارسالهم لدارفور وفقاً لخارطة الطريق ارتفعت اعدادهم الآن إلى «8294» شرطياً موزعين علي مناطق متفرقة وامتدت رقعة الحماية لـ«20» كيلومتراً من كل منطقة بوجود نقاط دفاعية للجيش ومن ابرز قرارات اللواء عبد الرحيم توجيهه بحظر حمل السلاح باستثناء القوات النظامية وحذر من التعامل مع اية جهة مخالفة، واكد الجيش السوداني من جهته التزامه بوقف اطلاق النار ونفى في اكثر من مرة خرقه لوقف اطلاق النار فيما خفضت قوات الدفاع الشعبي درجة تأهبها بنسبة 30%. العودة الطوعية وما ادراك؟ وقعت الحكومة في 20 أغسطس على مذكرة تفاهم مع منظمة الهجرة الدولية للترتيب للعودة الطوعية للنازحين وفقاً لخارطة الطريق على ان تكون العودة وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي تفادياً من الحكومة للانتقادات والاتهامات التي وجهت لها باجبار النازحين على العودة لمناطقهم دون توفير الظروف الأمنية لهم. وصول طلائع القوات الافريقية: على صعيد آلية المراقبة التي اتفقت الحكومة ومسلحو دارفور علي تشكيلها من دول الاتحاد الافريقي فقد وصلت إلى دارفور منتصف الشهر قوة رواندية من «150» جندياً لحماية «118» من مراقبي الاتحاد الافريقي الذين طال امدهم في دارفور بينما يصل «150» جندياً نيجيرياً للمنطقة اليوم ويتوقع وصول دفعات اخرى خاصة مع تنامي الطلب الاقليمي والدولي بزيادة اعداد فرق الحماية وتحويل مهمتها من مجرد حماية المراقبين الي حماية المدنيين وقد صدرت اشارات ايجابية من د. مجذوب الخليفة كبير مفاوضي الحكومة مع متمردي دارفور بالموافقة علي زيادة الاعداد فيما لم تتأكد الموافقة علي تحويل المهمة. الجنجويد «رأس الحية» إذا كان قرار مجلس الأمن يتحدث على محاكمة مسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان فقد حصل الغاني ايما نويل اكدي المراقب الدولي للجنة الدولية لحقوق الإنسان الذي وصل الخرطوم مؤخراً على تطمينات من وزير العدل بعدم تساهل الحكومة مع مرتكبي الانتهاكات، وكشف التقرير الذى قدمه له وزير العدل ان هنالك «2» من قوات الدفاع الشعبي المشتبه في ضلوعها في ارتكاب جريمة اغتصاب بعد ان تقدمت امراتان بشكوى ضدهما اضافة لواحد من افراد الشرطة متهم بالتورط في المشاركة في حرق قرى في ذات الوقت زار ايمانويل منطقة دارفور على رأس ثلاث فرق للتقصي حول الانتهاكات فيما بدأت اللجنة الحكومية لتقصى الحقائق التي شكلت بقرار من الرئيس البشير اعمالها في دارفور. جمع السلاح: اضافة لقرار ممثل الرئيس المشير عمر البشير بحظر استخدام السلاح ورغماً عن حديثه بصعوبة المهمة، فقد شهد كل من د. مصطفى عثمان وزير الخارجية ويان برونك ممثل عنان امس الأول عملية تسليم «2000» مجند اسلحتهم للقوات المسلحة وسط تأكيدات من منسق عام قوات الدفاع الشعبي بأن الخطوة تأتي اتساقاً مع سياسة الدولة المعلنة بجمع السلاح والسيطرة عليه. العودة إلى الطاولة..!! هو التزام آخر يحدده مجلس الأمن بالفعل عادت الحكومة في 23/8 ومعها حركتا تحرير السودان والعدل والمساواة إلى طاولة المفاوضات التي انفضت الشهر الماضي بلا نتائج، وهذه المرة بقوة دفع اقليمية ودولية اكبر حيث اتفق الجانبان على الاجندة، وحتى ان لم يكن هناك اتفاق نهائي فالخطوة ربما تكفي لتأكيد المصداقية. الصعيد الإنساني: لا شئ فيه ربما غير شكوى الأمم المتحدة على لسان منسق الشؤون الإنسانية من ضعف التمويل اذ انه وعلى حسب ما ذكر من افادات هناك 40% من المبلغ المطلوب تم الوفاء به وانه الآن لحاجة «188» مليون دولار لمواصلة المهمة التي تعتبر الحكومة السودانية اكبر داعم لها. ا لصدى..!! بعد كل ذلك السرد يحق للحكومة البقاء في حافة الانتظار لمعرفة صدى تفاعلها مع قرار مجلس الأمن والذي وضحت مؤشراته من خلال تصريحات يان برونك ممثل عنان وجاك استرو وزير الخارجية البريطاني الزائرين لدارفور وغيرهما من المقرين بوجود تحسن ولو على اصعدة محددة تستحق بسببه الحكومة الاشادة التي وجدتها بصورة اكثر وضوحاً عبر الاثير «الهاتفي» من خلال اتصال بين الرئيس المشير عمر البشير وكوفي عنان الأمين العام للامم المتحدة الذي اشار الى التقارير الايجابية التي ترد من ممثلي المنظمة الدولية عن مختلف الاوضاع في دارفور بل وصل به الحد للتعبير عن تقديره للجهود التي تبذلها الحكومة لمعالجة الأزمة. الانظار نحو مجلس الأمن ومعركة الصقور والحمائم: كما ذكرنا تتجه الانظار لمجلس الأمن غداً الثلاثاء حيث يبدأ من جديد تقييم الاوضاع بناء علي تقرير الأمين العام نفسه، لكن وكما اشارت التقارير الصحافية فهناك «صقور» يؤيدون فرض اجراءات صارمة ضد السودان مقابل «حمائم» تطلب اعطاء الحكومة مزيداً من الوقت للمضى في التنفيذ التي سارت عليه الحكومة في الايام الماضية. ومن الممكن مع ذلك الاشادة بخطوات الحكومة الاخيرة، لكنه في نفس الوقت من الصعب علي مجلس الأمن التخلي عن عناصر الضغط لان الكثير من صناع القرار داخل المجلس على قناعة ان الضغط هو الوسيلة الوحيدة لتحرك الحكومة حتى وان لم تعترف الحكومة بذلك وقد يبقى مع كل شئ سؤال صعب إذاً لماذا لم تفعل الحكومة الذي تفعله الآن من قبل؟وقبل أن يقع الفأس على الرأس.
|
|
|
|
|
|