حضور المرأة في الغارات التي تقع بين الأولياء، يمكن أن يُنظر إليه كتحفيزٍ لقضيةٍ لا مناصَ من أن تتلونَ بوهج الفضيلة.. فبسبب امرأة أغار الشيخ عبدالمحمود النوفلابي على الشيخ حمد ولد أم مريوم وأحرق خلاويه، لأن الشيخ حمد تزوج طليقته، وصدّقَ ثرثرتها في حقه. تلك المرأة أوقعت الحرب بين الرجلين، فكانت دليلاً من ذلك العهد على تكالب الأعيان على أثمن مُقتنى، من متاع الحياة القليل، فضلاً عن أن تلك المرأة تحديداً، كانت عاشقة للحرية والانطلاق.. كان اسمها الحُسنة، كانت ذات خطرٍ عظيم، لذلك يترددَ اسمها كثيراً، في الطبقات. تزوّجها الشيخ حمد فهمست إليه بأن الشيخ عبدالمحمود ظلمها وغصب صداقها.. يمكنك القول إن الشيخ حمد انساق وراء ذلك الإدعاء وتبنى شكايتها في لحظة غِيرة... يقول ود ضيف الله في طبقاته، إنه شكا ظلامتها إلى عساكر السلطنة، فرفض العساكر التدخل في الأمر، لأن الصراع بين ذوي القداسة أعقد من أن يشارك فيه العسكر.. هذا الموقف من جانب العسكر، يشيء بأن تجربة السلاطين قد تراكمت، حتى فطن أهل الحكم في دولة الفونج الى ضرورة حماية الكيان الوليد من الانغماس في صراع البدايات القريبة- البدايات القبلية-التي بارحت الدولة، وئيداً وئيداً، تناقضاته.. لم يستجب عساكر السلطنة. امتنعوا عن التدخل للفصل بين الرجلين بسبب الحُسنة، فكان أن كتب الشيخ حمد ود أُم مريوم للشيخ عبد المحمود، خطاباً خشِناً احتوى عنفاً لفظياً، جاء فيه: «إنت مَاك عبدالمحمود إنت عبدالمطرود، والمطرود هو إبليس»..! أغضبت تلك الرسالة «التكفيرية» الشيخ عبدالمحمود، ولعن حاملها، فمات في الحال.. ثم انطلقت النار - يقول ود ضيف الله- في خلاوي الشيخ حمد الكائنة بأم درمان.. كانت الخلاوي- تقريباً- في المكان الذي يقوم فيه قصر الشباب والأطفال.. أحاطت النار بالشيخ حمد داخل الخلوة، وتمنَّع الشيخ عن الخروج، فأخرجوه من براثن النار بالقوة، ثم بنوا الخلوات بالحجر فسرحت النار في الحجر.. أنظر: الطبقات، ص288 .. هكذا تنقلنا تلك المرأة الإستثنائية- الحُسنة- إلى أجواء «ألف ليلة وليلة»، وقد جعلت من نفسها محل نزاع بين أفذاذ عصرها.. إمرأة ذاع صيتها في ذلك العهد، لسبب أو آخر من أسباب الحياة، كأن تكون جميلة، أو فصيحة، أو، أو.. إمرأة لا تقل شهرةً عن الولي الذي يرتفع رصيده الاجتماعي والروحي بعد إنجاز الغارة تحت اسمها.. تلك المرأة، هي ذات المرأة التي أوقع عليها الشيخ حمد ود أُم مريوم عقوبة الجلد حين تعالى صوتها بالقرآن، وقد أورد ود ضيف الله على لسانها: «بدور القِراية مع الحيران، والرياضة في الليحان»،، ما يعني أنها المرأة متحررة نسبياً، ولها حظ لا بأس به من العِلم، لها جُرأة ورغبة في القِراية مع الرِجال، في مجتمع لم يتعارف على ذلك النوع من التعليم المُختلط.. بسبب المرأة كذلك، وقع العُطب على القاضي دشين، عندما أعلن في أربجي، فسخ زيجات الشيخ محمد الهميم.. جاء قرار القاضي دشين تمشياً مع النص وتجاوزاً لحال الولي، الذي حين يُقاس حاله على النص، يُطلب إليه بالضرورة، الخروج عن جمعيته.. ولما كان التفصيل في شرح الأحوال يفضي إلى مزيد من «الحيرة»، فإن العطب أو الغارة، هي السبيل لكفكفة أطراف الصراع. akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة