|
إلى سي حسين: الأسماك تفسد من رأسها لا من ذيلها عبد الفتاح عرمان
|
[email protected]
قبل زهاء شهر ونصف تقريباً، إتصلت على سياسي معارض عُرف بمواقفه الصلبة ضد النظام لتهنئته على الأداء الرفيع في حلقة حوارية في قناة (النيل الأزرق) خصصت للحديث عن رفع الدعم عن السلع والمحروقات. إذ عمد السياسي المعني إلى إنتقاد قرارات الطغمة الحاكمة بصورة مهذبة حينما أشار إلى أن مستشاري الرئيس قد قاموا بتضليله عن حقيقة الأوضاع في بلادنا، وهو بدوره قام بتضليل الشعب. وبعد إنتهاء الحلقة مباشرة قام جهاز أمن البشير بإستدعاء معد ومخرج البرنامج حيث قيل له- بحسب السياسي المعني: ليس لدينا مانع في إستضافتكم لاي معارض بشرط عدم المساس بالشخصيات السيادية!! فكان رده: البرنامج يذاع على الهواء مباشرة وليس بإمكاننا معرفة ما يود الضيف قوله. فكان رد ضابط جهاز الأمن: هذه مشكلتك شخصياً، وفي حالة مساس أحد الضيوف الذين تأتي بهم إلى القناة بالشخصيات السيادية سوف تتحمل أنت المسؤولية شخصياً.
قصدت من سرد تلك القصة التي لم أورد أسماء أبطالها نظراً لأنني لم أقم بإستشارتهم قبل كتابة هذا المقال، والمجالس أمانات. وأوردتها لتعريف القارىء الأكرم على طبيعة المناخ والأجواء التي يعمل فيها الإعلامي الإسلاموي حسين خوجلي ومن هم على شاكلته من حارقي البخور وأصحاب المواقف الطيعة. فخوجلي وصحبه من إعلاميي النظام يعلمون جيداً طبيعة المياه الآسنة التي يسبحون فيها؛ والخسائر في الأرواح والممتلكات- صحف وقنوات تلفزيونية ربحية- التي سوف يتعرضون لها في حالة تفكيرهم السباحة عكس التيار؛ والطريقة التي رحل بها الأستاذ محمد طه محمد أحمد- رحمه الله- تكفي للتدليل على ما نقول.
لا أتابع برنامج سي حسين الذي يقدمه عبر "قناته" التلفزيونية بصورة راتبة، وما شاهدته من حلقات ضئيلة تغنيني عن مشاهدة بقية الحلقات، فالجواب بيبان من عنوانه، كما يقول المثل الشائع.
احدى الحلقات التي شاهدتها لحسين تحدث فيها عن لقائه مع ثلة من الإعلاميين لبكري حسن صالح نائب الرئيس في القصر الجمهوري، وعبر تلك الحلقة شكر سي حسين الفريق بكري على حسن وفادتهم والخطاب الذي القاه على مسامعهم، مبدياً تفاؤله بالتغييرات التي طرأت على كابينة القيادة. نحن وسي حسين نعرف أن بكري أكبر سناً من علي عثمان ونافع الذين تم تغييرهم، وهو- اي بكري حسن صالح- كان من المشاركين في إنقلاب (الإنقاذ) منذ عشية 30 يونيو 1989م، مما يعني إقتسام بكري للفشل مع علي عثمان والآخرين؛ فالفشل يطال الجميع وأولهم الطاغية البشير إلى أصغر موظف في الحركة الإسلاموية. ولكن، سي حسين أول من يعلم أن إنتقاد بكري- الذي يدخره البشير للترشح للرئاسة بدلاً عنه في حالة إستحالة ترشحه- سيؤدي إلى إغلاق "قناة" سي حسين بالضبة والمفتاح. وسي حسين الذي عُرف عنه نهمه إلى الأموال وشراء كل ما تطاله يده وأمواله من محطات وقود وخلافه لم يقم بإفتتاح "قناته" تكِيه للغلابة والمساكين الذين طحنتهم الرأسمالية الإسلاموية الطفيلية التي يٌعتبر سي حسين أحد أعمدتها وحراسها، بل سي حسين قام بإنشاء "قناته" كقناة إستثمارية ربحية. وهو يعلم تمام العلم الخطوط الحمراء التي يضعها جهاز الأمن على كافة وسائل الإعلام.
وفي نفس الحلقة المعنية، شن سي حسين هجوماً ضارياً على وزراء حكومة البشير نظراً لإخفاقهم في أداء مهامهم، ولكنه أستثني الرئيس!. يا سي حسين: من الذي قام بتعيين هؤلاء الوزراء؟ ومن الذي يقف على رأسهم؟ أوليس هو الرئيس شخصياً؟ دعك عن سياسة الخم، وقصة طعن ظل الفيل.
إن الإستقامة الأخلاقية والأمانة الإعلامية تقتضي كشف الحقائق للرأى العام في إن الفشل الذي صاحب تجربة الإسلامويين في الحكم يتحمل وزره الدكتور حسن الترابي العقل المدبر للإنقلاب (The coup’s mastermind) والطاغية البشير الذي ظل ممسكاً بمقاليد الامور قاربة الخمسة وعشرين عاماً. فالبشير هو المسؤول الأول عن إنفصال الجنوب والحروب التي تدور رحاها في دارفور، وجبال النوبة والنيل الأزرق. ونائبه بكري يتحمل وزر الإخفاقات في كافة مناحى الحياة بذات القدر؛ وليس بالإمكان تسويق النبيذ القديم- الطاغية أو خلفه بكري- في قوارير جديدة، فالأزمة لا تكمن في تبديل وتدوير (Recycling) الأشخاص بل في الفكر الذي أنتج تلك الشخصيات، بما فيها سي حسين سيد "القناة". ففكر حسن البنا وسيد قطب الذي تربى عليه سي حسين و (إخوانه) يأمرهم بتقديم البيعة "للمرشد" وبتقسيم الناس إلى دارين؛ دار الكفر ودار الإيمان، وتوزَيع صكوك الجنة على الأبتاع والمحاسيب، وصكوك النار على المخالفين لهم في الرأى؛ وهنا يكمن أس الداء والبلاء. ونبشر سي حسين وصحبه بأن ساعة "الحقيقة" قد إقتربت، وما عاد بإمكانه بيعنا سمكة "الإخوان" التي فسدت من رأسها.
|
|
|
|
|
|