من أراد أن يطلع على ما آل عليه حال العباد ، من قلة الحيلة في السودان و إستشراء غول الغلاء و إنتشار البطالة و عجز معظم الناس عن تحقيق ما يُعد ضرورة ، فلينظر إلى حالة التردي العام في العلاقات الإنسانية ، التي كانت بلادنا مضرب المثل في متانتها و إنتشارها ، فالمحاكم باتت تعجُ بالخصومات بين الأخوان حول المواريث ، و في زمان سابق كان الإخوة يتسابقون للتنازل عن حقوقهم الشرعية لصالح من هو في ضيق و حوجة ، و المشكلات التي تندرج تحت بند الأحوال الشخصية و في مقدمتها الطلاق صارت هي السمة السائدة في مجتمعنا ، فمن إستطاع من الشباب أن يتدبر أمر منصرفات الزواج الأولية رغم أنها أصبحت مستحيلة ، تفاجأ بأن أمر إدارة حياته و أسرته هو المشكلة الرئيسية التي لم يضع لها في البال حساب ، فطرأت على سطح المجتمع ظاهرة هروب رب الأسرة كلياً من مسرح المأساة ، ليترك زوجةً و أطفالاً في مهب الريح ، و هذا ما يبرر الإرتفاع المتواتر في عدد النساء اللائي ولجن الأسواق ليعُلن أنفسهن و أبنائهن ، في زمان سابق كانت المطلقات و الأرامل لا يعدمن أخاً ( كخال فاطمة ) .. يُطلق عليه ( جمل الشيل ) و ( عشا البيتات ) .. يلملم ما أطاح به الدهر و يجفف دمعة الأيتام و يعول أخته أو أبناء أخيه ، الآن إن أستطاع أحدنا أن يعيش و من يعول في سترٍ و دون حاجة للإستعانة بغيره فهو صاحب فضل و إنجاز كبير ، ما يمر به الشعب السوداني من ضغوطات إقتصادية و إحباطات عامة تتعلق بوقوف معظم شبابه على رصيف البطالة و العمل الهامشي غير المجزي الذي لا تستفيد منه المصلحة الوطنية العامة ، و لا يقدم أو يؤخر في حالة من يمارسه ، هو مؤشر واضح لمزيد من صور التفكك الأسري و الإجتماعي ، كما أنه بيئة خصبة للإنفلات الأمني و إنتشار الجريمة التي ما زالت و عبر ما نطالعة من أجهزة الإعلام مضطردة في تزايدها و تطورها ، أما ما طرأ على سوق العمل التجاري و مجموعة الأدبيات و الأعراف التي إتسم بها السوق في السودان ، فحدث في ذلك بلا حرج ، و الشاهد ما تعج به السجون من الموقوفين بسبب المعاملات التجارية غير المشروعة أو بسبب عدم سداد الإلتزامات المالية ، الشيكات الطائرة و البضائع الوهمية ، و المتاجرة في ممتلكات الغير ، هذا بالإضافة إلى إنتشار و إزدهار و تطور واضح في تجارة المخدرات في أوساط الشباب و بالخصوص طلاب الجامعات ، و يكفي ما يُنشر عن ما يتم ضبطه من حبوب و مواد مخدرة بالأطنان في ميناء بورتسودان و مطار الخرطوم الدولي ، إلى أين نحن ذاهبون بهذ الوطن ، أين الدولة من إنقسام المجتمع السوداني إلى طبقتين لا ثالثة لهما ، طبقة تعيش أقصى مستويات الترف و البذخ و أخرى تقتات من الحضيض ، و على رأس كل ذلك تردي عام في الخدمات التي يدفع ثمنها المواطن مسبقاً عبر الرسوم و الضرائب و الجبايات ، ليظل التعليم الحكومي و الرعاية الصحية و الإمداد الكهربائي و المائي بؤر للمعاناة الدافعة للشعور بالإحباط و اليأس ، هذا المجتمع يتفكك رويداً رويداً في ظل غفلة أولي الأمر عن مايدور داخل بيوت الغلابة و أزقة الأحياء التي أنهكتها أوجاع اللهث وراء لقمة عيش شريفة .. إلى أين نحن ذاهبون.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة