|
إسلام السودان وعربه: في مناسبة مرور 57 عاماً على صدور العرب والسودان(1967)للدكتور يوسف فضل حسن 1-6
|
عبد الله على إبراهيم ميز د. ابوشوك قدحه لأستاذ الجيل بروفسير يوسف فضل حسن لفوزه بجائزة العز بن عبد السلام لعام 2014. وهذا قدحي: كان الأثر الباقي لوفود الإسلام للسودان والهجرات العربية إليه بين القرن التاسع والقرن الخامس عشر الميلاديين أن أصبح شطراً مهماً من سكانه مسلمين كما تمكنت الثقافة العربية، بما في ذلك صيرورة اللغة العربية لسان أم لنحو ثلث سكان القطر. وقد عٌرف هذا التحول الثقافي ب "التعريب " و"الأسلمة". وخضعت هاتان العمليتان التاريخيتان لنظر ناقد أو غاضب في ثنايا خطاب الهوية في السودان الذي انشغل به السودانيون منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي. فقد أثار حفيظة حملة الثقافات غير العربية أو غير الإسلامية في البلد خضوعهم للتعريب والأسلمة لمجرد مصادفة تاريخية ورث فيها صفوة القوميين العرب والمسلمين الشماليين من أهل النيل مقاليد الحكم من الاستعمار الإنجليزي في 1956. فجعلوا وبيدهم الطولى، في ملابسات طغى فيها الحكم العسكري فبلغ 40 سنة من عمر الاستقلال الذي هو 50 عاماً، العربية لسان الدولة في المكاتبات التعليم والإعلام كما تمكنت الدعوة للدستور الإسلامي حتي أصبحت الشريعة هي قانون القطر في 1983.
وغبينة الهامش الثقافية السياسية مشروعة بلا أدني شك. ولكن باعد بينها وبين السداد الثقافي أنها كانت ضحية لبؤس المناهج السائدة في دراسة الديناميكية التاريخية للأسلمة والتعريب. فقد ساد في دراسة هذه الديناميكة نهج استشراقي جعل من الأسلمة والتعريب عمليتين مستقلتين بدفع ذاتي محض منبتتين عن مناشئهما الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية. فقد نظر هذا النهج الإستشراقي للتعريب والأسلمة كدفعين مستغنيين عن المؤثر. فهما مٌسَبَب لا سبب له ومعلول بغير حاجة إلى علة. وتجري معالجتهما في الأدب التاريخي الاستشراقي كعمليتين متلازمتين متضامنتين مطردتين عبر التاريخ لا تعتورهما نكسة أو عطب. وقد توافر كل من جي اسبولدينغ ولدوين كابتيجن (1991) على توصيف هذا النهج الإستشراقي ونقده كما تمثل في كتابات هارولد ماكمايكل (1922 ) وت س ترمنغهام (1949) وب م هولت (1963).و ما حمل سبولدينغ وكابتيجن لتفكيك التركة الاستشراقية في الكتابة عن السودان ليس خلافاً معتاداً من تلك التي يكثر وقوعها بين العلماء والمؤرخين. خلافاً لذلك أرادا بمقالهما استثارة عصف فكري لزلزلة الفروض العلمية السائدة في الغرب عن العلل من وراء تحولات المجتمع السوداني وتغيره في الماضي والحاضر.
ومما يغم أن نزيف الحبر أو الدم الذي ضرج الجدل حول هوية السودان في العقود الثلاثة الأخيرة تركز كما هو متوقع حول واقعتي الأسلمة والتعريب اللتين لا نكاد أن نعرف عن ديناميكيتهما كثير شيء. ويكفي جهلنا بهاتين العمليتين التاريخيتين المؤثرتين قول يوسف فضل حسن، الذي له هيبة الاختصاص في المسألة، إنه مما يؤسف له أننا نعرف القليل الذي لا ينقع غلة عن مأتي التعريب للسودان" أما ووليم آدمز، صاحب النوبة: بهو أفريقيا (1977) المشهور، فقد تمني أن لو كان قد تبقي لنا أثر حسن من شاهد عيان لتعريب السودان ليعيننا علي جلاء الوثائق المخلطة في سجل السودان التاريخ التاريخي. ويجيء احتفالنا بخمسينية العرب والسودان للدكتور يوسف فضل حسن في إطار هذا العصف الفكرى ولتحرير خطاب الهوية في السودان من النظرة العرقية، المترتبة على النهج الاستشراقي الموصوف، التي استفحلت فيه. فمن سوء المنقلب أن يمتنع الناظرون في أسلمة وتعريب السودان عن توطين الظاهرتين في بيئاتهما المادية المنشئة لها في حين كانت تلك الأسس هي ما احتفل بها كتاب العرب والسودان (1967) احتفالاً عظيماً منذ أربعين عاماً. وقد سمى هذه المناشيء المادية ب "التوغل الاقتصادي" للعرب في السودان. فخلافاً لمن كتبوا لاحقاً عن الأسلمة والتعريب كدفع ذي محرك ذاتي نجد يوسف أرسى هذين المؤثرين في الاقتصاد السياسي للفترة من القرن التاسع إلى القرن الخامس عشر. بل خصص واحداً من فصوله الرشيقة، وهو الفصل الثالث، لتغلغل العرب في السودان لإشباع حاجياتهم المادية بعنوان "نشاطات العرب الاقتصادية في سودان العصور الوسطي 845-1494". وستبين الورقة كيف درس الكتاب الأسلمة والتعريب لا كمحصلتين مجردتين لمواجهة ثنائية تصادم فيها عرب أوأفارقة وإسلام ومسيحية أو ووثنية. خلافاً لذلك فيوسف يبعث في بحثه البئيات المادية والبشرية والسياسية التي اكتنفت تنازع هذه الكيانات الثقافية والبشرية وتداخلها بفراسة في التأرخة غاية في الحرفية. وهي دراسة تأخذ بمؤثر العرق والثقافة ولكنها لا تقتصر عليه بأخذها مسارات الاقتصاد السياسي للعصر مأخذاً جدياً.
مكتبة د.عبد الله علي ابراهيم
|
|
|
|
|
|