|
إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (3-6) (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم
|
إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (العرب والسودان، 1967) في مناسبة فوز مؤلفه أستاذ الجيل بروفسير يوسف فضل حسن بجائزة العز بن عبد السلام (3-6) عبد الله على إبراهيم مقدمة على إسرافنا في أنفسنا في الجدال عن تعريب السودان وأسلمته التاريخيين، وحاضراً، فإن جهلنا بديناميكية العمليتين عميم. فقد اتفق للمجادلين أنهما طاقة فرعها في التسيس ولجاجه ولا أصل لها في في معاش الناس، واقتصادهم، ومقتضيات مجتمعهم. وهذا رأي من أسقمته العمليتين ومن أسعدته معاً. وأوضح عيوب هذا الجدل المسرف عن الهوية أنه قل أن نظر بحرفية ومسؤولية إلى كتاب "العرب والسودان" للبروف يوسف فضل حسن الصادر في 1967. وهو كتاب يتغلغل البئيات المادية والبشرية والسياسية التي اكتنفت مسرى هذين الدفعين للتعريب والأسلمة وتنازعهما بفراسة في التأرخة غاية في الحرفية. فيأخذ بمؤثر العرق والثقافة ولكنه لايقتصر عليه بأخذه، باليد الأخرى، بمسارات الاقتصاد السياسي للعصر مأخذاً جدياً. فالدفعان فيه ليسا محصلتين مجردتين لمواجهة ثنائية تصادم فيها عرب أفارقة وإسلام ومسيحية أو ووثنية. خلافاً لذلك فيوسف يبعث المحاضن الاقتصادية للتعريب والأسلمة في بحثه. وهي الأساس المادي الذي لا غنى عنه في درس الدفعين قديماً وحديثاً إلى يوم يبعثون. وننظر هنا في نشأة طبقة نوبية سودانية عسكرية في إطار الدولة العربية الإسلامية في مصر والأدوار التي لعبتها. الطبقة النوبية العسكرية: ما بعد الأسلمة، ما بعد التعريب
لعل من أوضح دلائل تلازم الاستقرار بالأسلمة والتعريب هو نشأة طبقة نوبية سياسية عسكرية في بلاط حكام مصر أصلها في الرق. فلم يقتصر الأمر هنا على مجرد تحول أفراد هذه الطبقة إلى الإسلام أو العربية فحسب بل زادوا بأن لعبوا أدوارا مرموقة في سياسة المسلمين والعرب.
ترافق صعود هذه الطبقة النوبية من الرقيق العسكر في جهاز الدولة المصرية مع فقدان العرب لمنزلتهم كصفوة الدولة الإسلامية. فقد تزايد اعتماد الدولة الإسلامية على غير العرب منذ عهد الخليفة المعتصم. وجَنَّد أحمد بن طولون طائفة من العجم كان نصيب النوبة منهم 40000 فرداً من المعروفين بالسودان. ، وهو الأكبر قياساً بمن تبقي من العرب والترك. وربما كان في هذا الرقم شيئاً من مبالغة غير أنه مؤكد أن أكثر من جندوا من النوبة كانوا ممن جاءوا من سوق النخاسة لا من رقيق البقط وحدهم.
وبلغ بعض هؤلاء الجند الرقيق من النوبة منزلة سامية في الدولة الإسلامية. فكان كافور الأخشيدي، النوبي الرقيق الخصي، من ضمن حرس محمد بن طغج مؤسس الدولة الإخشيدية (953-969). وقد توسع بن طغج في تجنيد رقيق النوبة أو السودان. وقد أصبح كافور حاكم مصر الفعلي لمدة 19 عاماً بعد موت سيده في 964. ثم تقوى الفاطميون (969) بالجند السود على أنهم حرصوا أن يقيموا توازناً بين جندهم من المماليك البربر والأتراك والسودانيين.
وقد هيأت هذه السانحة من الصعود في السلم الاجتماعي والسياسي لهؤلاء الجند السود فرصة لعب أدوار مذكورة في سياسة الدولة الإسلامية. فطمحوا إلى الجاه ولكنهم خسروا في صراع القوى وطوائف الجند المرتزقة لفرط قوتهم وسوء استخدامهم لها على عهد الحاكم (997-1021). ولكنهم عادوا إلى الصدارة في عهد المستنصر ( 1035-1049) الذي أمه نوبية. وخسروا ثانية أمام تحالف بربري تركي. وتراجعوا إلى مكامن لهم في الصعيد يهجمون على القاهرة لإستعادة سيطرتهم عليها. ونجح الوزير بدر الجمالي في 1076 في كسر شوكة الجنود السود والعربان ممن ربما ظاهروهم. ومع ذلك بقى السودانيون قوة في بلاط الفاطميين وثاروا في وجه صعود الأيوبيين لحكم مصر. حتى أن أحدهم، الخصي مؤتمن الخليفة، قد قٌتل بواسطة صلاح الدين الأيوبي بتهمة التعامل مع الصليبيين. وقد ثار لمقتله 50 ألف سوداني من الجند. وتراجعوا للصعيد يحاربون الأيوبيين باسم الفاطميين حتى هزمهم صلاح الدين هزيمة ماحقة في 1174. وتراخى تعيين السودانيين في دولة بني أيوب التي اعتمدت على الترك والأكراد والديلم. ولا خلاف أن هذه الطبقة النوبية النافذة بإصولها في الرق تستحق دراسة أوثق من جهة تعريبها وأسلمتها حتى نٌحَّسن صدقية نموذجنا لدراسة الظاهرتين. ومعروف أن هذا النموذج المتبع غلب عليه النظر إلى النوبة كضحية لهما لا طاقة أخرى نفذت من باب الظاهرتين لتلعب أدواراً في منتهى الخطر في دولة العرب والمسلمين كما رأينا. وراج مؤخراً في الدراسات الثقافية النظر إلى أبعد من هوان الضحية إلى فعله الناجز أصالة (agency) حتى في وهدة مثل ذلك الهوان.
مكتبة د.عبد الله علي ابراهيم
|
|
|
|
|
|